الجزء الثاني |حوار خاص مع السفير أحمد أبو الغيط – الأمين العام لجامعة الدول العربية
التاريخ : الأحد 26 أكتوبر 2025 . القسم : الفضائيات
أهم ما ورد في اللقاء
حوار خاص| أحمد موسى مع السفير أحمد أبو الغيط – الأمين العام لجامعة الدول العربية
في حلقة خاصة من برنامج «على مسئوليتي»، استضاف الإعلامي أحمد موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد أبو الغيط، في حوار مطول كشف خلاله عن أسرار جديدة تتعلق بحرب أكتوبر 1973، وكواليس القرارات الكبرى التي اتخذتها القيادة المصرية، كما تناول رؤيته لما مرت به المنطقة خلال العقد الأخير، وتحليله لما يسمى بـ«الربيع العربي»، إلى جانب ذكريات شخصية ومواقف مؤثرة في تاريخه المهني والإنساني.
صمود المصريين وروح النصر في زمن التقشف
استهل السفير أحمد أبو الغيط حديثه بالإشارة إلى قوة وصلابة الشعب المصري خلال فترة ما بين عامي 1967 و1974، مؤكدًا أن تلك السنوات كانت الأصعب في تاريخ مصر الحديث، إذ عاش المصريون خلالها حالة من التقشف الشديد، وربط الأحزمة استعدادًا لحرب التحرير.
وقال: «ما نراه اليوم من وفرة في الأسواق المصرية، من سلع وخيرات، يختلف تمامًا عما كنا نراه في فترة ما بين النكسة وحرب أكتوبر، فالمجتمع وقتها كان يعيش حالة من الانضباط والصبر والإصرار على استعادة الكرامة».
وأضاف أن روح الصمود لدى الشعب المصري كانت السلاح الحقيقي الذي مكّن البلاد من تحقيق نصر أكتوبر، مشيرًا إلى أن المصريين تحملوا ظروفًا اقتصادية قاسية من أجل دعم المجهود الحربي دون تذمر أو شكوى، مؤكدًا أن تلك الروح لا تزال باقية في وجدان المصريين حتى اليوم.
التوثيق اليومي لحرب أكتوبر وكتاب "شهادتي"
كشف أبوالغيط أنه كان يدون يوميًا كل ما يشاهده أو يسمعه خلال أيام الحرب في مفكرة شخصية احتفظ بها منذ 5 أكتوبر وحتى نهاية نوفمبر 1973.
وقال إنه سجّل في كتابه «شهادتي» نحو 85% من تلك المذكرات، موضحًا أنه امتنع عن كتابة 10% من الحقائق التي رآها لأنها تتعلق بـ الأمن القومي المصري وأسرار العمليات العسكرية.
وأشار إلى أن هناك تفاصيل عن خطة العبور والتنسيق العربي والدولي لا تزال حتى اليوم في طي الكتمان، لأن بعض عناصرها ترتبط بمصادر معلومات أو قدرات عسكرية ما زالت قيد السرية.
وأوضح أنه في بعض الدول مثل ألمانيا وفرنسا، يُمنع القادة من كتابة مذكراتهم خوفًا من تسرب معلومات حساسة، لذلك حرص هو أيضًا على إخفاء بعض التفاصيل الدقيقة حفاظًا على أمن الدولة ومصادر قوتها.
مليون جندي تحت السلاح وإرادة الرئيس السادات
أكد أبو الغيط أن مصر وضعت تحت السلاح مليون جندي استعدادًا لخوض حرب أكتوبر، وهو رقم ضخم يعكس حجم الحشد العسكري والإصرار السياسي على استعادة الأرض.
وأضاف أن هذه الحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت تعبيرًا عن إرادة أمة قررت استعادة كرامتها الوطنية بعد الهزيمة.
وأشاد أبوالغيط بالرئيس الراحل أنور السادات، مؤكدًا أنه كان صاحب إرادة حديدية ورؤية واضحة، وقال: السادات كان قائدًا من طراز فريد.. امتلك شجاعة القرار، وواجه ضغوطًا داخلية وخارجية هائلة، لكنه لم يتراجع حتى تحقق النصر.
واعتبر أبو الغيط أن السادات هو أعظم قائد في القرن العشرين، مشيرًا إلى أن اسمه يأتي جنبًا إلى جنب مع رموز وطنية مثل سعد زغلول، ومحمد فريد، وجمال عبد الناصر، لكنه تميز عنهم بأنه جمع بين بطولة الحرب وشجاعة السلام.
المراسلات السرية بين القاهرة وواشنطن خلال الحرب
تحدث السفير أحمد أبو الغيط عن تفاصيل دقيقة حول الاتصالات الدبلوماسية خلال حرب أكتوبر بين القاهرة وواشنطن، والتي جرت عبر القنوات السرية.
وأوضح أن مصر وافقت على وقف إطلاق النار بعد أن حصلت على ضمانات مكتوبة من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية بعدم المساس بسيادتها أو مكاسبها الميدانية.
وأضاف أن الوزير الراحل أحمد ماهر السيد، الذي كان آنذاك يعمل في وزارة الخارجية، كان هو من يصيغ الرسائل المتبادلة بين الرئيس السادات والرئيس الأمريكي نيكسون، وكان يكتبها بخط يده بالعربية أو الإنجليزية، نظرًا لإتقانه اللغتين. وتابع أن وكيل المخابرات الأمريكية في القاهرة كان يأتي بنفسه لاستلام الرسائل المغلقة من الخارجية المصرية، ثم يعيدها للسفارة الأمريكية لإرسالها إلى واشنطن. وأكد أبو الغيط أن العمل الدبلوماسي المصري وقتها كان في أعلى درجات الاحتراف والانضباط، مشيرًا إلى أن التواصل بين القاهرة وواشنطن ساهم في تثبيت نتائج النصر على الأرض وحماية الموقف المصري سياسيًا في مجلس الأمن.
أكاذيب إسرائيل ودور أشرف مروان
تحدث أبو الغيط عن حملات التضليل الإسرائيلية التي استهدفت تشويه نصر أكتوبر، مؤكدًا أن تل أبيب تحاول منذ عام 1973 نشر روايات كاذبة حول الحرب وأبطالها، بهدف التقليل من حجم الهزيمة التي منيت بها. وأشار إلى أن قصة أشرف مروان هي واحدة من هذه الأدوات التي تستغلها إسرائيل لترويج فكرة أن لديها «عميلًا مصريًا»، في حين أن الحقيقة معقدة ومليئة بالتفاصيل التي لم تُكشف بعد.
وأوضح أن كل فرع من فروع القوات المسلحة المصرية لديه قصة وبطولة لم تروَ حتى الآن، فالنصر لم يكن نتيجة معركة واحدة، بل كان حصيلة جهد منظم شاركت فيه كل أفرع الجيش والدولة.
وأكد أن بعض القوى الأيديولوجية في الداخل منذ عامي 1973 و1974 ساهمت عن قصد أو جهل في ترويج الأكاذيب التي تحاول إسرائيل تكريسها.
ثورات الربيع العربي
انتقل أبو الغيط للحديث عن الواقع العربي بعد عام 2011، معتبرًا أن ما سُمي بـ«الربيع العربي» لم يكن سوى مشروع لتمزيق الدول العربية وتمكين القوى الخارجية من السيطرة عليها، وتابع «الربيع العربي أسقط سوريا والعراق وليبيا، وفجر السودان، ومكّن إيران من الانتشار في الإقليم.. وحاول ضرب مصر لكنه فشل بفضل صلابة الدولة ومؤسساتها».
وأضاف أن إسرائيل كانت المستفيد الأكبر من هذه الفوضى، حيث استغلت الشعارات الثورية مثل «الثورة مستمرة» و«العدل والحرية» لتفتيت المجتمعات العربية من الداخل، بينما توسعت في بناء المستوطنات وممارسة القمع في فلسطين.
ووصف ما حدث في المنطقة بأنه توحش إسرائيلي مستغل لحالة الضعف العربي، وهو ما انعكس بوضوح في سياسات تل أبيب خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
أصعب يومين في حياة أبو الغيط
كشف أبوالغيط أن أصعب يومين في حياته كانا يوم 5 يونيو 1967، حين شهدت مصر نكسة كبيرة، ويوم 25 يناير 2011، الذي وصفه بأنه مأساة حقيقية هزت كيان الدولة المصرية.
وقال إن ما حدث في هذين اليومين ترك في نفسه أثرًا لا يُمحى، مؤكدًا أن الدروس المستفادة من التجربتين يجب أن تبقى في الذاكرة الوطنية حتى لا تتكرر الأخطاء.
أسرار التاريخ التي لم تُكشف بعد
أوضح الأمين العام أن التاريخ العسكري والسياسي لحرب أكتوبر ما زال يحتوي على ملفات لم تُفتح بعد، لأن بعض تفاصيلها تتعلق بأمن قومي أو باتفاقيات سرية لم يُسمح بنشرها.
وأشار إلى أن الإنجليز، على سبيل المثال، لم يعترفوا بأنهم كسروا الشفرة الألمانية في الحرب العالمية الثانية إلا بعد مرور 40 عامًا، وهو ما يوضح أن كشف الأسرار يحتاج وقتًا طويلًا لحماية الأمن القومي.
و اختتم حديثه مؤكدًا أن المؤرخين ما زالوا يدرسون آلاف الوثائق المتعلقة بحرب أكتوبر، لكن ما قدمه هو تجربة إنسانية حقيقية نقل فيها صورة مجتمع حارب وانتصر، دون تحريف أو تجميل.