حوار خاص| وزير الخارجية الأسبق الدكتور نبيل فهمي

التاريخ : الأربعاء 29 أكتوبر 2025 . القسم : الفضائيات

أهم ما ورد في اللقاء :

استضاف الإعلامي شريف عامر في برنامجه وزير الخارجية الأسبق الدكتور نبيل فهمي، في حلقة مطولة تناولت تطورات المشهد الإقليمي في ضوء الحرب على غزة، والعلاقات المصرية الإسرائيلية، والموقف المصري من الأوضاع في السودان، إلى جانب شرح للتحركات الدبلوماسية العربية والدولية الأخيرة.

استهل الدكتور نبيل فهمي حديثه بالتأكيد على أن هناك محاولات متكررة لإيجاد بديل للدور المصري على الساحة الإقليمية، موضحًا أن الولايات المتحدة وبعض القوى الدولية حاولت خلال فترات سابقة تقليص النفوذ المصري في قضايا الشرق الأوسط، إلا أنها تراجعت عن هذه المحاولات بعد أن أثبتت القاهرة قدرتها على التحرك بذكاء وحسم في الأوقات الحرجة.

وأضاف أن مصر دولة لا يُمكن تجاوزها أو استبدالها؛ لأنها تمتلك ثقلًا تاريخيًا وجغرافيًا واستراتيجيًا يجعلها محورًا رئيسيًا لأي استقرار في المنطقة، مشيرًا إلى أن قيمة مصر الدولية لا تُقاس بالتصريحات، بل بالفعل السياسي وقدرتها على التأثير في الملفات الإقليمية.

وأوضح فهمي أن التحركات المصرية الأخيرة  سواء في ملف التهدئة بغزة أو في الموقف من الأزمة السودانية أعادت التأكيد على أن القاهرة تتعامل بمنهجية ثابتة تقوم على الحفاظ على الأمن القومي من دون الانجرار وراء أي تصعيد غير محسوب.

لكنه حذر في الوقت نفسه من أن المرحلة المقبلة ستكون أكثر صعوبة سياسيًا ودبلوماسيًا، نظرًا لتعقّد التوازنات الدولية وتراجع الثقة في بعض القوى الكبرى، مشددًا على أن الدبلوماسية المصرية مطالبة بتكثيف الحضور والتفاعل على المستويين العربي والدولي لضمان حماية المصالح الوطنية.

وأكد أن مصر كانت أول دولة عربية وقّعت اتفاق سلام مع إسرائيل، وبالتالي فهي الأكثر خبرة في إدارة العلاقة المعقّدة معها، وقال:“مصر لا تتعامل بالعواطف بل بالعقل والمصلحة.. خبرتنا الطويلة تجعلنا نفهم أين يجب أن نكون صلبين وأين نكون مرنين.”

وأشار إلى أن صورة العزة والقوة التي قدّمتها مصر مؤخرًا عبر مواقفها الثابتة كانت أقوى من أي حملة دعائية أو خطاب سياسي، سواء في الشرق أو الغرب، معتبرًا أن القاهرة أظهرت للعالم أنها تتحرك من موقع الثقة لا من موقع الانفعال.

الموقف المصري من السودان والأمن القومي

تحدث الدكتور نبيل فهمي  عن الموقف المصري تجاه الأوضاع في السودان، مؤكدًا أن مصر تتعامل مع الأزمة السودانية من منطلق الوعي بحساسيتها وتعقيدها، خاصة أن السودان يشكّل امتدادًا مباشرًا للأمن القومي المصري.

وأوضح أن القاهرة اختارت عدم التدخل المباشر في الشأن السوداني الداخلي، احترامًا لسيادته، لكنها في الوقت نفسه تتابع بدقة كل التطورات على الأرض. وقال:"مصر لا تمارس الأمن القومي الخشن خارج حدودها إلا إذا كان هناك تهديد مباشر لأمنها."

وأوضح أن هذا المبدأ ليس ضعفًا بل سياسة محسوبة تعتمد على ضبط النفس واستخدام أدوات التأثير الناعمة  مثل الحوار والوساطة بدلًا من اللجوء إلى القوة.

وأضاف أن التاريخ المصري في التعامل مع أزمات الجوار دائمًا ما يقوم على التهدئة لا التصعيد، وأن القاهرة تعلم جيدًا أن أي صراع طويل في السودان سينعكس سلبًا على أمنها المائي والسياسي والاقتصادي.

وأشار فهمي إلى أن مصر اليوم في موقف حساس داخل السودان، حيث توازن بين دعم استقرار الدولة السودانية والحفاظ على عدم الظهور كطرف منحاز لأي جهة، لأن ذلك قد يُفقدها دور الوسيط الذي يحظى بثقة جميع الأطراف.

اتفاق غزة وممارسات إسرائيل

انتقل الحوار إلى الملف الفلسطيني، حيث عبّر الدكتور نبيل فهمي عن ارتياحه لاتفاق غزة الأخير، معتبرًا أنه كان ضرورة بعد عمليات القتل والتدمير التي تجاوزت كل الحدود الإنسانية.

وقال إن عدد الضحايا في غزة خلال العمليات الأخيرة فاق أي عملية حربية سابقة، مما جعل التوصل إلى اتفاق تهدئة خطوة لا بد منها، حتى وإن كانت مؤقتة.

وأوضح أنه رغم ارتياحه للاتفاق، إلا أنه لم يكن متفائلًا بتنفيذه على الأرض، موضحًا أن خطة ترامب لوقف إطلاق النار التي طُرحت سابقًا كانت تبدو جيدة من حيث الشكل لكنها تفتقر إلى آليات حقيقية للتطبيق، خصوصًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن مرارًا رفضه لحل الدولتين، ووضع شروطًا وانسحابات جزئية لا تتماشى مع الإطار العام لأي تسوية عادلة.

ووصف فهمي الاتفاق  في غزة بأنه “كُتب بالرصاص”  أي أنه اتفاق صعب ومعقد، يحتاج كل بند فيه إلى تفسير دقيق.

وأشار إلى أن الاتفاق بدأ بوقف إطلاق النار، لكنه ينتهي عند جوهر القضية الفلسطينية وهو تحقيق الحق الوطني للشعب الفلسطيني، لافتًا إلى أن تصويره كحل نهائي وشامل للقضية هو خطأ إعلامي وسياسي كبير. وأكد أن الفائدة الحقيقية من الاتفاق تتركز في ملف تبادل الأسرى والمحتجزين، الذي اعتبره خطوة عملية وإنسانية يمكن البناء عليها في المراحل المقبلة.

الموقف الأمريكي من الأحداث

تطرق الدكتور نبيل فهمي إلى الموقف الأمريكي من الصراع، مؤكدًا أن ممارسات إسرائيل تسببت في ضرر بالغ لصورة الولايات المتحدة أمام العالم، بعدما بدا أنها تدعم حكومة إسرائيل بلا حدود.

وأوضح أن إسرائيل استندت في سياساتها العنيفة إلى تصريحات ودعم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي منحها غطاءً سياسيًا جعلها تعتقد أن لديها الحق الكامل في استخدام القوة في أي مكان بالمنطقة.

وقال فهمي: “الأمريكان يرون أنهم يدفعون الكثير لإسرائيل، لكنهم في المقابل يضرون صورتهم ومصداقيتهم أمام الشعوب.” وأشار إلى أن الرأي العام الأمريكي بدأ يتغير فعليًا تجاه إسرائيل، خصوصًا بعد ما شاهده العالم من دمار وقتل في غزة، وأن هذا التغير سيكون له تأثير تدريجي على الموقف الرسمي الأمريكي في المستقبل.

اتفاق شرم الشيخ والدور المصري – السعودي

أكد وزير الخارجية الأسبق أن اتفاق شرم الشيخ لوقف الحرب في غزة يجب أن يُعرض أمام مجلس الأمن الدولي لتأمين تنفيذه وتجنّب أي تأويلات أو خروقات محتملة.

وأوضح أن القاهرة تدرك جيدًا خطورة المرحلة وأنها تتحرك لتثبيت وقف إطلاق النار ومنع انزلاق المنطقة نحو مزيد من التصعيد.

وشدد على أن مصر والسعودية تمتلكان القدرة على التحرك معًا في الإطار الدولي لحماية مصالح القضية الفلسطينية، قائلًا:لا يمكن الحديث عن أمن إقليمي مستقر من دون وجود مصر والسعودية على طاولة القرار."

وأشار إلى أن البلدين معًا يستطيعان بناء مظلة سياسية عربية فاعلة، خاصة في ظل تراجع بعض القوى الأخرى، وأن التنسيق بين القاهرة والرياض هو الركيزة الأساسية لأي رؤية عربية موحدة.

كما استعرض الدكتور نبيل فهمي عددًا من المواقف التاريخية التي تعكس رؤية مصرية ثابتة في السياسة الخارجية، قائلًا إن:الرئيس أنور السادات طلب من وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر مرتين قبل حرب أكتوبر أن يتحرك دبلوماسيًا، لكنه رفض، ما جعل السادات يختار التحرك العسكري كوسيلة لفرض الواقع.

واما عن دونالد ترامب فعلق قائلاً: بأنه يتمتع بشخصية نرجسية شديدة، وقد أصيب بالملل من المفاوضات المتكررة بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو ما جعله يطرح أفكارًا غير واقعية.

بينما إسرائيل دائمًا ما تروّج لنفسها كدولة ضعيفة وسط "غابة"، رغم أن سجلها الدموي تجاوز 65 ألف قتيل، وهي مفارقة تكشف ازدواجية خطابها أمام العالم.

وأكد أن إسرائيل تدرك اليوم أن أمنها واستقرارها الحقيقي لا يمكن أن يتحققا إلا بالسلام مع مصر، مشددًا على أنه لا يعتقد أن الجانبين المصري والإسرائيلي يريدان الحرب، لأن التجارب السابقة أثبتت أن الخيار العسكري مكلف للجميع.

اختتم الدكتور نبيل فهمي حديثه بالتأكيد على أن القاهرة أثبتت من جديد قدرتها على إدارة الأزمات بحكمة الدولة وهدوء الدبلوماسية، لا بانفعال اللحظة.

وقال إن التحرك المصري الأخير أعاد للدولة المصرية حضورها الطبيعي كلاعب رئيسي في المنطقة، مشيرًا إلى أن الذكاء السياسي المصري ظهر بوضوح في إدارة أزمة التهجير المزعوم التي كانت إسرائيل والولايات المتحدة تحاولان تمريرها، حيث استطاعت القاهرة أن تضرب هذا المخطط بالحراك الدبلوماسي الهادئ والمستمر.