العلاقات المصرية–الإسرائيلية في "الصحافة الإسرائيلية" بعد وقف إطلاق النار في غزة
التاريخ : الجمعة 31 أكتوبر 2025 . القسم : خلاصات تحليلية
يثير وقف إطلاق النار في غزة سؤالًا محوريًا في الصحافة الإسرائيلية: هل تمهّد الهدنة لخفض التوتر بين القاهرة وتل أبيب أم تُبقي العلاقات رهينة هواجس الأمن وحدود الثقة؟ بداية بقراءةً في تحليل مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية "هل تخفف نهاية حرب غزة التوتر بين مصر وإسرائيل؟"، تبدو الإشارات متباينة: فلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برئيس المخابرات المصرية حسن رشاد اعتبر "محطة إيجابية" تعيد قنوات التواصل رفيعة المستوى بعد أشهر من التوتر، لكنه ليس "اختراقًا استراتيجيًا" ولا يبدّل حقيقة أن العلاقة ما زالت تقوم على معاهدة 1979 ومصالح أمنية متبادلة أكثر من كونها صداقة حقيقية. واستند التحليل إلى مصادر مصرية حول كون أي عودة للقتال أو خرق لتفاهمات وقف النار قد تُفجّر هذا "الانفراج الحذر"، فيما تربط القاهرة مزيدًا من التهدئة بالتزام كامل بالهدنة وضمان إعادة فتح معبر رفح بشكل دائم، وبخاصة بعد الخلافات التي بلغت ذروتها عند سيطرة إسرائيل على ممر فيلادلفيا والجانب الفلسطيني من رفح خلال الحرب.
تفاصيل اللقاء نفسه حصدت إشارات صحفية إسرائيلية في تقارير نقلت عن محلّلين إسرائيليين وعرب أن الاجتماع نقل التنسيق من "التكتيكي إلى الاستراتيجي"، مع بحث "رؤية طويلة الأمد لليوم التالي" تشمل إعادة فتح رفح، وترتيبات مراقبة الممر الحدودي، وإمكان تحديث الملحق العسكري لمعاهدة السلام بما يسمح بتعزيز أمن الحدود ونشر قوات مضبوط على الجانبين. يقول أوفير وينتر من معهد دراسات الأمن القومي: "قد يكون من المناسب تحديث الملحق العسكري للسلام بطريقة تسمح لكلا الجيشين بتعزيز أمن الحدود… وإعادة بناء الثقة"—وهو اقتراح يلتقط حاجة الطرفين إلى ترتيبات موثوقة للممر والمنظومات الرقابية. بينما تؤكّد قراءة أخرى أن زيارة رشاد إلى القدس عكست رغبة متبادلة في "صيانة قنوات الاتصال العليا" ضمن ضغط أمريكي لتنفيذ خطة السلام المطروحة ودعم معاهدة السلام.
لكنّ تراكمات الحرب تركت ندوبًا حقيقية على مسار العلاقات. التحليل المنشور في "فورين أفيرز" تحت عنوان "الشرق الأوسط الذي صنعته إسرائيل" يوضح أن الحملة في غزة وما رافقها من سياسات توسعية وضربات عابرة للحدود دفعت دولًا عربية—ومنها مصر—إلى إعادة تموضع. فبعد سنوات من تعاون على مستوى الأمن والطاقة من "منتدى غاز شرق المتوسط" إلى التنسيق في سيناء، اتخذت القاهرة مواقف أشد حدة، وبلغ الخطاب ذروته حين وصف الرئيس المصري إسرائيل بـ"العدو" في سابقة لغوية، مع مؤشرات على خفض بعض جوانب التعاون الأمني، بالتوازي مع تقارب على مستوى المناورات العسكرية مع تركيا في شرق المتوسط. هذه الخلفية تفسّر لماذا تبدو "عودة القنوات" اليوم أقرب إلى إدارة توتر لا إلى تجاوز أسبابه البنيوية.
في المقابل، تكشف تسريبات صحفية بالصحافة الإسرائيلية عن مستوى "تنسيقيّ صامت" ظل قائمًا رغم العلن المتوتر، فإن وثائق أمريكية مسرّبة—بحسب تقرير صحفي—تشير إلى إطار دفاعي إقليمي سري بإشراف "سنتكوم" شاركت فيه ست دول عربية من بينها مصر، متضمّنًا تبادل معلومات وتدريبات مشتركة، بينها تدريبات على مكافحة الأنفاق وأخرى أُجريت في مصر في سبتمبر؛ ودمجًا لبيانات الرادارات مع الشبكات الأمريكية لمواجهة التهديدات الإيرانية والصاروخية. يُظهر هذا أن الضرورات الأمنية العابرة للأزمات تبقى محركًا مستمرًا في علاقة القاهرة وتل أبيب—even عندما تحتدم الاستقطابات السياسية والإعلامية.
ويقدّم تحليلٌ إسرائيلي آخر بُعدًا داخليًا حساسًا حول مصر: فبرغم تعاونٍ أمنيّ وثيق مع إسرائيل في سيناء خلال السنوات الماضية، أعاقت عقودٌ من الخطاب المعادي لإسرائيل فرص "التطبيع الاجتماعي"، بما يقيّد هامش التحرّك العلني للقاهرة ويُلزمها بموازنة دقيقة بين مقتضيات الأمن وحدود الرأي العام. وفي الوقت ذاته، برزت خلال الحرب ملفات خلافية لدى المصريين، من بينها السيطرة على ممر فيلادلفيا، وملف رفح، وقضايا الإشراف على ترتيبات المعاهدة في سيناء.
خلاصة ما نشرته الصحافة الإسرائيلية أنه لا توجد "نقلة نوعية" بعد، بل "إعلان نوايا" مشروط بنجاح تنفيذ خطة السلام الأمريكية، والالتزام بالتهدئة، ومعالجة نقاط الاحتكاك: رفح، الممر الحدودي، وترتيبات الانتشار. ومع أن بعض الأصوات تدفع نحو تحديث الملحق العسكري لترميم الثقة الحدودية، تبقى المعادلة أوسع من أمن الحدود: فهي تتصل بخيارات إسرائيل المقبلة في غزة، وموقع القضية الفلسطينية في حسابات القاهرة، وحدود "التطبيع المجتمعي" في الداخل المصري. ما بعد الحرب قد يخفّف التصعيد اللحظي إذا توافرت شروطه، لكنه لا يبدّد تلقائيًا أسبابه—وهنا يظل اختبار الهدنة والالتزامات المصاحبة لها، ومعها ترتيبات رفح وفيلادلفيا، المحدِّد الفعلي لمسار العلاقة في الأجل القريب.