المخاطرة بكل شيء للوصول إلى أوروبا.. تقرير لـ"إن بي آر" عن القرويين المختفين في مصر

التاريخ : السبت 22 يوليو 2023 . القسم : ترجمات

نشر موقع إن بي أر (الإذاعة الوطنية العامة) تقريرًا يسلِّط الضوء على مخاطرة الشباب المصري بكل ما يملكون من أجل الوصول إلى أوروبا.

يشير الموقع الأمريكي في مستهل تقريره إلى أن آلاف الرجال يختفون من القرى الريفية الفقيرة في مصر. وبعد أيام، يتص هؤلاء الرجال بأسرهم ليقولوا إنهم في ليبيا المجاورة ويحتاجون إلى  140 ألف جنيه مصري (4500 دولار) لدفع أموال للمهربين يعدونهم بالمرور إلى أوروبا.

ولفت التقرير إلى أنه سيناريو يتكرر دائمًا في السنوات الماضية، ولكن في العام الماضي كان هناك تغيير ملحوظ: بدأ عدد المصريين الذين يغادرون بلادهم بهذه الطريقة في الارتفاع في الوقت الذي بدأ فيه اقتصاد البلاد في التدهور وارتفع التضخم بشكل كبير.

وكان محمود إبراهيم، 28 عاما، أحد الرجال الذين اختفوا. وحدث ذلك في يونيو. لم يكن قد غادر بلدته في محافظة الشرقية. والواقع، كما تقول عائلته، أنه لم يغامر أبدًا حتى بالسفر إلى القاهرة.

شبكة سرية

وقد صُدمت عائلته عندما اتصل بهم من ليبيا بعد يومين من رؤيتهم أو سماعهم منه آخر مرة. وهو مدين للمهربين الليبيين  140 ألف جنيه مصري - وهو مبلغ فلكي للعائلات في هذه الأماكن من مصر - مقابل مكان على متن سفينة متجهة إلى إيطاليا، وفقًا للتقرير.

وقال شقيقه الأكبر محمد إبراهيم في مقابلة عبر الهاتف: «بمجرد أن طلب منا الدفع، بعنا بعض الأراضي التي نملكها، وجمعنا الأموال من هنا وهناك واقترضناها».

قال إن الأسرة لم يكن لديها خيار سوى الدفع لرجل ملثم، وهو جزء من شبكة سرية من المهربين، لأن حياة محمود إبراهيم أصبحت الآن في أيدي المهربين الليبيين الذين يتحكمون في مكان نوم المهاجرين، وما يأكلونه والسفن التي يستقلونها. - الكثير من ذلك تحت تهديد السلاح.

ويشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن «عديدًا من المهاجرين يتعرضون لسوء المعاملة أو يموتون في طريقهم إلى وجهتهم، ويُترك عديد منهم في طريقهم بدون شيء». أما لأولئك الذين لا يستطيعون الدفع، فإن المهربين يجوعونهم ويضربونهم ويبقونهم رهائن حتى يدفعوا الأموال المطلوبة. وفي حالات نادرة، قد يتركون الناس في الصحراء على طول الحدود مع مصر ليعودوا إلى بلادهم.

مثل غيره من الشباب في بلدته، لم ينته محمود إبراهيم من المدرسة، ذلك أن الحصول على شهادة الثانوية العامة أو حتى شهادة جامعية لا يضمن العمل المستمر في هذه القرى حيث تندر الوظائف ذات الأجر اللائق. وكان لديه شقة وزوجة وطفلة، لكنه لم يتمكن من العثور على عمل مستقر، معتمدًا على الأجور اليومية من الوظائف الفردية هنا وهناك لدفع ثمن الطعام والأساسيات الأخرى.

بيع الوهم للضحايا

وينقل الموقع عن إبراهيم قوله إن شقيقه لم يكن يعرف شيئًا تقريبًا عن الحياة خارج قريتهم في الشرقية، مما يسهل على المهربين افتراسه. ويجد المهربون طرقًا لجذب الشباب وحتى الأطفال من مصر على الفيسبوك ومجموعات الدردشة. وتغطي رسومهم نفقات نقل المهاجرين من مصر إلى ليبيا وإطعامهم ووضعهم على متن قارب إلى أوروبا.

وأضاف إبراهيم: «لقد وعدوه أن الحياة جمية وسهلة. قالوا له لن تلمس الماء أبدًا وأن الرحلة ستستغرق  يومين أو ثلاثة فقط وستكون في إيطاليا وترى عالمًا جديدًا. إنه الوهم». 

لم يتمكن محمود إبراهيم من رؤية عالم جديد. وكان من بين مئات المصريين والباكستانيين والسوريين والفلسطينيين الذين يُفترض أنهم لقوا حتفهم بعد غرق قاربهم المكتظ، أدريانا، في 14 يونيو بالقرب من اليونان بعد مغادرتها مدينة طبرق الليبية قبل حوالي أسبوع. وأثارت عملية الإنقاذ الفاشلة التي قام بها خفر السواحل اليوناني تدقيقًا وأثارت تساؤلات حول كيفية غرق السفينة ولماذا تُرِك المهاجرون على متنها لساعات في عرض البحر قبل القيام بأي محاولة حقيقية لإنقاذهم.

عشرات المفقودين

وأشار التقرير إلى أن صفحات فيسبوك مليئة بصور المصريين المفقودين في وقت تسعى فيه العائلات للحصول على كلمة عن مصير ذويهم. 

في إحدى المنشورات، يدخل رجل يدعى محمد الشرقاوي في بث حي على صفحته بكاميرا هاتفه وهو يبحث عن شقيقه وأبناء عمومته الذين كانوا في السفينة. وبعد سماع أسماء الناجين المصريين، يحبس محمد دموعه إذ لا يزال شقيقه وأبناء عمومته في عداد المفقودين.

ومن بين ما يقدر بنحو 750 شخصًا في القارب، نجا 104 فقط.

وقالت وزيرة الهجرة المصرية سهى جندي لقناة صدى البلد المصرية إن خمسة من بين 43 مصريا من الناجين تقل أعمارهم عن 18 عاما.

ارتفاع كبير في الهجرة غير الشرعية من مصر

ولفت الموقع إلى أن المصريين يسعون على نحو متزايد إلى الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. وأحصت المنظمة الدولية للهجرة ما يقرب من 22 ألف مهاجر مصري وصلوا إلى أوروبا العام الماضي في الغالب عن طريق البحر، وهو ارتفاع ملحوظ عن السنوات السابقة عندما لم يكن المصريون من بين أكبر الجنسيات التي تطلب اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي. ودفع رقم العام الماضي مصر إلى القمة، متجاوزًا المهاجرين غير الشرعيين من الدول الأخرى، بما في ذلك المهاجرين من أفغانستان وسوريا التي مزقتها الحرب.

ولفهم السبب، تحتاج فقط إلى إلقاء نظرة على الصورة الاقتصادية في مصر.

وأوضح التقرير أن الاقتصاد المصري تعرض لضربات كبيرة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب. مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، ومعظمها من منطقة البحر الأسود. ودفع تأثير الحرب على الاقتصاد المصري والأمن الغذائي والقدرة على دفع ثمن الواردات الحيوية المستثمرين الأجانب القلقين إلى سحب مليارات الدولارات من البلاد.

تراجعت العملة المصرية منذ ذلك الحين، وفقدت أكثر من نصف قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء منذ بداية الحرب الأوكرانية.

ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في مصر بشكل مطرد، حيث ارتفعت بنحو 80٪ للأسماك، و 60٪ للحبوب والجبن والبيض، وما يقرب من 90٪ للحوم والدواجن مقارنة بالعام الماضي. وقد أدى ذلك إلى جعل المواد الغذائية الأساسية بعيدة المنال لملايين المصريين الذين يعتمدون على الإعانات الحكومية.

مبالغ ضحمة لضبط الحدود

وأشار الموقع إلى أن حوالي 1400 مصري تقدموا في مارس من العام الماضي بطلبات لجوء في دول الاتحاد الأوروبي، الذي دفع مبالغ ضخمة للحكومات في شمال إفريقيا لتعزيز ضوابط الحدود. وقالت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء في تقرير قبل عام إن رقم مارس في عام 2022 يمثل أعلى إجمالي شهري لطالبي اللجوء المصريين منذ 2014 على الأقل.

ووجدت الوكالة الاوروبية أنه خلال الربع الأول من عام 2022، تلقت دول الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 3500 طلب لجوء من المصريين، بزيادة هائلة قدرها 338٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

وفي الوقت نفسه، اتخذت مصر إجراءات صارمة ضد الهجرة غير الشرعية؛ وتقول الحكومة إنه لم تغادر أي سفينة تقل مهاجرين بشكل غير قانوني مياه مصر إلى أوروبا منذ عام 2016. وعززت القوانين التي تستهدف المهربين المصريين.

كما أطلقت مصر حملات لتشجيع الرجال على عدم الهجرة. في عام 2016، أعلنت الحكومة عن «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية» من خلال برامج توعية تدرب الشباب في المحافظات الفقيرة على وظائف في النجارة والكهرباء  والسباكة بهدف مساعدتهم في العثور على عمل في مدنهم.

تستهدف هذه البرامج الذكور 14 محافظة مصرية حيث تشيع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

لكن الأرقام تظهر أن الشباب ما زالوا يغادرون - بأعداد أكبر من أي وقت مضى.