صدى الأمر التنفيذي للرئيس الأميركي دونالد ترامب في الصحافة الناطقة بالإنجليزية حول العالم

التاريخ : الاثنين 15 ديسمبر 2025 . القسم : خلاصات

يشهد الأمر التنفيذي للرئيس الأميركي دونالد ترامب لتنصيف قطاعات من جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية جدلًا واسعًا بين أطياف الصحافة الناطقة باللغة الإنجليزية. فالأمر التنفيذي الصادر في 24 نوفمبر لم يكن خطوة منفصلة، بل جاء نتيجة تراكم تاريخي طويل من المحاولات التشريعية، الضغوط الإقليمية، مخاوف الأمن القومي، والانقسامات داخل المؤسسات الأميركية نفسها حول كيفية التعامل مع واحدة من أكثر الحركات السياسية والإيديولوجية تأثيرًا في المنطقة والعالم.  ومن خلال مراجعة التغطيات الأميركية، الأوروبية، الإسرائيلية، ومراكز الأبحاث، نرى أن القرار لم يتم استقباله فقط كقرار للتعامل مع جماعة محددة، بل يراه البعض إعادة رسم جذرية لطريقة قراءة واشنطن لخرائط الإسلام السياسي وشبكات النفوذ العابرة للدول.

قدم الأمر التنفيذي، منذ اللحظة الأولى لصدوره،  بوصفه خطوة "مدروسة" و"محددة"، لا تستهدف الجماعة العالمية ككل، بل فروعها في مصر والأردن ولبنان. وتحدد مذكرة البيت الأبيض أن القرار يهدف إلى "بدء عملية تقييم قانوني ومالي" خلال 45 يومًا لتحديد ما إذا كانت هذه الفروع تستحق التصنيف كـ"منظمات إرهابية أجنبية" وكـ"كيانات إرهابية عالمية مصنّفة بشكل خاص". يكشف هذا التعريف المزدوج عن هدفين متوازيين: الأول قانوني يتعلق بشمول الفروع الثلاثة ضمن صلاحيات قانون الهجرة والجنسية، والثاني مالي يتعلق بسلطات قانون الطوارئ الاقتصادية الذي يسمح بتجميد الأصول وقطع التمويل الدولي.

بينما استعرضت القراءات الصحفية محاولة هذا القرار إعادة صياغة مسألة الإخوان المسلمين برمتها عوضًا عن كونه مجرد وثيقة تقنية؛ تقول صحيفة  ذا سبيكتيتور البريطانية إن "ترامب لم يبتكر سياسة جديدة، بل اعترف بحقيقة لطالما أدركتها أجهزة الاستخبارات". وتضيف: "الإخوان ليسوا جمعية خيرية، بل حركة أيديولوجية منضبطة، هدفها المعلن هو إقامة خلافة عالمية عبر وسائل تدريجية لا تقل خطورة عن العنف المباشر".

في المقابل، تنظر وسائل إعلام أخرى إلى القرار بوصفه "أداة سياسية". فقد وصفت ميدل إيست آي الخطوة بأنها "مدفوعة بدوافع انتخابية وجماهيرية، أكثر منها مبنية على تقييم تهديد حقيقي". وتنقل عن جماعة الإخوان قولها إن الادعاء بأن الجماعة متورطة في الإرهاب هو "ادعاء بلا دليل"، وإن القرار "سيستخدم لتبرير القمع في المنطقة". أما محللون أميركيون مثل روز كيليانك فيرون أن "الجماعة ليست تهديدًا للولايات المتحدة، لكنّها قد تشكل تهديدًا لإسرائيل"، ما يفسر برأيها اندفاع تيارات معينة داخل الكونغرس نحو دعم التصنيف الكامل للجماعة.

هل تفادى الأمر التنفيذي العوائق التاريخية في قرارات تصنيف الإخوان المسلمين؟ 

لم يكن هذا الأمر التنفيذي الأول من نوعه في تاريخ السياسة الأمريكية. فمنذ 2015، تقدّم الكونغرس بعدة مشاريع قوانين تهدف لتصنيف الإخوان، أبرزها "قانون تصنيف الإخوان منظمة إرهابية لعام 2015" الذي قاده ماريو دياث-بالارت. لكن تلك الجهود فشلت بسبب مقاومة داخل وزارة الخارجية والدفاع، حيث اعتبر مسؤولون أن "تصنيف الجماعة كليةً لن يصمد أمام القضاء"، وفقًا لما نقلته قناة الحرة.

ووفقًا لمركز دراسات الهجرة، كانت هناك أسباب واضحة لعرقلة أي تصنيف شامل، أهمها غياب هيكل تنظيمي مركزي للجماعة، واتساعها الأيديولوجي الذي يمتد من تنظيمات سياسية مدنية إلى حركات مسلحة منبثقة عنها. لهذا السبب، جاء القرار الجديد مختلفًا جذريًا: فهو يستبدل استراتيجية "التصنيف الشامل" باستراتيجية "الاستهداف الانتقائي للفروع". وينقل تقرير معهد واشنطون أن "النهج الانتقائي يمنح الإدارة فرصة بناء ملفات قانونية متماسكة ضد كل فرع على حدى، مما يزيد احتمالات الصمود أمام التحديات القانونية".

وفي تحليل مقارن بين نهج 2019 ونهج 2025، تقول صحيفة تركيا توداي إن "سياسة ترامب الجديدة تتخلى عن الفكرة القديمة بتصنيف الجماعة عالميًا، وتتبنى نهجًا جراحيًا يستهدف الفروع التي تمتلك واشنطن معلومات كافية عنها"، معتبرة أن هذا التحول هو ما جعل الأمر التنفيذي "أكثر خطورة وفاعلية" مقارنة بمحاولات التصنيف السابقة.

أما السؤال الأكثر تكرارًا في التحليلات فهو إذا ما كان هذا القرار قابلًا للتنفيذ بالفعل. ترى ذا سبيكتيتورأن "الأمر التنفيذي خطوة قوية لكنها ستبقى معلقة ما لم تُتبع بإجراءات مالية وأمنية حقيقية". ويؤكد مركز دراسات الهجرة أن المسار القانوني نحو التصنيف "ممكن تمامًا" لأن الفروع الثلاثة "تنطبق عليها المعايير الواردة في قانون الهجرة والجنسية".

إذًا، كيف استقبل الأمر التنفيذي في الأقطار المختلفة؟ 

تظهر التغطيات استقبالات متباينة للأمر التنفيذي،  ففي إسرائيل، استقبلت الخطوة بترحيب واسع، وتذكر جيروزاليم بوست أن "قادة سياسيين في إسرائيل، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أشادوا بالخطوة"، ونقلت عن نتنياهو قوله إن "الإخوان يهددون استقرار الشرق الأوسط"، وإن إسرائيل "اتخذت خطوات لحظر أجزاء من الجماعة وستستكملها قريبًا".

وفي المقابل، تسارع الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني لتأكيد استقلالها. ينقل تقريرجيروزاليم بوست عن رئيسها صفوت فريج قوله: "لقد أكدنا مرارًا أننا لا ننتمي إلى الإخوان، لا تنظيميًا ولا سياسيًا… استقلالنا واقع تنظيمي وفكري". بينما قال منصور عباس، رئيس حزب "القائمة العربية الموحّدة" (رَعَم)، إن حزبه سينفصل عن مجلس الشورى وعن جماعة الإخوان المسلمين، وذلك عقب الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة. 

بينما في الولايات المتحدة، تنوعت ردود الفعل باختلاف الانتماء السياسي؛ الجمهوريون يميلون إلى دعم التصنيف الكامل، بينما يحذر الديمقراطيون من مخاطره. وتنقل صحيفة جويش انسايدر عن النائب غريغ ميكس قوله إن التصنيف الكامل "قد يستخدم لاستهداف المسلمين بشكل عام، وقد يعقّد علاقتنا مع شركاء مهمين مثل قطر وتركيا". أما النائب برايان ماست، فيرى أن الإخوان "حركة تروّج لأفكار متطرفة وتلهم الإرهاب عالميًا". بينما قال براين ماست النائب الجمهوري رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس: "لقد تم تجاهل التهديد الذي تشكله الجماعة على الأمن القومي الأميركي لفترة طويلة، وحان الوقت لتغيير المسار."

واتخذ الجدل في أوروبا  منحى آخر، مرتبطًا بأمن المجتمع وتماسكه الاجتماعي. في تقرير إسرائيل اليوم، يقدم الباحثون تقريرًا يكشف عن "تمويل الاتحاد الأوروبي العشرات من المنظمات المرتبطة بالإخوان دون علم"، ويتابع التقرير " يدفع الأوروبيون، من أموالهم الخاصة، ثمن تقويض مجتمعاتهم. حيث كشف تقرير برلماني جديد وصادم كيف نجحت جماعة الإخوان المسلمين في إتقان فنّ التسلل إلى المؤسسات الأوروبية، والحصول على عشرات الملايين من اليورو من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بينما تتابع أجندة تهدف إلى استبدال الديمقراطية العلمانية بنظام ثيوقراطي إسلامي."

الاتجاهات الرئيسية في التغطية

يمكننا القول أن التغطية الأميركية هي الأكثر انقسامًا، وتتمحور حول التوازن بين الأمن القومي والحريات المدنية. أما الإسرائيلية، فهي الأكثر دعمًا للخطوة، وتتبنى القراءة الأمنية البحتة. فيما تبدو التغطيات الأوروبية مشغولة بقضية "الاختراق المؤسسي" و"التمويل غير المقصود".

في الإعلام الأميركي، يظهر اتجاهان رئيسيان: الأول يراه خطوة ضرورية لتجفيف منابع التطرف، والثاني يراه تهديدًا للحريات الدينية والسياسية. المقالات الأميركية تميل إلى التحليل القانوني، وتناقش ما إذا كان القرار سينجو من الطعون أمام المحاكم.

أما الإعلام الإسرائيلي، فيركز على المردود الأمني وتداعيات القرار على حركات مثل حماس. يقول تقرير جيروزاليم بوست "القرار الأميركي سيزيد الضغط على الحركة الإسلامية في إسرائيل، وقد يدفعها إلى إعادة هيكلة علاقاتها الداخلية والخارجية".

وفي أوروبا، يتخذ النقاش بُعدًا بنيويًا. التقرير البرلماني الصادر عن فلورانس برجو-بلاكليه وتومازو فيرجيلي يقدم صورة أوروبية مقلقة: "المنظمات المرتبطة بالإخوان تحصل على عشرات الملايين من الأموال الأوروبية بهدف الاندماج ومحاربة التمييز، لكنها في الواقع تعزز الانعزال والهويات الموازية".

المراكز البحثية شاركت في التغطية وقدمت توصياتها

وفي سياق متسق، تأتي توصيات مراكز الأبحاث الأميركية والأوروبية   مرتكزة إلى أن الأمر التنفيذي الأميركي لن يحقق أثره الكامل ما لم يُترجم إلى سياسة منهجية متعددة المستويات. ويرى معهد واشنطون أن نجاح الخطوة يعتمد على "قدرة الإدارة على بناء ملفات قانونية دقيقة ضد الفروع المحددة بدل السعي إلى تصنيف شامل لا يمكن أن يصمد أمام المحاكم". ويشدد المعهد على أن الاستهداف "يجب أن يكون مركّزًا على التمويل والدعم التشغيلي المرتبط بالعنف"، محذرًا من أن الخلط بين النشاط المدني والخيري وبين "الدعم المادي" قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

أما جيه اس تريبيون فتؤكد أن التصنيف "يجب أن يترافق مع آليات مالية حقيقية، تشمل تجميد الأصول وتعقب الشبكات العابرة للحدود"، مضيفةً أن مستقبل الخطوة يعتمد على "تنسيق وثيق بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين الذين خبروا بنية الجماعة وطرق عملها". وتذهب الورقة أبعد من ذلك حين تشير إلى أن "حماية حرية التعبير في الداخل لا تتناقض مع الحزم تجاه أي تمويل يصل إلى جماعات مسلحة"، وهو تمييز تعتبره ضروريًا لمنع الطعون القانونية.

في المقابل، تحذر التحليلات الأوروبية المنشورة في إسرائيل اليوم من أن تجاهل البعد المؤسسي يضعف أي تصنيف، مشيرة إلى أن الجماعة تعمل عبر "شبكات ناعمة متخفية في مؤسسات تعليمية وخيرية واجتماعية" تحصل على تمويل حكومي أوروبي. وتوصي الدراسة بنهج يشمل "شفافية تمويلية وتدقيقًا صارمًا" على مستوى الاتحاد الأوروبي.

وتتلخص هذه التوصيات في دعوة واضحة لسياسة دقيقة، متدرجة، قائمة على الأدلة، وتستخدم الأدوات المالية والقانونية بدل الخطوات الرمزية وحدها.

بين التردد المؤسسي والخوف من التعميم… تباين النبرات في التغطيات الإعلامية

تباينت النبرات المستخدمة في التغطيات بحسب الموقف الأيديولوجي للمؤسسات وجمهورها الرئيسي. فوسائل الإعلام الأميركية الليبرالية تتوجه إلى جمهور قلق من توسّع صلاحيات الدولة الفيدرالية، فقد ركزت في تغطيتها على مفاهيم مثل "حرية التعبير" و"الخوف من التعميم على المسلمين". أما الإعلام المحافظ، فيعمد إلى مخاطبة جمهور يرى في الخطوة تصحيحًا لسنوات من "التردد المؤسسي"، لذلك يستخدم لغة حاسمة تتحدث عن "اختراق الجامعات" و"تحالف اليسار التقدمي مع الإسلاميين"، وقد أوردت  ذا سبيكتيتور البريطانية هذا التحليل حيث نصت أن "التحالف غير المقدس بين اليسار التقدمي وشبكات إسلامية هو ما سمح لهذه الحركات بالتمدد داخل الحرم الجامعي".ويأتي الإعلام الإسرائيلي متحدثًا بلغة أمنية تهدف إلى إقناع القارئ بأن القرار الأميركي ليس معزولًا، بل "جزء من معركة أوسع ضد عدم الاستقرار في الشرق الأوسط". بينما الإعلام الأوروبي، الذي كشف تمويلات مؤسسات مرتبطة بالإخوان، فيستخدم لغة تحذيرية موجهة إلى صناع القرار، إذ يقول تقرير إسرائيل اليوم: "إذا لم تستيقظ أوروبا الآن، فقد مضى وقت النجاة".

ختامًا، يمثل الأمر التنفيذي للرئيس الأميركي ترامب نقطة محتملة للتحول عالميًا في طريقة التعامل مع الإخوان. فقد أجمعت التغطيات الإعلامية على تنوعها أن الأمر التنفيذي ليس مجرد خطوة قانونية بل بمثابة إعادة تعريف لموقع الحركة من النظم الدولية؛ حيث يعتبره مؤيدوه أداة لكبح شبكات النفوذ العابر بينما يعتبره معارضوه تهديدًا كبيرًا للحريات وشرعنة للقمع في الشرق الأوسط. وفيما تتفق التحليلات المحايدة على كونه نقطة تحول؛ فإنها تنتظر بحذر الإجراءات المالية والاستخباراتية المتوقعة خلال الأسابيع المقبلة وترى التحول معتمدًا على قدرة الإدارة الأميركية الحسم أمام الطعون القانونية. وتجمع الصحافة على أن هذه لحظة مرحلية هامة لمراقبة تعامل الديمقراطيات مع الأيديولوجيات العابرة للحدود والتنظيمات.