أنس حبيب: من السجن إلى الاحتجاج ومسؤولية الناشط السياسي

التاريخ : الاثنين 15 ديسمبر 2025 . القسم : الفضائيات

ملخص الحلقة:

استضاف الإعلامي حافظ الميرزاي الناشط المصري أنس حبيب، الذي تحدث عن تجربته مع العمل العام، رافضًا تصنيفه كـ«ناشط سياسي»، ومؤكدًا أن ما يقوم به نابع من قناعة ومسؤولية أخلاقية لا من سعي إلى الشهرة. وروى أنس تفاصيل اعتقاله في سن مبكرة مع والده، وتأثير تجربة السجن في تشكيل وعيه، ثم خروجه من مصر إلى تركيا، حيث عمل في المجال الإعلامي وصناعة المحتوى كمصدر رزق، مشيرًا إلى أنه ابتعد لفترة عن السياسة قبل أن تعيده تطورات القضية الفلسطينية، لا سيما أحداث الشيخ جراح و«طوفان الأقصى»، إلى التعبير السياسي مجددًا.

وتناول الحوار احتجاجه الرمزي أمام السفارة المصرية في أمستردام باعتباره رسالة سياسية سلمية لرفض سياسات النظام المصري تجاه القضية الفلسطينية، كما ناقش تجربته في إنشاء مجتمع مصري افتراضي على تطبيق «ديسكورد»، والذي رأى فيه نموذجًا لقدرة المصريين على الحوار والتعايش رغم اختلاف التوجهات. واختتمت الحلقة بالتأكيد على أن الأزمة في مصر سياسية في جوهرها، وأن الحرية وكرامة الإنسان لا يمكن تحقيقهما إلا في مناخ آمن يضمن حرية التعبير والمشاركة السياسية.

تفاصيل اللقاء:

استضاف برنامج "ضيف وقضية"، الذي يقدمه الإعلامي حافظ الميرزاي، في حلقته الأخيرة الناشط السياسي الشاب أنس حبيب، المعروف بمحاولاته الاحتجاجية الرمزية أمام السفارات المصرية في الخارج. وتناولت الحلقة سجل أنس النضالي وتجربته الشخصية مع النظام المصري، إضافة إلى مواقفه من القضية الفلسطينية ودوره في رفع الوعي السياسي، في ظل تحديات ضخمة يواجهها الناشطون خارج وطنهم.

 من هو أنس حبيب؟

بدأ الميرزاي الحلقة بسؤال أنس عن هويته السياسية، ليؤكد أن المصطلح "ناشط سياسي" لا يصف سوى شخص يعمل بجد على قضية يؤمن بها. ولفت أنس إلى أن هذا المسمى أصبح بعد ثورة يناير مشحونًا باتهامات الإعلام الرسمي بالخيانة أو العمالة، ما أدى إلى وصم الناشطين بشكل جماعي.

وأشار إلى أن نشاطه السياسي لم يكن هدفه الشهرة أو المكاسب، بل كان تعبيرًا عن الإيمان بالقضايا الإنسانية والوطنية. وأضاف أنس أنه لا مانع لديه من أن يُطلق عليه من يشاء "الشاب المصري أنس حبيب"، ما دام ملتزمًا بعمله ومؤمنًا بالقضية التي يناضل من أجلها.

 النشأة والخلفية التعليمية

استعرض الميرزاي خلفية أنس التعليمية، مشيرًا إلى أنه أكمل الثانوية العامة أثناء وجوده في السجن، حيث حصل على نسبة 76% في الثانوية الأزهرية.

وقال أنس إن خروجه من السجن عام 2017 شكّل لحظة حرجة في حياته، حيث واجه تحديات كبيرة في تحديد مستقبله في ظل القيود السياسية المفروضة. وأوضح أنه قرر الهجرة إلى تركيا لتعلم اللغة التركية والتحق بجامعة لدراسة السينما والتلفزيون لفترة قصيرة، قبل أن يختار التركيز على العمل العملي والإعلامي.

العمل ومصدر الرزق

كشف أنس خلال الحلقة أن نشاطه مع أخيه طارق في صناعة المحتوى الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي، مثل اليوتيوب والإعلانات وتصوير الشركات، كان مصدر رزقه الأساسي.

وأضاف أن له أعمالًا أخرى في هولندا، لكنه يمتنع عن الإفصاح عن تفاصيلها لحماية نفسه من المضايقات المحتملة من النظام المصري، الذي سبق أن حاول إدراجهما ضمن قوائم الإرهاب. وأوضح أن هذه الضغوط لم تمنعه من الاستمرار في العمل الإعلامي ومتابعة قضايا حقوق الإنسان والسياسة.

المواجهة مع النظام المصري

استعرض الميرزاي مع أنس تفاصيل ملاحقته منذ سن الخامسة عشرة، حين تم اعتقاله مع والده في دمنهور بتهم مزعومة تشمل حرق سيارات ضباط الشرطة، والتي نفى ارتكابها.

وأشار أنس إلى أنه قضى 21 شهرًا في السجن، بينما قضى والده ثلاث سنوات ونصف، قبل أن يتمكن من السفر إلى تركيا. وأكد أن تجربة السجن كانت قاسية، لكنها شكلت وعيه السياسي وأعادت له الشعور بالمسؤولية تجاه القضايا الوطنية والإنسانية.

 طوفان الأقصى وتأثيره على وعيه السياسي

تطرق الميرزاي إلى الأحداث الأخيرة في حي الشيخ جراح وما يعرف بـ"طوفان الأقصى"، وسأل أنس عن تأثيرها عليه.

قال أنس إن متابعة الأحداث ومعاناة الفلسطينيين واستبسالهم في مواجهة الظلم أعاد له إدراك قوة الصوت الفردي وأهمية نشر الحقائق. وأضاف أن العمل الإعلامي الرقمي يمكن أن يكون وسيلة فعّالة للتوعية وتحريك الرأي العام، خصوصاً في مواجهة التضليل الإعلامي الذي يهمش القضايا الإنسانية.

الاحتجاج الرمزي أمام السفارات

كشف أنس أن احتجاجه الرمزي أمام السفارة المصرية في أمستردام عام 2025 جاء ردًا على ما وصفه بتزايد الدعم الإسرائيلي عبر المعابر والصفقات الاقتصادية، معتبرًا ذلك انحيازًا ضد الفلسطينيين، موضحًا أنه اختار هذا الشكل الرمزي بدلًا من التظاهر أمام السفارة الإسرائيلية لإيصال رسالة سلمية مرتبطة بالدور المصري وما يحدث داخليًا. وأكد أن النشاط السياسي بالنسبة له ليس مصدر رزق، بل واجب أخلاقي ومسؤولية تجاه القضايا الإنسانية والوطنية، مشيرًا إلى أن عمله الإعلامي وتركيزه على المحتوى الاجتماعي والترفيهي أسهما في توسيع دائرة التأثير والوصول إلى جمهور أوسع. كما أشار إلى أن تجربة السجن والاعتقال في سن مبكرة شكّلت وعيه السياسي وعززت تقديره لقيمة الحرية وحق التعبير، وهو ما يدفعه للاستمرار في نشاطه رغم المخاطر المحتملة.

التحديات القانونية مخاطر الاحتجاجات 

أوضح أنس حبيب أن الاحتجاجات الرمزية التي شارك فيها خضعت لمتابعة قضائية ومحاولات ضغط من السلطات، مؤكدًا أن ما قاموا به يندرج ضمن إطار العصيان المدني والعمل السياسي السلمي، بعيدًا عن أي شبهات عنف أو إرهاب، مشيرًا إلى مواجهته محاولات تصعيد وتهديدات مباشرة جرى التعامل معها بحذر وتوثيق كامل لضمان السلامة القانونية والشخصية. وفي هذا السياق، تحدث عن إدراكه العميق لطبيعة القمع في مصر، موضحًا أن السياسات الحكومية جعلت حياة الناس أكثر صعوبة، من تقييد الحرية السياسية إلى تعقيد سبل العيش اليومية، مضيفًا أن تجربة الاحتجاج الرمزي عمّقت فهمه لآليات مواجهة الظلم، وأكدت له أن الفعل الرمزي قد يكون في كثير من الأحيان أكثر تأثيرًا من الخطاب الإعلامي المباشر.

استخدام الفضاء الرقمي كبديل

أكد أنس حبيب أن الفضاء الرقمي أصبح بديلًا آمنًا لخلق أشكال جديدة من التنظيم المجتمعي في ظل القمع، موضحًا أنه «لا يمكن خلق مجتمع بديل على الأرض، لكن يمكن تجربة ذلك في الفضاء الرقمي»، حيث يتيح للشباب التنسيق ومناقشة المشكلات وإنتاج حلول. وأشار إلى اعتماده على منصات مثل «ديسكورد» بدلًا من وسائل التواصل التقليدية، بهدف بناء مجتمع قائم على قيم مفقودة في الواقع مثل العدالة واحترام الكفاءات، مؤكدًا أن مشروعه ليس مجرد مساحة للتواصل، بل تجربة عملية تتيح للشباب التعبير والمشاركة والتعلم في بيئة آمنة بعيدة عن الخطر المباشر، مع التركيز على تحقيق تأثير حقيقي ومستدام لا استعراض إعلامي.

وأوضح أنس أن المجتمعات الرقمية، مثل خوادم «ديسكورد»، تسمح بإنشاء نظام داخلي متشعب يشبه «دولة صغيرة»، له قوانينه وغرف نقاشه المتنوعة وأنشطته الموجهة لتطوير المهارات، بما يضمن سلامة الحوار وحماية المشاركين. وأضاف أن غالبية المشاركين من الشباب بين 20 و30 عامًا، إلى جانب عدد من الأكبر سنًا من أصحاب الخبرات، ما يخلق توازنًا بين الطاقة الشبابية والخبرة العملية داخل هذا المجتمع الرقمي.

تجاوز الصور النمطية عن الشعب

أكد أنس حبيب أن تجربته في الفضاء الرقمي تثبت أن المشكلة ليست في الشعب نفسه، بل في من يدير هذا الشعب، مشددًا على أن «المشكلة ليست في المصريين كما يعتقد البعض، بل في النظام الاستبدادي الذي يفرض القيود ويحد من حرية التعبير». وأوضح أن هذه التجربة تتيح للمشاركين التعامل بصورة طبيعية تقوم على احترام قواعد النقاش وحفظ الأمان داخل المجتمع الرقمي، بما يعكس إمكانية بناء مجتمع صحي وآمن متى توفرت الحرية والسيادة للفرد.

وفي سياق استلهام التجارب الغربية، تحدث أنس عن خبراته في دول مثل هولندا وفرنسا، مشيرًا إلى أن نجاح هذه النماذج لا يرتبط بكمال الأنظمة بقدر ما يرتبط بطبيعة المجتمع الذي يمارس السياسة بحرية ويشارك في تداول السلطة سلميًا. وأوضح أن القدرة على التعبير عن الآراء المختلفة، حتى المتطرفة منها، تعود إلى وجود مؤسسات تحمي الحقوق وتضمن التداول السلمي للسلطة، مؤكدًا أن فصل الدين عن السياسة وبناء مؤسسات قانونية مستقلة يساهمان في خلق مناخ آمن للمشاركة السياسية والتغيير الاجتماعي دون الحاجة إلى تدخل استبدادي.

الأمل والتغيير في مصر

أوضح أنس حبيب أن الهدف من المجتمع الرقمي الحالي هو تقديم نموذج يثبت إمكانية العيش معًا بشكل سليم بعيدًا عن الاستبداد العسكري أو القيود السياسية، مؤكدًا أن «المصريين قادرون على العيش مع بعضهم بطريقة طبيعية، وأن الحرية والأمل يمكن أن يعودا تدريجيًا». وأشار إلى أن المجتمع الرقمي يمنح الشباب تجربة عملية للتفاعل في بيئة تقدّر الكرامة والحقوق، وتساعدهم على فرز الصالح من الطالح وبناء رؤية واضحة لمستقبل بلادهم، مضيفًا أن المرحلة الحالية تركز على تجربة هذه المساحة الآمنة، فيما ستسعى المرحلة المقبلة إلى نقل الدروس والتجارب إلى الواقع، مع تعزيز حرية التعبير والكرامة الإنسانية، مع توفير بيئة تحفّز التفكير النقدي وتطوير المهارات العملية والسياسية، مع الحفاظ على أمان وسلامة جميع المشاركين.