صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل " وُقعت" بعد الكثير من الشد والجذب
التاريخ : الخميس 18 ديسمبر 2025 . القسم : خلاصات
منذ الإعلان عن صفقة الغاز الكبرى بين إسرائيل ومصر بوصفها "الأكبر في تاريخ إسرائيل" بقيمة تقارب 35 مليار دولار وبشراكة شيفرون، تحولت الصفقة إلى ملف سياسي–اقتصادي متعثر، مع تراكم تقارير إعلامية متزامنة رصدت أسباب التعطيل ومحاولات "إعادة تسييرها"، وصولًا إلى إعلان نتنياهو توقيعها في 17 ديسمبر 2025.
في أواخر نوفمبر 2025، ركّزت العربي الجديد على صورة قاتمة للتطورات، ووصفت الاتفاق بأنه "على وشك الانهيار" وسط خلافات سياسية في إسرائيل وتوترات مع القاهرة مرتبطة بـ غزة وسيناء. ونقلت عن مصادر بوزارة البترول المصرية أن الإمدادات الإسرائيلية بموجب اتفاق 2019 كانت تدور بين 850 مليون ومليار قدم مكعبة يوميًا، بينما كانت "الترتيبات المُحدّثة" تستهدف رفع التدفقات تدريجيًا حتى 1.3 مليار بنهاية 2025 و1.6 مليار في ربيع 2026 وصولًا إلى 1.8–2 مليار صيفًا. وأشار التقرير إلى أن إسرائيل لم تلتزم بزيادة التدفقات كما كان متوقعًا، وأن تل أبيب برّرت سابقًا انخفاضًا فنيًا مؤقتًا في أكتوبر، لكن الإشارة الأوضح كانت أن الحكومة الإسرائيلية اتجهت إلى تجميد التوسعة على خلفية خلافات تتعلق بغزة، والوجود العسكري المصري في سيناء، إضافة إلى التسعير المستقبلي.
وبالتوازي، أبرز التقرير نفسه أن القاهرة بدأت عمليًا تأمين بدائل للغاز: حيث طرحت مناقصات لشحنات غاز مسال فورية، وترتيبات لعشرات الشحنات لاحقًا؛ كما نقل عن خبير نفطي أن "مذكرة التفاهم" الخاصة بالتوسعة "غير مُلزمة للبائع" قبل دخولها حيز النفاذ، في حين تحدث عن ضغط من شركاء "ليفياثان" ومنهم شيفرون للحصول على موافقات إسرائيلية قبل مهلة 30 نوفمبر لتوسعة القدرة ومد خط أنابيب بري نحو الحدود المصرية، محذرًا من تأثير ذلك على الاستثمارات والتصدير لسنوات إذا فشل المسار.
بعد ذلك بأيام، وفي بداية ديسمبر الجاري، قدّمت غلوبس رواية مختلفة تركز على "الفرامل" الداخلية داخل إسرائيل: الصفقة تعطلت لأن وزير الطاقة والبنية التحتية إيلي كوهين جمّدها بعد توقيع أغسطس، مشترطًا "سعرًا عادلاً للسوق الإسرائيلية". وذكرت غلوبس أن تقدمًا مهمًا تحقق عبر صيغة تربط الموافقة على التصدير بـ التزام الشركاء بخفض سعر الغاز محليًا وربطه بمعادلات التسعير في اتفاق التصدير، بما قد يؤدي إلى خفض أسعار الكهرباء مستقبلًا أو منع ارتفاعها. كما نقلت غلوبس عن مصدر مصري: "هم غاضبون… نحن لسنا أعداء ولا أصدقاء، بل شركاء أعمال… هناك قطر والولايات المتحدة وآخرون" ، في إشارة إلى أن التلويح بخيارات بديلة فيما يخص الغاز المسال، كان جزءً من الضغط المقابل.
ثم وضعت أكسيوس في الـ 7 من ديسمبر تعثر الصفقة في إطاره الدبلوماسي والذي تقوده واشنطن حيث نشرت أن الإدارة الأميركية "مستعدة" لرعاية قمة محتملة بين نتنياهو والسيسي، لكنها تربط ذلك بأن يوافق نتنياهو على "صفقة غاز استراتيجية" وأن يقدم "حوافز اقتصادية" للقاهرة. كما نقلت عن مسؤول أميركي: "هذه فرصة ضخمة لإسرائيل… بيع الغاز لمصر سيخلق اعتمادًا متبادلًا… ويخلق سلامًا أدفأ ويمنع الحرب". وفي اليوم نفسه، أعادت تايمز أوف إسرائيل صياغة الملامح ذاتها نقلاً عن تقرير أكسيوس، مشيرة إلى أن واشنطن " تدفع" نحو توقيع الصفقة كمدخل لـ" سلام أدفأ"، وأن نتنياهو، وفق مصدر إسرائيلي، يرغب بتوقيعها في لقاء علني مع السيسي في مصر- والتي لم يزرها في الـ 15 عامًا الأخيرة، بينما تبقى العلاقات بين الزعيمين "فاترة" منذ بدء حرب غزة.
و في ذات السياق، قالت غلوبس إن وزير الطاقة الأميركي كريس رايت ألغى زيارة بسبب تأخر إصدار تصريح التصدير، وأن الدعم الأميركي للصفقة " قوي". وفي الـ 9 من ديسمبر، نشرت أويل برايس أن إسرائيل "متوقع أن توافق" على الصفقة وسط ضغط من إدارة ترامب، مع الإشارة إلى ترتيبات تربط تصدير الغاز بـ ضمان سعر محدد للاقتصاد المحلي—وهو جوهر ما كانت غلوبس قد فصلته من قبل.
أما الأناضول فقد ركزت في الـ 11 من ديسمبر على الجانب التنفيذي، حيث نشرت عن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين توقعه توقيع الاتفاق " خلال أسابيع"، وقوله إن "الفجوات تقلصت"، كذلك إشارته إلى أن مصر طلبت "توضيحات أمنية" لم يتم تفصيلها. كما شددت الأناضول على غياب التعليق المصري على تصريحات كوهين. وفي اليوم نفسه، بينما قدّمت ديسكفري آلرت تحليلًا تقنيًا حول "الهندسة الاستراتيجية للاعتماد المتبادل" والبنى التحتية، لكنه بقي خارج تفاصيل المفاوضات المباشرة.
وجاء الإعلان النهائي في الـ 17 من ديسمبر حيث نقلت سي إن إن عن إعلان نتنياهو المتلفز عن الصفقة وقيمتها 112 مليار شيكل - ما يقد بـ 34.6 مليار دولار- والتي وصفها بكونها "الأكبر في تاريخ إسرائيل"، وربطها بـ"تعزيز مكانة إسرائيل كقوة طاقة إقليمية" و" الاستقرار"، فيما أكدت سي إن إن أن الحكومة المصرية لم تُصدر تعليقًا رسميًا على الرغم من تواصلها مع وزارة البترول المصرية. وفي اليوم نفسه، ذهبت إسرائيل هيوم أبعد في تفسير "هدف الصفقة"، قائلة إن التأخير ارتبط بـ" سلوك مصري إشكالي" سياسيًا وأمنيًا، وإن التفاهمات المصاحبة لا تتضمن التزامًا مصريًا بسحب " قوات محظورة" من سيناء، لكنها تتضمن "حوارًا" حول آليات معالجة "الانتهاكات" مع وعد أميركي بالمساعدة دون "التزام واضح" بالتصحيح؛ وتطرح الصحيفة فكرة أن اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي سيمثل أداة ردع وضغط.
في ذات السياق نشر موقع مايكل ويست تأكيد أن شيفرون رحبت بتوقيع الصفقة، وأن الشركاء سيبيعون نحو 130 مليار متر مكعب حتى 2040 أو حتى استيفاء القيمة التعاقدية.
ختامًا يبقى السؤال: هل حصلت مصر على ما تريد في هذه الصفقة؟ بحسب المعطيات المتاحة، تُظهر التغطيات أن القاهرة كانت تسعى إلى "توضيحات أمنية" وزيادات تدفق محددة زمنيًا، وإلى استقرار تجاري يحول دون تحويل الملف إلى ورقة ضغط سياسية. لكن حتى لحظة الإعلان والتوقيع كما ورد في سي إن إن، ظل التعليق المصري عنصرًا أسياسيًا غائبًا عن التغطية. كذلك كانت تفاصيل الشروط النهائية، والذي أكدته بدورها إسرائيل هيوم حول أن ملف سيناء لم يُحسم بتعهدات معلنة "بسحب قوات" بل بآليات حوار ووعود غير مُفصلة، وأن ما اتضح هو الوضع داخليًا وإداريًا في إسرائيل وربط الأسعار محليًا والضغط الأميركي؛ ويتوقع مع استمرار التغطيات أن يتضح لاحقًا جانب القاهرة من الصفقة.