مصر تضع خطوطها الحمراء للصراع في السودان لكن قيود التحرك واضحة
التاريخ : الجمعة 19 ديسمبر 2025 . القسم : خبر واشارة
الخبر
استقبل الرئيس السيسي رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، حيث تم التأكيد على دعم وحدة السودان ومؤسساته، ورفض مصر لأي إجراءات أحادية في ملف مياه النيل. وخلال الزيارة، أكدت مصر دعمها لرؤية تحقيق السلام في السودان وفق المبادرة الأمريكية، وشددت على أن وحدة السودان والحفاظ على مؤسساته "خط أحمر" للأمن القومي المصري.
الإشارة
- يعكس الخطاب المصري تجاه السودان تحوّلًا في مقاربة القاهرة للملف السوداني بحيث باتت تميل أكثر إلى النظر بمنطق الردع المرتبط مباشرةً بالأمن القومي المصري وليس فقط دعم شرعية الجيش، وهو ما يفسّر إدراج الفاشر، ليس بوصفها بؤرة انتهاكات، ولكن كونها نقطة تحول قد تفضي إلى تفكك الدولة وولادة كيانات موازية.
- تتمثل التهديدات التي تشغل القاهرة في الآتي:
- تدفق موجات نزوح جديدة تؤدي إلى ضغوط ديموغرافيًا وإنسانية على مصر خصوصا في محافظات الجنوب الفقيرة.
- التهديدات الأمنية المباشرة على الحدود الجنوبية، فضلًا عن فتح بيئات رخوة لاقتصاد الحرب والتهريب والسلاح.
- في المنظور الأوسع، تتخوف القاهرة من أن تفكك السودان يقود إلى خروجه عمليا من معادلة الصراع الدبلوماسي مع إثيوبيا بخصوص مياه النيل، مما يزيد من ضعف الموقف المصري الذي يستند قانونيا إلى مصالح دولتي المصب.
- من المؤكد أن الكيان الانفصالي المحتمل (غرب السودان/دارفور) سيكون مركزا لهيمنة إماراتية – إسرائيلية على حدود مصر الجنوبية، وهو أمر تنظر له القاهرة بحساسية بالغة، حيث تعتبر الأجهزة السيادية المصرية أن أي نفوذ أجنبي (حتى لو كان حليفا) غير مرحب به في كل من السودان وليبيا.
- لذلك يرفع البيان سقف "الخطوط الحمراء"، ويضيف للمرة الأولى رسالة "حق اتخاذ التدابير" واتفاقية الدفاع المشترك. دون أن يلتزم فعليًا بخيار تدخل مباشر واسع قد لا تسمح به قيود الاقتصاد المصري واستنزاف الموارد الذي لا تتحمله مصر في صراعات من المرجح أن تكون طويلة ومكلفة. حيث أظهرت مصر في مناسبات متعددة حدودا واضحة على قدرة إسقاط القوة خارج حدودها، دبلوماسيا وعسكريا، ليس فقط في الصراع في السودان الممتد منذ شهور طويلة، ولكن قبل ذلك في ليبيا والبحر الأحمر، وحتى في صراعها مع إثيوبيا.
- لذلك؛ يوفّر البيان غطاءً سياسيًا براغماتيًا عبر إسناد الموقف إلى "رؤية ترامب للسلام" وإعادة تفعيل الرباعية الدولية، بما يحقق وظيفتين: تجنّب عزل القاهرة دبلوماسيًا وإبقاء إدارة الصراع داخل أطر تفاوضية تُخفّض كلفة الانخراط المصري، مع الحفاظ على مساحة مناورة حساسة تجاه الإمارات؛ إذ إن تشديد القاهرة على وحدة الدولة ورفض الكيانات الموازية، انطلق من لغة المؤسسات والإنسانية والشرعية، لا لغة مواجهة مباشرة مع أبوظبي، بما يحمي مصالح مصر في علاقتها الخليجية في لحظة تحتاج فيها إلى دعم مالي واستثماري، ويُبقي رسائل التحذير والضغط أبعد عن تقويض الشراكة مع أبوظبي.
- في مواجهة هذه القيود أيضا؛ من المحتمل أن يفضي موقف القاهرة وتنامي الشعور بالتهديد الأمني المباشر بعد سقوط الفاشر، إلى تعزيز التنسيق مع الأطراف التي تتقاطع جزئيا مع مصالح القاهرة في السودان، خاصة تركيا والسعودية. ليس من المؤكد بعد حدود هذا التنسيق المحتمل، ميدانيا ودبلوماسيا وأمنيا، لكنّه يظل قابلا للتطور.