واشنطن دي سي: مصر في ورطة خطيرة بعد سبعة عقود من ثورة ضباطها الأحرار

التاريخ : الأربعاء 26 يوليو 2023 . القسم : ترجمات

نشر المركز العربي واشنطن دي سي مقالًا للباحث عماد حرب تناول فيه ما وصفها بـ الورطة الكبيرة التي تواجهها مصر الآن بعد سبعة عقود من ثورة الضباط الأحرار.

يقول الكاتب في مستهل مقاله إن الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر تهدد بكشف قشرة الاستقرار في أكثر دول العالم العربي اكتظاظًا بالسكان بعد واحد وسبعين عامًا من ثورة 23 يوليو 1952. ويواصل نظام السيسي السعي للحصول على تمويل لمشاريعه الضخمة الضخمة وتجنب التنفيذ الكامل للإصلاحات الهيكلية اللازمة التي يطالب بها المقرضون. وتعمل الحكومة المصرية في ظل ظروف عجز الميزانية، وارتفاع الديون الوطنية ومتطلبات خدمة الديون، وارتفاع التضخم، وزيادة الفقر، وتسابق الزمن لوقف المزيد من التدهور في محفظتها المالية، وهو انخفاض يمكن أن يؤدي بسهولة إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية ومطالب شعبية للتغيير. 

والواقع أنه إذا لم تُنفذ أي علاجات بالطريقة التي يواجه بها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الانهيار الاقتصادي القادم، فقد يُنظر إلى موجة الاحتجاجات عام 2011 التي أطاحت بالحكم المستبد السابق حسني مبارك على أنها معتدلة مقارنة بما هو ممكن بعد أكثر من 12 عامًا.

لن يكون الانهيار المحتمل لمصر محسوسًا داخل حدود حدودها فحسب، بل سيكون له تداعيات إقليمية ودولية أيضًا. وفي الوقت الذي يشهد فيه السودان ما يمكن أن يصبح حربًا أهلية طويلة الأمد بقيادة ضابطين عسكريين غير خاضعين للمساءلة، وعندما تواصل ليبيا البحث عن حل وسط سياسي مستقر لإنهاء انقساماتها، لن يستطيع أحد أن يحتوي الانفجار المصري بسهولة. 

وأشار الكاتب إلى أن تحسين الظروف الحالية لتأمين السلام المحلي والاستقرار الإقليمي لا يمكن أن يحدث بدون إصلاحات سياسية مصاحبة لمعالجة القمع الواسع النطاق والحكم الاستبدادي في البلاد.

الاقتصاد المزعزع للاستقرار 

وأضاف الكاتب أن المشاكل الاقتصادية في مصر ليست جديدة، وبالتأكيد لم تبدأ في العقد الماضي فقط بعد انقلاب يوليو 2013 ضد أول رئيس منتخب ديمقراطياً للجمهورية، محمد مرسي. ومن المؤكد أنه بالإضافة إلى الضغوط الناتجة عن التضييق على الفضاء السياسي، واجهت مصر تحديات اقتصادية منذ ثورة 1952، وكانت التحديات التي واجهت الليبرالية الجديدة المتشددة لحكم مبارك الطويل في قلب ثورة يناير 2011. لكن خطورة الوضع الاقتصادي الحالي، وتسارع الانهيار المحتمل، وخيارات البلاد المحدودة للغاية قد تكون غير مسبوقة لدرجة أن أجراس الإنذار تدق بلا شك، ليس فقط في المؤسسات المصرية ولكن أيضًا في العواصم الإقليمية والدولية الصديقة مثل الرياض وأبو ظبي وواشنطن.

لا شك أن أجراس الإنذار تدق، ليس فقط في المؤسسات المصرية ولكن أيضًا في العواصم الإقليمية والدولية الصديقة مثل الرياض وواشنطن.

يواصل معدل الفقر في مصر اتجاهه التصاعدي السابق الذي يعود إلى عصور ما قبل ثورة 2011. ووفقا للأرقام الرسمية، يعيش 30 في المائة من المصريين تحت خط الفقر؛ لكن البنك الدولي يقدر العدد بأكثر من ذلك، نحو 60 في المائة.

وعرج الكاتب على ارتفاع معدلات التضخم في مصر لمستويات قياسية، وكذلك ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وارتفاع العجز في الميزانية، مشيرًا إلى أن من المتوقع أن يبلغ عجز ميزانية 2023/2024 حوالي 27 مليار دولار، إذ يرتفع الدين الوطني إلى أكثر من 165 مليار دولار، أي حوالي 97 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتعتبر خدمة الدين بمثابة استنزاف كبير للموازنة (56٪)، مما يحرم الحكومة من القدرة على توسيع البرامج الاجتماعية للفقراء ومشاريع التنمية لمعالجة ضعف الأداء الاقتصادي  وزيادة تكلفة الاقتراض.

وأشار الكاتب إلى زيادة صعوبة الاقتراض. وتشير التقديرات إلى أن دول الخليج العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، منحت مصر 100 مليار دولار منذ انقلاب السيسي في عام 2013 ، في شكل ودائع للبنك المركزي ووقود. 

في عام 2022 وحده، أعطوا مصر 22 مليار دولار للتعامل مع المشاكل الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا ومخاوف أخرى. ولكن كما هو الحال مع كل عمليات الاقتراض، يأتي وقت لا تتوافر فيه أية أموال دون مطالب مصاحبة بالسداد، وفق الكاتب، والذي دلل على ذلك بعمليات الاستحواذ الأخيرة للإمارات في الشركات المملوكة للدولة، حصص في خمس من أكبر الشركات في مصر، بينما اختلفت السعودية وقطر مع مصر في تقييم أصول الشركات المعروضة بسبب ضعف العملة المصرية. وكانت السعودية قد أعربت أنها لن تعود لمنح مساعدات دون مقابل، وهي تصريحات لم تعلق عليها مصر. 

وأشار الكاتب إلى أن مصر لجأت مرة أخرى لصندوق النقد والذي وافق على قرض جديد مع شروط بتنفيذ حزمة إصلاحات، لكن محاولة الصندوق لمساعدة خطط الحكومات المتعاقبة لضبط سياستها الاقتصادية باءت بالفشل، وتحديدًا بسبب ميل النظام للإنفاق الباهظ على المشاريع الضخمة ودور الجيش في الاقتصاد، وهو ما يؤدي إلى مزاحمة القطاع الخاص.

هوس عظمة لا يُطاق وجيش مهيمن

ويلفت الكاتب إلى أن أحد المشاريع التي تُظهر خلل أولويات النظام المصري هو بناء عاصمة إدارية جديدة لتحل محل المباني الحكومية المتقادمة والمنتشرة في وسط القاهرة، لافتًا إلى تكلفتها الكبيرة والتي تعهد السيسي بأن تمويلها لن يأتي من الحكومة، إلا أن الدراسات تظهر أن ما دُفع حتى الآن جاء من الصندوق العام للدولة، بما في ذلك الأراضي المملوكة للدولة والقروض والديون. 

وأضاف الكاتب أن هناك مشروع ضخم آخر غير ذي قيمة على ما يبدو، وهو مشروع توسيع قناة السويس في عام 2015 والتي أهدرت فيها الدولة مليارات الدولارات دون فائدة اقتصادية كبيرة، باستثناء 100 مليون دولار محتملة سنويًا كإيرادات إضافية. 

ومع ذلك ، فإن إحدى السمات المشتركة للمشروعين هي أن قسمًا كبيرًا منهما نُفذا من خلال الشركات التابعة للجيش حيث يجد ضباط الجيش المتقاعدون والموالون للنظام وظائف ومزايا.

وتطرق الكاتب إلى دور الجيش في الاقتصاد المصري، مشيرًا إلى أن الجيش المصري يعد اليوم لاعبًا اقتصاديًا مستقلًا يسيطر عمليًا على القطاع العام للدولة وهو جوهر رأسمالية الدولة التي أسستها ثورة الضباط الأحرار عام 1952.

وألمح الكاتب إلى أن الجيش، وبالإضافة إلى الاقتصاد السري والمستقل، يمارس الجيش نفوذًا سياسيًاعلى النظام السياسي بأكمله، ما يحد من قدرات القطاع الخاص أو، في الواقع، الممولين الإقليميين والدوليين لفرض تغييرات على صورة الاقتصاد الكلي لمصر.

تغيير النظام الحتمي

ويرى  الكاتب أن هناك ضرورة إجراء تغيير جدي في طريقة حكم البلاد بعد مرور 71 عامًا على إنشاء الجمهورية. ولا يمكن لنظام عبد الفتاح السيسي أن يواصل المسار الحالي لاقتراض الأموال لمعالجة عجز الميزانية أو تمويل البرامج الاجتماعية والإنمائية والمشاريع الضخمة غير الحكيمة. 

وكذلك يجب ألا يعتمد النظام على فرضية خاطئة مفادها أن «مصر أكبر من أن تفشل» ويفترض أن المقرضين سيكونون دائمًا على استعداد لتقديم المبالغ الهائلة من القروض التي تحتاجها مصر. ومن المؤكد أنه مع تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتفاقم وضع الاقتصاد الكلي، فإن النظام المصري لديه خياران فقط: القمع المتزايد الذي من شأنه أن يُديم عقودًا من الحكم الاستبدادي، أو الانتقال الديمقراطي التدريجي ولكن الملتزم الذي يمكن أن يستعيد وعد ثورة 2011.

ومن الصعوبة بمكان رؤية كيف يمكن لاستمرار الحكم الاستبدادي الحالي أن يوفر الراحة اللازمة من حالة عدم اليقين الاجتماعي والسياسي. وقد أعاقت عقود من الحكم الاستبدادي منذ ثورة 1952 التنمية السياسية والاقتصادية، وغرست نخبة عسكرية ذات مصلحة ذاتية في جميع أنحاء النظام السياسي، وأفقرت عشرات الملايين من المصريين. 

ومنذ الانقلاب العسكري بقيادة السيسي الذي أطاح برئيس مدني منتخب ديمقراطيا، حكم القمع والخوف المجتمع المصري. وأدت التنمية العسكرية المدارة إلى تفاقم الديون الوطنية التي تلتهم ببطء الأموال الأساسية للتنمية.

 ومن الناحية السياسية، وحسب ما يتابع الكاتب، أصبحت مصر في ظل الجيش جمهورية خوف يُجرّم فيها الرأي الحر، ويُسجن فيها آلاف السجناء السياسيين إلى أجل غير مسمى، ويتبدد فيها الوعد بمستقبل مشرق. وبعبارة أخرى، إذا كان الاستبداد هو جوهر مشكلة مصر، فلماذا يعتبر الآن علاجًا سحريًا لإخراج البلاد من أزماتها التي طال أمدها؟

وأكد الكاتب أنه لا بديل لمصر سوى رسم مسار تدريجي نحو الانتقال السياسي من الحكم الاستبدادي. ويمكن للحوار الوطني الجاري أن يوفر منبرًا جاهزًا للتفاوض على فترة انتقالية بعيدًا عن الحكم العسكري، بشرط أن يرفع النظام كل القيود عن من يشارك فيه وما يجري مناقشته.

وشدَّد الكاتب على أن النظام لا يمكنه ببساطة التفاوض مع نفسه أو مع القوى السياسية والمجتمعية الموالية التي وافقت منذ فترة طويلة على الوضع الحالي. وإلى جانب الحوار، يجب على النظام أن يشرع في عملية تخفيف الضغط السياسي التي تغرس روح قبول النقاش والنقد وتفتح الباب لتغيير مؤسسي ضروري، وهو الرغبة التي حركت مطالب ثورة 2011. 

يجب أن يدرك السيسي وحلفاؤه وأنصاره الإقليميون، وتحديدًا السعودية والإمارات العربية المتحدة، أن تطبيق حلول تجميلية مثل المساعدات والمنح دون إصلاحات اقتصادية وسياسية أساسية لن يؤدي إلا إلى إطالة الانهيار السريع للنظام المصري. ويتعين على المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، أن يتوقف عن تجاهل مع يحدث ويرى أن التغيير وحده في مصر هو الذي سينقذ البلاد ويبقيها شريكًا مستقرًا وسلميًا في منطقة مضطربة، حسب ما يختم الكاتب.