شراكة بين الدولة و "العزبي" تعزز مخاوف احتكار سوق الدواء في مصر
التاريخ : الجمعة 12 مايو 2023 . القسم : اقتصاد
أعلن صندوق مصر السيادي، الاثنين الماضي، عن شراكة مع صيدليات العزبي، وشركة «بي انفستمنتس»، لإنشاء شركة جديدة «لتقديم خدمات لوجستية وإدارية للمؤسسات الصيدلية، وخدمات توزيع وتجارة الأدوية»، تحت اسم «EZ International»، وهي الصفقة التي أبدت مصادر في قطاع الدواء مخاوفها من أن تزيد من أوضاع «احتكارية» يعاني منها القطاع، فضلًا عن تكريس وضع يعتريه شبهة عدم قانونية، حسبما قالوا.
لم يتضمن الإعلان الرسمي عن الصفقة الكثير من تفاصيل الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص في هذا المجال، خاصةً أنها الشراكة الأولى للصندوق السيادي محليًا في مجال بيع الدواء، الذي لم يكن على القائمة المعلنة لأولويات الحكومة، ولا ضمن مستهدفات «السيادي».
بحسب وثيقة ملكية الدولة، استهدفت الحكومة تعميق استثماراتها في قطاع الصحة، تحديدًا المستشفيات والمعامل ومراكز الرعاية الصحية. أما بالنسبة للدواء، فخطة الحكومة كانت ضخ استثمارات «ضخمة لا يُقبل عليها القطاع الخاص» لتصنيع اللقاحات وتوفير الكيماويات الخام، وصناعات الأجهزة والمستلزمات الطبية، دون أي إشارة إلى قطاع الصيدليات.
عضو مجلس النقابة العامة للصيادلة، ثروت حجاج، قال لـ«مدى مصر» إن الغموض يحيط بالتعاقد الجديد؛ بداية من بيان الصندوق السيادي، الذي لم يوضح هيكل ملكية الشركة الجديدة، أو الدور الذي ستلعبه في سوق الدواء، أو حتى هدف الدولة الأساسي من الشراكة مع القطاع الخاص في هذا القطاع الحيوي الذي يتخطى حجم التجارة فيه 130 مليار جنيه، بحسب البيان الرسمي.
جزء من الغموض الذي أشار إليه حجاج بدأ في الانكشاف مساء الاثنين الماضي، خلال مداخلة من مالك سلسلة الصيدليات، أحمد العزبي، مع برنامج «الحكاية»، قال فيها إن الصندوق السيادي، مع صندوق «بي إنفيستمنتس»، أصبح شريكًا بـ49% في الشركة الجديدة، بينما يمتلك العزبي باقي الأسهم التي تجعله صاحب حصة الأغلبية ورئيس مجلس الإدارة. فيما قال مستشار قانوني للصندوق السيادي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ«مدى مصر» إن مجلس الإدارة سيضم أيضًا الرئيس التنفيذي لسلسلة صيدليات العزبي، أحمد الساداتي، إلى جانب عضوين من شركة «بي إنفستمنتس» وهما حازم بركات وعمر اللبان.
شركة «بي انفستمنتس» هي صندوق استثمار، تأسس في 2005، وأدرج في البورصة في 2015، ويتوزع هيكل ملكيته بين أفراد ومؤسسات من بينها: سميح ساويرس، وبنك الاستثمار الأوروبي، وهيئة الأوقاف، وشركة ريمكو للاستثمارات.
«هدفي كان إني أسيب كيان مؤسسي للأجيال اللي جاية لما أموت»، قال العزبي في مداخلته، موضحًا أن رأس مال الشركة الجديدة حوالي 1.2 مليار جنيه، فيما سيضخ الصندوقان نحو 500 مليون جنيه للتوسع في الصيدليات التي تمتلكها الشركة، لزيادة عددها إلى 600 صيدلية بدلًا من نحو 300، وذلك في المرحلة الأولى فقط، فضلًا عن مزيد من الخدمات التي اكتفى بالإعلان عن كونها إلكترونية، دون توضيح ماهيتها، ثم الطرح في البورصة في وقت مناسب.
المستشار القانوني للصندوق السيادي أوضح لـ«مدى مصر» أن الشراكة الجديدة تضمن تسديد ديون العزبي، التي قدّرها بنحو 400 مليون جنيه، فيما كان العزبي قال في سبتمبر الماضي إن ديونه وصلت إلى أكثر من 300 مليون جنيه، وذلك بعدما ترددت أنباء عن القبض عليه على خلفية أحكام بحبسه بإجمالي 547 سنة، في قضايا مالية تخص شركة «مالتي فارما» لتوزيع اﻷدوية التابعة له.
بخلاف تسديد ديون العزبي، أبدت المصادر تخوفًا من أن تساهم الشراكة الجديدة في تحصين الشركة الناشئة ضد أي مشكلات في السوق، ما يعطيها أفضلية على باقي منافسيها من سلاسل الصيدليات الأخرى أو حتى عشرات الآلاف من الصيدليات الفردية المنتشرة في أنحاء الجمهورية.
من جانبه، أشار حجاج إلى أن الشراكة مع الدولة تضفي صفة قانونية على وضع غير قانوني أصلًا، وهو ما اتفق معه مدير مركز الحق في الدواء، محمود فؤاد، الذي استنكر شراكة الدولة مع كيان غير قانوني، حتى وإن كان يتمكن من توفيق أوضاعه بطرق اعتبرها «احتيالية».
يشير المصدران إلى قانون مزاولة مهنة الصيدلة (127 لسنة 1955) الذي يحد من تملك صيدلي واحد أكثر من صيدليتين؛ ما يتجاوزه العزبي، وباقي سلاسل الصيدليات، عن طريق تأسيس شركة لإدارة الصيدليات.
كان العزبي أحد مالكيّ سلاسل صيدليات شُطبا نهائيًا من جداول الصيادلة في وزارة الصحة، في 2019، وسقطت عضويتهما في نقابة الصيادلة بعد عدة أحكام قضائية أثبتت مخالفتهما لقانون الصيادلة، بفتح وإدارة أكثر من صيدلية عبر شراء أسماء تجارية لصيادلة آخرين عوقبوا بدورهم بالإيقاف عن مزاولة المهنة لمدة سنة.
بسبب هذا الوضع، تساءل حجاج إن كانت الشراكة الجديدة مختلفة عن شراكة بين الحكومة وتاجر لتهريب الآثار بعد إدراكها حجم المكاسب التي يجنيها. «انت كده كنت بتجرّم شغل وبعدين بتكتشف إنه فيه مكسب فبتخليه شرعي».
من جانبه، قال رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، علي عوف، لـ«مدى مصر» إن وضع صيدليات العزبي في الوقت الراهن «قانوني 100%، إذ أن الحكومة المصرية لا تدخل في شراكات مع جهات غير قانونية».
وأضاف عوف: «الصيدليات موجودة باسم أصحابها. العزبي فقط يدير الصيدليات دي، ولا يملكها، وهو ما لا يمنعه القانون؛ بالتالي، وضعهم حاليًا قانوني. وحتى شطب عضوية العزبي من النقابة لا يؤثر سوى على الصيدليتين اللتين يملكهما، ولا يؤثر على باقي الصيدليات الخاضعة لإدارته».
أما عضو مجلس «الصيادلة» فتساءل إن كانت صفقة الشراكة مع الصندوق السيادي بمثابة قبلة نجاة للعزبي، «دخول صندوق حكومي يعني أن الدولة بتراهن بفلوس الشعب على نجاح مؤسسة بتخسر. يبقى يا إما هما هيخلوا المؤسسة دي تكسب بطرق مختلفة، أو هتخسر فلوس الدولة»، مضيفًا أن الصفقة «ممكن تنقذ العزبي، لكن على حساب صغار الصيدليات».
نائب رئيس الشعبة العامة لأصحاب الصيدليات، أحمد السقا، قال لـ«مدى مصر»، إن الصفقة الجديدة تثير قلق أصحاب الصيدليات، لأن مخطط زيادة عدد صيدليات العزبي إلى 600 يعني بطبيعة الحال ضعف قدرة أصحاب الصيدليات على المنافسة، لأن سلسلة العزبي ستتحول إلى عملاق في سوق الصيدلة.
وأضاف السقا: «إجمالي عدد الصيدليات في مصر يصل إلى 80 ألف صيدلية، لكن العزبي هو السلسلة الأضخم بفارق كبير بين ثاني أكبر سلسلة، وهي صيدليات ‘مصر’ التابع لها نحو 50 صيدلية، أي خُمس عدد صيدليات العزبي، والفارق طبعًا سيتسع عند تنفيذ المخطط».
«سوق الدوا ده كعكة، العزبي والصيدليات الكبيرة بتاكل 80% منها، والباقي الصغيرين والمتوسطين، اللي بيوصل عددهم لحوالي 50 أو 60 ألف صيدلية بياكلوا الباقي. طب لما الشركة الجديدة تيجي تكبّر العزبي أكتر، هيكبر على حساب مين؟ هل الصيدليات الصغيرة هتقفل؟ ولاّ هيشتري السلاسل التانية ويحتكر هو 80% من سوق الدواء، وبرضه الصيدليات الصغيرة تقفل؟»، يتساءل حجاج.
الأمر ذاته أشار إليه فؤاد، مؤكدًا أن هذا الشكل من الشراكة سيقضي على الصيدليات الصغيرة والمتوسطة في ظل ضعف قدرتها على المنافسة، «لو زمان كانوا بينافسوا العزبي بـ250 فرع، دلوقتي هينافسوا الدولة بـ600 فرع».
كان بيان وزارة التخطيط عن صفقة «العزبي» نقل عن الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي، أيمن سليمان، إن الشراكة الجديدة سيكون من شأنها تقديم «نموذج عمل جديد للصيدليات الفردية [غير التابعة للسلاسل الكبيرة] لدعم نموها وتطوير خدماتها».
على الجانب اﻵخر، رأي عوف أن هذا الشكل من الشراكات يرفع من مستوى المنافسة بين الصيدليات ولا يلغيها، مشيرًا إلى أن الحفاظ على ربحية الصيدليات الصغيرة هو دور النقابات الفرعية الموجودة بالمحافظات، والتي يُمكن أن تباشر العمل على ذلك، حتى وإن كانت النقابة العامة موضوعة تحت الحراسة.
واستطرد: «النقابات الفرعية شغالة تعمل فطار رمضان ورحلات الساحل في الصيف، لكن ممكن تقوم بدورها الحقيقي وتستغل مواردها المالية في تنظيم عمل الصيدليات الصغيرة ورفع مستواها لتتمكن من المنافسة».
جانب آخر من تخوفات العاملين في سوق الدواء ارتبط بعلاقة سلسلة «العزبي»، بعد إتمام الصفقة، بالشركة المصرية لتجارة الأدوية، التابعة لقطاع الأعمال، والمنوط بها مد الصيدليات بأنصبة محددة من الأدوية مستوردة مدعومة، بحسب السقا.
يوضح محمد السعودي، مدير صيدلية، أن العزبي كان يضغط بالفعل على الصيدليات الصغيرة من خلال شركة «مالتي فارما»، ذراع استيراد وتوزيع الأدوية التابعة له، والتي كانت مستورد حصري لبعض الأدوية غير الخاضعة للتسعير الإجباري للدواء من ناحية، و«كانت تركز التوزيع على صيدليات السلسلة بشكل أساسي، ما يجعل العزبي محتكرًا لبعض الأدوية، وبالتالي يتحكم في سعرها»، من ناحية ثانية،.
بحسب السعودي، كان هذا الشكل من الممارسات الاحتكارية يحدث بالفعل أثناء وجود العزبي كلاعب عادي في السوق، وهو ما يتوقع أن تتوسع فيه الشركة الجديدة بشدة استغلالًا لوجود الحكومة فيها.
ومع ضبابية المعلومات حول مستقبل تلك الشراكة، لفتت المصادر إلى وسيلة أخرى يُمكن أن تساهم في ربحية الشركة الجديدة، هي نظام التأمين الصحي الشامل بعد تعميم في كل المحافظات.
مصدر بقطاع الدواء، طلب عدم ذكر اسمه، توقع أن يكون دخول الدولة إلى منظومة الدواء في هذا الوقت سعيًا لدخول منظومة التأمين الصحي الجديدة، «لو فيه منظومة تأمين صحي، هل الأسهل نتعاقد مع صيدليات مختلفة كل واحدة ليها إدارة شكل، ولاّ أتعاقد مع سلسلة عندها 600 صيدلية وأكتر فيكون التعامل أسهل، خصوصًا أن بعد شوية ماحدش هيشتري دواء من بره التأمين».
التوقع ذاته أكد عليه عوف، الذي أشار إلى أن التعاقد مع نظام التأمين الصحي يستلزم ضوابط معينة ومعايير تخضع للمتابعة المستمرة، بداية من تجهيز الصيدلية وتدريب العاملين بها، وتخزين الأدوية، ومراجعة المبيعات، وخلافه، ما يسهل حدوثه مع شركة واحدة تدير مئات الصيدليات، بدلًا من متابعة عشرات الآلاف منها.
بالنسبة لحجاج، فإن ذلك «عذرًا أقبح من ذنب»، يوضح: «لو المشكلة في عدد الصيدليات، طب ما تشغل الصيدليات الصغيرة في منظومة التأمين الصحي. افتح طلب، وخلي الناس هي اللي تقدملك لحد عندك وتجهز نفسها. الصيدليات، خصوصًا الصغيرة، تقدر تغطي الجمهورية كلها وأماكن مستحيل تعرف توصلها، وساعتها يبقى نظام مشابه لنظام مخابز العيش المدعم».
أول تحرك مضاد للصفقة أتى من المحامي هاني سامح، الذي قدم بلاغًا لمجلس الوزراء لوقف الصفقة، بسبب ما وصفه بغياب المعلومات عنها، حسبما قال لـ«مدى مصر»، لافتًا إلى وضع نقابة الصيادلة تحت الحراسة، فضلًا عن تعطُل آليات الرقابة السابقة واللاحقة، بإقرار قانون تحصين عقود الدولة بداية العام الجاري، وغياب جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، رغم إقرار تعديلات على قانونه نهاية العام الماضي، لتشديد رقابته على عمليات الدمج والاستحواذ من خلال فرض رقابة مسبقة عليها، عبر الإخطار المسبق الذي يتبعه فحص الصفقة المزمعة لمنع «الحد من حرية المنافسة أو تقييدها أو الإضرار بها»، بحسب نص التعديلات.
بحسب خبير في إجراءات وتشريعات حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، طلب عدم ذكر اسمه، «النصوص الجديدة التي تضمنتها التعديلات معطلة حتى الآن بدعوى عدم صدور اللائحة التنفيذية الجديدة للقانون، ما يعني أن الصفقة الجديدة لن تخضع للفحص المسبق للجهاز».
حجاج من جانبه رأى أن قدرة الدولة على التحكم في القوانين والانتقائية في إنفاذها، قد تساعدها في ضمان ربحية الشركة أو منحها معاملة خاصة، ودلل على ذلك بحملات هيئة الدواء للتفتيش على الصيدليات، «طب العزبي عنده مخالفة، هتروح لمين؟ هل أصلًا مفتش هيئة الدواء هيقدر يفتش على صيدلية معروف إن أحد مساهميها اسمه صندوق مصر السيادي؟».