المشهد يناقش أزمات القارة الإفريقية وانقلاب النيجر

التاريخ : الخميس 10 أغسطس 2023 . القسم : إقليمي ودولي

مضامين الفقرة الأولى: أزمات القارة الإفريقية

قال الإعلامي نشأت الديهي إن الصراعات والنزاعات انتقلت من القرن الإفريقي، إلى منطقة الصحراء الكبرى، ومنها إلى منطقة الغرب الإفريقي، حيث الدول الأكثر ثراءً مثل النيجر وجيرانها، وانتهت إلى انقلابات في دول إفريقية وتدخلات من الجيش، وأعقبها تدخلات دول أجنبية، مضيفًا أن هناك من يتساءل إذا ما كان انتشار المرض والفقر والجهل يسرع من استدعاء القوات الأجنبية إلى للتدخل في الدول الإفريقية أم أن دول أوروبا تتدخل في الغرب الإفريقي من بسط أجل النفوذ الإقليمي دون أسباب تستدعي ذلك.

وذكر أن هناك من يتساءل عن مستقبل الجماعات الإرهابية المتطرفة في هذه المنطقة التي تمددت من منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان إلى منطقة الغرب الإفريقي، في ظل وجود تنافس مرير بين داعش والجماعات الأخرى، وفي ظل وجود إرهاب محلي من بوكو حرام وشباب الصومال، ما يتسبب في ازدياد حركات النزوح إلى الدول المجاورة ودول أوروبا؛ هربًا من الأوضاع الإفريقية.

وقال المفكر السياسي عبد المنعم سعيد عضو مجلس الشيوخ، إن العالم مثل جسم الإنسان، وبالتالي بعض الأعضاء الأضعف فيه هي التي تتلقى الصدمات، مشيرًا إلى أن الأزمات الاقتصادية المترتبة عن التغيرات المناخية والاحتباس الحراري تسببت في توتر دول العالم؛ ولذلك دول قارة إفريقيا الأكثر فقرًا هي من تشعر بزيادة في عدم الاستقرار. وأضاف أن هذه المنطقة تعاني من اختزان السلاح وتجارة البشر والمخدرات، في ظل الحديث عن وجود ثروات طائلة فيها، مشددًا على أنه لا يوجد بلد فقير في العالم، مبينًا أن الحديث الدائر الآن عن ماذا فعل الاستقلال لبعض دول إفريقيا بعد مكافحة الاحتلال.

وأشار إلى أن القضية الآن تكمن في كيفية تفكير النخب السياسية الإفريقية في دعم التنمية في بلادها. ولفت إلى أن إفريقيا بالنسبة للعالم ودول أوروبا تمثل موجات متتالية من الهجرة. وذكر أن ليبيا نزح إليها 650 ألف مهاجر لاجئ ينحدروا من أصول إفريقية.

ولفت إلى أنه رأى فرحة شعبية كبيرة من حدوث انقلاب النيجر. وأشار إلى أن مصر رغم عدم طرحها رأي سياسي مباشر تجاه انقلاب النيجر، إلا أنها ترى أن عمليات التدخل في تغيير السلطة من عدمه تفتح أبواب كثيرة إلى نشر هذه الانقلابات.

ورأى الدكتور محمد كمال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن فكرة الدولة القومية في إفريقيا لم تتبلور بعد، وتواجه مشكلات حقيقية. وذكر أن معظم الدول الإفريقية نشأت بمخططات استعمارية بحدود مصطنعة، وما زال عنصر القبلية منتشر فيها، فضلًا عن انتشار الفساد في بعض الدول. وأضاف أن حالة السيولة في النظام الدولي -التي انتهت إلى مرحلة ما بعد الحرب الباردة- تسببت في ضعف الدور الدولي مثل أمريكا وفرنسا في القارة الإفريقية لا سيما أنهما يعانيان مشكلات داخلية، مستدلًا في ذلك باندلاع حرب أهلية في فرنسا منذ عدة أشهر، ما تسبب في خلق فراغ في إفريقيا تسعى الصين وروسيا إلى ملئه.

وأضاف أن هناك مشكلات داخلية في معظم دول إفريقيا بشأن العملية السياسية، وانتخاب شخص يعاني لاحقًا من عدم الإجماع عليه سياسيًا وتشكيك في عملية انتخابه لأن هناك خصم من قبيلة أخرى منافسة يعمل على ذلك. ولفت إلى أن معظم الدول الإفريقية تعتمد في الأساس على عملية التمويل الغربي لدعم التنمية في بلادها، وتطوير البنية التحتية، وتشجيع القطاع الخاص. وذكر أن التقاليد السياسية الغربية في أمريكا ودول الغرب تعتمد على سيطرة المدنيين على العسكريين، لكن منذ لحظة استقلال الدول الإفريقية يلعب الجيش دورًا أساسيًا في عملية الحكم، وربما لا يكون حاكمًا للدولة الإفريقية، ولكنه يمثل مكونًا أساسيًا في عملية الإدارة والسلطة، ويحظى بتوافقٍ وطني بين النخب؛ ولذلك نجد الجيش يطيح بالحكومة الموجودة حال فشل المكون المدني.

وذكر أن منطقة الساحل والصحراء هي مفرخة للإرهاب لدول أوروبا التي لديها ساحة صراع ما بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وذكر أن الوجود الروسي في الغرب الإفريقي من أجل أن يكون وسيلة ضغط على دول الاتحاد الأوروبي خلال الصراع مع أمريكا. ورأى أن استخدام الحل العسكري في انقلاب النيجر يعد ضربًا من الجنون.

وقالت الدكتورة هبة البشبيشي مدرس العلوم السياسية، وخبيرة في الشؤون الإفريقية، إن المشهد في النيجر يختلف تمامًا عن الموقف في بوركينا فاسو ومالي، لا سيما أن النيجر لها أهمية كبرى في الساحل الإفريقي. وذكرت أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على النيجر في القواعد العسكرية، وبالتالي لا يمكن أي يُسمح بتوقف الطيران وإغلاق المجال الجوي في هذه المنطقة. وأيَّدت تدخل دول الإيكواس والقوات العسكرية لحل هذا الاشتباك.

ورأت أن اعتبار الفساد، والتدهور الاقتصادي، وانتشار الفقر، وعلاقة محمد بازوم بباريس مدعاة للانقلاب العسكري، لا يعد سببًا حقيقيًا للانقلاب أو مؤثرًا في ذلك. وذكرت أن التوترات بين قائد الحرس الجمهوري ورئيس النيجر هي السبب الحقيقي في حدوث الانقلاب لا سيما أن الأخير أعلن للمحيطين به اعتزامه الإطاحة برئيس الحرس الجمهوري، ولذلك في خطوة استباقية انضم رئيس الأركان والقوات المسلحة لرئيس الحرس للانقلاب على بازوم.

وقال خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن التدخل الخارجي من أوروبا في النيجر، ودول الغرب، يتحفظون على تدخل دول الإيكواس في انقلاب النيجر، في ظل الانقسام الداخلي، ووجود المنطقة على صفيح ساخن، لا سيما أن القوى الدولية حاضرة بقوة في المنطقة. وذكر أن الجيش في النيجر رفض مناشدة من الرئيس محمد بازوم، مبينًا أنَّ رئيس أركان الجيش أيَّد ما جرى من الانقلاب على بازوم. ولفت إلى أنه لم تنتهي إمكانية عودة الرئيس بازوم إلى مقعد السلطة، مبينًا أن أمريكا هي من تدير عمليات التوافق عبر سفرائها وعلاقاتها القوية في هذه المنطقة.

وذكر أن هناك نوعًا من التسخين الروسي في هذه الأحداث بما يهدد الجنوب الأوروبي، لكنه أكد أن وجود فاغنر مبالغ فيه من أوروبا. وذكر أن أمريكا ترى أن النيجر رمانة الميزان في منطقة الساحل والصحراء كما تعد المنطقة الأكثر اشتعالًا وسخونة، لا سيما أنها تعاني إرهابًا معجونًا بالتوافق مع الجريمة المنظمة والحركات الانفصالية وكثير من الفرقاء في هذه المنطقة. ولفت إلى أن روسيا وفرنسا كان يلجمان الإرهاب في هذه المنطقة خوفًا على مصالحهما، وتمدد الإرهاب إليهما.

وقال رمضان قرني، خبير بالشؤون الإفريقية، إن منطقة القرن الإفريقي بها تمدد من التنظيمات الإرهابية وتعاني من التحول في المواقف الدولية تجاهها، مبينًا أنه منذ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هناك حديث عن تطور في العلاقات الإفريقية الأمريكية، وصياغة استراتيجية جديدة، لكننا وجدنا تحولات في منطقة الساحل الإفريقي وتراجعًا في أجندة العلاقات الإفريقية الأمريكية، وانقلابات في دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد. وذكر أن هناك حالة قبول وتمرير أمريكي وأوروبي وغربي لوجود الأنظمة العسكرية في القارة الإفريقية، لا سيما أنها دولًا تعتمد على مساعدات غربية. ولفت إلى أن خروج فرنسا من مالي كان خروجًا مهينًا لها، وبات انقلاب النيجر بالنسبة لباريس خسارة في الاستراتيجية الخارجية لها.

ورأى أن التوترات بين الغرب وروسيا انتقلت إلى القارة الإفريقية، في ظل أن الخطاب الأمريكي لا يتهم فاغنر بالضلوع في انقلاب النيجر، لكن وسائل الإعلام الأمريكي والتحليلات الغربية تتحدث عن الدور الأساسي لقوات فاغنر في النيجر خاصة وإفريقيا عامة، بينما الخطاب الروسي يتحدث عن عودة الشرعية الدستورية في النيجر. ورأى أن ظهور روسيا وفاغنر في هذه الأحداث يعد خطأ استراتيجيًا، كما أن كتابة الرئيس محمد بازوم مقالًا في جريدة الواشنطن بوست يحذر فيه من وجود صلة تربط قادة الانقلاب بمجموعة "فاغنر"، يعد أيضًا خطيئة استراتيجية، لأنه ليس هكذا تُدار الأمور وقت الأزمات.

وقال الدكتور أيمن سمير خبير العلاقات الدولية، إن الوضع في النيجر كان من الممكن أن يجري تجاوزه وتخطيه في ظل الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية بالنسبة لدول الغرب، وعدم حدوث هذا الاهتمام العالمي مثلما يحدث الآن. وذكر أن التكالب الدولي على إفريقيا تسبب في تطور الأحداث بهذه الشاكلة. وذكر أن هناك صراعًا استثماريًا في إفريقيا، مستدلًا بأن الاستثمارات الهندية أكثر من نظيرتها الروسية. ولفت إلى أن المواطنين في النيجر وإفريقيا لديهم عداء مع فرنسا بينما لديهم قبول مع روسيا، وربما يعود هذا العداء إلى وقائع الاستعمار، كما أن فرنسا تشتري المواد الخام من إفريقيا بشروط بخسة.