الشاهد: محمد سلماوي: تلقيت تهديدات من جماعة الإخوان باستهداف أولادي
التاريخ : الأربعاء 30 أغسطس 2023 . القسم : سياسية
مضامين الفقرة الأولى: الإخوان
قال الأديب محمد سلماوي، إنه أول من زار الأديب نجيب محفوظ بالمستشفى بعد محاولة اغتياله أمام منزله. وأضاف أنه كان في منزله، وكان يوم جمعة، وفوجئ بتليفون من جريدة الأهرام، وقيل له وقتها إن مساعد رئيس التحرير يريد منك كتابة شيء سريع عن نجيب محفوظ، بسبب حادث محاولة اغتياله. وتابع: «وقتها سألت حادثة من؟ قالوا لي حصلت محاولة اغتيال لنجيب محفوظ أمام منزله وهو الآن بالمستشفى ولا نعرف شيئًا آخر، فقلت حالًا سأكتب، وأمسكت بالقلم لكن وقتها لم أستطع كتابة شيء». وأشار إلى أن نجيب محفوظ دخل مستشفى الشرطة وكان بوضع صعب، ودخل العمليات فور دخوله المستشفى، وكانت الزيارة عنه ممنوعة.
وأضاف أنه في اليوم التالي لمحاولة الاغتيال ذهبت إلى المستشفى وكانت الزيارة ممنوعة، ولكني ذهبت لأعرف ماذا حدث، فقابلت مسئول الخدمات الصحية بوزارة الداخلية، وسألته عن حالته، فقالي لي إنه سيدخل له حالًا ويعرف، وعندما خرج قالي لي ادخل، نجيب يريدك لكن لا تجلس معه كثيرًا. وأردف: «دخلت وجدت نجيب محفوظ يضحك، ويقول لي أهلًا وسهلًا، وكأني أذهب إليه منزله وهو في حالته العادية، وحكى لي ما حدث».
وعن تفاصيل محاولة الاغتيال، قال: «نجيب قالي لي إنه كان أمام منزله في العجوزة يوم الجمعة، وكان معه صديق طبيب، وأنه فوجئ وهو يجلس في الكرسي الذي بجانب السائق بشخص، اعتقدت أنه يريد أن يسلم عليه، ولكن فجأة ضربه بخنجر في رقبته».ولفت إلى أنه من حكمة ربنا، أن الصديق الموجود بجانب نجيب محفوظ كان طبيبًا، وأن منزل نجيب محفوظ على بعد خطوات من مستشفى الشرطة، ولذلك خلال أقل من 10 دقائق كان نجيب محفوظ في غرفة العمليات. وأردف: "نجيب محفوظ قال لي، كنت أشعر إن وحش أنشب أظافره في رقبتي، ووجدت الدم يتفجر والولد جري.
وقال إنه سعى إلى الوصول لمنفذ محاولة اغتيال الأديب العالمي نجيب محفوظ للحديث معه، وحتى أن يذكر له أن "نجيب" سامحه على هذه الفعلة. وأضاف أنه كان يريد أن يرى موقف منفذ محاولة الاغتيال وتأثير معرفته بمسامحة نجيب محفوظ عليه. وتابع: «ذهبت للولد وسألته عن زميله الذي كان معه يوم العملية فقال إن زميله استشهد، ووقتها وجده شاب شكله مثل أي شاب مصري لونه قمحي وتقاطيعه مصرية وليست فظة وهادئ وساكت لكن مغيب تماما». وأردف: «سألته قلت له أنت لا تقرأ؟ فقال لي حتى أدخل الجماعة الإسلامية قرأت 20 كتابا، فسألته هل قرأت لنجيب محفوظ، فقال أستغفر الله العظيم. فقلت له لماذا؟ قال لأنه يهاجم الإسلام». ووصل: "قلت له ألم تفكر أن الكلام الذي وصل إليك خطأ؟ قال لي في أناس تفكر وأنا أنفذ، ومن يفكروا قالوا إن نجيب محفوظ كافر ويهاجم الإسلام، فقلت له أنت عارف نجيب محفوظ الذي حاولت تقتله مسامحك، فقال لي لا أهتم، فقلت له هو مشغول بك وكيف تكون قاتل، قال لي أنا أنفذ أوامر أمير الجماعة، ثم سألته لو رأيت نجيب محفوظ فماذا تفعل؟، فقال سأحاول تنفيذ المهمة وأقتله، فقلت له ربنا الذي تعملوا كان له إرادة أخرى فأفشل إرادتكم».
وقال إنه نقل تفاصيل اللقاء الذي دار بينه وبين الشاب، الذي حاول اغتيال الأديب نجيب محفوظ، له ولكن بعد خروجه من المستشفى. وأضاف أنه لم يخبر "محفوظ"، وقتها أنه سيقابل هذا الشاب، ولكنه رأى كأديب أن هذا واجبه خاصة أن نجيب محفوظ رفع اسم مصر عاليًا وأنه كلما كان يسافر للخارج والناس تعرف أنه أديب يسألونه عن نجيب محفوظ. وأوضح أن نجيب محفوظ لم يكن كاتبًا فقط ولكنه كان رمزًا لوجدان مصر، وكان رمزًا للإنسان المحب للبلد والحارات والأزقة وتجسيد للمصريين، مشيرًا إلى أنه كان يجسد كل الصفات الحميدة للمصريين في الاعتزاز بالنفس والأدب وروح الدعابة. وأكد أن نجيب محفوظ علق على الحوار الذي دار بينه وبين الشاب الذي حاول اغتيال "محفوظ"، مؤكدًا أنه كان متوقعًا لأنه قال له خلال تواجده بالمستشفى "عملوا لهم غسيل عقول وكان هذا الشاب من الممكن أن يكون بطلًا رياضيًا".
وذكر أنه عند قراءته لخبر تنفيذ حكم الإعدام في الشاب الذي حاول اغتيال الأديب نجيب محفوظ، لم يشعر بأي مشاعر تجاهه. وأضاف أنه خلال لقائه مع هذا الشاب حاول إثارة مشاعره ولكنه وجد لديه إصرارًا على تنفيذ الأوامر حول اغتيال نجيب محفوظ. وأكد أنه يوجد ثلاث شخصيات محسوبين على الفكر الإسلامي بدرجات مختلفة وقد تقربوا من نجيب محفوظ وكل وحد منهم كان له ظروفه الخاصة، ولا يمثل الجماعات للتقارب، وأولهم عبد المنعم أبو الفتوح كان يحاول أن يتمايز عن الإخوان حتى عمل اتجاه خاص لنفسه، مشيرًا إلى أن ما كان يقوم به أبو الفتوح، غير معبر عن سياسة رسمية للإخوان وإنما كان تلميع لشخصيته وأنه متفتح وقريب للثقافة والأدب في وقت كان يتهم هذا المجال بأنه معادٍ للفكر والثقافة والأدب.
وتابع أن الشيخ محمد الغزالي طول الوقت شيخ مستنير وابنته كانت متزوجة من نجل إحسان عبد القدوس، ولا نستطيع حساب تصرفاته على الإخوان لأنه زار نجيب بعد الحادث بعد أن اتصل محمد عبد القدوس به، وقال له إنه يريد زيارته وأحضر سلماوي مصور الأهرام ونشرت في الصفحة الأخيرة، مشيرًا إلى أن الثالث هو أحمد كمال أبو المجد، وهو من كتب مقدمة "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ.
وذكر أنه جاءته تهديدات من الإخوان باستهداف أولاده، وبأنهم يعلمون مدارسهم ومواعيد عودتهم من المدارس، ومن هنا توصلت لضرورة أن يكون هناك حراسة على البيت لكن أنا كنت أقلل من الحراسة الشخصية. وأضاف أنه حاول التهرب من الحراسة الشخصية، ففي بعض الأوقات كان يفضل الخروج مع زوجته للعشاء، وبالتالي ليس من المعقول أن يعزم شاب الحراسات معنا، حيث كان لا بد أن يكون معه بصفة مستمرة.
وقال إن منفذ محاولة اغتيال الأديب العالمي نجيب محفوظ ذهب إلى منزله قبل تنفيذ محاولة الاغتيال بيوم واحد، ومن حسن الحظ أن "نجيب" لم يكن بالمنزل، فخرجت زوجته وأكدت لطارق الباب بأنه غير موجود، وطلبت من منفذ محاولة الاغتيال بأن يأتي له في اليوم التالي الساعة 5 مساء لأن "نجيب" سيكون في موجودا في هذا الموعد أمام المنزل.
وأضاف، أن منفذ محاولة الاغتيال ذهب إلى منزل نجب محفوظ بخنجر ومسدس، وبسؤاله عن السبب فقال حتى يذبح نجيب محفوظ ويهدد الأسرة بالمسدس لعدم الإمساك به. وتابع: "في زيارتي لنجيب محفوظ بالمستشفى قال لي إنه ذهب إلى المستشفى بعد محاولة الاغتيال وكان يمشي على قدميه، وطلب أن يصعد سلم المستشفى بنفسه ولكن رفض العاملون بالمستشفى، وأخذوه إلى غرفة العمليات".
وتحدث عن سبب هذه العملية الإرهابية وقتها، فقال: «الوضع في هذا الوقت كان قويًا على الإخوان، خاصة بعد عملية اغتيال فرج فودة، وبسبب إن الأمن كان يحاول ضبط المنفذين حدث تراجع للعمليات الإرهابية، ولذلك اختاروا شخص نجيب محفوظ، لأن الوصول إليه سهل وأن اغتياله سيحدث حديث عاملي لأن نجيب محفوظ حاصل على جائزة نوبل». وأردف: «أرى أن تفكيرهم في اغتيال نجيب محفوظ يعكس ضعف الجماعات الإرهابية وقتها في مصر، لأن اغتياله لا يتطلب استعدادات خاصة».
وأشار إلى أن نجيب محفوظ وقتها كان يتساءل دائما ماذا فعلت جماعة الإخوان في شبابنا؟، وقال: كيف عملوا للشباب غسيل مخ، أنه يختار يبقى قاتل وهو شاب في مقتبل حياته، وقال لي إنه مشفق على القاتل، لأنه ضحية، وقال أنا أسامحه، ولكن عندما قلت له يعني أنت لا تريده يتحاكم، فرد قائلا: «أسامحه لكن العدالة تأخذ مجراها».
وذكر أن الكاتب يتعامل مع وجدان الناس وأرواحهم ومشاعرهم، بخلاف أن تقرأ مقالًا في الجرنال، كما أن مسرحية "الجنزير" تم نشرها في كتاب، وقد كان تأثير العمل المسرحي أكبر. وأوضح أن الفنانين الذين جسدوا شخصيات مسرحية "الجنزير" كانوا في غاية الترحيب، لافتًا إلى أن المخرج جلال الشرقاوي أخبره بأنه منذ سنوات ينتظر مسرحية مثل هذه، وبأنه لأول مرة سيتعامل مع القطاع العام، وكذلك الفنان عبد المنعم مدبولي، والفنانة ماجدة الخطيب التي كانت تعتبر عودة لها بعد سنوات، وكانت المسرحية هي بمثابة انطلاقة خالد النبوي.
وأشار إلى أن الأديب نجيب محفوظ كان مهتما بشكل كبير بمسرحية "الجنزير" لأنه سمع الكثيرين يتحدثون عنها، متابعا: «أثناء جلساته مع أصدقاءه يحدثونه عن مسرحية "الجنزير"، فسألني عن حكاية الجنزير، فرويت له تفاصيل الحكاية، فسألني عن كتاب "الجنزير" وقد قرأت له فصل كامل في يوم، وفي اليوم التالي قرأت له الفصل الثاني».
وأضاف أن الأديب نجيب محفوظ بكى عندما سمع نهاية المسرحية، لكنه أصر أن يرسل رسالة تحية للفريق، فقد أخبرني بأنه لا يستطيع الذهاب إلى المسرح، لكن الممثلين الذين جسدوا هذا النص لا بد أن أحييهم، فأملاني كلمة تحية لهم، وعندما ذهبت إلى المسرح ليلًا أخذتها إليهم، فكانوا في غاية السعادة بهذه التحية، وقالوا لي خذ لنا معاد مع الأستاذ نجيب محفوظ لزيارته وشكره على هذه التحية، وبالفعل ذهبنا له وأخذنا تورتة له احتفالًا بالمسرحية ونجاحها، وقد كانت جلسة في غاية الجمال.
وذكر أن أكثر من مدير فرقة مسرحية طلب حجز مسرحية "الجنزير"، ليفتتح بها الموسم الجديد، وعندما كان يرسلها لهم لا يجد منهم أي رد وشعر أن هناك مقاومة لخروج المسرحية للنور. وأضاف أن أحد المديرين كان صديقه فسأله عن سبب رفض المسرحية أو أنه لا يوجد ميزانية لها فقال له إنه خائف على المسرح لأنه من الممكن أن يفجروه، مشيرًا إلى أنه قام بنشرها وعندما نشرت أخذت جائزة أفضل مسرحية ككتاب وكان وقتها معرض الكتاب قد بدأ والناس بدأت تسأل عن عرض المسرحية. وتابع، أنه وقتها لم يكن هناك جائزة، وكان الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، يحضر افتتاح معرض الكتاب وكانوا يعلنون اسم الفائز ويصعد على المسرح لكي يسلم عليه الرئيس وهذا هو التكريم.
وذكر أنه عندما صعد للمسرح للتكريم عن مسرحية "الجنزير"، أمام الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، خلال الفترة افتتاح معرض الكتاب سأله عن المسرحية، فشرح له إنها تعالج الفكر الإرهابي. وأضاف أنه عند نزوله من على المسرح كان صفوت الشريف، وفاروق حسني في الصف الأول فسألوه ماذا كان يسأله الرئيس فأخبرهم إنه مهتم بالمسرحية، فتمت الموافقة على عرضها وحققت نجاحًا كبيرًا على مدار عامين ونجاحها فاق كل توقعاته لدرجة أنه كان لا يجد تذاكر لأصدقائه فاضطر لحجز الصف الأول يوميًا بالمسرحية.
وأكد أنه كان يوجد تأمين عالي للمسرح، ولأول مرة وضعت بوابات إلكترونية على باب المسرح، موضحًا أن التفاف الجمهور حول المسرحية هو من حماها لأنه كان من الصعب اختراق الجماهير والقيام بعمل إرهابي لأن هذا الاقبال كان تأييدًا للمسرحية. وأوضح أنه قبل تلقيه التهديدات فوجئ بوزير الداخلية يخبره أنه سيرسل له حراسة خاصة، وعندما أخبره أنه لا يحتاجه فأصر عليه فعرف أن لديه معلومات ولا يريد الحديث عنها، مشيرًا إلى أنه تلقى خطابات تهديد ولم يهتم بها لأن الحراسة موجودة وكان يريد أن يتخفف منها بعد شهر لأنها تمثل عبئًا عليه، وأنه عندما قرر الاتصال بالوزير وشكره حتى تلقى خطابًا باسم أولاده ومدارسهم ومواعيدها ووقتها شعر أنه حتى لو لم يكن محتاجًا للحراسة فأولاده يحتاجون لها، ووصل الأمر لحراسة على البيت.
وأشار إلى أن مسرحية "الجنزير"، كانت تصور عائلة مصرية وشخص منتمي لجماعة من الجماعات الإرهابية يقتحم بيتهم بطريقة ما ويأخذ الأسرة رهينة، مؤكدًا أن هذا كان فيه نوعًا من التنبؤ وهو ما حدث بعد ذلك حينما كانت مصر كلها رهينة في أيديهم عندما سيطروا على الحكم لعام. وأضاف أن المثقفين عليهم دور لمواجهة الخطر لأنهم كانوا يعيبون على الدولة أنها تحارب الإرهاب بالأمن فقط وعندما تحدث جريمة يتدخلوا أمنيا ويقبضوا على الناس ولكنها لا تواجه هذا الفكر المُجرم وعلى المثقفين القيام بذلك.
وتابع، أن محاولة اغتيال محفوظ هي أول محاولة لاغتيال أديب، فمحاولة اغتيال فرج فودة، ومكرم محمد أحمد، تدخل في باب الاغتيالات الأدبية السياسية وفرج فودة كان خصمًا سياسيًا لهم ودخل معارك كثيرة وكون حزبًا سياسيًا و"مكرم"، كان له باعًا طويلًا في التصدي لفكرهم. وأكد أن نجيب محفوظ، كان رجلًا مسالمًا ويمسك قلمه ويكتب روايات ولهذا شعر أن على الأدباء واجب أن يتصدوا لهذا الواقع، والدافع الثاني هو إحساس الكاتب بالتصدي لخطر ماثل أمامه يهدد البلد، والعنصر الثالث أنه شعر أنه لم يكتب أحد في الفكر الإرهابي، ولينين الرملي كتب عن الإرهاب في فيلم "الإرهابي".
وذكر أن الفن والثقافة والفكر مثل العشب الأخضر الذي كلما تم قصة عاود في النمو من جديد. وأضاف أن الفكر والثقافة والفن ليس مجرد جيش ينهزم فيمحى من الوجود أو يُباد تمامًا، مؤكدا أنه لا يمكن محو الفكر أو هزيمته ولا يمكن القضاء على الفن أو الموسيقى أو المسرح أو الأدب، طوال ما يوجد إنسان له روح ووجدان فإنه يعود مرة أخرى وينمو. وأوضح أن الأستاذ نجيب محفوظ، أصر بعد واقعة محاولة اغتياله ألا يغير أسلوب حياته، لكنه قال: "حرام عليكم أنا عشت طول عمري وسط الناس، فكيف تطلبون مني عدم الخروج من المنزل وعدم رؤية أحد"، كما أن الدكتور يحيى الرخاوي وهو صديق نجيب محفوظ، وكان عالم نفسي كبير، نصح بضرورة ألا يحدث هذا، وأنه يجب على الأستاذ نجيب محفوظ أن يمارس حياته بشكل عادي، لكنه غير ذلك سيحدث له نوع من النكوص وينغلق على ذاته.
وتابع: «نفس الشيء حدث معي، ففي مقابل التهديد والحراسة، فقد كان يوجد حولي إقبال جماهيري، والذي كنت أعتبره نوع من التأييد لأفكاري، وباعتباري كاتب مسرحي فإن أعلى تكريم من الممكن الحصول عليه ويكون له بالغ التأثير هو النجاح الجماهيري، وهو الذي بدوره صنع نوع من الدعم النفسي الكبير في مواجهة الخطر الذي كان يأتي من التهديدات».