كريستيان ساينس مونيتور: هل مصر حقًا أكبر من أن تفشل؟ عواقب المشاكل الاقتصادية في مصر

التاريخ : الخميس 31 أغسطس 2023 . القسم : ترجمات

لم يكن مجرد تأمين حد الكفاف أكثر صعوبة للمصريين من هذا الوقت، بهذه الكلمات تستهل صحيفة كريستيان ساينس مونيتور تقريرها عن عواقب الأزمة الاقتصادية في مصر.

وتشير الصحيفة الأمريكية في التقرير الذي أعدَّه مراسلها تايلور لاك إلى أن مصر سجلت معدل تضخم سنوي قياسي في يوليو الماضي بلغ 38.2%، بعد أن سجلت الرقم القياسي السابق (36.8%) في يونيو. وكان الرقم السنوي لأسعار المواد الغذائية 68.4%. والجنيه المصري في حالة هبوط حر وفقد 50% من قيمته مقابل الدولار منذ مارس 2022.

هناك نقص في العملة مع استمرار ارتفاع تكلفة السلع المستوردة، وخاصة القمح.

الانهيار الاقتصادي

ويلفت الكاتب إلى أنه ومن ارتفاع معدلات الهجرة إلى التعبيرات الجريئة عن السخط السياسي، فإن هذا يعني أن مصر، الدولة التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 113 مليون نسمة، تقترب من الانهيار الاقتصادي.

ونظرًا لأن اللحوم والدواجن والبيض أصبحت الآن بعيدة المنال للأسرة المتوسطة، تشجع الحكومة المواطنين على أكل هياكل الدجاج - والتي قد يكون من الصعب في بعض الأحيان العثور عليها بسبب الطلب عليها.

وأضاف الكاتب أن البلد المثقل بالديون، أكبر مقترض لصندوق النقد الدولي، على وشك التخلف عن السداد؛ 40% من ميزانية مصر تخدم ديونها. ويتعثر قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، وهو قرض تشتد الحاجة إليه، بسبب رفض الحكومة تنفيذ الإصلاحات.

ووجَّه انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب في البحر الأسود الشهر الماضي ضربة أخرى لدولة تلقت 80% من الحبوب والقمح من أوكرانيا وروسيا.

ويضيف الكاتب متسائلًا: ماذا يعني أن دولة يبلغ عدد سكانها حوالي 113 مليون نسمة تقترب من الانهيار الاقتصادي ؟

من يُحمِّل المصريون المسؤولية عن الأزمة ؟

يوضح الكاتب أن اللوم، في نظر كثير من المصريين، يقع على عاتق الرئيس الاستبدادي عبد الفتاح السيسي، الذي استولى على السلطة في ثورة مضادة عام 2013 ووعد بالاستقرار والازدهار، وهو ما جذب المانحين من الغرب والخليج العربي.

شرع الجنرال السيسي في تنفيذ سلسلة من المشاريع الضخمة الطموحة والمكلفة. وباستخدام الأموال المقترضة، قامت الحكومة ببناء مدينة إدارية في الصحراء بقيمة 58 مليار دولار، وتوسيع قناة السويس بتكلفة 8.2 مليار دولار، بالإضافة إلى الطرق السريعة والمناطق السياحية الساحلية. ويقول المحللون إن هذه المشاريع أفادت الشركات المملوكة للجيش وحلفائه، مما عزز شبكة محسوبيته وقبضته على السلطة.

انتقادات متصاعدة

وينوِّه الكاتب إلى أن مصر، ومع عبء الديون الثقيل وانكماش القطاع الخاص، أضحت عرضة للصدمات الاقتصادية الناجمة عن الوباء وحرب أوكرانيا. ومع ارتفاع معدلات الفقر ونضال الأسر من أجل تأمين لقمة العيش، بلغت الانتقادات الموجهة للرئيس أعلى مستوياتها على الإطلاق.

وتتوالى المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي والكتابات على الجدران التي تنتقد السيسي – وهي أفعال يعاقب عليها بالسجن المؤبد. وتحث شخصيات عامة السيسي على عدم الترشح لولاية ثالثة. وتنتقد الصحف الموالية للنظام والنقاد وحتى أعضاء البرلمان سياساته الاقتصادية علنًا، مما دفع الرئيس إلى الاتصال ببرامج حوارية للدفاع عن سجله.

ومع ذلك، يقول محللون إن المصريين، بعد 12 عامًا من الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، من غير المرجح أن ينتفضوا ضد الرئيس. وقد جرى حظر الجماعات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء أو نفيهم أو سجنهم أو قتلهم.

كيف يكون رد فعل المصريين بدلًا من ذلك ؟

يلفت الكاتب إلى أن عام 2022 شهد بالفعل رقمًا قياسيًا بلغ 22 ألف مهاجر من المصريين إلى أوروبا، وبالأساس عن طريق القوارب، حيث أصبحت مصر أكبر بلد منشأ للهجرة غير النظامية إلى أوروبا، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.

يقول الخبراء إنه من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم في عام 2023.

وضع ميؤوس منه

وينقل الكاتب عن تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطون، قوله: «يبدو الوضع ميئوسا منه على نحو متزايد، ولهذا السبب نشهد زيادة طفيفة في الهجرة غير الشرعية من مصر، وهو أمر لم نشهده من قبل على الإطلاق».

وفي يونيو، كان ما يقدر بنحو 200 مصري من بين أكثر من 600 شخص لقوا حتفهم في مأساة انقلاب قارب أدريانا بالقرب من اليونان، وهي أسوأ كارثة لقوارب المهاجرين في التاريخ الحديث.

على الرغم من الوفيات في البحر، لا يزال المصريون يبيعون المنازل والأراضي ويأخذون قروضًا لدفع رسوم تتراوح بين 4000 و 5000 دولار للمهربين لنقلهم من ليبيا عبر البحر المتوسط إلى أوروبا.

ومنذ أبريل، استضافت مصر تدفقاً لنحو 250 ألف لاجئ سوداني؛ ووسط صدمات الأسعار والتضخم، شددت مصر حدودها في يونيو، وقيدت دخول السودانيين الفارين من الحرب.

هل هناك انفراجة تلوح في الأفق لمصر ؟

لا يرى الكاتب تحقق انفراجة قريبة، مشيرًا إلى أن صندوق النقد الدولي ودول الخليج يصرون على قيام مصر بإجراء إصلاحات هيكلية وإدخال سعر صرف مرن قبل تزويدها بأموال إضافية، وهي إجراءات لا يستطيع السيسي القيام بها أو لا يرغب في القيام بها.

وبدلًا من تقليل قبضة الجيش على الاقتصاد، وهو مطلب رئيس لصندوق النقد الدولي، تقوم الحكومة بتوسيع قبضته، إذ اشترت الشركات التابعة للجيش مؤخرًا حصة 20% في شركة الطاقة المحلية طاقة.

وتطرَّق الكاتب إلى أن دول الخليج، التي ضخت 40 مليار دولار في مصر منذ صعود السيسي إلى السلطة، ترفض شراء أصول الدولة في البلاد. وتكافح مصر لجمع الأموال.

يقول كالداس: «من الصعب إلقاء الأموال على نظام فاسد أهدر مبلغًا هائلًا من المال ولم يُظهر اهتمامًا كبيرًا بتغيير نهجه، وهي الخطوة الأساسية نحو الإصلاح».

وتابع: «لا توجد شهية لعمليات الإنقاذ، ولماذا ستكون هناك شهية في ظل هذا الوضع ؟»

وبدلاً من ذلك، أظهر الحلفاء والدول المجاورة استعدادًا لتقديم مساعدات كافية فقط لدرء الانهيار، ولكن ليس بما يكفي لتمكين سياسات السيسي.

ومن بين شرايين الحياة تلك الاتفاقية مع صندوق أبو ظبي للتنمية في دولة الإمارات العربية المتحدة للحصول على منحة بقيمة 400 مليون دولار للمساعدة في دفع ثمن واردات القمح خلال الخريف. ومع ذلك، فإن الكثير من هذه المساعدات يقابلها جزئيًا ارتفاع بنسبة 8.6% في أسعار القمح العالمية بسبب انسحاب روسيا من صفقة الحبوب المدعومة من الأمم المتحدة.

ومع عدم وجود منقذين لضخ مليارات الدولارات في الأفق، فإن مقولة مصر «أكبر من أن تفشل» ستكون محل اختبار في الأشهر المقبلة - وكذلك قدرة المصريين على التحمل، وفق ما يختم الكاتب.