القاهرة تعوّل على حلول سياسية لأزماتها الاقتصادية
التاريخ : السبت 09 سبتمبر 2023 . القسم : اقتصاد
أزمة شديدة تواجهها القاهرة حالياً مع قرب حلول موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل، في ظل أوضاع معيشية تتجه إلى مزيد من التدهور ولا يجد لها النظام الحاكم حلاً ناجزاً، خصوصاً أن علاقاته بحلفائه الرئيسيين، الذين طالما مدوا يد العون، سواء في الإقليم مثل الدول الخليجية، أو على المستوى الدولي كالولايات المتحدة، ليست في أفضل حالاتها.
كما يقترب أيضاً حلول موعد استحقاقات مالية على الحكومة المصرية، لصالح دائنين دوليين، مما دفعها إلى محاولة التوصل إلى اتفاقات معهم من أجل تأجيل أقساط الدين، وإعادة جدولتها، حسب ما أكدت مصادر لـ"العربي الجديد".
وتواجه الحكومة مأزقاً، خلال شهر سبتمبر/أيلول الحالي، وفي الربع الأخير من العام الحالي، وذلك مع حلول مواعيد سداد مجموعة من الالتزامات والاستحقاقات لصالح الدائنين، وسط عجز حاد في السيولة من النقد الأجنبي، بعد توقف الكثير من صفقات الاستحواذ الخليجية أخيراً، وكذلك عدم إجراء المراجعة الثانية من جانب صندوق النقد الدولي بشأن القرض الأخير، الذي وافق عليه الصندوق لصالح الحكومة.
وكشفت مصادر رسمية مصرية لـ"العربي الجديد"، عن دخول الحكومة أخيراً مفاوضات مع صندوق النقد الدولي وبعض الدائنين، من أجل إعادة جدولة الديون المستحقة خلال الأشهر القليلة المقبلة، في ظل عدم قدرة الخزانة المصرية على الوفاء بها في مواعيدها.
وبحسب المصادر، فإن الحكومة ممثلة في وزارتي المالية والتعاون الدولي، بدأت منذ نهاية أغسطس/آب الماضي مفاوضات مكثفة مع صندوق النقد الدولي، من أجل جدولة التزامات وأقساط مستحقة للصندوق خلال الفترة الربع الأخير من العام الحالي.
مفاوضات مصرية لجدولة الديون
وبحسب مصدر تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن الحكومة المصرية "بدأت، بموازاة المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، مفاوضات أخرى مع عدد من الدائنين، لجدولة الأقساط والفوائد المستحقة على الديون المصرية".
ولفت المصدر إلى أنه "على الرغم من سعي الحكومة المصرية إلى تأجيل أقساط الدين، إلا أن هناك سيناريوهات أخرى إذا فشلت في التأجيل، منها بيع شركات حكومية رابحة مثل الشرقية للدخان، وذلك أحد الحلول المطروحة حالياً، لا سيما مع إحجام الشركاء والحلفاء الخليجيين، عن الاستثمار في مشروعات أخرى كما كان يحدث سابقاً".
وأوضح المصدر أن "القاهرة في إطار محاولاتها للمحافظة على سمعة اقتصادها، وقبل الدخول في المفاوضات الأخيرة من أجل إعادة جدولة الالتزامات المستحقة، عكفت على تدبير 250 مليون دولار مستحقة للصندوق لسداد شريحة من اتفاقية الاستعداد الائتماني البالغة قيمتها 5 مليارات دولار، كانت قد أبرمتها في عام 2020 كبادرة حسن نية قبل انطلاق المفاوضات الجديدة".
وكانت وكالة "موديز" قد أعلنت في 11 أغسطس الماضي، عن استمرار وضع التصنيف الائتماني السيادي لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية والنظرة المستقبلية، تحت المراجعة السلبية، لمدة ثلاثة أشهر إضافية، وذلك تمديداً للفترة التي أعلنتها في مايو/أيار الماضي.
في غضون ذلك، كشف مصدر دبلوماسي مصري في واشنطن لـ"العربي الجديد"، عن أن الأمور "لا تزال معقّدة بشأن التسهيلات المطلوبة والموجهة من جانب الحكومة المصرية لإدارة صندوق النقد". وقال إن "هناك حالة من التشدد بعدم التجاوب مع التسهيلات المطلوبة من جانب الحكومة، قبل تنفيذ الاشتراطات المحددة".
وأوضح أنه "تم إبلاغ مسؤولي الحكومة المصرية، بالتمسك بضرورة تحقيق المرونة في سعر صرف العملة المحلية في مقابل الدولار". وأوضح المصدر أنه "على الرغم من تأكيدات الحكومة المصرية خطورة خطوة تحرير سعر الصرف على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، إلا أن الصندوق لم يقتنع بالمبررات المصرية".
وتحاول الحكومة المصرية الصمود، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في وقت لم تحدده بعد في العام المقبل، للإعلان عن قرارات اقتصادية قاسية، من أجل إعادة الاتزان الاقتصادي، على الرغم مما قد تسببه تلك القرارات من غضب شعبي في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.
من جهته، كشف مصدر آخر عن أن "الفترة السابقة شهدت مفاوضات بين محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، وبعض الجهات السيادية التي تملك استثمارات في الخارج، بهدف جلب سيولة دولارية لتجاوز المأزق الراهن، وهو الأمر الذي لم يلقَ قبول تلك الجهات".
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، سعيد صادق، اعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن "مصر مهمة استراتيجياً بسبب قناة السويس، ويمر فيها نحو 14 في المائة من تجارة العالم، وتعرّضها لأي فوضى يزيد من الهجرة غير النظامية القادمة من شمال أفريقيا، وربما الإرهاب".
وأضاف أن "ما يساهم في ذلك هو ضعف المعارضة المصرية وعدم قدرتها على أن تقدم مرشحاً رئاسياً تتحد خلفه، يكون بديلاً عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أو حتى برنامجاً يحل مشاكل مصر من ديون، وسد النهضة، وفساد". وتابع "كذلك تفضّل القوى الخارجية الاستقرار على الفوضى مجهولة العواقب، ولذلك ستساعد في النهاية القاهرة لمنع تدهور وانهيار الأوضاع الاقتصادية".
تأجيل الإجراءات الاقتصادية
أما الباحث عمار فايد، فقال في حديث لـ"العربي الجديد": "لا أدري إذا كان شركاء السيسي يستطيعون المشاركة في تخفيف أزمة الديون الخارجية أم لا، لكن من الواضح أنهم يضغطون عليه، وهو أجّل الإجراءات الاقتصادية التي يجب عليه اتخاذها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة".
وتابع: "أما الغرب فيريد التزاماً باتفاق صندوق النقد، والسيسي لا يستطيع إكمال شروط صندوق النقد المفترض القيام بها، فأجّلها إلى ما بعد الانتخابات، مثل رفع الدعم أكثر وتعويم العملة المحلية، وستكون تبعات ذلك قاسية أكثر من المرات الماضية".
وعن تأثير الأزمة على الأوضاع السياسية الداخلية، قال فايد إن "هناك الكثير من الانتقادات، وهناك من يرى داخل النظام أنه لا ينبغي افتعال أي أزمة من النظام، لتجنب زيادة الضغط السياسي الداخلي عليه"، مشيراً إلى أنه "في المدى القريب، يوجد حلان لدى النظام، اللجوء إلى الاحتياطي النقدي، أو تنفيذ صفقة بيع كبيرة تكون مفاجئة من الأصول التي كان التقدم فيها يسير ببطء، حتى يتم توفير سيولة مباشرة. غير أن كل هذه الحلول مؤقتة، ولن يحدث التغيير الكبير إلا بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة".
وتابع فايد: "الأزمة ليست حسابات اقتصادية، بل هناك قرار سياسي، إما أن تتخلف الدولة عن السداد، أو تطلب بشكل رسمي إعادة توزيع ديونها، في حال عجزها عن السداد، ولكننا بعيدون عن ذلك على الرغم من كل الضغوط المحيطة".
وفي السياق، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير عبد الله الأشعل، لـ"العربي الجديد" إنه "في حال فشلت مصر في سداد ديونها في مواعيدها، سيجتمع الدائنون ويعلنون إفلاس مصر، وهذا نتيجة سوء الإدارة والعبث في البلاد".
وأضاف أن "الحل الوحيد أن يترك الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة، ويعلن خلفه أن قرارات الاستدانة اتخذت بلا حسابات مناسبة. أما الترشح مرة أخرى، فمعناه زيادة الأعباء علينا، ويجب أن يضحي الرئيس بنفسه في سبيل مصر التي تورطت في الديون والأزمات بسببه، لأن صرف القروض على بناء الطرق والجسور والمدن الجديدة لم يأت بمشاريع إنتاجية".