مصر: 30 ألف شركة مقاولات تنزلق إلى ركود قاتل
التاريخ : الاثنين 29 مايو 2023 . القسم : اقتصاد
تراكمت الديون البنكية على شركات المقاولات، بعد اضطرارها إلى السحب على المكشوف، لإتمام مشروعات، وفي الوقت نفسه تحرمها الحكومة صرف قيمة التأمين الابتدائي والنهائي، المحتجز لديها، في مشروعات تسلمتها منذ 5 سنوات، تمثل 20% من قيمة المشروعات المنفذة.
حذر اتحاد مقاولي التشييد والبناء، في اجتماع طارئ لمجلس الاتحاد، برئاسة محمد سامي سعد، الحكومة من وقف سحب المشروعات المعطلة المسندة إلى الشركات، جراء عدم قدرة المقاولين على التمويل أو تدبير مواد البناء.
واعتبر سعد تصرفات الحكومة في هذا الشأن ضربة قاصمة لشركات المقاولات، التي أصبحت عالقة بين تنفيذ مشروعات لا تملك الحكومة أموالاً لتنفيذها، وديون تراكمت للبنوك خلال مراحل التشغيل، تحتاج إلى تصفية شهرية للديون، وإلا تحولت الحسابات إلى قروض شخصية على المقاولين والشركات.
دعا الاتحاد الحكومة إلى التوقف عن طرح مشروعات عامة على المقاولين دون تدبير الموارد المالية اللازمة لتنفيذها قبل طرح المناقصات العامة، بعد أن أصبح الإسناد المباشر للمشروعات على المقاولين سيفاً مسموماً يهدد رقاب مسؤولي الشركات الذين اندفعوا وراء الحكومة لتنفيذ مشروعات بتمويل ذاتي، ثقة بقدرة الدولة على تمويل تلك المشروعات.
وطلب الاتحاد تدخل الحكومة في السيطرة على الغلاء الفاحش في أسعار الحديد والإسمنت، الذي ارتفع 3 أضعاف سعره خلال 12 شهراً، من 16 ألف جنيه إلى 45 ألف جنيه بالمتوسط، والنقص الحاد في مستلزمات التشغيل وقطع الغيار لمعدات البناء (الدولار = نحو 30.9 جنيهاً).
أسفرت المناقشات بين مجلس الاتحاد ومصلحة الضرائب واللجنة العليا للتعويضات بوزارة الإسكان وجهاز حماية المستهلك على مدار اليومين الماضيين، عن اتفاق يقضي بجدولة ديون الشركات لصالح الضرائب والتأمينات الاجتماعية، ودراسة تأجيل الفاتورة الإلكترونية، التي تسعى وزارة المالية لتعميمها على شركات المقاولات مطلع يوليو المقبل.
وأكد أعضاء الاتحاد أن الوعود الحكومية، رغم أنها تصدر عن مجلس الوزراء وقيادات الدولة، لا تبارح مكانها، بسبب "جيوش البيروقراطية" في الجهاز الإداري بالدولة، ممن يعطلون تنفيذ القرارات، مستغلين عدم وجود لجان للرقابة والمتابعة لتنفيذ القرارات، ودراسة رجع الصدى من أصحاب المصالح التي تتوه في أروقة المكاتب العمومية لسنوات.
وقال رئيس اتحاد مقاولي التشييد والبناء محمد سامي سعد لــ"العربي الجديد": "من المؤكد أن قطاع البناء والتشييد سيتراجع أداؤه في المرحلة المقبلة، مع توجه مجلس الوزراء إلى وقف المشروعات التي لا تمويل خاصاً لها، والتي تحتاج إلى النقد الأجنبي". وأكد أن عدم قدرة الحكومة على توفير الدولار يمثل مشكلة خطيرة أمام القطاع العقاري، حيث تحتاج الشركات ما بين 50 إلى 60% من قيمة المشروعات بمكون دولاري.
وطالب سعد بأن يكون طرح الحكومة للمشروعات الجديدة، بحذر حتى لا تدفع الشركات إلى زيادة الطلب على الدولار، وتدفع سعره إلى أعلى في مقابل الجنيه، مبيناً أن عدم صرف مستحقات المقاولين، وشح الدولار ووجوده في الأسواق بأكثر من سعر، من أهم مسببات الأزمة المالية التي تواجه الشركات.
وأوضح أن اتحاد مقاولي التشييد والبناء سبق أن طلب من الحكومة أن تقلل من طرح المشروعات التي تطلبها حتى لا تضغط على الأسواق، في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء.
وقال سعد: "انتهى عصر تدخل الحكومة في تسعير مواد البناء، إذ أصبح العرض والطلب هو الأداة الوحيدة التي تحدد أسعار كل منتج، ولم يعد أمام الحكومة إلا بالتدخل عبر آليات العرض والطلب، بتوفير السلع المطلوبة للمقاولين، كي تمنع الارتفاعات الجنونية في أسعار الخامات".
وشدد على أن اتحاد مقاولي التشييد والبناء، طالب الحكومة بعدم سحب المشروعات من الشركات المتعثرة، نتيجة صعوبة التمويل، الناتج من عدم دفع مستحقات المقاولين، في مواعيدها رغم التزامهم برامج التنفيذ المتفق عليها وفقاً للعقود الرسمية.
وأضاف: "يجب ألا تنظر الحكومة إلى المقاولين، على أنهم ممولون للمشروعات، لأنهم لا يمارسون رؤوس الأموال الضخمة، ولا يمارسون عمل البنوك، بل يديرون محفظة مالية مؤقتة لمشروعات مملوكة للغير إلى حين الانتهاء من تنفيذها وتسلميها للجهات المختصة".
وأشار سعد إلى عدم استفادة المتعثرين من قانون التعويضات الذي قررته الحكومة للشركات المتعثرة، بسبب توقف التمويل وزيادة سعر الدولار، ومد مهلة التنفيذ للمشروعات المتفق عليها في حدود 6 أشهر لمنحهم فرصة الانتهاء من أعمالهم، دون تحميلهم أية أعباء مالية أو قانونية.
وأكد سعد أن القطاع دخل في مرحلة ركود عميقة منذ أشهر، ويتوقع في حالة انهاء المشاكل العالقة مع الحكومة أن ينمو ببطء خلال السنوات المقبلة.
من جانبه، أوضح الأمين العام للاتحاد، هشام يسري، أن الارتفاع غير المبرر في أسعار مواد البناء بنسب غير مسبوقة، يدفع نحو 8 ملايين عامل إلى البطالة، و30 ألف شركة عضو في الاتحاد إلى التوقف عن العمل.
ويمثل قطاع البناء والتشييد نحو 20% من الناتج القومي حالياً، متراجعاً من 40% عامي 2016 و2017، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط.
وأكد عضو مجلس إدارة الاتحاد، ممدوح مرشدي، لــ"العربي الجديد" أن قوانين تعويضات المقاولين، التي أصدرتها الحكومة أخيراً، لا تفعل على أرض الواقع، وإذا ما أرادت الحكومة تطبيقها، فلا توجد آلية واضحة وشفافة لمتابعة التنفيذ، بما يسبب مشاكل متكررة، للمقاولين والمصدرين والمستثمرين.
وأكد مرشدي أن الحكومة فشلت في تطبيق صرف مستحقات المستثمرين التي حدد دفعها كل 3 أشهر، فبلغت معدلات التأخير 15 شهراً بالمتوسط، ورغم تبرّم رئيس الدولة من تصرفات الموظفين، وطلبه تعديل مراجعة مستندات الصرف آلياً، لسرعة الانتهاء منها، فإنها ما زالت في المراحل الأولى للتطبيق.
وأوضح أن الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي الأغلبية الساحقة في اتحاد مقاولي التشييد والبناء، هي الأكثر تأثراً بالأزمة المالية، مشيراً إلى ضرورة تدخل الحكومة في إنهاء مشاكل خطابات الضمان العلاقة بين الشركات والبنوك، بسبب عدم منح الحكومة للشركات خطاب الحساب الختامي لمشروعات تسلمتها بكامل مراحلها، من الشركات لمدد تراوح ما بين 4-5 سنوات.
وتابع مرشدي قائلاً إن شركات المقاولات توفر 10% من قيمة تمويل المشروعات المنفذة، بينما تدبر البنوك تمويلاً يصل إلى 90% من قيمة كل مشروع حكومي، وفي حالة تجديد خطاب الضمان دون سداد مستحقات البنوك دورياً، تتحمل زيادة بالفوائد على إجمالي قروض المشروعات.
وقال إن الحكومة تظلم المقاولين بدفعهم نحو أزمة تمويلية، لعدم التزامها صرف مستحقات الشركات من خطابات الضمان بالمراحل الابتدائية والنهائية لحين نقل أصول المشروعات وتشغيلها لمدة عام من قبل الجهات الحكومية.
وصرّح مستشار اتحاد مقاولي التشييد والبناء، حمدي شحاتة، لـ"العربي الجديد"، بأن الشركات متوقفة عن العمل تماماً، لعدم صرف مستحقاتها لدى الحكومة، وإرجاع قيمة خطابات ضمان عن مشروعات تسلمتها منذ 5 سنوات، وعلى رأسها مشروعات المرحلة الثالثة من الإسكان الاجتماعي، التابعة لهيئة الإسكان والتعمير.
وأشار شحاتة إلى تشكيل لجنة لإنهاء مشاكل الشركات مع هيئة التأمينات الاجتماعية، وقانون العمل الجديد، واعتماد شهادات التصنيف لشركات المقاولات، بنظام مصري حديث، لتخفيف الأعباء عن الشركات التي كانت مجبرة على دفع مستحقات شهادة التصنيف بالدولار.
وذكر أن الشركات المصرية التي تعمل في الخارج، وتتعرض لخسائر نتيجة اندلاع الحروب والانفلات الأمني، كما يحدث في السودان وليبيا والعراق، لم تحصل على تعويضات، من أي جهة، ما عرّض بعضها لخسائر فادحة، وعلى رأسها "المقاولون العرب" التي خسرت معدات بقيمة 100 مليون دولار في ليبيا، بعد اندلاع الحرب.
وأعرب عن أمله أن تشارك الدولة في تعويض الشركات التي تخاطر بالعمل بالخارج في مناطق غير مستقرة، عبر تكليفها مشروعات بديلة، تساهم في تخفيف أزماتها المالية.