نظرة يناقش ذكرى المولد النبوي الشريف ومشروعية الاحتفال به ووثيقة المدينة المنورة حول التعددية والمساواة
التاريخ : السبت 30 سبتمبر 2023 . القسم : ديني
مضامين الفقرة الأولى: ذكرى المولد النبوى
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن مولد سيدنا رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يتطلب أن نذكر فيه كل خير، كونه عليه الصلاة والسلام كان مثالًا للخير كله منذ طفولته الأولى عندما أقبلت عليه حليمة السعدية لتأخذه للرضاعة فوقع حبه في قلبها وكان أحب إليها من أبنائها، وكان كل من يراه يحبه، وعندما يلعب مع الأولاد في طفولته يحبه الأطفال والأمهات، فقد كان نموذجا للطفل المحبوب. وأضاف أن الرعاية الإلهية ربت النبي وألقت في قلوب الناس محبته، وعندما صار شابًا قويًا كان يسير بين الناس صادقًا أمينًا معروفًا بين الناس بهذه الصفة، ليكون المحرك لقادة قريش لأنهم عرفوه بالصادق الأمين، فكان حجة عليهم لأنهم لم يعرفوا عنه كذبًا قط، وكانوا يضعون الأمانات التي يخشون عليها وديعة عنده.
وتابع: لما اختلفوا أين يوضع الحجر الأسود بعد إعادة بناء الكعبة احتكموا إلى النبي صلَّ الله عليه وسلم، لأن من يقوم بهذا الأمر ينال الشرف ويدخل التاريخ، وكادوا أن يقتتلوا، لأن كلا منهم أراد أن ينفرد بهذا الشرف، فحكّموا النبي وكان أول داخل عليهم، فلما رأوه قالوا: «جاء الصادق الأمين، ففرحوا بذلك فرحًا يفصح عن حقيقة جوهر شخصية النبي صلَّ الله عليه وسلم وارتاحت إليه القلوب».
وأشار إلى أن حكمة النبي صلَّ الله عليه وسلم كانت واضحة في هذا الموقف حيث أشركهم جميعًا ولم يستثن أحدًا منهم، فجاء برداء وجعل كل رجل يمسك طرفًا منه وبه الحجر الأسود، ثم وضع الحجر الأسود بيديه الشريفتين في مكانه.
وأشار إلى أن كتاب السيرة النبوية المشرفة كان لكل منهم تأمل في حياة النبي ومواقفه، مؤكدًا أن النبي صلَّ الله عليه كان نموذجًا للحياة كلها، ولذلك يقول الله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"، ففي كل تفاصيل حياته كان قدوة وأسوة حسنة في كل أموره: في بيته وصلواته وعلاقاته بجيرانه، وبالأطفال والبيئة والحيوان والجماد وكل تصاريف الحياة، ومن ثم نجد في كل ذلك الراحة والسكينة إذا ما تلمسنا هذا الاقتداء.
وأوضح أن سيدنا عبد الله بن عمر كان شديد الاقتداء بالنبي حتى كان يسير مثله، والصحابة رصدوا كل شيء فعله النبي صلَّ الله عليه وسلم، حتى الأمور الخاصة جدًا في الحياة الزوجية، حتى إن الصحابة كانوا يصفون ابتسامة رسول الله وأنه كان يضحك حتى تظهر نواجذه، وكيف كان هناك أربع شعرات بيض في لحيته، ووصفوا إناءه وشربه.
وأضاف أن الصحابة الكرام كان لديهم اهتمام خاص بكل التفاصيل المتعلقة بالنبي صلَّ الله عليه وسلم وكأنهم يقولون لنا: «نحن رصدنا لكم كل شيء عن رسول الله فاجعلوه في حياتكم؛ ذلك لأن النبي صلَّ الله عليه وسلم كان نورا، والله يقول: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين"، والمفسرون أكدوا أن هذا النور هو النبي».
وقال: إننا لا نستطيع أن نعيش البيئة التي عاشها النبي ولكن نستطيع أن نعيش تفاصيل أخلاق النبي ومنهجه في كافة تفاصيل الحياة، فقد كان النبي هينا لينا، وكان الطفل يأخذه من يديه حتى يقضي حاجته له، فقد كان رؤوفًا رحيمًا.
ونبه المفتي، الأزواج ليتذكروا كيف كان يعامل النبي صلَّ الله عليه وسلم زوجاته ويهتم بهن، وكيف كان يهتم بالأطفال، قائلا: "نريد أن نعيد الحوار والدفء مرة ثانية إلى الأسرة، وأن نبتعد عن الفضاء الإلكتروني الذي ضيع الكثير من القيم وضيع الكثير من الشباب الذي أصبح في حالة التلقي فقط دون خوض تجربة النقاش والتعلم، فأصبحت المعلومات على الفضاء الإلكتروني بمثابة حوار من طرف واحد، وانعكس ذلك على الأسرة وعلى الأبناء والأصدقاء".
وأشار إلى أن سيرة النبي مليئة بخلق الصفح والعفو، فعندما نزل إليه ملك الجبال وقال له: «لو شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت»، مبينًا أن رغم إيذاء النبي الشديد في هذه المرحلة فقد صبر وتحمل هو وصحابته الكرام، وقال: «لعل الله يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله»، ثم دعا وقال: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون»، موضحًا أن المنهج النبوي تمتع بالنظرة المستقبلية للأمور واستشرف المستقبل وأبعاده، فكانت نظرته دائما إلى المستقبل المشرق الذي يصل فيه الدين إلى العالمين.
وأكد أنه عندما ننظر إلى المستقبل ونستحضر مقدمات الحاضر ودروس الماضي، فإننا نحتاج إلى التحمل والصبر كما فعل النبي، فقد كان من أهدافه بناء الإنسان. وأضاف أننا نحتاج إلى خبرات واسعة المدى واستشراف للمستقبل كما فعل أصحاب المذهب الحنفي الذين توسعوا في هذا الباب، وكانوا يضعون المسائل ويجيبون عنها، فأعطانا مساحة أوسع وأرحب؛ ولذا أنشأنا في دار الإفتاء المصرية مرصد الاستشراف الإفتائي، لنعد العدة من الآن؛ لمواجهة تحديات المستقبل وما قد يطرأ من أمور.
وتابع بأن النبي كان يحب مكة، وطنه الذي نشأ فيه وضم ذكريات الطفولة؛ لأنها غريزة وفطرة عند كل إنسان أن يحن إلى المكان الذي نشأ فيه، مشيرًا إلى أن السيرة النبوية مليئة بالمواقف التي تؤكد حب النبي صلَّ الله عليه وسلم لوطنه، ومنها أنه عندما خرج مهاجرًا إلى المدينة وعندما جاوز أبواب مكة وقف وحن إلى هذا المكان وقال قوله المشهور: «والله لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت».
وفي طريق الهجرة عندما كان النبي يمر على مكان له فيه ذكريات كان يحن إلى وطنه، وذكر بعض المفسرين أن قوله تعالى: "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد" نزل في هذا الموقف، وكان عندما تأتيه الأخبار من مكة المكرمة يذكرها بحنين شديد.
وأوضح أنه عندما أفاء الله على النبي وفتح مكة المكرمة دخلها مطأطئ رأسه الشريف؛ تواضعًا رغم انتصاره، في لحظات قد تقذف إلى النفس البشرية حب الانتقام، ولكنه مع ذلك وصف هذا اليوم بأنه يوم المرحمة عندما سأل أهل مكة: «ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وتحدث المفتي عن وثيقة المدينة المنورة، مشيرًا إلى أن الفقيه الدستوري الراحل الدكتور يحيى الجمل، قد أشرف على رسالة ماجستير حول وثيقة المدينة المنورة كدراسة دستورية، انتهى فيها الباحث إلى أن وثيقة المدينة هي أول وثيقة في التاريخ تؤسس للمواطنة الكاملة في مجتمع متعدد الثقافات والأديان والأعراق، وجعل فيها النبي صلَّ الله عليه وسلم الناس مسلمين وغير مسلمين جميعًا سواسية في الحقوق والواجبات، كأنه يرسل رسالة للتاريخ أن الإنسان في معيشته وفي وطنه يحتاج إلى أن يفهم هذه التعددية وأنها حتمية يجب التفاعل معها.
وأضاف أن خطبة الوداع تكمل المسيرة المحمدية بعد انتقال النبي صلَّ الله عليه وسلم، وهي خطبة جامعة تتضمن المبادئ الجامعة من تعاملات اقتصادية ووصية بالنساء، موضحًا أن الجور على حق من حقوق المرأة كالميراث وغيره مخالف للمنهج والوصية النبوية.
ووجه رسالة لكل رجل في يده مقاليد الميراث، قائلا: "لا تجعلوا النساء يسألن عن الميراث، بل أنتم قدموا لهن حقهن الذي سيسألكم الله عنه"، مشيرًا إلى أن المساواة الإنسانية ظهرت في الممارسة الحقيقية للشريعة المحمدية في وثيقة المدينة، حيث ساوى النبي صلَّ الله عليه وسلم بين كافة المواطنين في الحقوق والواجبات مهما كانت عقديتهم أو لونهم أو عرقهم، وكملتها خطبة الوداع التي أرست مبدأ المساواة بقول النبي: "كلكم لآدم وآدم من تراب، ولا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى"، وقوله: "استوصوا بالنساء خيرا" وغيرها من الوصايا.
وأشار إلى أن هناك عددًا من الفتاوى الموسمية ترد إلى دار الإفتاء المصرية في موسم معين، مثل السؤال عن مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وما يتعلق به من أكل الحلوى وغيرها من مظاهر الاحتفاء بهذه الذكرى العطرة.
وأكد أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أمر استحسنه علماء الأمة الإسلامية، وهو شاهد على حبه وتعظيمه، وله أصل في الكتاب والسنة، عندما سئل النبي صلَّ الله عليه وسلم لماذا يصوم يوم الإثنين؟ فقال: «ذاك يوم ولدت فيه». وأشار إلى أن الفتوى مستقرة على أن الاحتفال بميلاد النبي صلَّ الله عليه وسلم مشروع، ولو لم يفعل النبي صلَّ الله عليه وسلم، فليس كل ما تركه النبي صلَّ الله عليه وسلم منهيا عنه.
وحول مشروعية شراء حلوى المولد النبوي الشريف وأكلها في هذه الأيام المباركة أكد أن شراء الحلوى وأكلها والتهادي بها أثناء الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف مباح شرعا، ويدخل في باب الاستحباب من باب السعة على الأهل والأسرة في هذا اليوم العظيم. وقال: «نحن لا نريد أن نحجر على القلوب في فرحتهم بالنبي صلَّ الله عليه وسلم، ويجب ألا نلتفت لمن يغبش على الناس ويعكر فرحتهم بميلاد النبي».