أتلانتك كاونسيل: تغطية قضية مينينديز صامتة نسبيًا في مصر.. قد يكون ذلك مقصودًا

التاريخ : الخميس 05 أكتوبر 2023 . القسم : إقليمي ودولي

نشرت مجلة أتلانتك كاونسيل تقريرًا للكاتبة شهيرة أمين تُقدم إطلالة عما وراء التغطية الباهتة لقضية السيناتور بوب مينينديز في مصر.

وقالت الكاتبة إن لائحة اتهام فساد السيناتور بوب مينينديز في قضية رشوة - يُزعم أنها تتعلق بالحكومة المصرية - أثارت ضجة في الولايات المتحدة، الأمر الذي أجبره على التنحي عن منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بعد ساعات من انتشار الأخبار.

وفي الوقت نفسه، تواصل وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسة تغطية التطورات الجارية للقضية بقوة.

صمت مصري

وأشارت الكاتب إلى أن هذا الاهتمام في واشنطون بالقضية يتناقض تناقضًا صارخًا مع الوضع في مصر، حيث كانت ردود الفعل على اتهامات الرشوة الموجهة إلى القيادة المصرية خافتة إلى حد كبير. 

واختارت وسائل الإعلام المصرية الموالية للحكومة إما رفض المزاعم تمامًا أو التقليل من شأنها. ولم يكن هذا مفاجئًا في بلد تسيطر فيه الدولة إلى حد كبير على وسائل الإعلام. ولا يجرؤ معظم الصحفيين المصريين على استجواب أو الكشف عن الفساد داخل مستويات السلطة العليا، ذلك أن القيام بذلك من شأنه أن يعرض الصحفيين لخطر إثارة غضب النظام الاستبدادي.

يقبع عشرات الصحفيين خلف القضبان بسبب «جرائم» أصغر بكثير، مثل نشر منشورات تنتقد الحكومة على منصات التواصل الاجتماعي أو التعبير عن وجهات نظر بديلة تتعارض مع الآراء التي يتبناها التيار السائد. وأصبح الوضع أكثر تقييدًا مع الانتخابات الرئاسية المصرية لعام 2024 المقرر إجراؤها في الفترة من 10 إلى 12 ديسمبر. وفي الآونة الأخيرة، حذر أحمد بنداري، رئيس هيئة الانتخابات المصرية، من معاقبة من يشككون في نزاهة الانتخابات المقبلة.

تورط مصر في القضية

ولفتت الكاتبة إلى أن هذا هو بالضبط سبب الصمت شبه الكامل في مصر بشأن قضية مينينديز، إذ يحقق المدعون الفيدراليون الأمريكيون في احتمال تورط مسؤولين رفيعي المستوى من جهاز المخابرات في البلاد. واقتصرت تغطية القضية على برنامج إخباري بثته «قناة القاهرة الإخبارية» المملوكة للدولة في 23 سبتمبر. وصرح مقدم البرنامج أن رويترز زعمت أن السيناتور مينينديز وزوجته متهمان بتلقي رشى من ثلاثة رجال أعمال من نيوجيرسي لإثراء الثلاثة وإفادة مصر.

ولم يقتصر الأمر على تجنب مذيع الأخبار أي ذكر لتورط القيادة المصرية المزعوم في قضية الرشوة، ولكنه لم يُشر أيضا إلى حقيقة أن أحد رجال الأعمال، وائل حنا - المتهم المشارك في القضية - كان مسيحيًا مصريًا أمريكيًا منحته مصر الاحتكار المربح لإصدار شهادات اللحوم الحلال - التي استوردتها مصر من الولايات المتحدة.

في غضون ذلك، قلل رامي جبر، مراسل القناة في واشنطون، من أهمية مزاعم الرشوة، ووصفها بأنها جزء من الصراع على السلطة بين الديمقراطيين والجمهوريين قبل انتخابات الكونجرس الأمريكي. وسأل جبر جويل روبين، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لوزارة الخارجية، عن التنافس قبل انتخابات الكونجرس الأمريكي وما إذا كان روبن يرى علاقة بين الانتخابات وقضية فساد مينينديز. من خلال التركيز على الانتخابات وليس القضية نفسها، وجه جبر المحادثة تكتيكيًا بعيدًا عن اتهامات مصر والمدعين العامين الأمريكيين بالرشوة.

كذلك رفض محللون مصريون قابلتهم وكالة أنباء الشرق الأوسط القضية ووصفوها بأنها قضية سياسية داخلية أمريكية وجزء من الصراع الأوسع على السلطة بين الديمقراطيين والجمهوريين قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في نوفمبر 2024.

تقليل من أهمية القضية

ونوَّهت الكاتبة إلى أن بعض المسؤولين أعربوا عن أسفهم لأنها كانت محاولة متعمدة لتشويه سمعة القيادة المصرية وسط التوترات بين الولايات المتحدة وحليفها القوي.

في تصريحات لوكالة الشرق الأوسط في 23 سبتمبر، حذر السفير محمد العرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق والرئيس الحالي لمجلس العلاقات الخارجية المصري، من أن الاتهامات الموجهة للسيناتور مينينديز لا تزال قيد التحقيق.

وقال للوكالة المصرية: «سيكون من غير المناسب التعليق على القضية في هذه المرحلة المبكرة». وحث عرابي المصريين على رفض ومقاومة محاولات تشويه صورة مصر وجر البلاد إلى نزاع سياسي داخلي بين الأحزاب المتعارضة في الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أنه «لم يصدر أي بيان رسمي من إدارة بايدن بشأن القضية حتى الآن».

كما قلل طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، من أهمية اتهامات الرشوة. وأوضح أن مثل هذه المزاعم ضد أعضاء مجلس الشيوخ والسياسيين الأمريكيين الآخرين شائعة في السياسة الأمريكية.  

وقال فهمي إن «تورط مصر في قضية لا تزال قيد التحقيق قد يكون مرتبطًًا بالدعوات الأخيرة من مجموعات ضغط معينة داخل الكونجرس الأمريكي لوقف المساعدات العسكرية لمصر»، في إشارة واضحة إلى مطالب جماعات الضغط في واشنطون والجماعات الحقوقية بحجب 235 مليون دولار أخرى من المساعدات العسكرية لمصر.

في منتصف سبتمبر، أعلنت إدارة بايدن أنها ستحجب 85 مليون دولار من 1.3 مليار دولار التي حددتها الولايات المتحدة للمساعدة الأمنية الأمريكية للقاهرة سنويًا، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.

وذهبت بعض المجموعات الحقوقية، مثل الديمقراطية للعالم العربي، إلى أبعد من ذلك، ودعت إلى تجميد مؤقت لجميع المساعدات لمصر حتى اكتمال التحقيقات.

الشرارة الأولى

ومن المفارقات، وحسب ما تلفت الكاتبة، أنه ورغم القيود الصارمة على وسائل الإعلام المصرية والرقابة الشديدة، كان تحقيقًا نشر في الموقع الإخباري المصري المستقل،، مدى مصر، في عام 2019، اشتبه في احتكار شركة حلال التي يملكها حنا وأعمالها التي تقدر بملايين الدولارات لإصدار شهادات اللحوم الحلال في الولايات المتحدة، وهو التحقيق الذي ربما كان هو الشرارة الأولى التي أشعلت الشك ومهدت الطريق لتحقيق مينينديز.

وأشارت الكاتبة إلى أن هذا التحقيق الذي أجرته مدى مصر كشف أن شركة حلال تعمل جنبًا إلى جنب مع شركة خاصة أخرى لها صلات وثيقة بكيان سيادي - وهو مصطلح يستخدم غالبًا في مصر للإشارة إلى المؤسسات الأمنية رفيعة المستوى.

على الرغم من التغطية الباهتة والصادم من وسائل الإعلام المصرية لمخطط الفساد، أثارت قضية الرشوة الجدل على منصات التواصل الاجتماعي المصرية. واعتبر أنصار الحكومة التجنيد المزعوم لمسؤول أمريكي كبير لتعزيز مصالح مصر على أنه «نصر» للحكومة المصرية. 

في غضون ذلك، أعرب ناشط معارض عن أسفه «لأننا (المصريون) نعلم بفضائح (القيادة) من الصحافة الدولية». واستشهد كأحد الأمثلة بما حدث في واقعة الطائرة التي احتجزتها زامبيا واشتبه في تورط الأجهزة الأمنية فيها.

وأضافت الكاتبة أن آخرين يشتبهون في أن الإدارة الأمريكية قد تستخدم القضية للضغط على الرئيس عبد الفتاح السيسي لإجراء انتخابات حرة وديمقراطية.

ولكن، وحسب ما تختم الكاتبة، ومع استمرار التعتيم المصري على القضية - لا سيما ما يتعلق بتورط القاهرة المزعوم في مخطط الفساد - يبدو من غير المرجح أن تلقي قضية مينينديز بظلالها على الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر.