التجمعات السكانية المخططة تثير الغضب في سيناء

التاريخ : الثلاثاء 07 نوفمبر 2023 . القسم : أمني وعسكري

انقضى شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي حددته الدولة المصرية موعداً لأهالي مدينتَي رفح والشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء، شرقي مصر، للعودة إلى قراهم بعد تهجير قسري امتد منذ عام 2014، وذلك من دون تنفيذ الدولة وأجهزتها الأمنية لوعودها. يأتي ذلك على الرغم من أن الأهالي عاونوا الجيش المصري بطرد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" من مناطقهم.

وقالت مصادر قبلية، في حديث لـ"لعربي الجديد"، إن آخر الوعود كانت على لسان زعيم اتحاد قبائل سيناء، رجل الأعمال السيناوي المقرب من السلطة وأجهزة الأمن إبراهيم العرجاني، الأسبوع الماضي، خلال تمهيده لزيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية إلى شمال سيناء، يوم الثلاثاء الماضي. إلا أن لقاء مدبولي بعواقل ومشايخ سيناء لم يكمل عدة دقائق، قبل أن ينسحب باتجاه معبر رفح ومن ثم مغادرة سيناء.

وأضافت المصادر ذاتها أن قيادة الجيش الثاني الميداني ورئاسة الوزراء والمخابرات، دعت عدداً من مشايخ القبائل لاستقبال الوفد الحكومي والعرجاني في مقر الكتيبة 101 في مدينة العريش، ليصطدموا بإعلان مدبولي عن مشروع التجمعات السكانية للمهجرين من مدينتَي رفح والشيخ زويد، بدلاً من عودتهم إلى قراهم وأراضيهم كما كانت الوعود.

فأهالي سيناء، بحسب المصادر، متفقون على رفض أية فكرة لا تضمن عودة الأهالي المهجرين إلى أراضيهم التي طُردوا منها بحجة مكافحة الإرهاب، ويُرفض اليوم عودتهم إليها برغم طردهم للإرهاب بأيديهم.

مرحلة ثانية لتنمية شمال سيناء
وأعلن مدبولي خلال زيارته لسيناء عن رؤية الدولة لإعادة تسكين الأهالي في رفح والشيخ زويد من خلال دمج القرى وبناء تجمعات تنموية، والتي أطلق عليها المرحلة الثانية لتنمية شمال سيناء.
وقال إن المواطنين الذين اضطروا للخروج من قراهم بسبب الإرهاب سوف يعودون لأماكن مخططة، تنفَذ تحت إشراف الدولة حتى لا تكون المنطقة عشوائية. وأشار إلى أن الدولة ستنشئ 21 تجمعاً تنموياً منها 6 في رفح، و11 في الشيخ زويد، و4 في العريش يُراعى فيها الطابع البدوي. ووضع مدبولي حجر الأساس لـ3 تجمعات فقط، من دون تحديد توقيت الانتهاء منها.

وكان أبناء القبائل نظموا في 23 أكتوبر الماضي وقفات متعددة في رفح والشيخ زويد للمطالبة بالعودة لأراضيهم، بعد انقضاء المهلة التي سبق أن اتفقوا عليها مع مسؤولين بالدولة للعودة إلى قراهم، بحسب وعد تلقوه من أجهزة سيادية تفاوضت معهم لإنهاء اعتصام 25 أغسطس/ آب الماضي.
وقد عُقد خلال لقاء آنذاك في مقر الكتيبة 101 بحضور قائد الاستخبارات العسكرية في القوات المسلحة المصرية، اللواء أركان حرب شريف فكري. وبعد فشل ذلك اللقاء في تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، اجتمع ممثلو القبائل بعد أيام عدة مع العرجاني، في 10 سبتمبر/ أيلول الماضي، مع التأكيد على فتح القرى لعودة ساكنيها في الموعد المتفق عليه، إلا أن ذلك كله كان للحيلولة دون استمرار التظاهرات في سيناء.

وعود لا تتناسب مع مطالب المهجرين من سيناء
وحول تفاصيل لقاءات مدبولي بسيناء، قال الشيخ أبو عبد الله السواركة، أحد مشايخ سيناء الذين حضروا اللقاء مع رئيس الوزراء المصري أخيراً، إن ما جاء به مدبولي لا يتماشى مع الوعد السابق بعودة المواطنين إلى قراهم في رفح والشيخ زويد.

وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مدبولي "جاء بما أُعلن عنه مسبقاً من تجمعات سكانية تنموية لا تتناسب مع الوضع في سيناء، ولا عادات وتقاليد أهاليها في ظل رغبتهم بالعودة إلى أراضيهم حتى لو كان ذلك من دون أي تعويض". ولفت إلى أن "المواطن في سيناء يريد أرضه ولا يريد شيئاً آخر من الدولة".

وأشار السواركة إلى أن ما أعلنه مدبولي في مقر الكتيبة 101 بالعريش، "انعكس على اللقاء في منطقة جنوب الشيخ زويد في ذات اليوم، حيث كان الغضب يعم المكان، وعلى وجوه كل الحاضرين مما اضطره إلى الانسحاب من بعد عدة دقائق من وصوله". وأضاف أن ذلك "أثار غضب إبراهيم العرجاني أيضاً، والذي كان يرغب بصورة أفضل" للقاء مع المشايخ.
وقال السواركة إن العرجاني أبلغ عدداً من المقربين منه أن ما اتُفق عليه مع الحكومة والأجهزة الأمنية يختلف تماماً عما جاء به مدبولي خلال لقائه في سيناء وحضوره بين الأهالي.

وأوضح أن ذلك "أدى لوجود إشكالية كبيرة ما بين مشايخ سيناء، خصوصاً قبيلة الرميلات التي يقطن أبناؤها في غالبيتهم في المناطق المهجرة، والتي يرفض الجيش والقوات الأمنية عودة المواطنين إليها". مع العلم أن "قبيلة الترابين التي ينحدر منها العرجاني عادوا بغالبيتهم إلى مناطقهم المهجرة خلال الأشهر الماضية التي تلت طرد داعش من سيناء".

استمرار النقاش بين السلطات المصرية ومشايخ سيناء
وأشار إلى أن العرجاني أعاد الاتصال بمشايخ سيناء مجدداً ووعدهم باستمرار النقاش مع الجهات السيادية، "لكن بعد الانتهاء من الحرب في غزة"، وذلك لانشغال القيادات التي تدير ملف سيناء في ملف قطاع غزة حالياً وملف الوساطة ما بين إسرائيل والقطاع.

ولفت إلى أن هذا الأمر ترافق مع تحذيرات أمنية وصلت إلى أهالي سيناء بعدم التدخل في ما يجري بالقطاع بأي شكل من الأشكال "سواء بتحركات على الحدود أو أشكال التضامن التي من شأنها إثارة الغضب الإسرائيلي"، في ظل حديث داخلي في سيناء عن دعم مساعدات المتجهة إلى غزة، وكذلك محاولة إحداث مناوشات على الحدود ما بين مصر وإسرائيل أخيراً بما يخفف الضغط ويساند الأهالي في القطاع، خصوصاً وسط رفض إسرائيل زيادة المساعدات الإنسانية للقطاع.