دويتشه فيله: كيف تهدد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين المستبدين في الشرق الأوسط

التاريخ : الأحد 12 نوفمبر 2023 . القسم : إقليمي ودولي

نشر موقع دويتشه فيله تقريرًا أعدَّته كاثرين شاير تتناول فيه كيف تُشكِّل الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهديدًا على الأنظمة المستبدة في دول الشرق الأوسط.

تلفت الكاتبة في مستهل تقريرها إلى أن الحكومة المصرية سمحت في أواخر أكتوبر للمصريين بالقيام بشيء لم يُسمح لهم بفعله لسنوات: الاحتجاج.

ولا تدعم الحكومة الاستبدادية في البلاد الحق في حرية التجمع. ولكن منذ حوالي أسبوعين، سمحت الحكومة المصرية، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، للمظاهرات المؤيدة للفلسطينيين بالمضي قدماً في ظل شروط صارمة وفي مواقع معينة.

منذ هجمات 7 أكتوبر على إسرائيل، تقصف إسرائيل قطاع غزة. وقُتل أكثر من 11 ألف فلسطيني، وفقاً للسلطات الصحية في غزة، التي تديرها حماس.

تحول الاحتجاجات

وقال مراقبون إن بعض الاحتجاجات في مصر كانت برعاية الدولة، مشيرين إلى أن المتظاهرين نُقلوا بالحافلات وهتفوا دعما للسيسي وكذلك للفلسطينيين. لكن بعضها أصبح مارقًا.

في إحدى المراحل، توجه عديد من السكان المحليين إلى ميدان التحرير، المركز الرمزي لاحتجاجات مصر عام 2011، والتي كانت جزءًا من حركة الربيع العربي المؤيدة للديمقراطية التي أطاحت في النهاية بالديكتاتور المصري السابق حسني مبارك. وأثناء وجودها هناك، تغيرت الهتافات من التركيز الفلسطيني إلى شعارات كانت تُسمع غالبًا في عام 2011 وموجهة إلى السلطات المصرية: عيش، حرية، عدالة اجتماعية!

بوابة إلى السياسة

بوابة إلى السياسة

قال حسام الحملاوي، الباحث والناشط المصري الذي يعيش الآن في ألمانيا والذي يكتب تقارير منتظمة عن السياسة المصرية: «لطالما كانت القضية الفلسطينية عامل تسييس للشباب المصري عبر الأجيال»، مشيرًا إلى أن القضية الفلسطينية كانت بوابة عديد من الناشطين السياسيين إلى السياسة.

ولمنع أي احتجاجات أخرى مؤيدة للفلسطينيين من أن تصبح مظاهرات مناهضة للحكومة، اتخذت السلطات المصرية إجراءات صارمة ضد المعارضة، واعتقلت أكثر من 100 شخص وعززت الأمن في الميادين العامة، حسبما أفاد الحملاوي.

والحكومة المصرية ليست النظام الوحيد في المنطقة الذي يخشى أن تهدد القضية الفلسطينية ــ وهي القضية التي يتعاطف معها بشدة عديد من الناس العاديين الذين يعيشون في الشرق الأوسط ــ الوضع السياسي الراهن.

سيف ذو حدين

وأوضح جوست هيلترمان، رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة فكرية، أن قادة المنطقة «لطالما رأوا القضية الفلسطينية وسيلة للناس للتنفيس عن غضبهم».

وتابع: «لكنها سيف ذو حدين. عندما تكون الظروف في بلد ما سيئة للغاية، يمكن أن تتخذ الاحتجاجات منعطفًا محليًا وتصبح انتقادًا للنظام الحاكم».

ونتيجة لذلك، كان على القادة الاستبداديين «لعب لعبة دقيقة للغاية»، كما قال هيلترمان، حتى لا يفقدوا السيطرة على الاحتجاجات بينما لا يزالون يقولون ما يريد مواطنوهم سماعه.

وحظرت حكومة البحرين الاحتجاجات منذ عام 2011 لكنها سمحت للمظاهرات المؤيدة للفلسطينيين بالمضي قدما خلال الشهر الماضي. وكانت هذه أكبر من أي احتجاجات أخرى منذ احتجاجات الربيع العربي في البحرين عام 2011، وتقول تقارير إعلامية إن بعض المشاركين حملوا لافتات تصور ملك البحرين وهو يمسك بيد الزعيم الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. واستُدعيت شرطة مكافحة الشغب لتفريق الاحتجاجات.

وفي تونس، كانت هناك أيضًا احتجاجات كبيرة مؤيدة للفلسطينيين، وكان الزعيم التونسي الاستبدادي، قيس سعيد، يسير على خط رفيع بشأن هذه القضية. لقد استخدم تعاطف السكان المحليين مع الفلسطينيين لأغراضه الخاصة وربما لتعزيز شعبيته.

وكتب خبراء في مجموعة الأزمات في تعليق في وقت سابق من هذا الشهر: «قد يكون جزء من دافع سعيد في اتخاذ موقف صارم وإثارة الغضب الشعبي هو صرف الانتباه عن الأزمات الاقتصادية الرهيبة في البلاد».

في البداية، خرج سعيد لدعم مشروع قانون جعل تطبيع العلاقات مع إسرائيل جريمة جنائية.

لكن في الآونة الأخيرة، تراجع قائلًا إن مثل هذا القانون سيضر بالآفاق الاقتصادية والدبلوماسية المستقبلية لتونس.

استياء واسع النطاق من القيادة

وقال الحملاوي إن الوضع «يكشف مدى ضعف الأنظمة العربية، بما في ذلك مصر، وعدم قدرتها على التأثير على ما يحدث أو حماية الفلسطينيين أو فرض وقف إطلاق النار. وهذا يثير استياء واسع النطاق. تراها في جميع أنحاء وسائل التواصل الاجتماعي: الناس يشاركون الأخبار من فلسطين بفارغ الصبر، وكذلك الميمات والرسوم الكاريكاتورية والنكات التي تسخر من السيسي والحكام العرب الآخرين».  

وأضاف أن هذا لا يعني أن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ستتحول إلى حركة جديدة مؤيدة للديمقراطية. على الأقل، ليس على الفور.

ومع ذلك، أشار الحملاوي إلى وجود بعض المؤشرات الصغيرة والمحلية على وجود معارضة مستمرة. لذلك كلما طال أمد هذه الحرب [في غزة]، زاد احتمال حدوث شيء ما، وفقًا للحملاوي.

ولتجنب ذلك، تعمل دول الشرق الأوسط التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو خططت لتطبيعها، على الموازنة بين التصريحات العامة الغاضبة حول هذا الموضوع والسياسة الواقعية التي تنتهجها في السر.

وذكرت مجلة الإيكونوميست البريطانية أنه «في محادثات غير رسمية... تحدث بعض المسؤولين العرب عن حماس وغزة بنوع من اللغة التي يتوقع المرء سماعها من الإسرائيليين اليمينيين».  وأضافت: «إنهم لا يتعاطفون مع جماعة إسلامية تدعمها إيران. لكنهم لا يجرؤون على تكرار مثل هذه التصريحات في العلن».  

لا نتائج هامة متوقعة

ويوضح الكاتب أن لهذا السبب أيضًا لا ينبغي توقع الكثير من الاجتماعات التي ستعقد في الشرق الأوسط في نهاية هذا الأسبوع، كما قال المراقبون في المنطقة منذ فترة طويلة.

وتعقد السعودية قمة إسلامية عربية مشتركة استثنائية يوم السبت. وقالت السعودية إن المملكة كانت تخطط في السابق لعقد قمتين، إحداهما للجامعة العربية والأخرى لمنظمة التعاون الإسلامي، لكنها جمعتهما استجابة للظروف الاستثنائية التي يمر بها قطاع غزة الفلسطيني. ومن المتوقع أن يحضر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في أول زيارة له إلى السعودية منذ قطع البلدين العلاقات قبل سبع سنوات.

وقال جوست هيلترمان: «لكن الاجتماعات لن تثمر الكثير. الأنظمة تريد التأكد من أنه يُنظر إليها على أنها تفعل شيئًا ما، حتى لو لم تفعل الكثير».

قال هيلترمان إن «مستبدي الشرق الأوسط قد يضغطون على الولايات المتحدة لكبح جماح شريكها الإسرائيلي، وقد يهددون بسحب السفراء أو سحبهم بالفعل. ويريدون أن يبدوا أقدس من البابا عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. لكنهم لن يقطعوا العلاقات مع إسرائيل التي تصب في مصلحتهم الوطنية. الأمر كله يتعلق بالتشدق بالقضية الفلسطينية - كما رأيناهم منذ عقود بالفعل». 

ويوافق الحملاوي على ذلك بقوله: «ستكون هناك تصريحات إدانة معتادة، العلاقات العامة المعتادة. لكن لا، لا أعتقد أن أي شيء جوهري سيخرج من تلك القمم، ناهيك عن أي شخص يعلن الحرب».