نظرة يناقش مشروعية الاحتفال بمولد المسيح وعدم الاهتمام بالحديث عن البدع لعدم زعزعة استقرار المجتمع وفتاوى الطلاق ومواجهة التطرف

التاريخ : السبت 30 ديسمبر 2023 . القسم : ديني

مضامين الفقرة الأولى: الاحتفال بمولد المسيح

أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أن احتفال المسلمين بميلاد السيد المسيح هو أمر مشروع لا حرمة فيه ما لم يخالف الاحتفال الشرع؛ لأنه تعبير عن الفرح به، كما أن فيه تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم من توقير وتقدير وتبجيل للسيد المسيح وأمه السيدة مريم عليهما السلام، ولو علمنا بذكرى مولد موسى عليه السلام لاحتفلنا به. وقال إن الفرح بميلاد سيدنا عيسى عليه السلام يعد فرحًا بقدوم النبي؛ لأن سيدنا عيسى عليه السلام جاء مبشرًا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وتابع بأن الفرح بيوم مولده المعجز هو أمر مندوب إليه؛ لأن القرآن الكريم قد خلد ذكره وأمه مريم عليهما السلام في سورة مريم، ووضعه في موضع مشرف، وأمر حبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بتذكره فقال: "واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًا" إلى قوله تعالى: "والسلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا".

وأكد أننا لا نتعجب من تحريم البعض الاحتفال بميلاد سيدنا عيسى، قائلًا: «هؤلاء هم الذين يحرمون الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم». وقال إن في الاحتفال بالأنبياء والرسل امتثالًا للأمر القرآني بالتذكير بأيام الله تعالى وما فيها من نعم وعبر وآيات، قال تعالى: "وذكرهم بأيام الله"؛ فإن من أيام الله التي تستلزم الشكر عليها ويشرع التذكير بها: أيام ميلاد الأنبياء عليهم السلام، وفي هذا رد واضح وبرهان لائح على من يمنع الاحتفال بذكرى يوم المولد؛ لأنه يستلزم تعطيل الأمر الإلهي بالتذكير بأيام الله.

وذكر أنه النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين من كل أسبوع؛ شكرًا لله تعالى على نعمة إيجاده صلى الله عليه وسلم، واحتفالًا بيوم ميلاده الشريف، مستندًا بحديث أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أنزل عليَّ فيه» رواه مسلم.

مضامين الفقرة الثانية: البدع

أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن هناك أمور محدثة لم تكن على عهد النبي، ولكنها موافقة للشرع ولأوامر النبي، وهي أمور مقبولة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنة فله أجرها وأجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة». وقال إن الإمام الصاوي المالكي، وهو يتكلم عن البدعة، ضرب مثلًا بمسألة الصلاة على النبي جهرًا بعد الأذان كما هي عادة المؤذنين قديمًا، ونصَّ على أنه من 'البدع الحسنة'؛ لأنَّ الصلاة على النبي مأمور بها شرعًا في كل وقت وحين.

وشدَّد مفتي الجمهورية على ضرورة الاهتمام بالأحداث والأمور الجسام والانتباه للأمور الخطيرة والكبيرة التي تهدد وحدة الأوطان واستقرارها، مؤكدًا ضرورة عدم الاهتمام بالفتاوى الشاذة الموسمية التي تُثار في كل موسم أو مناسبة، مشيرًا إلى ضرورة الارتقاء نحو السمو والعطاء والإيمان بقيمنا وعملنا حتى ينهض المجتمع، وألَّا نلهث خلف الأمور السطحية التي لا تُغني ولا تسمن من جوع، بل علينا أن نصمت كثيرًا عن الشر والقول غير المفيد ونعمل كثيرًا من الخير والأعمال النافعة والمفيدة؛ فالله يريد منا التكاتف والتعاضد وليس الفرقة والتشرذم.

وأشاد بقول الشيخ الإمام محمود شلتوت من أن أمر اللباس والهيئات الشخصية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة، ومَن درجت بيئته على استحسان شيء منها كان عليه أن يساير بيئته، مشيرًا إلى أن ذلك من قبيل العادات عند جمهور الفقهاء، وكذلك الأمر ينطبق على كافة العادات من مأكل ومشرب وملبس ومناسبات ما دامت لا تتعارض مع الشرع الشريف.

مضامين الفقرة الثالثة: فتاوى الطلاق

أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أن هناك جملة من المعاني تؤكد عدم جمود الفقهاء في المجالات العملية، خاصة في الفتوى على رأي واحد. وأضاف أن الفقهاء راعوا الرأي الآخر المخالف ولم ينكروه ولم ينسبوه إلى الخطأ والقصور، بل نظروا في كيفية الاستفادة منه باعتباره يمثل فسحة وسعة على المكلف، ما دام قد صدر عن مجتهد من أهل الاختصاص، مستشهدًا بالإمام القرافي يدعو للإفتاء بعرف المستفتي فيقول: "وعلى هذا تراعى الفتاوى على طول الأيام؛ فمهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك؛ بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده، وأجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين".

واستشهد على تلك الخبرة المتراكمة والمقترنة بإدراك الواقع بفتاوى الطلاق، مشيرًا إلى أن الدار استقبلت أكثر من 300 ألف فتوى طلاق خلال آخر 5 سنوات أغلبها عبارة عن أيمان وحلف بالطلاق، يقع منها حالات معدودة وقليلة جدا؛ منوهًا بأن علماء دار الإفتاء لديهم من الخبرة ما يستطيعون به معرفة هل كان هذا طلاقًا واقعًا أم يمين طلاق؟ وذلك من خلال خبرتهم المتراكمة التي تلقوها عن مشايخهم ولا توجد في الكتب.

مضامين الفقرة الرابعة: استقرار المجتمع

قال شوقي علام مفتي الجمهورية، إن دار الإفتاء المصرية حرصت في عملها وفتاواها أن تعمل على حفظ استقرار المجتمعات والدولة الوطنية، والدعوة إلى قبول الآخر والتناغم معه في سبيل البناء الحضاري للإنسان والتعاون المشترك. وذكر أن المصريين -مسلمين ومسيحيين- عاشوا على أرض مصر عبر التاريخ جنبًا إلى جنب، بيوتًا متجاورة ومصالح مشتركة وأهدافًا واحدة، متضامنين متحابين في سبيل الوطن، رخاءً وأمانًا حربًا وسلامًا، حتى يئست منهم كل محاولات الوقيعة التي تتعمد نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار، فهؤلاء المغرر بهم من المتطرفين والأعداء لم يقرؤا التاريخ جيدًا، ولم يعرفوا تلاحم هذا الشعب الصامد عبر العصور ضد الوقيعة.

مضامين الفقرة الخامسة: فتاوى مواجهة التطرف

أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين زيادة الوعي عند الشعب المصري، كما ظهر بوضوح في الإقبال على التصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وبين عودة الثقة بمؤسسات الدولة وخاصة الدينية، مشيرًا إلى أن الزيادة المطردة في عدد الفتاوى الصادرة في كل عام عن العام الذي قبله تؤكد ذلك. وأضاف أن دار الإفتاء لديها منهجية متكاملة نابعة من فهم العلماء الأوائل على مدى التاريخ، ومن حضارة فقهية ومنهجية لم يشهد التاريخ مثلها، مشددًا على أن منهجية دار الإفتاء تراعي السياق المجتمعي والواقع المعيش فيه والقوانين مع مراعاة ضوابط وأحكام الشرع وقت إصدار الفتاوى. وتابع بأن عراقة دار الإفتاء تاريخية لأنها المؤسسة الأهم في مجال الفتاوى ومعالجتها، وكونها أول مؤسسة دينية تغزو الفضاء الإلكتروني لنشر صحيح الدين ومواجهة الفكر المتطرف.