ميدل إيست أي: مصر في عهد السيسي قد تتحول إلى صراع أهلي
التاريخ : الخميس 04 يناير 2024 . القسم : أمني وعسكري
استعرض الكاتب والمحلل السياسي ماجد مندور في تقرير نشره موقع ميدل إيست أي الأزمة الحالية التي تواجهها مصر والتي يمكن أن تنزلق إلى صراع أهلي.
يلفت الكاتب في مستهل تقريره إلى أنه كان في أواخر العشرينات من عمره عندما وقع الانقلاب الذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطيًا لمصر، وأن المذابح التي تلت الانقلاب أثارت هوسه بالنظام العسكري الجديد الذي كان يؤسس نفسه في مصر.
وأدى هذا الهوس الذي دام عقدًا من الزمان في النهاية إلى تأليف كتاب، مصر تحت حكم السيسي: أمة على شفا الهاوية، والذي يُقدم المؤلف فيه تشريحًا لنظام لا يشبه أي شيء شاهده العالم في التاريخ المصري الحديث.
سمات فريدة لحكومة السيسي
في الكتاب، يشير الكاتب إلى أن حكومة السيسي، وعلى عكس أسلافها المستبدين، هي فريدة من نوعها من ناحيتين.
أولًا، نشهد المرة الوحيدة في التاريخ المصري الحديث التي تخضع فيها البلاد لحكم عسكري مباشر، مع عدم وجود طرف مدني لتحقيق التوازن بين الجيش أو العمل كواجهة مدنية للقوة العسكرية المتزايدة.
ثانيًا، نظام السيسي مرتبط مرضيًا بعنف الدولة الجماعي، ليس كمسألة اختيار، ولكن كمسألة ضرورة أيديولوجية، مما يجعل القمع مستوطنًا ومترسخًا بعمق في الصرح الإيديولوجي للنظام.
هذه السمات مستمدة من الهوس العسكري بتوطيد السلطة وضمان عدم تكرار الاحتجاجات الجماهيرية في عام 2011 - وهو هوس ولد نظامًا عسكريًا وحشيًا، مع احتمالات محدودة للإصلاح الداخلي.
الجيش كأوصياء على الدولة
يبدأ الكتاب بانقلاب 2013 ويصف المذابح التي تلت ذلك. وحُدد ذلك الصيف على أنه اللحظة التأسيسية للنظام، إذ تمكن من الحصول على دعم شعبي جماهيري لموجة مد وجزر من القمع، استهدفت في البداية جماعة الإخوان المسلمين، وامتدت لاحقًا إلى المعارضة العلمانية.
كان هذا ممكنًا فقط بسبب عدم كفاءة الإخوان وتواطؤ المعارضة العلمانية، بخطها الاستبدادي الصريح، الذي سمح للجيش ليس فقط بالتدخل ولكن لبناء سردية تفضي إلى هستيريا جماعية.
وقد بررت حكومة السيسي أعمال العنف الجماعي هذه من خلال نسخة شوفينية من القومية المصرية، والتي رأت الأمة ككل عضوي، والجيش كأوصياء على الأمة والدولة، ومساواة المعارضة للجيش بالخيانة والسماح للجيش بإلقاء معارضيه خارج الحظيرة الوطنية.
وقد برر ذلك استخدام العنف الجماعي - بمشاركة شعبية - لقمع معارضي النظام الجديد، وأن يشرع الجيش في مشروع سياسي كبير: أي عسكرة الدولة والاقتصاد بالكامل.
وشمل ذلك عددًا لا يحصى من التغييرات القانونية والدستورية، التي وسعت سلطة الرئاسة على القضاء، مما أدى إلى تآكل أي مظهر من مظاهر الاستقلال التي لا تزال تحتفظ بها. وقدم الدور الدستوري الجديد وغير المسبوق للجيش كحراس للطبيعة العلمانية للدولة، والحقوق الديمقراطية، أساسًا قانونيًا للتدخل العسكري المستمر في السياسة.
كما وسعت السلطات القمعية للجيش، مع زيادة دوره في الحفاظ على النظام، وتحويله إلى جهاز أمن محلي، يهدف بالأساس إلى استقرار النظام وقمع المعارضة.
كل هذا حدث باسم محاربة من أسماهم السيسي «أهل الشر» والحفاظ على «الدولة».
إعادة هيكلة الرأسمالية المصرية
وأوضح الكاتب أن أي تحليل لمشاكل مصر لن يكتمل دون الاعتراف بالحصانة القانونية التي يتمتع بها أفراد الأجهزة الأمنية الآن، في وقت أغلق فيه النظام الفضاء العام تمامًا، مما عكس المكاسب الديمقراطية لعام 2011.
ليس من المستغرب أن يؤدي كل هذا إلى مستوى من العنف السياسي ضد النشطاء المؤيدين للديمقراطية غير المرئيين في البلاد منذ تأسيس الدولة المصرية الحديثة. وسُجن الآلاف لفترات طويلة، وأحيانًا دون محاكمة. وازدادت عمليات القتل خارج نطاق القضاء زيادة كبيرة، وأصبح الاختفاء القسري والتعذيب ممارسات مؤسسية.
وبعد سنوات من العنف السادي واستيلاء الدولة، تمكن نظام السيسي العسكري من القضاء على جميع مراكز القوى المدنية المتنافسة وأصبح الهيمنة بلا منازع على السياسة المصرية.
وبمجرد اختراق الجيش لجميع أجهزة الدولة، من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني، وهندسة الأجهزة الأمنية للانتخابات البرلمانية، شرع في مشروعه الأكثر طموحًا من بينها جميعًا: إعادة هيكلة الرأسمالية المصرية.
كانت السياسة بسيطة: استخدم الدعم السخي من دول الخليج لطلب المزيد من تدفقات الديون من الأسواق المالية والمنظمات الدولية من أجل الشروع في مشاريع ضخمة - ذات فوائد اقتصادية مشكوك فيها - يديرها وينفذها الجيش.
وسمح ذلك للجيش بتوسيع بصمته الاقتصادية بشكل كبير، والاختراق العميق لقطاعات الاقتصاد حيث كان وجوده ضئيلًا، مما أدى إلى ازدحام القطاع الخاص في هذه العملية، مع كون صناعة الأسمنت مثالًا رئيسًا.
وطالما استمرت القروض في التدفق، يبدو أن مغالطة النمو المستمر المدفوع بالديون تسود. ومع ذلك، بمجرد تشديد التمويل الدولي وعدم رغبة دول الخليج في الاستمرار في تقديم الدعم السخي، انهار النموذج، مما أدى إلى أزمة ديون مأساوية لا تزال تتكشف.
خفضت مصر قيمة الجنيه تخفيضًا كبيرًا، ووصل التضخم إلى مستويات قياسية، وتوقف القطاع الخاص - كل ذلك بسبب رأسمالية الدولة العسكرية المرتبطة عضوياً بالنظام السياسي في مصر، والتي يحافظ عليها عنف الدولة الجماعي.
سيناريو شبيه بسوريا
ومع ذلك، فإن متانة هذا النموذج حتى الآن هي أيضًا كعب أخيل، وفقًا للكاتب.
ويرى الكاتب أن عدم وجود حزب حاكم، مع معارضة ضعيفة، يترك النظام غير مجهز للتعامل مع الاضطرابات المدنية المحتملة.
وهذه الصورة معقدة بسبب تزايد قوة الجيش، الذي لا يستطيع السيسي كبحه، لأنه لا يوجد توازن مدني لشهيته النهمة للسلطة والكسب غير المشروع.
وهذا لا يقلل فقط من إمكانية الإصلاح الذي تقوده النخبة، ولكنه يزيد أيضًا من احتمالية القمع الجماعي ردًا على الغضب الشعبي، وهو أمر يزداد احتمالًا في خضم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في مصر.
وهكذا يصبح السيناريو الشبيه بسوريا أكثر احتمالًا من أي وقت مضى - وهو احتمال مرعب في بلد يزيد عدد سكانه عن 100 مليون نسمة.
لا تزال هناك إمكانية تفكك الجهاز القمعي للنظام في مواجهة انتفاضة جماهيرية العابرة للطبقات. ومع ذلك، هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن صغار ضباط الجيش - أي المسؤولين عن تنفيذ القمع فعليًا - قد جرى تلقينهم تمامًا في سردية النظام، مما يجعلهم أكثر ولاءً له.
هناك إمكانية للتغيير طويل الأجل من خلال النضال المستمر من أجل فتح الفضاء العام، والذي يمكن أن يكتسب زخمًا في وقت يترنح فيه نموذج النظام للحكم من أزمة إلى أخرى ويتضح أن هذا النموذج غير مستدام.
وهذا الطريق طويل ومتعرج، ولا يمكن أن ينجح إلا بعد إلحاق ضرر كبير بنسيج الحياة العامة المصرية.