جيروزاليم بوست: مصر تصبح «الرجل الشرير» في العالم العربي بسبب معبر رفح
التاريخ : الثلاثاء 30 يناير 2024 . القسم : إقليمي ودولي
استعرض تقرير نشرته صحيفة جيروزاليم بوست الجدل الدائر في العالم العربي حول حقيقة إغلاق معبر رفح والتقارير عن دفع سكان غزة رشاوي للخروج من القطاع.
وتقول الصحيفة العبرية إن المتفرجين الذين يتجولون هذه الأيام في شارع جودت باشا في إسطنبول سيشاهدون عروضًا غير عادية ومظاهرات صاخبة أمام القنصلية المصرية في المدينة. وفي بعض الأيام يكون تمثالًا مجهول الهوية لطائر في قفص؛ وفي حالات أخرى، تكون عبارة عن بوابة مغلقة تفصل بين المعدات الطبية والمواد الغذائية من جهة، وأكفان على شكل جثث وأطفال مصابين من جهة أخرى.
وفي كل الأحوال، هناك كلمتان بارزتان في كل تلك العروض: معبر رفح. وتبث يوميًا هذه العروض والمظاهرات قناة الجزيرة القطرية وقناة تي ار تي التركية، في محاولة لإلقاء اللوم على مصر واتهام أكبر دولة عربية بالاستسلام للمطالب الإسرائيلية وعدم التأكد من فتح معبر رفح الحدودي لدخول المساعدات وإخراج الجرحى من غزة.
ومن اللافت للنظر أن معبر رفح الحدودي يلعب لصالح القوى المعارضة لمصر على المستوى الإقليمي، إذ تتحالف تركيا وقطر وحماس كجزء من محور الإخوان المسلمين، في حين حظرت مصر جماعة الإخوان المسلمين منذ ما يقرب من عقد من الزمن بعد الإطاحة بها.
ويتوافق هذا مع معظم العقود الثمانية من تاريخ جمهورية مصر العربية الحديثة، والتي أظهرت فيها القيادة العسكرية العلمانية تقليديًا ازدراء متأصلًا لجماعة الإخوان المسلمين وأيديولوجياتها وسياساتها وبنيتها السياسية.
ويعتبر معبر رفح الحدودي نقطة الوصول الرسمية الوحيدة بين مصر وقطاع غزة. ويقع المعبر في الجزء الجنوبي الأوسط من الحدود التي يبلغ طولها حوالي 14 كيلومترًا، وهي بمثابة بوابة بين مدينتي رفح التي تحمل الاسم نفسه على جانبي الحدود.
أظهرت الصور التي التُقطت في الأيام القليلة الماضية خيام الأشخاص الذين نزحوا من الجزء الشمالي من قطاع غزة وهي تلامس السياج في حي الخيام الجديد في رفح بغزة؛ بينما اتخذ الجانب المصري أيضًا إجراءات للتأكد من عدم تمكن أي مواطن من غزة من عبور الحدود، وقام ببناء سلسلة من التلال والأسوار والتحصينات الأخرى بين الجانبين لإبعاد اللاجئين غير المرغوب فيهم.
مناشدات ورشى
وأشارت الصحيفة إلى أن سلطة الجانب الغزاوي من المعبر نُقلت رسميًا عدة مرات، من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية إلى حماس؛ وفي بعض الأحيان يكون ذلك أيضًا تحت إشراف أوروبي، وفي أحيان أخرى يكون مغلقًا تمامًا بسبب مشكلات أمنية؛ ودائمًا ما تكون سلطة المعبر عرضة للتغيرات مع تغير العلاقات الرباعية بين مصر وحماس والسلطة الفلسطينية وإسرائيل صعودًا وهبوطًا.
وعلى الرغم من أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ادعى قبل عدة أيام أن 600 شاحنة مساعدات تمر عبر المعبر يوميًا، إلا أن المعبر يخضع للتدقيق المستمر من خصوم مصر، الذين يقعون في مركز حملة عالمية للضغط على مصر، وليس إسرائيل، للسماح بجلب المزيد من المساعدات وإخراج المزيد من سكان غزة.
وفي الآونة الأخيرة، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لسكان غزة وهم يناشدون الجنود المصريين للسماح لهم بالمرور، وبدأت تظهر تقارير عن أساليب رشوة الجنود المصريين للسماح لسكان غزة بالخروج من القطاع.
وبالفعل كشف مقال نشرته صحيفة لوموند قبل ثلاثة أيام النقاب عن شبكة من السماسرة والوكالات التي تبيع التصاريح بأسعار باهظة تصل إلى آلاف الدولارات للشخص الواحد من أجل الخروج من قطاع غزة.
دور العرجاني
ولفتت الصحيفة إلى أن بعض التقارير الصادرة عن منتقدي نظام السيسي زعمت أن معبر رفح، بالإضافة إلى هذه الوكالات الأخرى، يديره إبراهيم العرجاني، وهو رجل أعمال بارز وزعيم قبلي في شبه جزيرة سيناء، والذي يصادف أنه أيضًا أحد رجال الأعمال البارزين في شبه جزيرة سيناء وصديق مقرب للسيسي ويفترض أنه عضو في المخابرات المصرية.
وهذا الاتهام يورط على نحو غير مباشر الدائرة المقربة من السيسي في الاستفادة من محنة سكان غزة، وحتى أن بعض أقارب سكان غزة بدأوا حملات لجمع الأموال على الإنترنت لمساعدة عائلاتهم على مغادرة قطاع غزة والوصول إلى بر الأمان.
واتهمت الصحيفة قطر بإقامة علاقات مع الصحفيين والمؤثرين في غزة، مستشهدة باستضافتها للصحفي وائل الدحدوح ومعتز عزايزة، لافتة إلى أن الدحدود فقد ابنه في الحرب والذي اتهمته إسرائيل بأنه مقاتل في حركة الجهاد.
حملة إلكترونية للضغط على مصر
وأضافت الصحيفة أن الصعوبات التي يواجهها المعبر جلبت حملة واسعة الانتشار عبر الإنترنت تحت وسم «افتحوا معبر رفح» باللغة العربية.
ويبدو أن هذه الحملة قد اكتسبت شهرة عندما قام أسامة جاويش، وهو صحفي مصري مقيم في المملكة المتحدة ومنتقد متشدد لنظام السيسي، بتغريد الوسم في وقت سابق من هذا الشهر، ثم أضاف لاحقًا في تغريدة أخرى: «كمواطن مصري، أعتذر إلى كافة أهلنا في غزة».
وبعد ذلك بوقت قصير، في منتصف يناير، انعقدت مسيرة عفوية إلى حد ما في مقر نقابة الصحفيين المصريين في القاهرة، والتي ندد فيها المتظاهرون بإغلاق معبر رفح.
انتشرت الحملة بعد ذلك كالنار في الهشيم مع ظهور الآلاف منها خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومن المحتمل أن تصل إلى ملايين المستخدمين في جميع أنحاء العالم الناطق باللغة العربية. وأحد المشاركين الجدد الذين انضموا إلى هذه الحملة الرائجة بالفعل، والذي يمكن اعتباره مفاجئًا، حركة المقاطعة، وبشكل أكثر تحديدًا منافذها الناطقة باللغة العربية. ورغم أنها موجهة عادة ضد إسرائيل، إلا أن الأيام الماضية شهدت ارتفاعًا في محاولات الحركة لممارسة الضغط على الحكومة المصرية أيضًا.
واتهمت الحركة في أحد منشوراتها، بأنه بينما «يُلقي العدو الإسرائيلي مسؤولية منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة على عاتق مصر، فإن رد السلطات المصرية غير كاف لنفي اتهام المشاركة المصرية في الإبادة الجماعية»، متسائلة: «هل غموض الوضع الحالي بين مصر وإسرائيل بشأن معبر رفح الحدودي يعكس التنسيق المشترك بينهما، وبالتالي المسؤولية المشتركة عن الإبادة الجماعية؟»
رد السيسي.. وعدم اقتناع سكان غزة
وفي محاولة لتخفيف الضغوط، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي: «لو كنت السبب في عدم وصول رغيف الخبز إلى غزة – هاروح من ربنا فين؟ معبر رفح مفتوح 24 ساعة سبعة أيام في الأسبوع... لكن الإجراءات التي يتخذها الجانب الآخر، أي إسرائيل، للسماح لنا بإدخال المساعدات دون معارضة أحد - هي سبب تلك المشكلة».
وتابع السيسي: «إنه شكل من أشكال الضغط من إسرائيل على القطاع وسكانه بسبب الخلاف بشأن موضوع إطلاق سراح الرهائن، أي أنهم يستخدمون ذلك كوسيلة للضغط على السكان».
وربما تشير هذه الملاحظة إلى مخاطبة إسرائيل مصر باعتبارها الجهة الوحيدة المسؤولة عن معبر رفح خلال ردها على شكوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، كما رد ممثل إسرائيل كريستوفر ستاكر على الإجراء الذي يدعو إسرائيل إلى عدم عرقلة وصول المساعدات إلى غزة من خلال بعثات تقصي الحقائق والهيئات الدولية، من خلال التأكيد على أن «الدخول إلى غزة من مصر يخضع لسيطرة مصر».
لكن لم يقتنع الكثير من سكان غزة بتصريح السيسي، واستمروا في التلميح إلى أن مصر شريكة لإسرائيل. وكتب أحد المعلقين: «السيسي يدعي أن معبر رفح مفتوح ولم يغلق قط خلال فترة الحرب… لعنك الله في الدنيا والآخرة. الصهيوني القذر الذي يحب الكذب والخداع». بينما رد مستخدم آخر: «هذه جهة تعمل لصالح الموساد».
ونشر مستخدم آخر رسمًا كاريكاتوريًا لرسام الكاريكاتير اليمني كمال شرف يظهر طفلًا من غزة حزينًا مقيد اليدين بأغلال مزينة بأعلام إسرائيل ومصر والأردن، مما يمنعه من الوصول إلى الماء والخبز، وكأنه يقول إن هذه الدول الثلاث هي متواطئة في تجويع أطفال غزة.
وأضاف المستخدم: «سيبقى معبر رفح لعنة تطارد السيسي.. معبر رفح فضح مصر ودورها في حصار غزة».