نيويورك تايمز: مصر تراقب غزة بحذر بينما تزيد الحرب من الضغط على حدودها
التاريخ : الأحد 11 فبراير 2024 . القسم : ترجمات
نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا أعدَّته فيفيان يي تستعرض فيه التصعيد على الحدود المصرية في ظل استعدادات دولة الاحتلال لتوسيع عمليتها إلى مدينة رفح والترقب المصري.
وتقول الصحيفة الأمريكية في مطلع تقريرها إن أكثر من نصف سكان غزة محصورون في مدن خيام بائسة في رفح، وهي مدينة صغيرة على طول الحدود مع مصر، ولم يُترك لهم أي مكان آخر يذهبون إليه بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية.
وقد هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باجتياح المنطقة، ووجه قواته يوم الجمعة بالتخطيط لإجلاء المدنيين من رفح لتمهيد الطريق أمام هجوم جديد ضد حماس. لكن ليس من الواضح أين يمكن أن يذهب هؤلاء الأشخاص.
معاهدة السلام في خطر
ووفقًا للصحيفة، وبدلًا من فتح حدودها لمنح الفلسطينيين ملاذًا من الهجوم، كما فعلت مع الأشخاص الفارين من الصراعات الأخرى في المنطقة، عززت مصر حدودها مع غزة وحذرت إسرائيل من أن أي خطوة تدفع سكان غزة إلى التدفق إلى أراضيها يمكن أن تعرض للخطر معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية التي مضى عليها عقود من الزمن، وهي ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط منذ عام 1979.
وقد تؤدي خطوات إسرائيل التالية في الحرب إلى نقطة انهيار من هذا القبيل.
وخلال الصراعات السابقة في المنطقة، استقبلت مصر لاجئين من سوريا واليمن والسودان المجاور. ولكن في هذه الحرب، كان رد فعل مصر مختلفًا تمامًا في التعامل مع محنة جيرانها العرب، مدفوعة بمزيج من الانزعاج بشأن أمنها والخوف من أن يصبح التهجير دائمًا ويقوض طموحات الفلسطينيين في إقامة دولة.
ويشعر الزعماء المصريون بالقلق أيضا من قيام حركة حماس الإسلامية بتأجيج التشدد ونشر نفوذها في بلادهم، إذ أمضت مصر سنوات في محاولة قمع الإسلاميين والتمرد في الداخل.
تحذير مصري
ولفتت الصحيفة إلى أن نتنياهو وصف رفح بأنها واحدة من آخر معاقل حماس المتبقية. ومهما كانت دقة هذا التصنيف، فإن معبر رفح أصبح الآن أيضًا الملاذ الأخير لنحو 1.4 مليون يحاصرهم الجوع والظروف القاسية، وفقا للأمم المتحدة، وأغلبهم نزحوا من أماكن أخرى في غزة.
وحث المسؤولون المصريون نظرائهم الغربيين على إبلاغ إسرائيل بأنهم يعتبرون أي تحرك لإجبار سكان غزة على العبور إلى سيناء بمثابة انتهاك من شأنه أن يعلق فعليًا معاهدة السلام لعام 1979، وفقا لدبلوماسي غربي كبير في القاهرة. وقال مسؤول غربي كبير آخر ومسؤول أميركي ومسؤول إسرائيلي إن الرسالة كانت أكثر مباشرة، هددت فيها مصر بتعليق المعاهدة إذا دفع الجيش الإسرائيلي سكان غزة إلى مصر.
وقال المسؤول الإسرائيلي إن الحكومة المصرية كررت هذا التحذير لوزير الخارجية أنتوني بلينكن يوم الأربعاء، عندما كان بلينكن في القاهرة للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وقال المسؤول الأمريكي إن مصر أوضحت أنها مستعدة لعسكرة حدودها، ربما بالدبابات، إذا بدأ دفع الفلسطينيين إلى سيناء.
ورغم أن المصريين لم يتعاطفوا قط مع إسرائيل طوال أكثر من أربعة عقود من السلام، إلا أن المعاهدة التي أبرموها كانت واحدة من الثوابت القليلة المستقرة في منطقة مضطربة. وقد استفادت مصر من التعاون الأمني ومن الدعم الأمريكي السخي – بما في ذلك أكثر من مليار دولار من المساعدات السنوية – التي جلبتها.
وعلى الرغم من التوترات المتزايدة، لا يزال المسؤولون المصريون والإسرائيليون يتواصلون مع بعضهم البعض.
وقال المسؤول الإسرائيلي إن الضباط العسكريين من كلا البلدين، الذين تربطهم علاقة ثقة طويلة الأمد نتجت عن التعاون الأمني حول الحدود، يتحدثون أيضًا بشكل خاص عن التوغل الإسرائيلي المحتمل في رفح. وقال هذا المسؤول إن المصريين طلبوا من إسرائيل الحد من نطاق العملية في تلك المناقشات.
بين الإعلان الإسرائيلي والنفي المصري
وتناقش الدولتان، اللتان فرضتا بشكل مشترك حصارًا خانقًا على غزة منذ سيطرة حماس على غزة في عام 2007، منح إسرائيل دورًا أكبر في تأمين الحدود للمنطقة العازلة التي تمتد على طول الحدود التي يبلغ طولها تسعة أميال تقريبًا بين مصر وغزة، وفقًا لمسؤولين إقليميين وغربيين.
لكن وسائل الإعلام المصرية المملوكة للدولة نشرت نفي مجهول من قبل مسؤولين مصريين بشأن أي اتفاق، مما يشير إلى إحجام حكومة القاهرة عن رؤية سكانها أي تلميح للتعاون مع إسرائيل. ولم يؤد حديث إسرائيل عن السيطرة على المنطقة إلا إلى زيادة التوتر في العلاقة.
ومصر هي الجارة الوحيدة لغزة غير إسرائيل. ومنذ أن غزت إسرائيل القطاع في أكتوبر، ساعدت مصر نحو 1700 فلسطيني أصيبوا بجروح خطيرة على مغادرة غزة لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية.
لكن القاهرة ترفض رفضًا قاطعًا أي تدفق أكبر للاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية.
ونقلت الصحيفة عن هاني لبيب، المعلق المؤيد للحكومة في مصر، قوله يوم الثلاثاء في برنامج حواري مسائي، «هناك فرق بين استضافة اللاجئين والاتفاق على التهجير القسري للشعب».
مخاوف التهجير القسري
وأوضحت الصحيفة أن هذه الحساسية تعود إلى عام 1948، عندما نزح مئات الآلاف من الفلسطينيين أو طردوا من منازلهم في الحرب التي أعقبت إنشاء إسرائيل، ولم يعودوا أبدًا.
ويشير عديد من الفلسطينيين وغيرهم من العرب إلى هذا الفصل من التاريخ على أنه «النكبة»، والتهجير الدائم في عام 1948، وقد ترددت أصداؤه في ذاكرة العالم العربي باعتباره ظلمًا لم يُعالج أبدًا.
وفي نظر كثير من الناس في مصر والشرق الأوسط، فإن إرغام إسرائيل لسكان غزة على مغادرة منازلهم خلال هذه الحرب، وربما الفرار من غزة تمامًا، سيكون بمثابة نكبة ثانية.
وفي وقت مبكر من الحرب، دفعت إسرائيل بإجراء مناقشات دبلوماسية من أجل انتقال سكان غزة إلى سيناء، لكن المسؤولين الإسرائيليين توقفوا عن الدعوة رسميًا إلى ذلك منذ نوفمبر.
ومع ذلك، فإن تعليقات وزراء الحكومة الإسرائيلية المتشددين التي تؤيد طرد الفلسطينيين من غزة والدعوات المفتوحة من بعض الإسرائيليين لإعادة بناء المستوطنات اليهودية في القطاع، غذت مخاوف العرب من أنه بعد الحرب، لن يتمكن سكان غزة الذين يغادرون من العودة وتقويض الآمال في إقامة دولة فلسطينية مستقبلية.
كما أن هذه المخاوف تميز سكان غزة عن اللاجئين في الأزمات الأخرى.
ورغم أن بعض سكان غزة قالوا في مقابلات مع صحيفة التايمز إنهم يأملون في النزوح إلى مصر مع اشتداد الحرب، فإن عديدًا منهم، بدافع من الالتزام العميق بحلم الدولة، يرفضون أي اقتراح بالتخلي عن وطنهم.
وقال فتحي أبو سنيمة، 45 عامًا، الذي لجأ إلى مدرسة في رفح منذ أربعة أشهر: «مصر ليست خيارًا لي للنزوح إليها. أفضل أن أموت هنا».
وقد شدد الرئيس المصري، السيسي، مرارًا على رفض ما يسميه «تصفية القضية الفلسطينية»، وقد نال التصفيق حتى من المصريين المحبطين منه لأسباب أخرى.
ولكن ربما الأهم من ذلك هو أن القاهرة تخشى أيضًا ما قد يعنيه اللاجئون الفلسطينيون في سيناء لأمن مصر. وقد يشن اللاجئون الذي يشعرون بالمرارة والغضب هجمات على إسرائيل من الأراضي المصرية، وهو ما يستدعي الانتقام الإسرائيلي، أو يجري تجنيدهم في التمرد المحلي في سيناء الذي تحاربه مصر لسنوات.
وتخشى مصر أيضًا من انتشار حركة حماس إلى أراضيها بسبب أصولها باعتبارها فرعًا من جماعة الإخوان المسلمين، المنظمة السياسية الإسلامية المصرية. ووصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في انتخابات حرة بعد انتفاضة الربيع العربي في مصر عام 2011. لكن نظام السيسي، الذي أطاح بجماعة الإخوان المسلمين في عام 2013، شوه سمعة الجماعة ووصفها بأنها إرهابية، وأمضى العقد الماضي في محاولة القضاء عليها في مصر.
وفي علامة أخرى على الضغوط المتزايدة على مصر، تريد إسرائيل السيطرة على المنطقة العازلة الضيقة التي تفصل بين غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية.
وقال نتنياهو إن إسرائيل يجب أن تسيطر على المنطقة، المعروفة باسم ممر فيلادلفيا، ويقول المحللون إن مصر تشعر بالقلق من أن إسرائيل تريد الاستيلاء عليها كوسيلة لدفع سكان غزة إلى سيناء.
وأشار الزعماء الإسرائيليون إلى مخاوف أمنية قائلين إن حماس تقوم بتهريب الأسلحة عبر المنطقة الحدودية بين غزة ومصر.
لكن قبل سنوات، دمرت مصر أنفاق التهريب الرئيسة من أراضيها إلى غزة، وأغرقتها بمياه البحر وهدمت المباني التي كانت توفر غطاء للأشخاص الذين يستخدمون الأنفاق. وتقول إنها قامت بدورها في قطع طرق التهريب.
وخلص مسؤولون عسكريون ومخابرات إسرائيليون إلى أن قدرًا كبيرًا من أسلحة حماس لا يأتي من التهريب، بل من الذخائر غير المنفجرة التي أطلقتها إسرائيل على غزة وأعادت حماس تدويرها، وكذلك من الأسلحة المسروقة من القواعد الإسرائيلية، وفقا لتحقيق أجرته صحيفة التايمز مؤخرا.
وتعتبر سيناء منطقة حساسة لمصر، لدرجة أنها عادة ما تمنع معظم غير المقيمين من دخولها، بما في ذلك الصحفيين. لكن المقابلات ومقاطع الفيديو التي التقطتها في السنوات الأخيرة مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مقرها بريطانيا وتراقب الانتهاكات في المنطقة، تظهر أن الجيش المصري واصل العمل على تدمير أنفاق جديدة حتى أواخر عام 2020 على الأقل.
وأجرت المجموعة مقابلات مع خمسة مهربين في سيناء قالوا إن التهريب بين مصر وغزة توقف منذ عامين على الأقل. وتحدثت أيضًا إلى جندي مصري متمركز على الحدود قال إن القوات تلقت أوامر بإطلاق النار على أي جسم متحرك يكتشفونه في المنطقة لردع التهريب. وقد راقب موظفوها الجيش المصري وهو يستخدم الدوريات والطائرات المسيرة والجرافات للحماية من التهريب.
ووفقًا للصحيفة، ومع تفوق جيش إسرائيل على جيشها وغرق اقتصادها في أزمة عميقة، فإن مصر ليس لديها سوى خيارات قليلة لإخضاع إسرائيل لإرادتها. وأثار جبل الديون وحاجتها الشديدة للعملة الأجنبية تساؤلات حول ما إذا كان حلفاء إسرائيل الغربيون قادرين على تقديم حوافز مالية سخية بما يكفي لإقناع مصر بإعادة توطين سكان غزة في سيناء.
ولكن حتى الآن، يضغط الزعماء الغربيون، خوفًا من عدم الاستقرار في مصر، على إسرائيل لحملها على الامتناع عن تهجير سكان غزة إلى مصر.