بلومبرج: متى سيكون التخفيض التالي لقيمة العملة في مصر؟
التاريخ : الثلاثاء 13 فبراير 2024 . القسم : اقتصاد
سلط تقرير لوكالة بلومبرج الضوء على التخفيض المحتمل لقيمة العملة في مصر والموعد الذي يمكن أن تحدث فيه تلك الخطوة.
وقالت الوكالة الأمريكية إن مصر غارقة في أزمة اقتصادية مرهقة تركت سكانها الذين يزيد عددهم عن 105 ملايين نسمة في حالة من عدم اليقين، ولكن يبدو أن هناك شيئًا واحدًا مؤكدًا: من المرجح أن تخفيض آخر لقيمة العملة يلوح في الأُفق.
وستكون هذه الخطوة المتوقعة هي الجولة الرابعة الرئيسة من خفض الجنيه المصري منذ أوائل عام 2022 - وربما الأكبر حتى الآن. وإذا نُفذت تلك الخطوة تنفيذًا صحيحًا، فقد يساعد ذلك في تقريب نهاية أسوأ أزمة عملة صعبة تشهدها البلاد منذ عقود، مما يجذب رأس المال الأجنبي إلى الاقتصاد البالغ حجمه 400 مليار دولار وينقذه من حافة الهاوية.
توقيت التعويم
وتشير الوكالة إلى أن الحاجة الملحة لاتخاذ مصر تلك الخطوة تتزايد، نظرًا لأنها تواجه احتياجات تمويلية إجمالية تقدرها مجموعة جولدمان ساكس بنحو 25 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة.
لكن التوقيت يعتمد على مجموعة من القضايا الخارجية والمحلية، مع قلق السلطات من التأثير الذي قد يخلفه ارتفاع التضخم المصاحب على السكان الذين يعانون بالفعل.
وتسرد الوكالة خمسة مجالات أساسية يجب مراقبتها:
تضييق الفجوة بين السوق السوداء وسعر الصرف الرسمي
وبعد أن وصل الجنيه إلى مستوى قياسي بلغ أكثر من 70 جنيهًا للدولار الأمريكي في السوق السوداء في مصر في وقت سابق من هذا الشهر، شهد الجنيه انعكاسًا جزئيًا. ومع حملة القمع الجديدة التي أجبرت عديدًا من التجار غير الشرعيين على إغلاق عملياتهم، يتراوح المعدل الآن بين 60-65.
ورغم أن سعر الدولار لا يزال حوالي ضعف سعر السوق الرسمي الذي يبلغ حوالي 30.9، فإن المزيد من التبريد سيجعل من السهل خفض قيمة العملة. واقترح الملياردير المصري نجيب ساويرس مؤخرًا أن تحاول السلطات التوفيق بين المعدلين.
ويشير سوق المشتقات، الذي يستخدم للتحوط من المخاطر والمضاربة، إلى انخفاض حاد في قيمة العملة المصرية في المستقبل حتى مع قيام التجار بتقليص الرهانات على انخفاض العملة المصرية. وتراجعت العقود الآجلة غير القابلة للتسليم على الجنيه بشكل طفيف من مستوى قياسي مرتفع، إذ أصبحت مدة الـ 12 شهرًا الآن أقل بقليل من 59، مقارنة بذروة بلغت حوالي 67 في أواخر يناير.
وترى بعض البنوك العالمية تعديلًا أصغر مما توقعه المستثمرون. ويتوقع بنك سوسيتيه جنرال أن تسمح مصر لسعر الصرف بالتراجع إلى نطاق 40-45، وهو توقع مشابه لتوقعات دويتشه بنك.
وقالت آنا فريدمان وأوليفر هارفي، الاستراتيجيان في دويتشه بنك، في مذكرة: «من المرجح أن تتحرك السلطات بحذر في ضوء الخلفية الخارجية غير المؤكدة والمتقلبة. وما زلنا نرى سعر الصرف كعرض وليس كسبب للوضع الصعب الذي تجد مصر نفسها فيه».
مساعدة صندوق النقد الدولي
وأضافت الوكالة أن صندوق النقد الدولي يحث مصر منذ أشهر على خفض عملتها. وتعد هذه القضية عاملًا رئيسًا في المحادثات بشأن اتفاق جديد موسع مع البنك والشركاء قد يضمن لمصر تمويلًا بنحو 10 مليارات دولار.
وهذا يجعل أي تعليق من مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا مفيدًا لدراسة الإشارات المتعلقة بتوقيت تخفيض قيمة العملة. وقالت هذا الشهر إن الصندوق ومصر كانا في «المرحلة الأخيرة» نحو التوصل إلى اتفاق ووصفت العمل مع مصر بأنه «أولوية قصوى لصندوق النقد الدولي» في اجتماع مع رئيس وزرائها. وقد يكون هناك المزيد من القرائن القادمة.
وتنقل الوكالة عن زياد داود، كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة، قوله: «بينما أصبح الوضع أكثر خطورة لمصر، هناك جانب مضيء واحد؛ إذ من المرجح أن يتدخل الممولون الخارجيون – مجلس التعاون الخليجي وصندوق النقد الدولي وأوروبا – في وضع يائس لتجنب حدوث جيب آخر من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط».
ارتفاع أسعار الفائدة
وتضيف الوكالة أنه عادة ما تضعف مصر عملتها بالتزامن مع تشديد السياسة النقدية، وهي خطوة تسعى إلى كبح الطلب المحلي وجذب الاستثمار في الأصول المحلية من خلال جعل العوائد أكثر ربحية.
ورفع البنك المركزي سعر الفائدة القياسي في اليوم نفسه الذي قام فيه بتخفيض قيمة العملة مرتين في عام 2022، وقام بزيادة كبيرة قبل أقل من أسبوعين من آخر تخفيض. ورفعت السلطات في الأول من فبراير سعر الفائدة على الودائع للمرة الأولى منذ أغسطس إلى 21.25% - وهو أعلى مستوى على الإطلاق - على الرغم من أن ذلك لا يستبعد اتخاذ خطوة أخرى قريبًا.
وقال الاستراتيجيون في بنك سوسيتيه جنرال في تقرير إن الخطوة الأخيرة «يمكن أن تبشر بحزمة سياسات واسعة النطاق، من المحتمل أن يحددها صندوق النقد الدولي لفتح التمويل».
الصفقات الكبيرة تؤتي ثمارها
وقالت الوكالة إن مصر طرحت أكثر من عشرين من الأصول المملوكة للدولة – من البنوك إلى محطات توليد الكهرباء ومحطات الوقود – للبيع سعيًا لتأمين النقد الأجنبي. وانتعشت المبيعات بعد بداية بطيئة، إذ أعلنت مصر عن أكثر من ملياري دولار في النصف الثاني من عام 2023.
ومن الممكن أن يمنح استثمار كبير جديد السلطات القوة المالية اللازمة لخفض قيمة الجنيه. وأحد هذه الاحتمالات ينطوي على محادثات تجريها أبوظبي لشراء وتطوير رأس الحكمة، وهي منطقة متميزة على ساحل البحر المتوسط في مصر – وهو مشروع قدرت مبدئيا تكلفته بـ 22 مليار دولار.
لكن المحللين في باركليز بي إل سي يتساءلون عما إذا كان الجدول الزمني المطول المحتمل لأي صفقة «سيحقق فوائد فورية» لمصر، خاصة وأنه من غير المؤكد مقدار الاستثمار الأجنبي المباشر الذي قد تتلقاه البلاد نتيجة لذلك. وقال خبراء اقتصاديون في باركليز بمن فيهم إبراهيم رزق الله في تقرير إن «احتياجات مصر الملحة من التمويل أثرت على توقعاتها، مما يشير إلى التأثيرات المحدودة على المدى القريب لمشروع رأس الحكمة».
وأخيرا هل هو شهر رمضان؟
وتلفت الوكالة إلى أن إحدى العقبات في توقيت التعويم تتمثل في قدوم شهر رمضان المبارك، والذي من المقرر أن يبدأ في 10 مارس تقريبًا وقد يشكل موعدًا نهائيًا غير رسمي لخفض قيمة العملة قبل أن يبدأ؛ ذلك أن الشهر هو فترة التجمعات العائلية الكبيرة والوجبات المسائية الضخمة، ومن غير المرجح أن تنتظر السلطات حتى ذلك الحين لتعرض المصريين لصدمة أسعار مفاجئة.
ربما تقوم الحكومة بإعداد السكان لارتفاع التضخم. وأعلنت الأربعاء الماضي زيادة الحد الأدنى لأجور موظفي الدولة بنسبة 50% اعتبارا من مارس. وهي جزء من حزمة حماية اجتماعية أوسع تقول السلطات إنها تبلغ قيمتها نحو 180 مليار جنيه (5.8 مليار دولار)، على الرغم من أنها لم تحدد إطارًا زمنيًا.
وقال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في بنك جولدمان ساكس، إنه من المحتمل أن تسمح مصر بقدر أكبر من المرونة في الجنيه مع الاستمرار في «إدارة سعر الصرف الرسمي في المستقبل المنظور. ولا يزال الطلب على العملة الصعبة مرتفعًا في وقت لا يملك فيه النظام المصرفي سيولة كافية من العملات الأجنبية».
وقال سوسة: «للتغلب على هذه التحديات، نعتقد أن هناك حاجة إلى مزيد من تشديد السياسات ويجب على القطاع الرسمي بناء احتياطيات كافية من السيولة بالعملة الأجنبية قبل أي محاولة لتوحيد سعر الصرف عن طريق تخفيض قيمة العملة».