ذا ناشيونال: حرب غزة تفرض على مصر تحديات هائلة، بعضها ذو تأثير طويل الأمد

التاريخ : الثلاثاء 20 فبراير 2024 . القسم : اقتصاد

نشر موقع ذا ناشيونال أعدَّه حمزة هنداوي يناقش التحديات الكبيرة التي تفرضها حرب غزة على مصر والتي تعاني بالأساس من أزمة اقتصادية حادة.

ويلفت الكاتب في مستهل تقريره إلى أن الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة جلبت تحديات كبيرة لمصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان والتي تواجه بالفعل صعوبات اقتصادية، مع تطورها لتصل إلى حدودها مع غزة.

وقال محللون إن بعض هذه التحديات قد تربك مصر لفترة طويلة حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها في غزة، مما يعيد تشكيل سياساتها الإقليمية ويعيد تحديد علاقاتها مع دول الشرق الأوسط الأخرى.

ليس في صالح مصر

وينقل الكاتب عن دبلوماسي مصري كبير قوله إن «الوضع في مجمله ليس في صالح مصر».

وقال إن أحد الأمثلة على ذلك هو الهجمات التي شنها الحوثيون في اليمن على السفن في البحر الأحمر، والتي خفضت إيرادات مصر من قناة السويس في يناير بمقدار النصف مقارنة بالعام الماضي.

وقال الدبلوماسي: «ربما تكون هذه أسوأ نتيجة مباشرة للحرب لمصر، وهذا ليس فقط بسبب انخفاض إيرادات القناة».

وأضاف أن «الهجمات خلقت وضعًا جديدًا في البحر الأحمر يمكن أن يتكرر في المستقبل».

وأضاف الكاتب أن هناك مثالًا آخر على تأثير الحرب على مصر وهو أنها أظهرت أن القاهرة لا تملك سوى وسائل قليلة للتأثير على إسرائيل، شريكتها في معاهدة السلام لعام 1979 التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي.

توسطت مصر بنجاح في هدنة لإنهاء الحروب بين إسرائيل وحركة حماس. وكانت الهدنة الأخيرة في الحرب الحالية جزءًا من جهود الوساطة التي شملت قطر والولايات المتحدة والتي استمرت أسبوعًا وأسفرت عن تبادل الأسرى بين الطرفين.

وقد حاول الوسطاء منذ ذلك الحين التوسط في صفقة مماثلة وفشلوا حتى الآن.

محدودية الخيارات المصرية

وقال الدبلوماسي: «لقد أظهرت حرب غزة ضعف الأوراق التي تملكها مصر... علاوة على ذلك، فإن وضع مصر الاقتصادي يترك لها خيارات محدودة وهذا، بطريقة أو بأخرى، يحدد السياسات المصرية».

ومصر هي أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل. وكانت العلاقات بين الجارين فاترة طوال الجزء الأكبر من السنوات الـ 44 التي تلت توقيع المعاهدة التي رعتها الولايات المتحدة.

لقد كانت هذه الاتفاقيات مشحونة بالتوتر منذ اندلاع حرب غزة، إذ حذرت القاهرة مؤخرًا من أنها قد تعلق المعاهدة إذا بدأت إسرائيل هجومًا بريًا على رفح، المدينة الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة على الحدود المصرية.

وتقول مصر إن أي هجوم إسرائيلي هناك قد يدفع عديدًا من النازحين الفلسطينيين في رفح عبر الحدود إلى مصر، وهو سيناريو تعتقد القاهرة أنه سيضر بالقضية الفلسطينية ويضيف عقبة أخرى أمام أي مفاوضات سلام مستقبلية لأن إسرائيل لن تسمح بعودتهم.

وبسبب قلقها من العمليات القتالية على حدودها مع غزة، عززت مصر في الأسابيع الأخيرة قواتها هناك، وزادت رحلات الاستطلاع والدوريات البرية.

يوم الأحد، رفعت وزارة الدفاع المصرية السرية عن وثائق حول عملياتها العسكرية ضد إسرائيل في عام 1973 – وهي آخر الحروب الأربع الشاملة التي خاضتها الدولتان منذ عام 1948.

وقال مصدر أمني: «الغرض من رفع السرية عنها هو إظهار أن الجيش المصري قادر على تنفيذ المهام القتالية بكفاءة في أي وقت وبغض النظر عن الظروف».

وفي الأشهر الأربعة التي تلت بدء الحرب، كان على مصر أن تدافع عن نفسها ضد الاتهامات التي وجهتها إسرائيل لها بأنها هي من يعطل إيصال المساعدات إلى غزة. وأكد الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرًا أنه أقنع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي بفتح معبر رفح للسماح بمرور المساعدات إلى غزة.

وقال مسؤولون مصريون إن الاتهامات لا أساس لها من الصحة، في حين صورتها وسائل الإعلام الموالية للحكومة على أنها جزء من مخطط لتقويض مصر وتشويه صورتها.

وبالقدر نفسه من الضرر، أو ربما الأكثر ضررًا، جاءت التقارير الإعلامية الأخيرة، المدعومة بصور الأقمار الصناعية، التي تزعم أن مصر ربما تقوم سرًا بإعداد منطقة متاخمة للحدود لاستقبال تدفق محتمل للفلسطينيين النازحين من غزة هربًا من القصف الإسرائيلي.

وما يجعل هذا الادعاء حساسًا للغاية هو أن مصر قامت بحملة منذ بدء الحرب ضد إجبار سكان غزة على النزوح إلى سيناء، قائلة إن إعادة توطين الفلسطينيين في أراضيها، حتى لو مؤقتا، سوف يضر بالأمن القومي ويجعلها طرفًا في تصفية القضية الفلسطينية.

ولتجنب هذا السيناريو، حذرت مصر، مثل الولايات المتحدة ودول أخرى، إسرائيل من شن هجوم بري على رفح، قائلة إن ذلك سيكون بمثابة مذبحة لأن المدينة مكتظة بالفلسطينيين النازحين.

ولم ينف وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال مؤتمر ميونيخ الأمني يوم السبت، التقارير عن أعمال البناء الجارية.

استفادة محتملة

وينوِّه الكاتب إلى أن مصر قد تستفيد ـ ولكن ليس عن قصد ـ من حرب غزة التي دفع تأثيرها على مصر كبار المانحين إلى إدراك ضرورة القيام بشيء ما لتجنيب القاهرة الانهيار الاقتصادي.

ويقول صندوق النقد الدولي بالفعل إنه يتفاوض على تمديد قرض بقيمة 3 مليارات دولار اتفق عليه مع القاهرة في عام 2022 لمساعدة مصر على تجاوز الأزمة، والذي خرج عن مساره بسبب إحجام مصر عن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها.

ويقوم الاتحاد الأوروبي أيضًا بإعداد حزمة إنقاذ بمليارات الدولارات لمصر.

ويتجلى عمق الأزمة في مصر في الأزمة الحادة والمستمرة للعملة الأجنبية، وتراجع قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم، والعبء الثقيل لخدمة الدين الخارجي الذي يبلغ حوالي 160 مليار دولار. وهناك نقص في المواد الغذائية الرئيسة، مثل السكر والأرز والحليب، أو ارتفعت أسعارها بشكل كبير.

وقال خبير شؤون الشرق الأوسط مايكل حنا من مجموعة الأزمات الدولية: «لقد طغت حرب غزة على الأزمة الاقتصادية بطرق عديدة، لكنها لم تجعل الناس ينسونها تماما. لقد طغت هذه الأزمة على الوضع الاقتصادي، لكن ذلك قد لا يقتصر على ذلك. هناك فرصة سانحة لمصر متجذرة في ضعفها الحالي».

وأضاف: «لقد خلقت الحرب ديناميكية جديدة لصالح مصر، وهناك قدر كبير من التقدير لضعف مصر في صندوق النقد الدولي وواشنطن والاتحاد الأوروبي».

كما أدت الحرب إلى رفع مكانة السيسي الدولية بشكل كبير، إذ توجه العشرات من زعماء العالم وكبار المسؤولين الغربيين إلى القاهرة منذ أكتوبر لمناقشة الصراع مع السيسي وتقديم الدعم لجهود الإغاثة التي تبذلها مصر لسكان القطاع.

وقال عمار علي حسن، عالم الاجتماع والمؤلف المصري البارز، إن السيسي تعامل مع الأزمة بثبات، خاصة العلاقات مع إسرائيل.

وأضاف: «لقد جلبت الحرب زعماء العالم إلى القاهرة. وقد دعموا الحكومة بشكل غير مباشر في وقت يعاني فيه الملايين بسبب الاقتصاد. كما أنهم أصبحوا يعتمدون على مصر لتوصيل المساعدات للفلسطينيين في غزة».

وأوضح أن انتقادات السيسي لإسرائيل، ومعارضته لتهجير الفلسطينيين، والتصور بأن مصر تتعرض لمعاقبة اقتصادية من الغرب بسبب موقفها المؤيد للفلسطينيين، دفعت الكثير من المصريين إلى الاحتشاد خلف الجنرال السابق في وقت يتزايد فيه السخط الشعبي على السلطة.  

وفي الوقت نفسه، فاز بسهولة بولاية ثالثة في انتخابات ديسمبر التي خيمت عليها حرب غزة.

وتطرق الكاتب إلى الأجواء التي جرت في الانتخابات وكيف دفعت المرشح الأكثر جدية لتحدي السيسي، أحمد طنطاوي، إلى التخلي عن الاستمرار في السباق، وترك السيسي ينافس ثلاثة مرشحين مغمورين كان الفوز عليهم أمرًا محسومًا.

وقال حنا من مجموعة الأزمات الدولية إن «المجتمع الدولي يتحدث عن مصر بشكل مختلف الآن، مع عدم وجود أي ذكر للديمقراطية أو حقوق الإنسان».

وقال حنا: «لم يكن هناك أي تعليق على الانتخابات أو غياب مرشح مستقل [طنطاوي] كان من الممكن أن يشكل تحديًا جديًا للسيسي».