نظرة يجيز الحج بالتقسيط ويدعو إلى مساعدة الفقراء في مصر بدلًا من أدائه ويرى مواجهة فكر الإخوان والجماعات المتطرفة من صور محاربة الدولة للفساد
التاريخ : السبت 24 فبراير 2024 . القسم : ديني
مضامين الفقرة الأولى: مكافحة الفساد
قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، إن المحافظة على الإنسان والحرص على سلامة الأوطان أمر فطري وواجب شرعي، دلت عليه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن كافة النصوص الشرعية القطعية، مضيفا أن الإسلام قصد لحفظ الدين والنفس والمال والعرض والعقل، وهي المقاصد العليا للتشريع الإسلامي، وبالحفاظ عليها يستقر المجتمع، أما إذا تم الإخلال بها في أي مجتمع فحتما سيواجه صعوبات وتحديات كثيرة كالفساد وغيره. وأكد المفتي أن الإسلام سن تشريعات متعددة من شأنها القضاء التام على الفساد بكل صوره وأشكاله، وانتهج في سبيل ذلك عدة تدابير، منها ما يكمن في تربية الفرد وتنشئته على حب الله ومراقبته في كل سلوك وتصرف يصدر منه، كما اتخذ الإسلام سلسلة من التدابير الأخرى لمنع وقوع جريمة الفساد قدر الإمكان؛ وذلك من خلال سد الطريق أمام كافة الأسباب المؤدية إلى الفساد.
وأشار إلى أن الفساد في حقيقته يشكل عقبة خطيرة لسيادة القانون والتنمية المستدامة، ويزعزع الثقة بالمؤسسات العامة والخاصة، ويقوض الشفافية؛ ومن هنا تكاتف سائر العقلاء من أجل محاربة الفساد والقضاء عليه. وأوضح أن مكافحة الفساد لم تكن في ثقافتنا وليدة توجه عالمي معاصر أو اتفاقية حديثة، بل إن محاربته ظلت إحدى قيمنا الحضارية الوطنية والإسلامية؛ نراها في شريعة الإسلام وحضارته منذ القدم؛ ففي إطار الحرص على حياة الشعوب واستقرارها أكد الإسلام على موقفه الرافض لكافة أشكال الفساد، ونهى عنه وشدد على تحريمه وتجريمه، بل إن دستور الإسلام قد نص على أن الله عز وجل لا يحب المفسدين؛ فقال تعالى في القرآن الكريم في سورة القصص: "ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين"، وقد كان ذلك نواة أساسية لقيام الحضارة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.
وثمن المفتي جهود الدولة ومؤسساتها الرقابية والتنفيذية التي تسعى بكامل طاقتها إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في سبيل مكافحة الفساد، وقد اتخذت العديد من القرارات الجسورة التي من شأنها تحقيق قدر أكبر من العدالة والحياة الكريمة.
وعن جهود دار الإفتاء المصرية في محاربة الفساد بكافة أشكاله وخاصة الفساد الفكري من خلال فتاويها قال مفتي الجمهورية إن دار الإفتاء المصرية قد وقفت في طليعة مؤسسات الدولة تكافح الفساد وتواجهه في سياق رسالتها المتمثلة في بيان الأحكام الشرعية في إطار من الانضباط المؤسسي الواعي بتحقيق مصالح الخلق في ظل مقاصد الشريعة، فلم تترك دار الإفتاء فرصة لمحاربة الفساد والتنبيه على مظاهره وأخطاره إلا وقامت باستثمارها، فأصدرت الفتاوى التي تبين حرمة الاعتداء على المال العام، وحرمة التعدي على الملكية الشائعة واستغلال الطرقات العامة وأراضي الدولة، ونشرت فتاويها في تحريم دفع الرشوة وتحريم الاحتكار، وغير ذلك كثير، فضلا عن محاربة الفكر المتطرف الذي يمثل فسادا فكريا.
وشدد على خطورة الفساد الفكري المتمثل في التدين الشكلي واحتكار الحقيقة، حيث إن المنهجية العلمية للشرع الشريف والمأخوذة من القرآن والسنة والتي عمل العلماء على ترسيخها عبر العصور، من بين سماتها التواضع واحترام رأي الآخرين وعدم المصادرة على أقوالهم، وهي تصب في صالح التدين الصحيح، وتحقق الأمن المجتمعي، الذي به تستقر المجتمعات، وهو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم كما نرى ذلك جليا في سيرته العطرة؛ وهذه المنهجية أثبتها الشافعي حين قال: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
وأكد أن فقه الدولة والوطن بديهيات غابت عن فكر الإخوان والجماعات المتطرفة؛ ولذا فشلت على مر العصور في تكوين كيان مشابه وبديل لذلك. وشدد على ضرورة مواجهة الفساد بكل أشكاله والتعاون مع القانون في الإبلاغ عن الفساد انطلاقا من المسئولية الفردية والجماعية، مشيرا إلى ضرورة المزيد من التوعية في كل المنابر والأماكن الموجهة للفرد سواء في وسائل الإعلام أو في الأعمال الدرامية أو مراكز الشباب وغيرها للتحذير من مخاطر وعواقب الفساد بكل أشكاله.
مضامين الفقرة الثانية: الحج
قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، إن مساعدة الفقراء والمحتاجين أولى من أداء حج وعمرة نافلة. وأضاف أن هذا الأمر يشمل المكان الذي يعيش فيه الشخص وطنه أو في الخارج. وأوضح أن فقهاء المذاهب الأربعة أجمعوا على أن إنفاق الأموال على مساعدة الفقراء في مأكلهم أو مشربهم أو في تعليمهم أو في الخدمات التي تُؤدَّى إليهم وتكون هذه الخدمات ضرورية وتكون الحياة مرهقة جدًا بدونها بدلًا أولى من أداء حج النافلة. وأشار إلى أنّ تعليلات الفقهاء تفيد بأن مساعدة الفقراء والمحتاجين وقضاء حوائجهم ورفع الضرورات عنهم تكون بمثابة خدمة مزدوجة، تتمثل في رفع الضرر وتعميق قضية الشعور بالآخرين.
وكشف حكم الحج بالتقسيط، معلقًا: من المقرر شرعا أن ملكية نفقة الحج أو العمرة -وهي المعبر عنها في الفقه بالزاد والراحلة- إنما هي شرط وجوب لا شرط صحة، بمعنى أن عدم ملكية الشخص لها في وقت الحج كالذي يحج بالتقسيط لا يعني عدم صحة الحج، بل يعني عدم وجوبه عليه، فإذا لم يحج حينئذ فلا إثم عليه، أما إذا أحرم بالحج فقد لزمه إتمامه، وحجه صحيح، وتسقط به عنه حجة الفريضة. وأضاف أن المسلم الذي لا يملك نفقة الحج كاملة لن يحاسبه الله عز وجل على عدم قيامه بالحج، فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها، مشيرا إلى أن الحج بالتقسيط جائز، بضوابط شرعية، ولكن لماذا يفتعل المسلم تحقيق شروط الحج، ويكلف نفسه فوق طاقتها أو إرهاقها بالديون؟
وحول أولوية الحج مرة أخرى نفلا أم مساعدة المحتاجين، قال المفتي: في هذه الآونة أن كفاية الفقراء والمحتاجين وعلاج المرضى وسد ديون الغارمين وغيرها من وجوه تفريج كرب الناس وسد حاجاتهم مقدمة على نافلة الحج والعمرة بلا خلاف، وأكثر ثوابا منها، وأقرب قبولا عند الله تعالى، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الوحيين، واتفق عليه علماء الأمة ومذاهبها المتبوعة. وأكد مفتي الجمهورية أن أن المقصد من الحج هو تهذيب النفس الإنسانية وترقيق القلوب والقيام بالنسك، مؤكدا على أنه لا بد لهذه الفريضة من استعداد نفسي وروحي، فضلا عن الاستعداد المادي والجسماني.
مضامين الفقرة الثالثة: الرشوة
قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، إن التقصير في العمل والتقاعس عنه وأخذ الرشوة حتى القليلة هو من الفساد، وبرغم كونه فسادا صغيرا فقد يؤدي لخلل كبير في المجتمع يقترب من الفساد الكبير، مضيفا أن الرشوة من الكبائر لأنها داخلة تحت دائرة اللعن؛ فكل ما يندرج تحت دائرة اللعن هو من الكبائر، وقد لعن آخذ الرشوة كما جاء في الحديث الشريف: «لعن الله الراشي والمرتشي»، وفي رواية بزيادة: «والرائش»؛ أي: الساعي بينهما، واللعن من الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم معناه أن ذلك كبيرة من الكبائر.
وشدد على أن قبول الرشوة أمر محرم شرعا، ومجرم قانونا؛ لما اشتمل عليها من كذب ومفاسد عدة، وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ويرجع عن هذه المعصية، ويسعى في إتقان عمله والقيام بواجبه؛ حتى يحلل كسبه ويطيب عيشه، ويحرص على خدمة مجتمعه ووطنه.
مضامين الفقرة الرابعة: البيع والشراء بالتقسيط
عن حكم الشراء والبيع بالتقسيط في صورة زيادة الثمن مقابل زيادة الأجل؛ قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، إنه من المقرر شرعا أنه يصح البيع بثمن حال وبثمن مؤجل إلى أجل معلوم، والزيادة في الثمن نظير الأجل المعلوم جائزة شرعا على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ لأنها من قبيل المرابحة، وهي نوع من أنواع البيوع الجائزة شرعا التي يجوز فيها اشتراط الزيادة في الثمن في مقابلة الأجل؛ لأن الأجل وإن لم يكن مالا حقيقة إلا أنه في باب المرابحة يزاد في الثمن لأجله إذا ذكر الأجل المعلوم في مقابلة زيادة الثمن، قصدا لحصول التراضي بين الطرفين على ذلك، ولعدم وجود موجب للمنع، ولحاجة الناس الماسة إليه بائعين كانوا أو مشترين. وأكد أن ذلك لا يعد من قبيل الربا؛ لأن القاعدة الشرعية أنه إذا توسطت السلعة فلا ربا، والخدمات التي يتعاقد عليها هي في حكم السلعة.
وردًا على سؤال عن ضابط إعطاء الزكاة للقريب المستحق قال: كل من لم تجب على المزكي نفقته من أقاربه جاز دفع الزكاة إليه ما دام مستحقا لها.