معهد واشنطن: مخاوف القاهرة في مواجهة التوغل الإسرائيلي في رفح: المواجهة والتطرف

التاريخ : السبت 24 فبراير 2024 . القسم : ترجمات

نشر معهد واشنطن تقريرًا للباحثين محمد ماهر ومحمد فريد يستعرضان فيه التداعيات المحتملة لتوغل جيش الاحتلال في مدينة رفح على العلاقات مع مصر.  

ويزعم الباحثان أن خطة حماس الأصلية، عندما شنت عمليتها في 7 أكتوبر، أن تستدرج إسرائيل لرد قاسي جدا يؤجج حربًا كبيرة، بين العرب وإسرائيل.

ويؤكد الباحثان أن حماس نجحت في الجزء الأول من خطتها باستدراج إسرائيل لرد قاسي، سقط معه نحو 29 ألف قتيل، و69 ألف جريح، لكنها لم تنجح حتى الآن، في إشعال الحرب الكبرى بين العرب و “إسرائيل”.

احتمال تبادل إطلاق النار في معركة رفح

ووفقًا للتقرير، سبق وحذرت كل من مصر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من تبعات معركة رفح، ليس على إسرائيل فحسب، بل على مصر والمنطقة برمتها، حيث أنها ستضع الجنود الإسرائيليين في مواجهة نظرائهم المصريين ربما للمرة الأولى منذ أكتوبر 1973.

وقد أعربت واشنطن، مرارا عن قلقها إزاء العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، والرئيس بايدن، نفسه، قال خلال لقائه بالملك عبد الله، العاهل الأردني في البيت الأبيض، أن العملية العسكرية في رفح، لا ينبغي أن تستمر دون خطة ذات مصداقية، مضيفا، نريد خطة لضمان سلامة ودعم أكثر من مليون شخص لجأوا إلى رفح.

ومع ذلك، تشعر القاهرة أيضًا بقلق بالغ إزاء احتمال حدوث خطأ في التقدير من جانب إسرائيل بشأن العمليات العسكرية القريبة جدًا من الحدود المصرية. وتقع رفح على الحدود بين مصر وغزة، مما يعني أن أي عملية في رفح من شأنها أن تجلب إسرائيل إلى الأراضي المصرية. ووفقا لرويترز، أرسلت مصر بالفعل، نحو 40 دبابة، وناقلات الجنود المدرعة، إلى شمال شرق سيناء، بالقرب من الحدود.

ومن ثم، فإن أي خطأ في التقدير هنا أو هناك قد يتسبب في اتساع دائرة العنف الممتدة على طول الحدود المصرية – الفلسطينية – الإسرائيلية، ويمكن أن يؤدى إلى كارثة، ففي بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة في 22 أكتوبر، أصابت نيران دبابة إسرائيلية، برج مراقبة حدودي مصر، أسفر عن وقوع إصابات في عناصر المراقبة الحدودية المصرية، وفق بيان الجيش المصري.

وفي رفح، ستواجه تل أبيب أسئلة صعبة: ماذا لو نجحت عناصر حماس في شن عملياتها ضد الإسرائيليين وهربت عناصرها عبر الحدود، مع مصر، هل ستطاردهم؟ هل ستخاطر إسرائيل بنسف معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية والتي امتدت لـ 40 عاما وتعد أحد أهم ركائز السلام، في منطقتنا المضطربة، والتي استثمرت الولايات المتحدة نفسها جهد سياسي عظيم، ووفرت مليارات الدولارات سنويا لمصر وإسرائيل، لمواصلة مطاردة حماس؟ كل هذه الأسئلة تشغل القاهرة حاليا.

وفقا لمصادر غربية وإسرائيلية، فقد حذرت مصر إسرائيل، من إمكانية تعليق معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية كامب ديفيد، في حال إقدام إسرائيل على الغزو البري، لمدينة رفح الفلسطينية. التحذير المصري، الذي ربما جاء عبر القنوات الدبلوماسية المغلقة، حرصت القاهرة على تسريبه لوسائل الإعلام الغربية، حتى تصل الرسالة إلى تل أبيب وواشنطن.

مخاوف القاهرة بشأن محور فيلادلفيا

وأضاف التقرير أن القاهرة تنشغل حاليا بالحشود العسكرية الإسرائيلية على حدود محور فيلادلفيا بين مصر وإسرائيل تمهيدا للسيطرة على الجانب الفلسطيني من رفح.

وليست تلك المرة الأولى التي تسيطر فيها إسرائيل على المحور الذي يقع داخل الأراضي الفلسطينية ويمتد بطول قرابة 14 كم وعرض حوالي مائة متر، حيث كان تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة من الجانب الفلسطيني حتى عام 2005، إلى جانب وجود منطقة عازلة مع الحدود المصرية في قطاع غزة تحميها قوات الشرطة المصرية.

وتشعر القاهرة بالقلق من أن إعادة سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا تعني على المدى القصير الفصل الكامل لقطاع غزة عن العالم وبالتبعية إغلاق معبر رفح البري من الجانب الفلسطيني وهو ما ينذر بتوقف مرور المساعدات الإنسانية للقطاع وعمليات إخلاء الجرحى والمرضى والعالقين للأراضي المصرية. ومع اكتظاظ الجانب الفلسطيني من الحدود بمئات الاف من النازحين الذين يعيشون في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة فإن هذا التكتيك سوف يخلف كارثة إنسانية سواء من حيث القتلى جراء العمليات العسكرية أو من نقص الإمدادات الإغاثية والطبية.

تصاعد خطر التطرف

ويلفت الباحثان إلى أن المسار الحالي الذي تصر عليه تل أبيب، ستكون له تبعات كارثية ليس على إسرائيل وحدها أنما أيضا على كل الدول العربية التي ارتبطت بعلاقات جيدة مع إسرائيل، فالتيارات القومية والإسلامية قد تشكل موجة تسونامي شعبوية تطيح بالأخضر واليابس في منطقتنا السعيدة، كما أن الأحداث الأخيرة في غزة ساهمت في صعود نجم تيارات المقاومة مرة أخرى سواء في اليمن أو العراق أو سوريا.

في أحدث استطلاع للرأي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أنه بعد سنواتٍ من أوجه النظر السلبية تجاه حماس، ينظر ثلاثة أرباع المصريين الآن إلى الحركة بشكلٍ إيجابي، وعلى الجانب الأخر فتشير استطلاعات الرأي في إسرائيل لرفض عام لفكرة الدولة الفلسطينية وهو أحد التبعات للحرب الدائرة في غزة التي خلفت آلاف القتلى والجرحى وشهدت دمارا غير مسبوق للبنية التحتية في القطاع.

ومع تنامي التصريحات المتطرفة، لاسيما من المسؤولين المنتخبين الإسرائيليين سواء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو شركاؤه الأكثر تطرفا بن جفير وسموتريتش وليبرمان المحرضة على قتل الفلسطينيين وتهجير من بقي منهم لسيناء، وهي تلك التصريحات التي استعملتها جنوب إفريقيا في قضيتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، تأثرت تصورات العديد من المصريين للعمليات الإسرائيلية في غزة بشكل حاد.

ويرى الكاتبان أن حالة الغضب والاستياء العام لدى الشارع المصري، تسللت للعديد من المسؤولين في القاهرة، حيث خرج ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، وأكد أن إعادة احتلال محور فيلاديلفيا سيمثل تهديد للسلام بين القاهرة وتل أبيب، وسط تسريبات، بأن القاهرة تخطط لتعليق معاهدة كامب ديفيد للسلام بينها وبين إسرائيل.

ونتيجة لخطاب المسؤولين وبعض المحللين الإسرائيليين الذي ينادون بتهجير الفلسطينيين لسيناء، قد يرى العديد في القاهرة أن الهدف النهائي هو وضع ضغط على الفلسطينيين لدفعهم لعبور الحدود للجانب المصري وإلقاء عبء الأزمة الإنسانية كلها على عاتق القاهرة وهو ما تراه العديد من الدوائر في القاهرة تصفية للقضية الفلسطينية.

علاوة على ذلك، تنظر الدوائر الأمنية في القاهرة إلى هذا الاحتمال على أنه تهديد أمني كبير سواء في صورة تسلل مقاتلين تابعين لحماس أو غيرها من الفصائل الفلسطينية واتخاذ سيناء قاعدة انطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية ضد إسرائيل أو قوات الأمن المصرية وإعادة إحياء لجماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الإسلامية المتطرفة التي ستعلن الجهاد ضد إسرائيل من سيناء مما يدخل المنطقة في دوامة لا نهائية من عدم الاستقرار.

في واقع الأمر إن مسألة تأمين الحدود المصرية مع غزة وضمان منع التسلل أو التهريب امر حيوي لمصر ربما بصورة أكبر من إسرائيل خاصة وأن السنوات الماضية شهدت تهريب أسلحة ومتفجرات بالإضافة لتسلل عناصر إرهابية تابعة لحماس وغيرها من الفصائل للقتال في صفوف الجماعات الإسلامية في سيناء، وفقًا للتقرير.

ويشير الكاتبان إلى ضرورة أن يأخذ الطرفين في الاعتبار مخاوف واحتياجات الآخر، ويمكن من خلال التنسيق بين الطرفين إدخال المساعدات الإنسانية بصورة مستمرة للفلسطينيين المحاصرين. وعلى المدى البعيد، يمكن الانطلاق نحو سيناريو ما بعد الحرب في غزة والذي من الممكن أن تلعب فيه القاهرة دور محوري، حيث أثبتت الشهور الماضية أن السلام يحتاج لأطراف ملتزمة حقا به ويمكنهم العمل معا بصورة فعالة وإيجاد التفاهمات الأزمة وضمان الأمن والازدهار المشترك و(ليس مجرد خطاب دون فعل حقيقي). كما أنه على إسرائيل أن تنتبه أن الخسائر الدامية في صفوف الفلسطينيين الأبرياء يمكن أن تعيد خطورة الجماعات الإسلامية ليس ضد إسرائيل فحسب، بل ضد كل الدول المعتدلة في المنطقة مثل مصر، على حد تعبير الكاتبين.

ويرى الكاتبان في ختام التقرير أن بإمكان مصر أن تساهم بشكل كبير في تعافي المنطقة، لكن كل هذا يتطلب إبقاء قنوات الاتصالات مفتوحة، بينما تقوم تل أبيب بتطوير خططها المستقبلية وتجنب الوصول إلى نقطة تشعر فيها القاهرة بأنها مضطرة للرد.