معهد تحليل العلاقات الدولية: التداعيات الجيوسياسية لغزو رفح
التاريخ : الاثنين 26 فبراير 2024 . القسم : ترجمات
نشر معهد تحليل العلاقات الدولية الإيطالي تقريرًا للباحثة سارة كوبوليتشيا تستعرض التداعيات الجيوسياسية المحتملة لغزو جيش الاحتلال لمدينة رفح.
في ضوء تهديد إسرائيل باجتياح رفح، التي يسكنها حاليا أكثر من 1.5 مليون فلسطيني، تناقش الكاتبة المخاطر الجيوسياسية لهذا الاجتياح في الشرق الأوسط ولماذا لا يمكن اعتبار الهجرة خيارًا متاحًا للفلسطينيين.
في 18 فبراير، قالت إسرائيل إنها ستشن عملية عسكرية برية في رفح إذا لم يُطلق سراح الرهائن المحتجزين في قطاع غزة بحلول بداية شهر رمضان، المقرر في 10 مارس. وتبقى الحدود مع مصر حتى الآن المنطقة الوحيدة التي لم تتعرض لهجوم بري من إسرائيل. والحقيقة أنه منذ شهر أكتوبر، عندما بدأ قصف الجيش الإسرائيلي لمدن قطاع غزة، نزح ما يقرب من 1.5 مليون إنسان من المدن الأخرى ولجأوا إلى الجنوب، في منطقة كان الجيش الإسرائيلي قد وصفها في السابق بأنها منطقة آمنة.
وفي غضون أسابيع، أقيمت مخيمات ومعسكرات في رفح. والحقيقة أن الإستراتيجية التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية المتمثلة في نقل السكان المدنيين بشكل منهجي ومتكرر أدت إلى التهجير القسري لأكثر من ثلاثة أرباع السكان، وأصبح أغلبهم بلا مأوى مناسب أو منزل يعودون إليه. فما الذي قد يحدث إذن؟ ما هي العواقب المحتملة لغزو رفح ولماذا لا يعتبر الفلسطينيون الهجرة خيارا؟
القضية الفلسطينية
توضح الكاتبة أنه وفي حال قرر السكان الفلسطينيون الهجرة، فمن المحتمل ألا يتمكن الفلسطينيون من العودة إلى غزة. وفي الواقع، في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في عام 1948 والتي أعقبت تأسيس دولة إسرائيل، ومرة أخرى في عام 1967 بعد حرب الأيام الستة، اضطر الفلسطينيون إلى مغادرة منازلهم مع عدم القدرة على العودة. وبالتالي يمكن إرجاع ولادة القضية الفلسطينية إلى خمسينيات القرن الماضي، بعد أن سمحت هدنة رودس عام 1948 لإسرائيل بضم الجليل الشرقي والنقب وقطاع من الأراضي يصل إلى القدس، التي احتلت نصفها. وبدلًا من ذلك تم تخصيص الجزء الغربي من الجليل والقدس للعرب.
واضطر مئات الآلاف من اللاجئين إلى الانتقال إلى المناطق المحيطة، حيث واجهوا ظروفًا معيشية سيئة والعمل القسري. واليوم، يبلغ عدد اللاجئين وأحفادهم ما يقرب من 6 ملايين، يعيش معظمهم في مخيمات ومجتمعات منتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية، ولبنان وسوريا والأردن. وإذا هاجر السكان الفلسطينيون الموجودون الآن في غزة، فإن ذلك يعني التنازل النهائي عن الأرض لإسرائيل، مع خطر عدم القدرة على استعادتها وبالتالي مصيرهم إلى حياة لاجئين في الدول العربية أو في الغرب.
مسألة الاستقرار
وتشير الكاتبة إلى أن دولًا عدة في الشرق الأوسط تشعر بالقلق من أن السماح بدخول اللاجئين الفلسطينيين قد يشجع حماس على التسلل إلى أراضيها، مما قد يؤدي إلى صراع محتمل وعدم استقرار سياسي. ويكتسب هذا الخطر أهمية خاصة بالنظر إلى علاقات حماس بإيران ودورها في المنطقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى توترات داخلية في المناطق ذات الأغلبية السنية. بالإضافة إلى ذلك، هناك خوف من أن تواصل حماس قتالها ضد إسرائيل من هذه المناطق.
وهذه المخاوف قوية للغاية في مصر، التي تقاتل المتمردين الإسلاميين في سيناء منذ سنوات. وعلاوة على ذلك، وفيما يتعلق بالسيسي، فإن دخول حماس أكثر خطورة لأنه قد يؤدي إلى تقوية جماعة الإخوان المسلمين، التي ورد ذكرها صراحة في المادة 7 من ميثاق حماس باعتبارها شقيقة لحماس. ومن الجدير بالذكر أن جماعة الإخوان المسلمين نشأت في مصر عام 1928 وقادت البلاد لفترة وجيزة قبل وصول السيسي إلى السلطة قبل حوالي عقد من الزمن. وفي الثمانينيات، ظهرت حماس كفرع فلسطيني من الجماعة.
والحقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين هي الكيان المعارض الأكثر أهمية في مصر، إلى جانب ارتباطها بحركة حماس، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى نشوء مخاوف من احتمال استغلال الجماعة للوضع في محاولة زعزعة استقرار الحكومة واستعادة السلطة.
شؤون اقتصادية
وأخيرًا، وحسب ما تضيف الكاتبة، فإن عديدًا من الدول العربية ليست مستعدة لقبول أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين لأسباب اقتصادية؛ ذلك أن الموارد المحدودة والبنية التحتية المتخلفة تجعل من الصعب على هذه البلدان تقديم المساعدة والدعم الكافيين للاجئين الفلسطينيين. وسيستلزم استيعاب عدد كبير من اللاجئين موارد مالية ولوجستية كبيرة قد لا تكون متاحة.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن المنطقة تتميز بعديد من الصراعات، مثل تلك الدائرة في العراق وسوريا واليمن. وقد أجبرت هذه الصراعات الكثير من الأشخاص على الفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان في أماكن أخرى. ونتيجة لذلك، فإن عديدًا من دول الشرق الأوسط مثقلة بالفعل باللاجئين من صراعات أخرى، وقد لا تكون قادرة على التعامل مع التدفق الإضافي للاجئين الفلسطينيين.
الاستنتاجات
وتقول الكاتبة إنه وبالنظر إلى الأسباب المذكورة أعلاه، نأمل ألا يتحقق تهديد نتنياهو بغزو رفح. ويشكل هذا التهديد مصدر قلق بالغ سواء من الناحية الإنسانية أو بسبب الخطر الحقيقي المتمثل في زيادة توسيع نطاق الصراع في المنطقة. وهو أمر مقلق لمصر على وجه الخصوص لأن القاهرة هددت بتعليق معاهدة السلام مع تل أبيب إذا غزت القوات الإسرائيلية رفح.
وبالتالي يمكن أن يتوسع الصراع ليشمل مصر، بالإضافة إلى انخراط حزب الله بالفعل في لبنان والحوثيين والولايات المتحدة في البحر الأحمر والميليشيات الإيرانية والعراقية في العراق وسوريا. ولا ينبغي الاستهانة باحتمال مشاركة بلدان أخرى في الدفاع عن الشعب الفلسطيني.