يورونيوز: رهان الاتحاد الأوروبي الكبير على مصر يأتي بثمن باهظ ومخاطر عالية

التاريخ : الثلاثاء 19 مارس 2024 . القسم : ترجمات

نشر موقع يورونيوز تحليلًا للكاتبين خورخي ليبوريرو وفينشنزو جينوفيز يستعرضان فيه المخاطر العالية لرهان الاتحاد الأوروبي الكبير على مصر.

يلفت الكاتبان في مطلع التحليل إلى أن الاتحاد الأوروبي وجد شريكًا «استراتيجيًا» جديدًا بعد تونس وموريتانيا للحد من الهجرة غير الشرعية: مصر.

وقد وقع الاتحاد الأوروبي خلال عطلة نهاية الأسبوع على «شراكة شاملة» بقيمة 7.4 مليار يورو مع مصر، وهو رقم يزيد بكثير عن الاتفاقيتين المبرمتين مع تونس وموريتانيا بقيمة 700 مليون يورو و210 ملايين يورو على التوالي.

منطق الصفقات

لكن المنطق وراء الصفقات الثلاث هو نفسه: ضخ أموال جديدة للمساعدة في استقرار الاقتصاد المضطرب والحد من تدفقات الهجرة غير النظامية، وفقًا للتحليل.

وكما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسوفال فون دير لاين من القاهرة، لا يمكن تجاهل مصر «بالنظر إلى ثقلكم السياسي والاقتصادي، فضلًا عن موقعكم الاستراتيجي في منطقة مضطربة للغاية، فإن أهمية علاقاتنا ستزداد بمرور الوقت».

وفيما يتعلق بمصر، فإن الحاجة ملحة للغاية: فالبلاد في خضم أزمة مدمرة ناجمة عن عاصفة كاملة من التضخم المرتفع، والديون الثقيلة، والعجز التجاري المستمر، وارتفاع أسعار الفائدة، ونقص العملات الأجنبية. وقد تفاقمت المشاكل بشكل كبير بسبب الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، والتي عطلت أسواق القمح العالمية ودفعت أسعار المواد الغذائية إلى مستويات قياسية، وهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، والتي حرمت القاهرة جزئيًا من 10 مليارات دولار من الإيرادات السنوية لقناة السويس.

ودفعت الاضطرابات المتصاعدة مصر إلى طلب قرضها الرابع من صندوق النقد الدولي منذ عام 2016 بقيمة 8 مليارات دولار (7.3 مليار يورو). وفي المقابل، وافقت البلاد على خفض قيمة عملتها الوطنية، وإدخال سعر صرف معوم، وإبطاء إنفاقها على البنية التحتية والحفاظ على القدرة على تحمل الديون.

البعد الاقتصادي

وأضاف الكاتبان أن للصفقة البالغة 7.4 مليار يورو مع الاتحاد الأوروبي بعدًا اقتصاديًا قويًا: 5 مليارات يورو في شكل قروض ميسرة لدعم إصلاحات الاقتصاد الكلي في مصر و1.8 مليار يورو في استثمارات إضافية في إطار سياسة الجوار للكتلة لتعزيز الطاقة المتجددة والاتصال الرقمي.

وفيما يتعلق بإدارة الهجرة، خصصت الاتفاقية 200 مليون يورو للقضاء على تهريب البشر والاتجار بهم كجزء من حزمة أوسع تبلغ 600 مليون يورو في شكل منح غير قابلة للسداد.

للوهلة الأولى، يبدو المبلغ الذي تبلغ قيمته 200 مليون يورو صغيرًا بالمقارنة، خاصة وأن الحد من الهجرة غير الشرعية يمثل أولوية مشتركة بين جميع الدول الأعضاء السبعة والعشرين، بغض النظر عن ميولها السياسية، وأن مصر تستضيف حاليًا أكثر من 500 ألف لاجئ من الدول المجاورة، معظمهم من السودان وسوريا.

لكن بروكسل ترى الأمور بشكل شمولي: فوضع الأموال النقدية في مكان واحد يمكن أن يمتد إلى أماكن أخرى. وفي ظل هذا التفكير، فإن تعزيز الاقتصاد المحلي في مصر من الممكن أن يفعل القدر نفسه أو ربما أكثر للسيطرة على الهجرة غير النظامية مقارنة بتعزيز الضوابط الفعلية على الحدود.

في السنوات القليلة الماضية، شهد الاتحاد الأوروبي ارتفاعًا كبيرًا في طلبات اللجوء المقدمة من المواطنين المصريين: من 6616 في عام 2021 إلى 26512 في عام 2023، وفقًا لوكالة اللجوء التابعة للاتحاد. وسُجل معظم هذه المطالبات في إيطاليا (69%)، تليها اليونان في المرتبة الثانية (9%). ويساعد هذا في تفسير سبب انضمام رئيسي الوزراء جيورجيا ميلوني وكرياكوس ميتسوتاكيس إلى رحلة فون دير لاين.

ومن الجدير بالذكر أن الزيادة الملحوظة في طلبات الحماية الدولية لم تتوافق مع زيادة متناسبة في معدلات الاعتراف. وتشير تقديرات وكالة اللجوء إلى أن ما بين 6 و7% فقط من هذه الطلبات كانت ناجحة، وهو رقم منخفض للغاية.

وقالت الوكالة في دراسة نشرت عام 2022، لتوضيح سبب رفض معظم طلبات اللجوء الدولية هذه: «من المفهوم أن المصريين الذين يهاجرون إلى الخارج يتأثرون في المقام الأول بالعوامل الاقتصادية والبحث عن عمل».

وتشير النتائج إلى أن المصريين الذين يسعون للوصول إلى أوروبا لا يغادرون من الشواطئ المصرية، حيث تُحرس الحدود البحرية بعناية. وبدلًا من ذلك، يسافر معظمهم إلى ليبيا، ثم يحاولون عبور البحر المتوسط. وتختار أقلية السفر إلى تركيا ومحاولة دخول الكتلة عبر بلغاريا أو اليونان.

بالإضافة إلى ذلك، تسلط الوكالة الضوء على مكانة مصر كدولة عبور للمهاجرين القادمين من القرن الأفريقي، والذين يعتمدون غالبًا على المهربين أنفسهم مثل المصريين.

العامل الحقوقي

ومع ذلك، وحسب ما يضيف التحليل، تشير الوكالة إلى «عاملي دفع» إضافيين يدفعان المواطنين المصريين إلى النزوح الجماعي: قمع حقوق الإنسان و«الوضع الأمني»، في إشارة إلى حملة مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء.

منذ انقلاب عام 2013، عزز عبد الفتاح السيسي، الجنرال السابق، قبضته على السلطة، ووسع صلاحياته الرئاسية وعمق دور الجيش في الحياة المدنية، مما أثار اتهامات بالمحسوبية والفساد.

ونتيجة لذلك، تصف منظمات مثل فريدوم هاوس وهيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية مصر بأنها دولة استبدادية ذلك أن حرية التعبير والتجمع معترف بها قانونًا، ولكنها مقيدة بشدة في الممارسة العملية. وتخضع المحاكم ووسائل الإعلام لسيطرة الدولة، وينتشر التمييز ضد الأقليات، مثل المسيحيين والشيعة والأشخاص الملونين، على نطاق واسع. كما أن ما تردد عن استخدام التعذيب والاختفاء القسري ضد المنتقدين السياسيين والمعارضين قد أثار قلقًا ًأيضًا.

خلال مؤتمرها الصحفي مع السيسي، تعهدت فون دير لاين «بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان» لكنها لم تقدم المزيد من التفاصيل.

وقال متحدث باسم المفوضية في وقت لاحق إن حقوق الإنسان كانت جزءًا من العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر منذ دخول اتفاقية الشراكة حيز التنفيذ في عام 2004، وستظل كذلك في ظل الشراكة المعززة.

وقال المتحدث: «هناك الكثير من القضايا التي يتعين التعامل معها والتي تتطلب أن نعمل مع مصر. لا يمكننا التظاهر بأن هذا البلد غير موجود ولا يمكننا ببساطة تجاهله»، مسلطًا الضوء على العمل الذي جرى إنجازه لتوصيل الإغاثة إلى قطاع غزة..

وأوضح المسؤول التنفيذي أن القروض الميسرة البالغة 5 مليارات يورو سوف تُصرف بموجب اتفاقية «إصلاحات السياسة»، لكن الاستخدام النهائي لهذه الأموال، التي ستُحول مباشرة إلى الخزانة المصرية، سيكون «غير مقيد وغير محدد»، مما يعني أن الحكومة سوف تتمتع بهامش تقديري مريح للإنفاق.

مخاطر عالية

وينقل التحليل عن كلاوديو فرانكافيلا، المدير المساعد في هيومن رايتس ووتش، قوله إن هذا الرهان الكبير معيب، لأنه يركز تركيزًا مفرطًا على مكافحة الاتجار بالبشر ويفشل في معالجة تراجع سيادة القانون الذي ساهم في الاضطرابات الاقتصادية ودفع المستثمرين بعيدًا عن البلاد. وتحدث بيانا صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي عن الحاجة إلى استعادة «الثقة» لإعادة الاستثمار الأجنبي.

وقال فرانكافيلا ليورونيوز إن «الأزمة الاقتصادية في مصر متشابكة بشكل عميق جدًا مع أزمة حقوق الإنسان».

وأضاف: «مصر لديها إلى حد كبير قيادة عسكرية سلطوية تخنق كل جزء من الحياة في البلاد، بما في ذلك الاقتصاد، ومن خلال قمعها تخلصت من أي شيء يشبه الضوابط والتوازنات في السلطة».

وأضاف: «إذا لم تعالج هذه القضايا، فإنك ببساطة تؤخر المشاكل لا تعالجها. الأزمة القادمة قاب قوسين أو أدنى».

ودعت سارة بريستياني، مديرة المناصرة في الأورومتوسطية للحقوق، وهي شبكة لحقوق الإنسان، الكتلة إلى إقامة صلة «واضحة» بين المدفوعات وسيادة القانون. وبخلاف ذلك، فإن الشراكة «تخاطر بأن تكون مجرد إضفاء الشرعية على الانجراف الاستبدادي الذي يميز نظام السيسي اليوم. لذلك، يجب ربط كل هذه الأنواع من الإصلاحات، وكل هذا التعاون، بشكل صارم بشروط احترام الحقوق الأساسية لسيادة القانون».

وحتى لو وجد الاقتصاد المصري أساسًا مستقرًا وكان لدى المواطنين المصريين أسباب أقل لمغادرة وطنهم، كما تأمل بروكسل في إطار الخطة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، فسيظل هناك سؤال دون حل حول مصير الشعب السوداني والجنسيات الأخرى. الذين لجأوا إلى البلاد أو عبروا أراضيها.

حذر أندرو جيديس، مدير مركز سياسات الهجرة في معهد الجامعة الأوروبية، من أن الضغوط الأوروبية للحد من الهجرة غير النظامية يمكن أن تشجع السلطات المصرية على مضاعفة «أدواتها القمعية»، مما يؤدي إلى معاناة أكبر لأولئك الذين يعانون من الصراعات.  

وقال جيديس ليورونيوز: «يعتمد طالبو اللجوء في مصر بشكل كبير على المساعدات الإنسانية، ويعيشون في ظروف سيئة للغاية ويعانون من ارتفاع مستويات البطالة. ومن غير المرجح أن تُوجه الموارد التي يقدمها الاتحاد الأوروبي من جانب السلطات المصرية لتحسين هذا الوضع». وقد وصف الشراكة بأنها «اتفاقية المعاملات».

واضاف: «قد يتدهور وضع طالبي اللجوء واللاجئين في مصر، وبالنسبة لأولئك الذين يحاولون الرحيل، قد تصبح الرحلات أكثر خطورة وفتكًا».