ذا كريدل: ضعف مصر السياسي والاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى إحياء جماعة الإخوان المسلمين

التاريخ : الأربعاء 20 مارس 2024 . القسم : ترجمات

نشر موقع ذا كريدل تقريرًا كتبه بشار اللقيس، الباحث في الجامعة اللبنانية، يسلط الضوء على تداعيات تفاقم مشاكل مصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتي منها إمكانية عودة جماعة الإخوان المسلمين.

يلفت الكاتب اللبناني في مطلع تقريره إلى صدور حكم في صباح يوم 4 مارس بالإعدام على المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، مع سبعة من قيادات الجماعة المحظورة (محمود عزت، ومحمد البلتاجي، وعمرو زكي، وأسامة ياسين، وصفوت حجازي، وعاصم عبد الماجد، ومحمد عبد المقصود) لتنظيمهم أعمال عنف قبل أحد عشر عاما فيما يسمى بقضية المنصة.

تعود القضية إلى عام 2013، بعد أيام من إطاحة الجيش المصري بالرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في انقلاب مدعوم من السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ومن الناحية الفنية، يمثل هذا الحكم الحكم الثالث على بديع البالغ من العمر 80 عامًا، بعد قضية غرفة عمليات رابعة سيئة السمعة في عام 2015.

ومع ذلك، وبعيدًا عن مفاهيم «العدالة»، تتكشف قصة أعمق ــ رواية محملة بالثقل السياسي. لم يكن حكم المحكمة يتعلق فقط بمحاسبة الأفراد على تجاوزات الماضي؛ لقد كانت خطوة استراتيجية من الدولة المصرية.

قنبلة موقوتة

ويشير الكاتب إلى أن حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي تخشى من الاضطرابات الاجتماعية الوشيكة المتوقعة نتيجة لاقتصاد الدولة المتعثر، والسياسات المالية المعيبة، وتراجع نفوذ العالم العربي، وعجز مصر في مواجهة التطهير العرقي الإسرائيلي في غزة - كل هذا مكونات لبرميل بارود محتمل مُجهز للانفجار في أي وقت.

ويشير المعلقون إلى أن الانفجار القادم قد يكون على نطاق غير مسبوق، بحيث يتفوق على انتفاضة الخبز عام 1977 وثورة 25 يناير عام 2011.

واستحضر بديع في إحدى المحاكمات دور الإخوان في حرب 1948، ومن ثم آثار النكبة على مصر وسياسات الدولة الهادفة إلى القضاء على الحركة الإسلامية الاجتماعية والسياسية الشعبية منذ الخمسينيات:

وقال بديع: «لا يهمنا إذا حكم علينا بالإعدام والسجن. فلسطين قضيتنا الأولى وقضية الأمة العربية والإسلامية. سيدي القاضي، هذا هو أصل القضية. نحن مسجونون حتى تتم صفقة القرن».

وبغض النظر عن دقة تصريح بديع العابر للزمن، فلا يمكن إنكار أن الأحداث الجارية في فلسطين اليوم من المرجح أن تلقي بظلالها على القاهرة في السنوات المقبلة، اعتمادًا على الطريقة التي تتعامل بها السلطات المصرية مع غزة. وتُلقي التداعيات القوية لأي خطوة خاطئة بثقلها على كاهل السلطات المصرية.

الدولة ضد الدين

وفي هذا السياق، وحسب ما يضيف الكاتب، يجدر التأمل في مناقشة روجر كايوا في «الإنسان والمقدس» حول التفاوت بين منظور الدولة الزمني والإدراك الديني للزمن.

تلتزم الدولة عادة برؤية موضوعية وزمنية وخطية غالبا، في حين تتبنى الأطر الدينية عادة منظورا «عابر للزمن» متشابكًا مع فهم تاريخي ــ سوف تتفوق فيه، مع مرور الوقت، النضالات الشعبية في نهاية المطاف على السلطة الفاشلة.

وبينما تسعى الدولة إلى تنظيم الحركة والوقت، وإظهار سلطتها من خلال مؤسسات مثل المحاكم والسجون، ينخرط الإسلاميون في ساحة مختلفة. إنهم يواجهون الدولة في الشوارع، والأزقة، والمنابر، والسجون، مع التركيز بشكل استراتيجي على البعد الزمني ــ أو «خلود» النضال.

وفي الواقع، فإن فهم المواجهة السياسية بين القاهرة والإخوان المسلمين يتطلب الغوص العميق في العلاقة التاريخية بينهما.

من التفاعلات المشحونة في الثلاثينيات إلى هيمنة الخمسينيات، ثم التعايش المتردد في السبعينيات، ثم ظهور «الصندوق» الإسلامي خلال الربيع العربي، ومن ثم عصر «ما بعد الإسلاموية» (كما وصفها عالم الاجتماع الإيراني الأمريكي آصف بيات)، مرت جماعة الإخوان المسلمين بمراحل مختلفة في لعبة محصلتها صفر مع الدولة.

وترتكز هذه العلاقة على سمات أساسية متأصلة بعمق في الحياة السياسية المصرية، والتي لا تستطيع بيروقراطية الدولة التغلب عليها ولا يستطيع الإخوان استيعابها بالكامل.

علاوة على ذلك، فإن تطور الدولة المصرية، بنظام السيطرة المركزية الذي يمتد لأكثر من ستة آلاف عام، مر عبر فترات محورية مختلفة، ساهمت كل منها في الأزمات الفريدة التي لا تزال تشكل المشهد السياسي في البلاد.

الإخوان على مر العصور

من منظور تاريخي، يمكن فهم ظهور جماعة الإخوان المسلمين على أنه رد فعل مدني على عنف الدولة الذي تمارسه الأنظمة على المجتمع. وبعبارة أخرى، فإن التوتر العلماني الإسلامي في مصر ليس مجرد صدام ثقافي، بل نتيجة لانتهاكات الدولة العنيفة لرأس المال الرمزي للمجتمع.

ومن المهم أيضًا أن ننظر إلى جماعة الإخوان المسلمين في المقام الأول باعتبارها حركة اجتماعية وليست سياسية، على غرار، حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان، واللتين تعود جذورهما أيضًا إلى النشاط الاجتماعي الشعبي.

في عهد الحكم الملكي في مصر في تلك الفترة، تحالف الإخوان بشكل وثيق مع شخصيات مثل فتحي رضوان، وعزيز المصري، ومحمد صالح حرب في معارضة سعد زغلول وحزب الوفد القومي الليبرالي. ومع ذلك، بعد زوال النظام الملكي، وجدت جماعة الإخوان المسلمين نفسها على طرفي نقيض.

وفي الستينيات المضطربة، واجهت شخصيات مثيرة للجدل مثل سيد قطب الاضطهاد، في حين أكد حسن الهضيبي، المرشد العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين، على دورهم «كدعاة لا قضاة».

خلال رئاسة أنور السادات في السبعينيات، تأرجحت جماعة الإخوان المسلمين بين التأييد والمعارضة، وفي الثمانينيات، أدانت اغتياله على يد الجماعة الإسلامية المتشددة.

ويساعد هذا في تفسير العلاقة المتقلبة بين الدولة والإخوان عبر التاريخ المصري الحديث.

انفجار من الماضي

وأوضح الكاتب أن «عودة» الإخوان المسلمين، على الأقل أمام الرأي العام، تثير تساؤلات حول ما تريده الدولة المصرية من المجتمع، ذلك أن مشاريع «التنمية غير الضرورية» الباهظة الثمن التي تنفذها الحكومة - إقامة مدن جديدة بالكامل، بما في ذلك العاصمة - والمشاريع العشوائية التي ازدهرت في عهد السيسي لم تُفد بعد المصريين العاديين أو تحل التحديات الاقتصادية والوطنية الطويلة الأمد في مصر.

وعلى الرغم من الطفرة المصطنعة المنسوبة إلى مشاريع الأنا هذه، إلا أن مصر تقبع في أسفل الدول العربية من حيث جودة التعليم، حيث احتلت المرتبة 139 عالميًا في عام 2023، والمرتبة 153 في الأمن الصحي، مع استمرار الفساد في صبغ مؤسساتها، التي تحتل المرتبة 130 فيها.

ويمكن القول إن مشاريع الغرور هذه في مصر اليوم لا تفعل أكثر من مجرد إثراء الأوليغارشية المالية الراسخة في أروقة السلطة، والتي تفتقر إلى أي رؤية للتنمية المستدامة.

وفي حين أن جماعة الإخوان المسلمين قد تكون محظورة رسميًا، فإن دورها التاريخي كنظام دعم للشعب خلال الأوقات التي كانت فيها الدولة إما غير راغبة أو غير قادرة على تقديم الدعم يستلزم الحذر.

وإذا فشلت الحكومة في التعامل بحذر في الشؤون الداخلية ـ وخاصة على خلفية هجوم الإبادة الجماعية الذي ترتكبه إسرائيل ضد المسلمين في غزة على الحدود المصرية ـ فقد يعود الإخوان إلى الظهور من الظل، فيصطدموا وجهًا لوجه بالدولة مرة أخرى.