رغم كونها متحفظة.. تحركات تركيا نحو الغرب تثير قلق روسيا

التاريخ : الجمعة 14 يوليو 2023 . القسم : دراسات

أفاد محللون بأن انعطاف موقف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بشأن انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال قمة الحلف في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، أثار موجة من التعليقات الغربية حول كيفية انحراف تركيا عن علاقتها بروسيا والعودة إلى الحظيرة الغربية.

ونقل موقع "المونيتور" عن نخبة من المحللين قولهم إن الكرملين لن يكون مسروراً بصور أردوغان ونظيره الأمريكي، جو بايدن، وهما يبتسمان خلال اجتماعهما الذي استمر لأكثر من ساعة، مشيرا إلى أن روسيا كانت منزعجة بالفعل من احتضان أردوغان الدافئ للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، خلال زيارته الأولى لتركيا منذ احتلال بلاده من قبل القوات الروسية.

وعزز من الموقف الروسي اصطحاب أردوغان مع 5 من أسرى الجيش الأوكراني، الذين قاتلوا في معركة ماريوبول، وسلمتهم روسيا إلى تركيا، إذ تتعارض هذه الخطوة مع شروط الاتفاقيات بين أنقرة وموسكو، والتي تنص إلى أن يبقى هؤلاء الأسرى على الأراضي التركية، حسبما قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، غاضبًا.

وبعد أيام، أعلنت أوكرانيا أن البناء قد بدأ في مصنع للطائرات التركية المسيرة "بيرقدار"، التي أثبتت أنها حاسمة في الدفاع عن كييف خلال الأيام الأولى من الصراع.

 وقال أردوغان في مؤتمر صحفي مشترك مع زيلينسكي في فيلنيوس "لم يكن هناك شك في أن أوكرانيا تستحق عضوية الناتو".

وفي أبريل/نيسان، ورضوخاً للضغوط الأمريكية، أوقفت تركيا عبور البضائع الخاضعة للعقوبات إلى روسيا.

واشتكى فيكتور بونداريف، رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الشيوخ بالبرلمان الروسي، من تحول تركيا إلى "دولة غير صديقة" بعد "سلسلة من القرارات الاستفزازية".

اقتراحات بردود

واقترحت أولغا سكابييفا، مقدمة البرامج البارزة في قناة "روسيا 1" الحكومية، بأن ترد روسيا على "المستثمرين الأتراك" بـ "الصواريخ حتى لا يتمكنوا من بناء مثل هذا المصنع في أوكرانيا".

كما اقترحت سكابييفا تقديم أسلحة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين يشنون حربا على الدولة التركية.

لكن لا شيء من تلك التطورات يرقى إلى ابتعاد تركيا عن روسيا، أكثر مما يرقى إلى إعادة ضبط الوضع مع الغرب، بحسب "المونيتور"، مشيرا إلى إنها مجرد إعادة ضبط جديدة لعملية التوازن الفريد التي يقوم بها أردوغان، والتي يتنقل فيها الزعيم التركي في علاقات أنقرة بطرق يعتقد أنها تفيد مصالح تركيا على أفضل وجه.

ولا يزال الاقتصاد المتعثر في تركيا يمثل مصدر الصداع الرئيسي لأردوغان قبل الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في مارس/آذار 2024، وتهدف واجهة علاقاته المحسّنة مع الغرب إلى جذب المستثمرين الغربيين.

وفي السياق، ألمح آرون شتاين، كبير مسؤولي المحتوى في Metamorphic Medi، إلى شهور من دبلوماسية القنوات الخلفية بقيادة وزارة الخارجية لإقناع أردوغان بالتخلي عن اعتراضاته على انضمام السويد، مقابل تنازل الكونجرس الأمريكي عن اعتراضاته بشأن بيع طائرات F-16 لتركيا.

استغرق الأمر أقل من يوم ليقول أردوغان إن البرلمان التركي ربما لن يكون قادرًا على التصديق على انضمام السويد قبل أن يدخل في عطلة الأسبوع المقبل، رغم أن لديه السلطة لتمديد جلسة البرلمان، وهو ما يبرره شتاين بأن الرئيس التركي "يريد ضمانات مؤكدة بأن الكونجرس سيسمح ببيع طائرات مقاتلة من طراز F-16 قبل التوقيع بشكل كامل على انضمام السويد للناتو".

حافة الهاوية

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة مرمرة بإسطنبول، بيهلول أوزكان، أن التطورات التي حدثت الأسبوع الماضي تظهر مرة أخرى أن أردوغان هو سيد سياسة حافة الهاوية.

وقال أوزكان: "هناك عدد قليل جدًا من قادة العالم الذين يمكنهم قيادة مثل هذه المناورات السياسية"، مشيرا إلى أن احتفاء أردوغان ببايدن يعزز موقفه في تعاملاته مع بوتين.

 ويرى أوزكان أن الفكرة القائلة بأن تركيا تبتعد عن روسيا "سخيفة" مثل القول بعكسها، وهو ما قرره العديد من المحللين الغربيين لفترة طويلة، قبل ظهور مؤشرات قمة فيلنيوس.

فأردوغان لم يقل أبدا أنه لن يسمح للسويد بالانضمام إلى الناتو، بل قال إنه سيفعل ذلك بشروط تركيا الخاصة، حسبما يؤكد أوزكان.

وروسيا، بالنسبة لتركيا، هي كندا بالنسبة للولايات المتحدة وألمانيا بالنسبة لفرنسا، أي الجارة البحرية، وبالتالي بينهما روابط تاريخية، جعلت من موسكو أكبر شريك تجاري لأنقرة، بحسب أوزكان.

وارتفعت الصادرات التركية إلى روسيا منذ بدء الصراع في أوكرانيا، من 2.6 مليار دولار في النصف الأول من عام 2022 إلى 4.9 مليار دولار خلال نفس الفترة من هذا العام.

وكان أردوغان من بين أوائل زعماء العالم الذين اتصلوا ببوتين خلال تمرد مجموعة فاجنر المرتزقة الشهر الماضي بسبب إدارة الحرب الروسية ضد أوكرانيا.

وسهلت "الرابطة الخاصة" بين أردوغان وبوتين بيع الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وينتهي الاتفاق يوم الاثنين المقبل، فيما تتوسط أنقرة بين روسيا والأمم المتحدة لتمديده وتبادل الأسرى بين الأطراف المتحاربة.

فيما تلعب روسيا دورًا رئيسيًا في المساعدة على احتواء المقاتلين الأكراد السوريين المتحالفين مع حزب العمال الكردستاني في سوريا، ما سمح لتركيا بالسيطرة على المنطقة ذات الأغلبية الكردية (عفرين) في عام 2018.

كما أن رفض أنقرة الانضمام إلى العقوبات ضد روسيا يجعلها حيوية بالنسبة لموسكو، إذ يجد الأوليجارش الروس ملاذًا آمنًا في تركيا، ويضخون أموالهم في آلاف المشاريع المشتركة مع شركاء أتراك.