في يوليو الماضي قام صندوق النقد الدولي باتخاذ قراره دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج مصر في سياق اعتراف مؤسسي بأن وتيرة تنفيذ بعض الإصلاحات الهيكلية لم تكن بالسرعة المطلوبة، رغم التحسن الملحوظ في مؤشرات الاستقرار الكلي. ووفق ما نقلته وكالة رويترز في وقتها عن المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك، فإن الدمج كان يهدف إلى "إتاحة مزيد من الوقت للسلطات المصرية لاستكمال الإجراءات الأساسية، لا سيما تلك المتعلقة بدور الدولة في الاقتصاد". وعكس هذا التفسير إدراكًا من الصندوق بأن التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري ليست تقنية فقط، بل سياسية ومؤسسية أيضًا، وتتطلب هوامش زمنية أوسع لضمان التنفيذ الفعلي بدل الاكتفاء بالالتزامات الشكلية.
وبحسب تقارير رويترز وديسربشن بانكينغ فقد شملت المراجعة الخامسة والسادسة تقييمًا شاملًا لمسار الاستقرار المالي والنقدي، وأداء المالية العامة، وتقدم برنامج الإصلاحات الهيكلية. وقد ركز التقييم على السياسة النقدية المتشددة التي ساهمت في خفض التضخم من ذروته البالغة 38% في سبتمبر 2023 إلى نحو 12.3% في نوفمبر 2025، إضافة إلى تحسن ميزان المدفوعات وارتفاع الاحتياطيات الأجنبية. في المقابل، سجلت بعثة الصندوق ملاحظات متكررة حول بطء التقدم في برنامج تخارج الدولة من النشاط الاقتصادي، واستمرار الهيمنة الواسعة للكيانات المملوكة للدولة، بما في ذلك الشركات التابعة للمؤسسة العسكرية، وهو ما وصفته رئيسة بعثة الصندوق لمصر إيفانا فلادكوفا هولار بأنه "عنصر حاسم يجب تسريعه لضمان انتقال الاقتصاد إلى نموذج يقوده القطاع الخاص".
وحال موافقة الإدارة التنفيذية للصندوق على المراجعتين المدمجتين، تكون مصر قد ضمنت من الإفراج عن شريحة جديدة تبلغ نحو 2.5 مليار دولار ضمن برنامج التسهيل الممدد. وبحسب حسابات رويترز، فإن إجمالي ما حصلت عليه مصر حتى الآن من أصل حزمة التمويل البالغة 8 مليارات دولار يصل إلى نحو 3.5 مليارات دولار، تشمل دفعات سابقة تم الإفراج عنها بعد إقرار المراجعة الرابعة في مارس 2025، والتي وحدها أتاحت صرف 1.2 مليار دولار. ويشير هذا الرقم إلى أن الجزء الأكبر من التمويل لا يزال مشروطًا باستكمال الإصلاحات خلال المراجعات المقبلة.
أما التمويل الإضافي البالغ 1.3 مليار دولار، فهو مرتبط ببرنامج مختلف وهو برنامج "تسهيل الصلابة والاستدامة". وتوضح تقارير فاست كومباني الشرق الأوسط وديسربشن بانكينغ أن هذا التمويل مخصص لدعم الإصلاحات المتعلقة بالمناخ والاستدامة المالية، بما في ذلك التحول نحو الطاقة المتجددة، وتعزيز قدرة القطاع المصرفي على رصد المخاطر المناخية، وربط السياسات الاقتصادية طويلة الأجل بأهداف خفض الانبعاثات والتكيف مع التغير المناخي. وقد شددت بعثة الصندوق على أن هذا المسار لا يقل أهمية عن الإصلاحات المالية التقليدية، لأنه يعزز قدرة الاقتصاد المصري على الصمود أمام الصدمات المستقبلية.
وبالنظر إلى المراجعتين السابعة والثامنة، تشير المعطيات الواردة في تقارير رويترز إلى أنهما من المفترض أن تُجرَيا وفق الجدول الزمني الطبيعي للبرنامج الممتد على 46 شهرًا، أي خلال عام 2026، شريطة التزام الحكومة بتنفيذ التعهدات المتبقية، وعلى رأسها تسريع برنامج الخصخصة، وتفعيل سياسة ملكية الدولة، وتقليص الضمانات الحكومية الممنوحة للهيئات الاقتصادية الكبرى. وقد أوضحت جولي كوزاك أن الصندوق يتوقع "تقدمًا أعمق وأكثر استدامة" في هذه الملفات قبل الانتقال إلى المراحل التالية من الصرف، في إشارة إلى أن دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لن يكون سابقة قابلة للتكرار ما لم تُترجم الالتزامات إلى نتائج ملموسة.
ختامًا، فقد حقق دمج المراجعتين مقاربة مزدوجة من جانب صندوق النقد الدولي بين المرونة في الجدولة، مقابل التشدد الاستراتيجي في جوهر الإصلاحات وهي رسالة اتضحت لصانع القرار المصري بأن نافذة الدعم الدولي لا تزال مفتوحة، لكنها لم تعد بلا شروط أو هوامش زمنية مفتوحة، وأن المراجعات المقبلة ستكون اختبارًا حاسمًا لقدرة الحكومة على الانتقال من إدارة الأزمات إلى إعادة هيكلة نموذج النمو نفسه.