نيويورك تايمز: لماذا لا تستطيع مصر حل مشاكل غزة
تواجه مصر، رغم أهميتها الحاسمة في الجهود المبذولة لتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، قيودًا كثيرة يكمن خلفها اعتبارات خطيرة تتعلق بالأمن الداخلي والاقتصاد والسياسة، وفق ما يخلص مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز.
نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا للسفير الأمريكي السابق لدى مصر من 1997 إلى 2001 وفي إسرائيل من 2001 إلى 2005 والأستاذ بجامعة برينستون دانيال كورتزر يتناول فيه ما وراء عدم قدرة مصر على حل مشاكل غزة.
ويستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن السؤال المحوري يتركز الآن على دور مصر في ظل الأزمة الإنسانية التي تشهدها غزة والصراع المحتدم بعد هجوم حماس.
ما وراء تردد مصر
وحول أسباب ما وصفه الكاتب بتردد مصر في تخفيف الأزمة الإنسانية على سكان غزة، أوضح أن الجواب يكمن في التحديات التي تواجهها مصر، وما إذا كانت الأمة التي تعاني من مشاكلها الأمنية الخطيرة ومشاكلها الاقتصادية يمكن أن تكون ملاذًا آمنًا للآخرين.
وقال إن مصر تشعر بالقلق بشأن التعقيدات السياسية التي يمكن أن تأتي من تدفق كبير للفلسطينيين، مشيرًا إلى أن مصر حتمًا سيتعين عليها التعامل مع أولئك الذين يعيشون على بعد أميال قليلة باعتبارهم جيرانًا في أزمة، وليس مشكلة يتورطون فيها.
وأضاف الكاتب أن الإعلان يوم الأربعاء عن موافقة إسرائيل على السماح بدخول دفعة من الإمدادات الإنسانية إلى غزة من مصر موضع ترحيب بالتأكيد، إذ ستبدأ المساعدات أخيرًا في معالجة وضع مؤلم للغاية على الأرض. وقد كان القطاع يعاني بالفعل اقتصاديا قبل اندلاع الحرب بشبب الحصار الذي دام 16 عامًا، وهو ما تفاقم بعد بدء إسرائيل هجومها على غزة وفرضها حصارًا شاملًا والذي خلق ظروفًا أكثر كارثية.
علاقة مصر بحماس
ولفت الكاتب إلى أن مصر ليست في وفاق مع حركة حماس، الحركة الفلسطينية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. وكانت للسلطات المصرية علاقة متصدعة مع الإخوان منذ تأسيسها في عام 1928، بما في ذلك عدة مواجهات خطيرة وعنيفة. وكانت عناصر من جماعة الإخوان المسلمين في الجيش - الجهاد الإسلامي المصري - مسؤولة عن اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981.
وساعدت الحركة في التأثير على المسلحين مثل أيمن الظواهري، الذي أصبح شخصية بارزة في القاعدة. وكانت مصلحة مصر الذاتية هي إبقاء جماعة الإخوان تحت السيطرة، والتعامل مع العناصر المتطرفة الأخرى في سيناء، وبالتالي توخي الحذر من حماس، المتمركزة عبر الحدود في غزة.
في الوقت نفسه، تمكنت مصر من الاحتفاظ بقنوات اتصال مع حماس أثبتت أهميتها القصوى خلال المواجهات المتكررة بين الجماعة الإسلامية وإسرائيل. ومن خلال العمل بمفردها، أو بالاشتراك مع قطر وتركيا وألمانيا، من بين دول أخرى، قفزت مصر في وقت مبكر خلال هذه الصراعات للمساعدة في تمهيد الطريق لوقف إطلاق النار والبدء في التفكير في حالة ما بعد الصراع. وحدث هذا في الحرب الممتدة بين إسرائيل وحماس في عام 2014 والمواجهة في عام 2021.
ولهذا السبب، وبفضل وقوع شبه جزيرة سيناء على الجانب الآخر من معبر رفح، تركز الاهتمام على مصر باعبارها لاعبًا رئيسًا في الجهود المبذولة لمعالجة الوضع الإنساني المتدهور في غزة.
حافظت مصر على سيطرة مشددة على حدودها مع غزة منذ تولي حماس السلطة هناك في عام 2007، بما في ذلك الفترات التي أغلقت فيها الحدود أمام حركة الناس. ومنذ هجوم حماس على إسرائيل، وافقت مصر على السماح بدخول بعض الإمدادات الإنسانية لكنها رفضت وجود ممر إنساني عبر الحدود للسماح لسكان غزة بالمغادرة عبر رفح. كما لم تتوصل مصر وإسرائيل إلى اتفاق للسماح لحاملي جوازات السفر الأجانب، بمن فيهم الفلسطينيون، بالمغادرة عبر رفح.
عوامل أساسية
وأشار الكاتب إلى ثلاثة عوامل يتعين على الدبلوماسيين المنخرطين في محادثات مع مصر الآن التعامل معها.
الأول هو أن مصر لا تزال تواجه حالة أمنية خطيرة خاصة بها في شبه جزيرة سيناء، وذلك في ضوء وجود متطرفين ينتمون إلى القاعدة وسيناء ينشطون في سيناء في منطقة شاسعة ذات تضاريس صعبة وعدد قليل من السكان، ولم يهزموا بعد هزيمة كاملة. وقد يعتقد المصريون أن إدخال عدد كبير من اللاجئين يمكن أن يوفر للمسلحين مجموعة محتملة من المجندين الجدد. و قد تخشى مصر أيضًا من أن يختلط عناصر حماس بين اللاجئين ويدخلون مصر ويشكلون تهديدًا أمنيًا إضافيًا.
ويتمثل العامل الثاني في أن عديدًا من الفلسطينيين يعارضون فكرة مغادرة غزة، حتى لو مان ذلك إجراءً مؤقتًا ويخشون من تكرار تجارب اللجوء السابق التي تحولت إلى لجوء دائم..
أما العامل الثالث فهو أن مصر بلد فقير بها عدد كبير من السكان تحت خط الفقر، وهي تستضيف بالفعل مئات الآلاف من طالبي اللجوء واللاجئين. وحتى إذا تلقت مساعدات خارجية، فقد يؤدي ذلك إلى استنزاف الموارد المصرية وخلق المزيد من الضغط على الاقتصاد المصري ومشكلة أمنية إضافية تتعلق باللاجئين أنفسهم، إذ يشعر الشباب في مخيمات اللجوء بالإحباط من الوضع. كما أنها لا تريد أن يُنظر إليها، من خلال استضافة لاجئي غزة، على أنها تدعم ضمنيًا سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين.
المساعدات الإنسانية
وعلى الرغم من هذه التحديات، يعمل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين وآخرون مع مصر لتهيئة الظروف لوصول الإغاثة الإنسانية إلى الفلسطينيين في جنوب غزة.
وفي حين قالت مصر إنها مستعدة لتسهيل حركة الغذاء والماء والإمدادات الطبية وغيرها من الضروريات الطارئة عبر رفح، فإن أحد العوامل المعقدة للمضي قدما هو كيفية منع وصول تلك الإمدادات إلى حماس ودعم أنشطتها عن غير قصد، وليس من الممكن دائما التمييز بين المدنيين العاديين ومقاتلي حماس الذين يرتدون ملابس مدنية.
معضلة كبيرة
ويرى الكاتب أن عدم اليقين بشأن استمرار وصول المساعدات الإنسانية سيشكل معضلة خطيرة لصانعي السياسات الأمريكيين. كما أوضح الرئيس بايدن، تدعم الولايات المتحدة بقوة الجهود المبذولة لتلبية الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في غزة. ومع ذلك، فإن استمرار القصف الإسرائيلي واحتمال شن هجوم بري يمكن أن يجعل توفير الإمدادات الإنسانية أمرًا خطيرًا ويعرض موظفي الأمم المتحدة وغيرهم من العاملين في مجال المعونة للخطر. ويمكن أن تنهار الصفقة الإنسانية حتى قبل أن تبدأ.
لذلك تحتاج الإدارة إلى التخطيط الآن لتلبية الاحتياجات الفورية لغزة - والتي قد تتطلب دعوة مبكرة لإسرائيل لوقف إطلاق النار الإنساني - ولكن يجب عليها أيضًا وضع خطة لليوم التالي. وستلعب مصر دورًا أساسيًا في أي خطة، ليس فقط بسبب قربها من غزة، ولكن أيضًا بسبب ثقلها في العالم العربي. وفي حين أن مصر ستتجنب دورًا مباشرًا في حكم غزة، ولو مؤقتًا، إلا أنها بحاجة إلى التشاور عن كثب بشأن أي ترتيب انتقالي محتمل.