الموقف الأمريكي بين الردع والدبلوماسية في حرب غزة
وضعت الإدارة الأمريكية مجموعة من الاعتبارات التي سعت إلى الالتزام بها في إطار دعمها العميق لإسرائيل في الحرب على قطاع غزة، وشملت تلك المحددات احتواء الصراع ومنع تحوله إلى حرب إقليمية واسعة قد تؤدي إلى تورط القوات الأمريكية بشكل مباشر في القتال، وضمان سلامة الرهائن الذين تحتجزهم حماس وأولوية تحريرهم،...
● ارتكزت السياسة الأمريكية منذ بدء حرب غزة على تحقيق عدة أهداف رئيسية، يأتي على رأسها التركيز على مصالح الأمن القومي الأمريكي المعرضة للخطر في الشرق الأوسط وتنفيذ نهج يخدمها على أفضل وجه، والدعم المتواصل من واشنطن وحلفائها الغربيين بشأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد أي تهديدات، وإظهار التزام الولايات المتحدة العميق تجاه حليفتها إسرائيل بما يشمل الدعم المالي والمساعدات العسكرية والأمنية وحشد الدعم العالمي لحرب إسرائيل في غزة.
● وضعت الإدارة الأمريكية مجموعة من الاعتبارات التي سعت إلى الالتزام بها في إطار دعمها العميق لإسرائيل في الحرب على قطاع غزة، وشملت تلك المحددات احتواء الصراع ومنع تحوله إلى حرب إقليمية واسعة قد تؤدي إلى تورط القوات الأمريكية بشكل مباشر في القتال، وضمان سلامة الرهائن الذين تحتجزهم حماس وأولوية تحريرهم، وكذلك ضمان إمكانية وصول إمدادات الإغاثة الإنسانية إلى غزة.
● يعد المدى الزمني لحرب غزة هو نقطة الخلاف الرئيسية المتوقعة بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل، إذ إن واشنطن لا تريد تحمل مزيد من الضغوط على مواردها المالية والعسكرية واستمرار استنزاف سمعتها الدولية وزيادة الانقسام الداخلي بين الديمقراطيين والجمهوريين، وتريد أمريكا تحقيق مكاسب بأسرع وقت ممكن والانتقال إلى مرحلة أخرى تخفف عليها تلك الضغوط وتتناسب مع سياق حملة الانتخابات الرئاسية في العام القادم. بينما تريد إسرائيل أن تواصل القتال مع استمرار أمريكا قيادتها للحرب حتى تحقق ما تريد من أهداف عسكرية وسياسية، والتي تراها واشنطن أهدافا غير قابلة للتحقيق بتكلفة مقبولة.
● تدرك واشنطن أن السابع من أكتوبر تمثل لحظة مفصلية لسياستها في الشرق الأوسط وعلاقتها بحلفائها في المنطقة، فبالرغم من التحديات الاستراتيجية التي تواجهها أمريكا في أكثر من منطقة حول العالم ومواجهتا لكل من الصين وروسيا، ومع ذلك فإن الشرق الأوسط سيتطلب من واشنطن الاهتمام والتركيز المستمرين وستتجه واشنطن إلى تعزيز تحركاتها في المنطقة في اتجاهين:
◂أولاً: العودة إلى مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث ستواصل واشنطن دعمها للسلطة الفلسطينية بالشكل الذي يسمح للأخيرة بالانخراط في مسار مفاوضات مع إسرائيل، بينما قد تضغط واشنطن على الحكومات الإسرائيلية المستقبلية لتغيير سياساتها الاستيطانية ونهجها الداخلي مع الفلسطينيين والذي يتسبب في اشعال الصراعات بشكل دائم.
◂ثانياً: الحفاظ على اتفاقيات أبراهام وتوسيعها، وكذلك ضمان استقرار علاقات إسرائيل مع مصر والأردن، حيث تسعى واشنطن إلى ضمان تشكيل بنية أمنية مستقرة في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيقوض التهديدات الإيرانية لحلفاء أمريكا في المنطقة وكذلك سيواجه تزايد النفوذ الصيني والتركي في الشرق الأوسط.
الأهداف والثوابت الأمريكية في حرب غزة
ركزت الدبلوماسية الأمريكية منذ بداية هجمات حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما تبعه من هجوم إسرائيلي عقابي على قطاع غزة على تحقيق عدة أهداف رئيسية:
أولاً: الاستمرار في التركيز الواضح على مصالح الأمن القومي الأمريكي المعرضة للخطر في منطقة الشرق الأوسط، وتنفيذ نهج يخدمها على أفضل وجه.
ثانياً: ضمان أن تظل إسرائيل واثقة من أنها تحظى بدعم قوي من أمريكا وحلفائها الغربيين بشأن حقها في الدفاع عن نفسها واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد من يمثل تهديدا لها وفي هذا الإطار قدمت أمريكا منذ بدء الحرب دعما هائلا لإسرائيل من خلال مواصلة تأكيد رفضها لأي محاولات لوقف إطلاق النار، بالرغم من الأعداد الضخمة من القتلى المدنيين والأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة.
كما قوضت واشنطن الجهود الدولية الرامية إلى كبح جماح استخدام إسرائيل للقوة في غزة، بما في ذلك التصويت ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى “هدنة إنسانية” لتوصيل المساعدات. وتسعى واشنطن من وراء الإصرار على عدم وقف إطلاق النار إلى ضمان أن تنهي إسرائيل الحرب وقد استطاعت القضاء على قدرات حماس الهجومية إلى حد كبير، وبمعنى آخر خروج إسرائيل من الحرب وهي صاحبة اليد العليا وضمان أن واقع ما بعد الحرب يختلف جذريا عما سبقها.
ثالثاً: إظهار التزام الولايات المتحدة العميق تجاه حليفتها إسرائيل، وذلك عبر تقديم المساعدات المباشرة لإسرائيل لتعزيز قدراتها على تحقيق أهدافها في الحرب على حماس، مع الاستمرار في تجديد المخزون العسكري الإسرائيلي وضمان عدم افتقار إسرائيل إلى المعدات الحيوية لتحقيق أهدافها العسكرية، خاصة الصواريخ الاعتراضية لمنظومة “القبة الحديدية” والقنابل الموجهة، فضلا عن إرسال قوات خاصة أمريكية لتقديم المشورة للقوات الإسرائيلية خلال التجهيز للعمليات البرية.
رابعاً: حشد الدعم الدولي لإسرائيل، وتظهر الصورة الأكثر وضوحا للجهود الأمريكية لتحقيق هذا الهدف في البيان المشترك الصادر عن رئيسي الولايات المتحدة وفرنسا، والمستشار الألماني، ورئيسي الوزراء البريطاني والإيطالي، والذي تضمن التزاماً صريحاً بضمان حصول إسرائيل على الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها.
الاعتبارات والمحددات الأمريكية لحرب غزة
بينما في نفس الوقت وضعت الإدارة الأمريكية مجموعة من الاعتبارات والمحددات التي سعت إلى الالتزام بها خلال نهجها القائم على الدعم الكامل لإسرائيل في الحرب على قطاع غزة.
أولاً: احتواء الصراع ومنع تحوله إلى حرب إقليمية واسعة، وذلك لتقليل خطر تورط القوات الأمريكية بشكل مباشر في القتال وما يمكن أن ينتج عنه من مخاطر تهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وكان أحد الأهداف الرئيسية الواضحة وراء إرسال حاملة الطائرات الأكبر والأحدث في البحرية الأمريكية “يو إس إس جيرالد آر فورد” قبالة سواحل إسرائيل، وبعد فترة وجيزة إرسال حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” إلى الخليج العربي؛ هو توجيه رسالة ردع قوية إلى إيران وحزب الله، والضغط عليهما لعدم التدخل وفتح جبهة أخرى مع إسرائيل في الشمال وتوسيع رقعة الصراع في الشرق الأوسط.
وتدرك واشنطن أن التهديدات الهائلة التي تواجهها إسرائيل في وقت واحد على جبهات متعددة -غزة والضفة الغربية وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وسوريا وإيران- تقتضي الحفاظ على موقف رادع موثوق به على طول كل من هذه المحاور. وبمعنى أكثر دقة فإن أمريكا أرادت أن تعزز الردع الإسرائيلي بحيث يمثل سلسلة قوية ومتماسكة ينظر إليها بنفس القدر وفي نفس الوقت في طهران ودمشق وبيروت وغزة، إذ إن أي ضعف أو تمزق في حلقة واحدة من هذه السلسلة يمكن أن تكون له تداعيات واسعة النطاق.
وبالرغم أن أمريكا حريصة على ضبط النفس وعدم التورط في حرب واسعة في الشرق الأوسط وهو الأمر الذي يبدو بوضوح من الطريقة التي اتبعتها أمريكا في الرد على هجمات أذرع إيران على القوات الأمريكية في سوريا والعراق منذ اندلاع الحرب في غزة، حرصت واشنطن على توجيه ضربات ضد المواقع المرتبطة بإيران في سوريا، وهي طريقة الرد التقليدية التي تقوم بها واشنطن منذ سنوات مع حوادث مماثلة. ومع ذلك فإن تسبب هجمات الأذرع الإيرانية في مقتل جنود أمريكيين أو زيادة الضربات الموجهة إلى إسرائيل بالشكل الذي يرهق الدفاعات الجوية الإسرائيلية يمكن أن يدفع أمريكا إلى مزيد من التصعيد مع إيران وأذرعها في المنطقة.
ثانياً: تأمين إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس، والذين يقدر عددهم بـ 13 مواطناً أمريكياً، وضمان سلامة المواطنين الأمريكيين المحاصرين في غزة والذي يبلغ عددهم حوالي 600 مواطن أمريكي، وهي أهداف ذات أولوية وأهمية خاصة للإدارة الأمريكية، وفي هذا الإطار تحاول واشنطن إلى حد ما حث إسرائيل على ضبط النفس والحد من الخسائر في صفوف المدنيين.
ثالثاً: ضمان إمكانية وصول إمدادات الإغاثة الإنسانية إلى غزة بحرية، بما في ذلك تأمين وصول الدواء والمواد الغذائية الضرورية لسكان القطاع. وقد ساهمت الإدارة الأمريكية بالتنسيق مع مصر وإسرائيل على إيجاد إطار يسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ومع ذلك ومنذ بدء الحرب لم يدخل القطاع سوى مساعدات محدودة إلى أقصى درجة.
عامل الوقت يضغط بشدة على إدارة بايدن
يظل عامل الوقت المتمثل في المدى الزمني للعملية البرية الإسرائيلية حاسم بالنسبة للقرار الأمريكي بشأن الحرب في غزة، ويعد نقطة الخلاف المتوقعة الرئيسية بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية؛ فكلما طال أمد القتال وأصبح أكثر تعقيدا، اتسعت الفجوات بين السياسة الأمريكية والإسرائيلية، ويعزو ذلك إلى عدة أسباب رئيسية:
أولاً، الضغط على الموارد الأمريكية
تتخوف الولايات المتحدة من أن استغراق جهودها في الشرق الأوسط سيؤثر على قدرتها على معالجة التحديات الدولية الأخرى التي تواجهها، إذ إن الاحتفاظ بمجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات وتعزيزات عسكرية أخرى في الشرق الأوسط من شأنه أن يقلل من الموارد التي تحتاجها واشنطن لمواجهة التهديدات في أوروبا وآسيا حيث تحتدم المنافسة مع روسيا والصين. فعلى سبيل المثال، هناك قلق لدى مسؤولي الدفاع الأمريكيين من أن إطالة أمد الحرب أو اتساع نطاقها ليشمل الجبهة الشمالية ضد حزب الله، قد يؤثر على إمدادات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا، حيث تستخدم كل من القوات الإسرائيلية والأوكرانية قذيفة مدفعية عيار 155 ملم أمريكية الصنع.
ثانياً: نزيف المصداقية الامريكية
تواجه واشنطن تحدياً هائلا فيما يتعلق بمصداقيتها وقيادتها للنظام الدولي، بعدما وضعت إدارة بايدن في مقدمة استراتيجية الأمن القومي المعلنة في أواخر العام الماضي أن “النظام القائم على القواعد يجب أن يظل الأساس للسلام العالمي”. وذكرت الاستراتيجية لاحقاً أن “بناء تحالف شامل” لهذا النظام “يتطلب التمسك بالمبادئ التأسيسية للأمم المتحدة، بما في ذلك القانون الدولي”. ومع ذلك فإن الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل يضع القيادة الأمريكية للنظام الدولي على المحك، إذ إن الهجمات الإسرائيلية تنتهك القانون الإنساني الدولي ولا تحمي المدنيين الفلسطينيين وتسبب في مقتل آلاف الأطفال وتدمر معظم نظام الرعاية الصحية في غزة. كما أن إسرائيل تمنع تدفقات المساعدات الإنسانية اللازمة والضرورية للقطاع؛ الأمر الذي أدى إلى انتقادات واسعة من قادة وشعوب العالم والدول العربية بشأن ازدواجية المعايير الأمريكية.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكن تمتد آثار الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل إلى إضعاف قدرة واشنطن على حشد الدعم لمواقفها بشأن قضايا متعددة، من بينها الحرب الأوكرانية وربما تايوان فيما بعد. والأكثر خطورة من ذلك أن أمريكا تفقد الكثير فيما يتعلق بشعبيتها في الجنوب العالمي، لاسيما وأن روسيا والصين اتخذتا منذ بدء الحرب في غزة منحى مختلف أكثر دعما للفلسطينيين، يستهدف تعزيز نفوذهما الشعبي والرسمي في منطقة الشرق الأوسط والجنوب العالمي في إطار منافستهما المتصاعدة مع واشنطن وحلفائها الغربيين.
ثالثاً: صعوبات الداخل الأمريكي
يدرك بايدن أن الوقت ضيق فيما يتعلق بمواصلة دعمه لإسرائيل في حرب غزة، إذ إن احتمال مواجهته للرئيس السابق دونالد ترامب في صراع متقارب على الرئاسة، سيلزم بايدن خلال الأشهر المقبلة بإعطاء الأولوية للاعتبارات السياسية الداخلية على حساب ما يتعلق بسياسة الشرق الأوسط بشكل عام والحرب في غزة بشكل خاص. كما إن الانقسام السياسي الداخلي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري والذي ستزداد حدته مع بداية الحملة الانتخابية في مطلع العام القادم، سيؤدي إلى تفاقم الصراع حول ربط المساعدات لإسرائيل بالمساعدات لأوكرانيا؛ مما سيصعب على الإدارة الأمريكية المضي قدماً في اتخاذ قرارات سياسية مهمة، مثل التمويل أو الموافقة على مشروع القانون باستخدام القوة.
ربما يؤدي إطالة أمد المعركة إلى تغير الموقف الأمريكي، إذ تدرك واشنطن أن القضاء على حماس من غير المرجح أن يكون هدفاً قابلاً للتحقيق بتكلفة مقبولة، كما تدرك أيضاً حقيقة أن حماس تحتجز ما يزيد عن 200 رهينة تريد الإدارة الأمريكية استعادتهم؛ لذلك فإن تأخير أمريكا لوقف إطلاق النار هدفه في الحقيقة إتاحة الوقت لإسرائيل لتحقيق أكبر قدر من المكاسب وفي مقدمتها استبدال التصورات الإقليمية عن ضعف إسرائيل وهشاشتها بصورة القوة الإسرائيلية التي لا تقهر، وذلك قبل أن تتزايد الضغوط على الإدارة الأمريكية ويتحول الوضع إلى وقف لإطلاق النار والمفاوضات.
لذلك ربما تحتاج الولايات المتحدة إلى وقف إطلاق النار في أقرب وقت، حيث سيؤدي إنهاء الحرب إلى تقليل مخاطر الصراعات المستقبلية في الشرق الأوسط التي قد تجر الولايات المتحدة مرة أخرى إلى المنطقة. وكذلك فإن وقف التصعيد في الشرق الأوسط يمكن أن يؤدي إلى تخفيف الضغط على الموارد الأمريكية، ووقف نزيف المصداقية الأمريكية، بالإضافة إلى تمكين الحزبين الديمقراطي والجمهوري من الاستعداد لحملة انتخابية يبدو أنها ستكون الأصعب في تاريخ الانتخابات الأمريكية.
سياسات واشنطن في الشرق الأوسط بعد السابع من أكتوبر
بالرغم من التحديات الاستراتيجية التي تواجهها أمريكا في أكثر من منطقة حول العالم لاسيما في شرق أوروبا والمواجهة الروسية وكذلك جنوب شرق آسيا ومنافسة الصعود الصيني، فإن الشرق الأوسط يتطلب من واشنطن الاهتمام والتركيز المستمرين لأسباب ليس أقلها أن موارد المنطقة ومركزيتها الجغرافية تؤثر على المنافسة العالمية طويلة الأمد.
كما كشفت حرب غزة فشل واشنطن على مدار الإدارات المتعاقبة في إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. حيث سعت واشنطن على مدى عقود إلى احتكار السيطرة على جهود الوساطة، وقامت بتبرير عدم رغبتها في الانخراط في جهود سلام جادة في العقدين الأخيرين باعتبارها لم تعد واقعية، وتجاهلت الأوضاع المتدهورة في الأراضي الفلسطينية وصعود اليمين الإسرائيلي.
تدرك واشنطن الآن أن مسار العودة إلى المفاوضات أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، ورغم استمرار الولايات المتحدة في دعم الجهود العسكرية الإسرائيلية، فإنها لن تتخلى عن الأفق السياسي لحل الدولتين. وستواصل الولايات المتحدة التأكيد على ضرورة تقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، مع استمرار دعمها للسلطة الفلسطينية بالشكل الذي يسمح للأخيرة بالانخراط في مسار مفاوضات مع إسرائيل. وفي المقابل قد تضغط واشنطن على حكومة نتنياهو والحكومات الإسرائيلية المستقبلية لتغيير سياساتها الاستيطانية، ونهج إسرائيل الداخلي مع الفلسطينيين الذي تسببت في إشعال صراعات لا تخدم بشكل مباشر المصالح الأمريكية.
بالرغم من أن حرب غزة قد تسببت في تعطيل صفقة تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية التي سعت واشنطن إلى تحقيقها، ومع ذلك ستواصل الأخيرة جهودها للتوصل إلى اتفاق تطبيع ثنائي بين السعودية وإسرائيل، حيث تدرك واشنطن أن الحفاظ على اتفاقيات أبراهام وتوسيعها، فضلاً عن استقرار علاقات إسرائيل مع مصر والأردن، يشكل جزءاً حاسماً من أي بنية أمنية مستقرة في الشرق الأوسط في المستقبل، الأمر الذي سيقوض التهديدات الإيرانية لحلفاء أمريكا في المنطقة، وكذلك سيعمل على مواجهة تزايد النفوذ الصيني والتركي في الشرق الأوسط.