أوراسيا ريفيو: قناة بن غوريون.. البديل الثوري الإسرائيلي المحتمل لقناة السويس

خلاصة

أحيت الحرب في غزة فكرة إنشاء قناة بن غوريون مرة أخرى، ويعني عودة تلك الفكرة إلى الظهور بديلًا لقناة السويس إمكانية تنفيذها ميدانيًا بعد مرور بعض الوقت، وفق ما يخلص تقرير نشرته مجلة أوراسيا ريفيو.

 

نشرت مجلة أوراسيا ريفيو تقريرًا للباحث والكاتب الكرواتي ماتيجا سيريتش يتناول فيه الخطط الإسرائيلية بإنشاء قناة بن غوريون لتكون بديلًا لقناة السويس.  

يقول الكاتب إن الرأي العام العالمي تابع الحرب الوحشية بين إسرائيل وحماس في الأسابيع الأخيرة. لقد تحول المجتمع الدولي، على الرغم من قوته الكبيرة واحتجاجاته الحاشدة ضد الحرب في غزة، إلى مجرد متفرج يسمح للجيش الإسرائيلي بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة ببطء ولكن بثبات وتحويل قطاع غزة إلى أنقاض ورماد.

ورغم أن الحرب بدأت بتوغل مقاتلي حماس في جنوب إسرائيل، إلا أنه سرعان ما أصبح من الواضح أن الخسائر البشرية في صفوف الفلسطينيين ستكون أعلى بكثير، كما كان متوقعًا.

ومن الواضح أن إسرائيل تستخدم التدخل في غزة استخدامًا واضحًا لتحقيق خططها الوطنية الأكبر.

فرصة جديدة لفكرة قديمة

في الآونة الأخيرة، وبفضل الحرب، جرى إحياء فكرة مشروع قناة بن غوريون في وسائل الإعلام. وستربط القناة خليج العقبة (إيلات) في البحر الأحمر بالبحر المتوسط وستمر عبر إسرائيل وتنتهي في قطاع غزة (عسقلان) أو بالقرب منه. وهي بديل إسرائيلي لقناة السويس.

وأوضح الكاتب أن الأفكار الأولى حول ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر على يد البريطانيين الذين أرادوا ربط البحار الثلاثة: الأحمر والميت والبحر المتوسط. وبما أن البحر الميت يقع على عمق 430.5 متر تحت مستوى سطح البحر، فإن مثل هذه الفكرة لم تكن قابلة للتنفيذ، ولكن يمكن تنفيذها في اتجاه آخر. وبتشجيع من تأميم عبد الناصر لقناة السويس، نظر الأمريكيون في خيار القناة الإسرائيلية، التي كانت حليفهم القوي في الشرق الأوسط.

في يوليو 1963، كتب إتش دي مكابي من مختبر لورانس ليفرمور الوطني، بموجب عقد مع وزارة الطاقة الأمريكية، مذكرة تستكشف إمكانية استخدام 520 تفجيرًا نوويًا تحت الأرض للمساعدة في حفر حوالي 250 كيلومترًا من القنوات عبر صحراء النقب. وصُنفت الوثيقة على أنها سرية حتى عام 1993. وجاء في الوثيقة التي رفعت عنها السرية أن "مثل هذه القناة ستكون بديلًا ذا قيمة استراتيجية لقناة السويس الحالية ومن المحتمل أن تساهم كثيرًا في التنمية الاقتصادية للمنطقة المحيطة.

وظهرت فكرة قناة بن غوريون مرة أخرى في الوقت الذي وُقعت فيه ما يسمى باتفاقيات إبراهام بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان. في 20 أكتوبر 2020، حدث ما لم يكن في الحسبان – وقعت الشركة الإسرائيلية المملوكة للدولة لخط أنابيب أوروبا آسيا والشركة الإماراتية ميد ريد لاند بريدج  اتفاقية بشأن استخدام خط أنابيب النفط إيلات-عسقلان لنقل النفط من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط.

في 2 أبريل 2021، أعلنت إسرائيل أنه من المتوقع أن يبدأ العمل في قناة بن غوريون بحلول يونيو 2021، لكن ذلك لم يحدث. ويفسر عديد من المحللين إعادة الاحتلال الإسرائيلي الحالي لقطاع غزة على أنه أمر ينتظره عديد من السياسيين الإسرائيليين من أجل إحياء مشروع قديم. وقد سُمي المشروع على اسم أول رئيس وزراء لإسرائيل، الأب المؤسس لدولة إسرائيل، ديفيد بن غوريون.

وعند النظر في المسار المخطط بمزيد من التفصيل، يمكن ملاحظة أن القناة تبدأ عند الحافة الجنوبية لخليج العقبة، من مدينة إيلات الساحلية بالقرب من الحدود الإسرائيلية الأردنية وتستمر عبر وادي عربة لمسافة حوالي 100 كيلومتر بين جبال النقب والمرتفعات الأردنية. ثم تنعطف غربًا قبل البحر الميت، وتستمر عبر واد في سلسلة جبال النقب، ثم تنعطف شمالًا مرة أخرى لتجاوز قطاع غزة وتنضم إلى البحر المتوسط في منطقة عسقلان.

أهمية قناة السويس

ويلفت الكاتب إلى أن أهمية قناة السويس للاقتصاد العالمي لا تقدر بثمن. وقد افتُتحت قناة السويس عام 1867، مما جعل من الممكن تقصير طريق الشحن بين أوروبا وأفريقيا وآسيا. فبدلًا من الإبحار حول الساحل الجنوبي لإفريقيا (رأس الرجاء الصالح)، يمكن للسفن استخدام قناة السويس كطريق أسرع وأقل تكلفة. وتعتبر القناة ضرورية لنقل النفط والغاز من منطقة الشرق الأوسط إلى الأسواق الأوروبية والشرق الأقصى.

وتمر عبر قناة السويس سنويا حوالي 25 ألف سفينة وتنقل ما بين 12 إلى 13% من التجارة العالمية. ويلعب النقل البحري عبر السويس دورًا رئيسًا في الاقتصاد العالمي، فهو يدعم سلاسل التوريد الدولية ويحفز النمو الاقتصادي. وتعد قناة السويس المشروع الاقتصادي الأكثر قيمة في مصر. وحققت إيرادات قياسية بلغت 9.4 مليار دولار، أي حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.

خصائص القناة

ويضيف الكاتب أن قناة بن غوريون ستكون أكثر كفاءة من قناة السويس، لأنها بالإضافة إلى قدرتها على استيعاب عدد أكبر من السفن، فإنها ستمكن من النقل المتزامن بين الاتجاهين للسفن الكبيرة من خلال تصميم فرعين للقناة. وعلى عكس قناة السويس، التي تقع على طول الشواطئ الرملية، فإن القناة الإسرائيلية ستكون لها جدران صخرية لا تحتاج إلى أي صيانة تقريبًا. وتخطط إسرائيل لبناء مدن صغيرة وفنادق ومطاعم ومقاهي على طول القناة.

وسيكون عمق كل فرع مقترح للقناة 50 مترًا وعرضه حوالي 200 متر. وسيكون أعمق من قناة السويس بـ 10 أمتار. ويمكن للسفن التي يبلغ طولها 300 متر وعرضها 110 أمتار أن تمر عبر القناة، وهو حجم أكبر السفن في العالم.

وفي حال تحقق ذلك، ستكون قناة بن غوريون أطول بمقدار الثلث تقريبًا من قناة السويس التي يبلغ طولها 193.3 كم – ليصل طولها نحو 292.9 كم. وسيستغرق بناء القناة 5 سنوات وسيشارك فيها 300 ألف مهندس وفني من جميع أنحاء العالم. وتتراوح التكلفة التقديرية للبناء بين 16 و55 مليار دولار. وستجني إسرائيل حوالي 6 مليارات دولار سنويا. 

ويقول الكاتب إن من يسيطر على القناة، إسرائيل وحلفاؤها (في المقام الأول الولايات المتحدة وبريطانيا)، سيكون له تأثير كبير على سلاسل التوريد الدولية للنفط والغاز والحبوب، ولكن أيضًا على التجارة العالمية بشكل عام.

أهمية قطاع غزة للقناة

ويوضح الكاتب أنه وعلى الرغم من أنها لم تكن الفكرة الأصلية، إلا أنه وفقًا لرغبة بعض السياسيين الإسرائيليين، يمكن أن يكون آخر ميناء للقناة في غزة. وإذا دمرت إسرائيل غزة وسوتها بالأرض وهجرت الفلسطينيين، وهو السيناريو الذي سيحدث هذا الخريف، فإن ذلك من شأنه أن يساعد المخططين على خفض التكاليف وتقصير مسار القناة عن طريق تحويلها إلى قطاع غزة.

ولم يتحقق المشروع أبدًا لأن الإسرائيليين والأميركيين كانوا يعلمون أنه لن توافق أي دولة عربية على مثل هذا الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. وأيضًا، حتى لو لم تنتهي القناة في قطاع غزة نفسها، فمن الصعب تصديق أن الإسرائيليين سيبنونها بالقرب من أرض فلسطينية معادية في عسقلان.

وأشار الكاتب إلى أن مسافة القناة التي لا تتجاوز بضع عشرات من الكيلومترات عن قطاع غزة ستجعلها معرضة للخطر للغاية وعرضة للهجمات الفلسطينية بالصواريخ ومدافع الهاوتزر والطائرات المسيرة وغيرها من الأسلحة. ولهذا السبب فإن الشرط الأساسي لبناء القناة هو السيطرة العسكرية الإسرائيلية على منطقة غزة.

الدوافع الإسرائيلية لإنشاء قناة بن غوريون

ويتابع الكاتب قائلًا إن لدى إسرائيل دوافع قوية لحفر قناة خاصة بها بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، لأن مصر حرمت مراراً من استخدام قناة السويس. ومنذ إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 وهزيمة الدول العربية في الحرب الإسرائيلية العربية الأولى 1948-1949 حتى أزمة السويس عام 1956، ظل مضيق تيران وقناة السويس مغلقين أمام الملاحة الإسرائيلية. وقد أُغلقت قناة السويس في 1956-1957 بسبب الحرب العربية الإسرائيلية الثانية وتأميم القناة، والذي نُفذت بنجاح على يد الرئيس المصري جمال عبد الناصر.

ورغم فتح قناة السويس عام 1957، إلا أن مصر استمرت في منع السفن الإسرائيلية لأنها لم تعترف بدولة إسرائيل. وخلال السنوات العشر من 1957 إلى 1967، وصلت سفينة واحدة فقط ترفع العلم الإسرائيلي وأربع سفن ترفع علمًا أجنبيًا إلى ميناء إيلات كل شهر. وبين عامي 1967 و1975، بسبب الحروب الإسرائيلية العربية الثانية والثالثة والرابعة وما ترتب على ذلك من حظر النفط العربي، جرى إغلاق قناة السويس مرة أخرى. ثم تعرضت قدرة إسرائيل على التجارة مع أفريقيا وآسيا (وخاصة استيراد النفط من الخليج) إلى إعاقة شديدة، وفقًا للكاتب.

لكن منذ نهاية الستينيات، استبدل الإسرائيليون النفط الفنزويلي، الذي كان أرخص وكان يصل عبر المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، بالنفط العربي. وقال الخبير السياسي الفلسطيني الدكتور سامي العريان إن مشروع بن غوريون قديم قدم تاريخ الاحتلال الإسرائيلي. وشدد على الأهمية العسكرية والاقتصادية والطاقة والاستراتيجية للقناة. وأضاف العريان أن خط بن غوريون أيضًا سيقوم بتقصير الطريق عبر أفريقيا بثلاثة أسابيع. وسيكون لذلك تأثير قوي على الطرق العالمية وسيلعب حتمًا دورًا متصاعدًا في التوترات الإقليمية وتأجيج الحرب.

وبحسب العريان، فإن لهذا التطوير آثارًا مباشرة على بحر إيجه والبحر المتوسط، الأمر الذي يتطلب التعاون بين مصر وتركيا.

الدوافع الاقتصادية للغرب لخلق بديل للسويس

وإلى جانب إسرائيل، فإن القوى الغربية، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لديهم دوافع لخلق بدائل لقناة السويس. أولًا، القناة ضيقة وليست عميقة ومن الممكن أن تُسد بسهولة. وهناك اختناقات مرورية متكررة.

وبالإضافة إلى الغلق المصري للقناة لأسباب سياسية خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، كان هناك غلق طبيعي لمدة أسبوع قبل عامين. وفي مارس 2021، أُغلقت قناة السويس لمدة ستة أيام بسبب سفينة الحاويات إيفر جيفن التي علقت في منتصف المجرى المائي بسبب هبوب الرياح القوية وبالتالي عرقلة حركة المرور. وأدى الإغلاق على أحد أكثر طرق التجارة ازدحامًا في العالم إلى تباطؤ التجارة بشكل كبير بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وتسبب في خسائر عالمية فادحة.

الدوافع السياسية للغرب لبناء قناة تنافسية

ولكن، وبحسب ما يضيف الكاتب، فإنه وخلافًا للمشاكل الفنية للقناة، فإن الأسباب التي تجعل الغرب يرغب في الحصول على بديل لقناة السويس هي أسباب سياسية. 

ولا يريد الغرب الاعتماد على قناة تسيطر عليها مصر، الحليف الوثيق لروسيا الاتحادية، التي يعتبرها الغرب تهديدًا أمنيًا كبيرًا. وشهد الربيع العربي في مصر انهيارًا مشينًا، ووصل الجيش ونظام عبد الفتاح السيسي الاستبدادي إلى السلطة. وهو النقيض التام للديمقراطية الليبرالية التي ترغب فيها واشنطن. وفي عام 2022، ارتفعت صادرات مصر إلى روسيا إلى 595.1 مليون دولار، بزيادة 21.6% عن عام 2021.

وفي الوقت نفسه، ارتفعت واردات مصر من روسيا إلى 4.1 مليار دولار عام 2022، بنسبة زيادة 15.5%. وتريد روسيا علاقات جيدة مع مصر والفلسطينيين بسبب الوجود العسكري الروسي في موانئ اللاذقية وطرطوس السورية. وفي وقت سابق من هذا العام، أصبح من المعروف أن مصر ستصبح عضوًا كامل العضوية في مجموعة البريكس اعتبارًا من الأول من يناير 2024. ولا يريد الغرب أن تسيطر مصر بشكل مباشر، ولا روسيا والصين بشكل غير مباشر، على التجارة العالمية.

وإلى جانب كونها حليفًا وثيقًا لروسيا، تعد القاهرة أيضًا شريكًا مهمًا للصين. ويريد الأمريكيون وشركاؤهم عرقلة مشروع طريق الحرير الجديد الصيني العملاق، والذي تلعب فيه مصر دورًا مهمًا. وفي عام 2014، وقعت بكين والقاهرة اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، إذ اتفقتا على التعاون في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والاقتصاد ومكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية.

وخلال زيارة شي جين بينغ لمصر عام 2016، وقع البلدان على 21 اتفاقية أخرى، من بينها عقد لاستثمارات صينية بقيمة 15 مليار دولار في مشروعات مختلفة. وجذبت مشاريع البنية التحتية في المدن المصرية اهتمامًا خاصًا من المستثمرين الصينيين. ووفقًا لسفير الصين في القاهرة، لياو لي تشيانغ، يرتبط طريق الحرير الجديد ارتباطًا وثيقًا برؤية مصر 2030 - خطة التنمية الطموحة التي أطلقها الرئيس السيسي. 

وفي الفترة من 2017 إلى 2022، زادت الاستثمارات الصينية في مصر بنسبة 317%. وخلال الفترة نفسها، انخفضت الاستثمارات الأمريكية في مصر بنسبة 31%. ويبلغ حجم التجارة بين البلدين نحو 20 مليار دولار.

كل هذا، بطبيعة الحال، يشكل شوكة في خاصرة صناع القرار الأميركيين الذين يبحثون عن طرق بديلة لعزل مصر. وإذا لم يتمكنوا بالفعل من تغيير الحكومة في مصر، فيمكنهم عزلها من خلال طرق تجارية أخرى مثل قناة بن غوريون.

وقال خبير الشرق الأوسط التركي إسماعيل نعمان تيلسي إن نهج الصين في المنطقة يتأثر بالمصالح الاقتصادية. فبكين لن ترغب في زعزعة استقرار المنطقة. وتولي الصين أهمية كبيرة للاستقرار في المنطقة بشكل عام نظرًا لاعتمادها على منطقة الشرق الأوسط في مجال الطاقة. ويضيف نعمان تيلسي أن القناة عبر إسرائيل سيكون لها تأثير سلبي مباشر على مشروع العراق العملاق القادم، طريق التنمية الكبير، الذي يهدف إلى نقل الطاقة على طريق البصرة-أوروبا عبر تركيا.

القناة حلم صهيوني قد يصبح حقيقة

ويرى الكاتب أنه وإذا تحقق ذلك، فإن قناة بن غوريون ستحدث تغييرًا جذريًا لأنها ستطغى على قناة السويس. ومن شأن المشروع أن يضع إسرائيل في مركز الشحن العالمي والتجارة العالمية. وستفقد مصر احتكارها لأقصر طريق بين أفريقيا وآسيا وأوروبا. وسيكون لظهور قناة إسرائيلية بديلة تأثير مدمر على الاقتصاد المصري.

وقد يندم الرئيس السيسي على وضع ثقته في إسرائيل والحكومات الغربية فوق رفاهية مليوني فلسطيني في غزة. فمصر، بصرف النظر عن إدانتها رسميًا للجرائم الجماعية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد السكان المدنيين الفلسطينيين، لم تفعل إلا أقل القليل لمنع ارتكاب الجرائم الإسرائيلية، والتي يسميها البعض إبادة جماعية. وأعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارا عن دعمه لفكرة القناة إلى جانب فكرة بناء خط سكة حديد فائق السرعة من إيلات إلى بئر السبع.

ويقول الكاتب إن تطبيق هذا المشروع، أو على الأقل البدء به، من شأنه أن ينقذ نتنياهو من أخطائه العديدة التي ارتكبها خلال فترة حكمه الطويلة، بما في ذلك الإخفاقات الاستخباراتية والعسكرية التي سهلت هجوم السابع من أكتوبر الذي نفذته حماس.

وبقدر ما تبدو أفكار القناة حلمًا صهيونيًا خياليًا للبعض، فإن إسرائيل ذاتها كانت يومًا حلمًا صهيونيًاا تحول إلى واقع على مدى عدة عقود. وعودة فكرة القناة إلى الظهور مرة أخرى يعني إمكانية تنفيذها ميدانيًا بعد مرور بعض الوقت.

خطر الحرب الكبرى

إن العامل الأساسي الذي يحول دون تنفيذ المشروع على أرض الواقع هو وجود الفلسطينيين في غزة. ويجب تهجير الفلسطينيين من تلك المنطقة أو وضعهم تحت رقابة صارمة كما يحدث هذه الأيام. وبصرف النظر عن الفلسطينيين، فإن العقبة أمام القناة هي العالم العربي، وعلى نطاق أوسع، العالم الإسلامي.

ليس هناك شك في أن محاولة بناء قناة من البحر الأحمر عبر إسرائيل إلى مناطق عسقلان وغزة يمكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب كبرى في الشرق الأوسط، لأنه من الصعب أن نصدق أن الدول الإسلامية لن تفعل شيئا. وإذا لم يكن هناك أحد آخر، فمن المؤكد أن إيران سترد.

وفي نهاية المطاف، فإن العائق أمام القناة هو روسيا والصين وشركاؤهما. ولن يقف الصينيون والروس مكتوفي الأيدي ويشاهدون ضررًا لا يمكن إصلاحه يلحق بمجموعة البريكس وطريق الحرير الجديد. وإذا ظهرت القناة الإسرائيلية إلى الحياة وسقطت قناة السويس في الخلفية، فإنها ستعزل موسكو وبكين عن البحر المتوسط. ولهذه الأسباب على وجه التحديد، يمكن أن يؤدي بناء القناة الإسرائيلية إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، تمامًا كما أشعل إعلان دولة إسرائيل عديدًا من الحروب العربية الإسرائيلية التي استمرت لمدة 75 عامًا.

سيناريو إيجابي

ومع ذلك، فإن قناة بن غوريون كطريق مروري ليس بالضرورة أن تكون حلًا سيئًا. ويمكن أن تكون القناة حلًا جيدًا في سيناريو إيجابي تكون فيه دولتا إسرائيل وفلسطين قد اتفقتا سابقًا على نموذج الدولتين أو اتحاد دولتين مستقلتين أو على حل ثالث. ومن ثم فإن القناة التي ستمر عبر الأراضي الإسرائيلية والفلسطينية يمكن أن تكون عنصرًا من عناصر الارتباط الاقتصادي بين الشعبين اليهودي والفلسطيني اللذين سيستفيدان من استخدامها. ومع ذلك، بالنظر إلى تاريخ الـ 75 عامًا الماضية والأخبار الرهيبة الحالية من الأراضي المقدسة، فإن مثل هذا السيناريو أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى السياسة الواقعية.

الموضوع التالي فورين بوليسي: ماكرون يخرج عن الصف الغربي بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس
الموضوع السابقالتاسعة يناقش إدخال مصر للوقود لغزة ومحاكمة قادة الاحتلال واستقبال الفلسطينيين المصابين ومخطط تهجير الفلسطينيين