واشنطن بوست: مصر تتعرض لضغوط متزايدة مع تكدس النازحين من غزة على الحدود
تُصر القاهرة منذ بداية الحرب في غزة على أنها لن تقبل اللاجئين الفلسطينيين. ولكن مع استمرار إسرائيل في هجومها على جنوب غزة، تتزايد الضغوط على طول الحدود المصرية. ويقول دبلوماسيون عرب سابقون ومحللون إن الحرب قد تُجبر القاهرة في نهاية المطاف على قبول النازحين من غزة – وهو ما يهدد...
نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا أعدَّاه كلير باركر ومايكل بيرنبوم يسلطان فيه الضوء على الضغوط المتزايدة على مصر مع تكدس النازحين من سكان غزة على الحدود مع رفح.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن القاهرة تُصر منذ بداية الحرب في غزة على أنها لن تقبل اللاجئين الفلسطينيين.
ولكن مع استمرار إسرائيل في هجومها على جنوب غزة، الأمر الذي دفع آلاف الفلسطينيين نحو الحدود مع مصر، تتزايد الضغوط على طول الحدود المصرية. ويقول دبلوماسيون عرب سابقون ومحللون إن الظروف مهيأة لسوء التقدير، وقد تجبر الحرب القاهرة في نهاية المطاف على قبول النازحين من غزة – وهو ما يهدد السلام المستمر منذ عقود بين إسرائيل ومصر.
ومنذ أن شنت إسرائيل حربها الانتقامية على غزة بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر، قُتل ما يقرب من 20 ألف فلسطيني وأصيب أكثر من 50 ألفًا، وفقًا لوزارة الصحة في غزة. وباتت مساحات كاملة من القطاع في حالة دمار. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 85% من سكانها البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة قد نزحوا، استجابة للتوجيهات الإسرائيلية بالنزوح إلى أرض أكثر أمانًا، لكنهم غالبًا ما يجدون أنفسهم في ساحة معركة أخرى.
النزوح إلى رفح
وتلفت الصحيفة إلى أن عديد من سكان غزة يلجأون إلى مدينة رفح الواقعة في أقصى الجنوب، على طول الحدود مع مصر، حيث يتكدسون في المنازل والمدارس والخيام. وآخرون ينامون في الشوارع. وتنتشر الأمراض في تلك الظروف الصعبة. فالمساعدات غير كافية على الإطلاق لتلبية الاحتياجات الهائلة للمدنيين، وقد أعاق القصف الإسرائيلي تسليمها.
وقال دبلوماسي مصري سابق تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة مسألة أمنية حساسة: «لقد قدم الإسرائيليون ضمانات بأن أي خطوات عسكرية تُتخذ لن تمتد إلى الجانب المصري من الحدود، لكن الوضع الإنساني مروع».
وأضاف الدبلوماسي السابق: «لا يزال هناك احتمال بتدفق الفلسطينيين من غزة إلى سيناء. وسواء حدث ذلك نتيجة لاستراتيجية عسكرية إسرائيلية متعمدة أو غير ذلك، فقد يكون هذا تمييزًا غير ذي معنى».
وبينما تعزز مصر حدودها في شمال سيناء، يضاعف كبار المبعوثين المصريين جهودهم لتجنب مثل هذا السيناريو والضغط من أجل وقف إطلاق النار.
وقد وفرت مصر ملاذًا آمنًا لملايين الأشخاص الذين فروا من الصراعات الأخيرة في السودان وليبيا واليمن وسوريا. لكن التهجير الجماعي للفلسطينيين أثناء تأسيس إسرائيل عام 1948 - والمعروف بالنكبة - لا يزال يلوح في الأفق في العقلية الإقليمية. وتخشى الحكومات العربية من أن إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين الذين يغادرون غزة بالعودة بعد الحرب.
قلق من خطط التهجير
وتشير الصحيفة إلى أن تصريحات بعض الشخصيات السياسية الإسرائيلية التي دعت إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع فاقمت هذا القلق - كما أوضحت وثيقة من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية سُربت في أكتوبر، والتي يبدو أنها تقترح نقل الفلسطينيين على نحو دائم إلى مصر. وتعقد جماعات المستوطنين المتطرفين، الداعمين الأساسيين لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية، مؤتمرات للضغط من أجل إعادة التوطين الإسرائيلي في غزة.
ويؤكد نتنياهو وكبار مسؤولي الدفاع أن الهدف العسكري الإسرائيلي هو هزيمة حماس، وليس إخلاء القطاع من الفلسطينيين.
ونقلت الصحيفة عن كسينيا سفيتلوفا، الزميلة غير المقيمة في المجلس الأطلسي والعضو السابق في البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، قولها: «إنها فكرة تتبناها بعض القيادات اليمينية باعتبارها خيارًا حقيقيًا. إنهم لا يفهمون التعقيد، ويتجاهلون المخاطر، ويفشلون في إدراك مدى حساسية الديناميكيات بين إسرائيل ومصر، وهي ديناميكيات تستحق الحفاظ عليها».
ومع دعم الرأي العام في مصر القوي للقضية الفلسطينية، أوضح كبار المسؤولين المصريين منذ 7 أكتوبر أن القاهرة لن تقبل نزوحًا جماعيًا آخر. وسهلت مصر خروج آلاف المواطنين الأجانب والفلسطينيين التابعين لجهات أجنبية عبر معبر رفح الحدودي منذ أواخر أكتوبر. لكن أولئك الذين ينجحون في العبور لا يُسمح لهم بالبقاء في مصر لأكثر من بضعة أيام.
كما تشعر القاهرة بالقلق إزاء الوضع الأمني، إذ تخشى أن يتسلل مقاتلو حماس إلى شمال سيناء.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منتصف أكتوبر الماضي: «نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم»، محذرًا من أن نقل سكان غزة إلى سيناء يعني «نقل الهجمات ضد إسرائيل إلى الأراضي المصرية، مما يهدد السلام بين إسرائيل ومصر».
وكانت إدارة بايدن قلقة من المناقشات الإسرائيلية في الأيام الأولى من الحرب حول محاولة دفع سكان غزة إلى مصر، وهي المحاولات التي قاومها وزير الخارجية أنتوني بلينكن وغيره من كبار القادة بشدة، حسبما قال ثلاثة مسؤولين أمريكيين كبار للصحيفة.
وقال بلينكن الشهر الماضي إن «الولايات المتحدة تعتقد أن أي اتفاق سلام نهائي يجب ألا يشمل التهجير القسري للفلسطينيين من غزة – ليس الآن، وليس بعد الحرب».
تدهور الأوضاع رغم الرفض
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وأوروبيين وعرب كبار والذين عملوا بشكل وثيق مع نظرائهم المصريين قولهم إن موقف القاهرة بشأن هذه القضية لا يتزعزع.
وقال دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة المفاوضات الحساسة: «لم يكن هناك أي غموض من جانب المصريين بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الأراضي المصرية».
وأضاف الدبلوماسي أن «أي غموض بشأن هذا الأمر غير مقبول في مصر».
لكن الظروف على الأرض في غزة تدهورت تدهورًا كبيرًا بعد أكثر من شهرين من الحرب.
ويقول ثائر أبو عون، 35 عامًا، من مدينة غزة، هُجّر مرتين، ويقيم هو وزوجته وابنهما البالغ من العمر عامين الآن في خيمة في رفح، في مكالمة هاتفية يوم الاثنين إن الطعام نادر، واضطرت الأسرة إلى شرب المياه الملوثة. ويعاني ابنه فارس من حمى مستمرة ويشعر بالرعب من الانفجارات المتكررة.
وقال أبو عون إنه يخشى أن تؤدي العملية البرية الإسرائيلية قريبا إلى إطلاق العنان للقتال والفوضى في رفح. وقال: «وعندها لن يكون هناك مكان للفرار إليه».
وقال: «أنا ضد مغادرة غزة على الإطلاق»، واصفًا ذلك بأنه «غير قانوني وغير إنساني». لكن «إذا جرى قصف الحدود مع مصر وفتحت الحدود أمامي، ولم أعد أشعر أن هذا المكان آمن لي ولعائلتي، فلن أتردد في إنقاذ عائلتي والذهاب إلى مصر».
ويبدو أن مصر تشعر بالضغط، فأرسلت وزير خارجيتها سامح شكري إلى واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر لتأكيد موقف القاهرة. كما قادت مصر قرارًا غير ملزم الأسبوع الماضي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي وافقت عليه عليه الجمعية بأغلبية ساحقة، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.
اختراق محتمل للحدود
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لصانعي السياسات العالميين في الدوحة الأسبوع الماضي إنه يتوقع «انهيار النظام العام بالكامل قريبًا» في غزة، مما يساهم في «زيادة الضغط من أجل النزوح الجماعي إلى مصر».
ولن يكون اختراق الحدود أمرًا غير مسبوق: ففي عام 2008، نزح آلاف الفلسطينيين إلى مصر مؤقتًا بعد أن قام مسلحو حماس بتفجير ثغرة في الجدار الحدودي.
وقال مايكل ميلشتين، المستشار السابق لمنسق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية، الذي يشرف على سياسة إسرائيل المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة: «لقد كانت هذه لحظة مؤلمة حقًا للمصريين، وهم لا يريدون أن يتكرر هذا الحدث. لذلك أنا على يقين تمامًا من أن الجانبين منسقان إلى حد كبير مع تقدم الجيش الإسرائيلي جنوبًا».
ولكن إذا اندفع الفلسطينيون عبر الحدود، «في نهاية المطاف، لا يمكنك ترك الناس يموتون»، كما قال دبلوماسي عربي سابق، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة المداولات الحساسة. وأوضح: «الموقف السياسي شيء، لكن الضرورات على الأرض وما يُفرض على الأرض شيء مختلف».
وأضاف الدبلوماسي السابق أنه في هذه الحالة، من المرجح أن تسعى مصر للحصول على ضمانات من الولايات المتحدة وإسرائيل بأن أي تهجير للفلسطينيين سيكون مؤقتًا.
وفي غضون ذلك، قامت مصر ببناء جدار خرساني وسواتر ترابية على طول جانبها من الحدود، وفقًا لمقاطع فيديو نشرتها يوم السبت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مراقبة مقرها المملكة المتحدة ولها فريق في شمال سيناء.
كما عزز الجيش المصري وجوده. وخلال جولتين إعلاميتين في أكتوبر، شاهد أحد مراسلي صحيفة واشنطن بوست صفوفًا من الدبابات والمركبات العسكرية متمركزة على طول الطريق المؤدي إلى رفح.
ومع تزايد التوترات على طول الحدود، فإن العلاقة بين القاهرة وإسرائيل - التي تعززت من خلال التعاون الأمني الوثيق في السنوات الأخيرة - معرضة لخطر الانهيار، وفقا لميريت مبروك، مديرة برنامج الدراسات المصرية في معهد الشرق الأوسط ومقره العاصمة واشنطن.
وقالت: «ليس من مصلحة إسرائيل زعزعة استقرار مصر بأي شكل من الأشكال».