الجارديان: إسرائيل قد تتجاهل هذا الحكم المهم لمحكمة العدل الدولية - لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لا تستطيعان تحمل تجاهله
حتى لو تجاهلت إسرائيل حكم محكمة العدل الدولية، لا تستطيع الولايات المتحدة ولا المملكة المتحدة تجاهل الخكم؛ وإذا لم يُلتفت إلى هذا الحكم، فكيف يمكن محاسبة بوتين؟ العدالة ذات المعايير المزدوجة ليست عدالة على الإطلاق، وفق ما يخلص مقال نشرته صحيفة الجارديان.
علّق الكاتب ستيف كروشو في مقال نشرته صحيفة الجارديان على حكم محكمة العدل الدولية الذي أمر إسرائيل بتنفيذ تدابير لمنع الإبادة الجماعية وخطورة تجاهل تنفيذ القرار على منظومة العدالة الدولية.
ويقول الكاتب إن ما من شك أن إسرائيل ستواصل صب الازدراء على محكمة العدل الدولية في لاهاي في الأيام والأسابيع المقبلة، وجاء أول رد من الوزير إيتمار بن جفير. لكن التدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة الدولية اليوم هي إجراءات تاريخية بكل المقاييس.
وأكد الكاتب أن اشتراط قيام إسرائيل باتخاذ خطوات لمنع أعمال الإبادة الجماعية، ومنع التحريض على الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وتقديم تقرير عن أفعالها في غضون شهر واحد، سيكون له آثار متتابعة - ليس فقط في الأسابيع ولكن في السنوات القادمة.
وتتمتع المحكمة بسلطات تنفيذ قليلة، كما أوضحت روسيا ودول أخرى. وفي إجراءاتها المؤقتة بشأن القضية التي رفعتها أوكرانيا في عام 2022، دعت المحكمة روسيا إلى تعليق العمليات العسكرية على الفور، مع أمل ضئيل في الاستماع إليها. وردت روسيا بمطالبة المحكمة بإلغاء هذه القضية المعيبة.
ومع ذلك، فإن هذا الافتقار إلى التنفيذ لا يقلل من الانزعاج السياسي الذي تشعر به إسرائيل ــ أو أولئك الذين بدوا على استعداد لحماية إسرائيل من أي انتقاد.
حتى وقت قريب، كانت محكمة العدل الدولية تعمل جاهدة في الظل. وقد حظيت مؤسسات قانونية أخرى في لاهاي، مثل محكمة جرائم الحرب في البلقان التي حاكمت الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، والمحكمة الجنائية الدولية التي وجهت الاتهام إلى فلاديمير بوتين، بالاهتمام الكبير. ولكن حتى الآن، حتى عندما تناولت محكمة العدل الدولية قضايا مثل الإبادة الجماعية في البوسنة أو شرعية جدار الفصل الإسرائيلي، فإن أحكامها بالكاد احتلت عناوين الأخبار.
لكن هذا قد تغير الآن، وربما إلى الأبد؛ ذلك أن الأحكام التي صدرت جميعها بأغلبية 16 صوتًا مقابل 1 أو 15 صوتًا مقابل 2 ـ وحتى القاضي الإسرائيلي المعين أهارون باراك، وقف مرتين إلى جانب الأغلبية ـ كانت مدمرة لإسرائيل، رغم أن صدور الحكم النهائي ما زال بعيدًا. ومن ناحية أخرى، يتعين على تلك الحكومات التي زعمت أن قضية جنوب أفريقيا فارغة وغير شرعية أن تخرج نفسها من المأزق التي وضعت نفسها فيه.
وكان الدليل على التحريض على الإبادة الجماعية مقنعًا للغاية، وهو عنصر أساسي في اتفاقية عام 1948. وكان مدير عام سابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية وآخرون قد تحدثوا، حتى قبل تقديم جنوب أفريقيا، عن التحريض الواسع والصارخ على الإبادة الجماعية والطرد والتطهير العرقي. ولكن كان من اللافت للنظر عدد الحكومات التي كانت مترددة في مواجهة هذه الحقيقة البديهية.
فضح النفاق
وأكد الكاتب أن نتنياهو سوف يستمر في استخدام استراتيجية الدفاع باعتبارها أفضل وسيلة للهجوم من خلال انتقاد المنظمات الدولية التي ترفض سلوك إسرائيل؛. ولكن إحدى المشاكل التي تواجه نتنياهو ــ وبالتالي عديدًا من الحكومات الغربية ــ هي أن الملايين من الناس في مختلف أنحاء العالم يرون الآن النفاق والمعايير المزدوجة في أماكن أخرى، في سياق مختلف تمامًا.
في عام 2021، انتقد بوريس جونسون قرار المحكمة الجنائية الدولية الحذر والمتأخر كثيرًا بالنظر إلى غزة على أساس أنه لا ينبغي للمحكمة الدولية التحقيق مع أصدقاء بريطانيا. ويبدو البيت الأبيض عازما بالقدر نفسه على عدم انتقاد حليف للولايات المتحدة أبدًا - تمامًا كما كانت روسيا مصممة دائمًا على منع أي تحرك بشأن جرائم الحرب في سوريا. ولم ينتظر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي الحكم المؤقت للقضاة قبل أن يصف قضية جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية بأنها لا أساس لها من الصحة، وتؤدي إلى نتائج عكسية. وليس هناك حاجة إلى إدراك متأخر لمعرفة أن المظهر الخارجي لمثل هذا التصريح المؤيد لإسرائيل بقوة كان سيئًا، ناهيك عن سخافة وصفه بأنه لا أساس له على الإطلاق.
ومن الواضح أن إحجام واشنطن عن إدانة الجرائم والمعاناة الإنسانية كان بمثابة أخبار سيئة للفلسطينيين. ورغم أن نتنياهو يرفض الاعتراف بهذه الحقيقة الواضحة، إلا أن هذا يشكل أيضاً خبرًا سيئًا لإسرائيل، التي من المرجح أن يتضرر أمنها المستقبلي لسنوات عديدة قادمة بسبب ما يحدث الآن.
لكن التداعيات تذهب أيضًا إلى ما هو أبعد من هذا الصراع وحده؛ ذلك أن نهج الانتقاء والاختيار في العدالة – أو النفاق، إذا استخدمنا كلمة نتنياهو - يشكل خطورة على العدالة في كل مكان.
والأمر الأكثر إلحاحًا هو أن أوكرانيا أصبحت على نحو متزايد ضحية للانقسام بين الشمال والجنوب دون أي خطأ من جانبها، بل نتيجة مباشرة للمعايير المزدوجة الواضحة بشكل صارخ. وستجد أوكرانيا الآن صعوبة أكبر في جمع القدر الكافي من الدعم الذي تشتد الحاجة إليه في معاركها من أجل العدالة، بما في ذلك إنشاء محكمة جرائم العدوان التي ظلت تضغط من أجل تشكيلها في العامين الماضيين. لقد حولت الحكومات الغربية هذا الأمر إلى حالة «ضحاياكم» مقابل «ضحايانا»، وهو الأمر الذي لم يكن ينبغي أن يكون كذلك على الإطلاق.
في نوفمبر، انضمت بريطانيا وخمس دول أخرى إلى دعم قضية غامبية ضد ميانمار في محكمة العدل الدولية، فيما يتعلق بمزاعم الإبادة الجماعية ضد مسلمي الروهينجا. وحتى الآن، لم يصدر أي شيء يفرض ضغوطًا على المجلس العسكري في ميانمار ــ ومن المؤكد أن صدور حكم قوي من المحكمة الدولية من شأنه أن يفعل ذلك ــ وسيكون موضع ترحيب. لكن الانفصال سيكون صارخًا، إذا تمكنت بريطانيا من القيام بمثل هذا التدخل في ميانمار في حين ترفض معالجة حقيقة مفادها أن حليفًا رئيسًا قتل أكثر من 20 ألف مدني في غضون بضعة أشهر فقط.
ويقول الكاتب إن الحكم سيكون بمثابة تذكير بنقطة البداية للعدالة. العدالة ذات المعايير المزدوجة ليست عدالة على الإطلاق. ولا شيء يمكن أن يكون أكثر زعزعة للاستقرار من غياب العدالة. وهذا مهم لغزة، ومهم لأوكرانيا، ومهم في مناطق الصراع من إثيوبيا إلى ميانمار. وإذا كان حكم محكمة لاهاي يساعد في دفع الحكومات الغربية إلى فهم الحاجة إلى نهج أكثر توازنًا، فسوف يكون ذلك ذا قيمة. وإذا نظروا في الاتجاه الآخر، فلن يكون الفلسطينيون وحدهم هم الخاسرون، بل سنخسر جميعًا.