واشنطن بوست: العلاقات المصرية الإسرائيلية في خطر بسبب تفاقم النزاع على حدود غزة
في حين تتقدم القوات الإسرائيلية جنوبًا في غزة، يشير المسؤولون في تل أبيب إلى ما يمكن أن يكون هدفًا مركزيًا ومحفوفًا بالمخاطر السياسية للمرحلة التالية من الحرب: السيطرة على المعبر الحدودي مع مصر؛ وهي خطوة تثير قلق القاهرة وقد تُقوّض اتفاق السلام بين البلدين، وفق ما يخلص تقرير لواشنطن بوست.
نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا يستعرض المخاطر التي تُحيط بالعلاقات المصرية مع دولة الاحتلال على خلفية رغبة الأخيرة السيطرة على ممر فيلادلفيا.
تلفت الصحيفة في مستهل تقريرها إلى أنه وفي حين تتقدم القوات الإسرائيلية جنوبًا في غزة، يشير المسؤولون في تل أبيب إلى ما يمكن أن يكون هدفًا مركزيًا ومحفوفًا بالمخاطر السياسية للمرحلة التالية من الحرب: السيطرة على المعبر الحدودي مع مصر.
ومنذ ديسمبر، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارًا = أن إسرائيل لا تستطيع القضاء على حماس دون ممارسة سيطرتها على المنطقة الحدودية الجنوبية لغزة، بما في ذلك معبر رفح المصري، الذي كان بمثابة نقطة عبور حيوية للأشخاص والمساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.
محاولة خلق وضع استراتيجي جديد
وتشير الصحيفة إلى أنه وقبل 7 أكتوبر، كانت سلطات الحدود المصرية وحماس تديران جانبيهما من معبر رفح، الذي يقع على طول ممر فيلادلفيا. ولم يكن لإسرائيل أي قوات على الأرض على طول الحدود منذ عام 2005، عندما سحبت قواتها من قطاع غزة.
وستكون إعادة السيطرة الإسرائيلية على المنطقة أمرًا حاسمًا لخلق «وضع استراتيجي جديد في غزة» تكون فيه حماس غير قادرة على مهاجمة إسرائيل مرة أخرى، وفقًا لمايكل ميلشتاين، زميل بارز في جامعة رايخمان والرئيس السابق للشؤون الفلسطينية في الجيش الإسرائيلي..
وأدت الحرب الإسرائيلية في غزة إلى تسوية جزء كبير من الشمال بالأرض وقتلت أكثر من 26 ألف فلسطيني، كثير منهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في غزة.
وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن الشرق الأوسط يمر بـ «وقت متقلب بشكل لا يصدق» إذ تغذي حرب إسرائيل في غزة المخاوف من تصاعد العنف، مع تقارير عن هجمات في سوريا واليمن ولبنان بالإضافة إلى غارة بطائرة مسيرة في الأردن.
وتنوّه الصحيفة إلى أنه ورغم أن الحملة العسكرية ألحقت الضرر بحماس، إلا أن الحركة لا تزال تقود آلاف المقاتلين. ويقول مسؤولون إسرائيليون إن كبار قادتها ما زالوا مطلقي السراح، كما أن الكثير من شبكة أنفاقها، خاصة في الجنوب، سليمة.
ومع انسحاب بعض القوات الإسرائيلية من غزة، تظل الاستراتيجية طويلة المدى بعيدة المنال.
وقال ميلشتين: «يجب أن تسيطر إسرائيل على هذا الممر، بما في ذلك معبر رفح الحدودي، وإلا فإن ذلك يعني أنه إذا كان هناك وقف لإطلاق النار أو حتى تسوية أوسع في غزة، وتظل الحدود بأكملها مفتوحة، فإن حماس ستحصل بسرعة كبيرة على كل ما تحتاجه هذه المنظمة من وجهة النظر العسكرية وتعيد تشكيل نفسها».
قلق في القاهرة أثارت القلق في القاهرة، التي قالت في الأسابيع الأخيرة إن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تخاطر بتقويض معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979 - وهي اتفاقية تاريخية أدت إلى نصف قرن من التعايش المشترك. والتعاون بين العدوين اللدودين.
وأوضحت مصر أنها تعتبر الحدود خطًا أحمر.
وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في بيان له الأسبوع الماضي: «يجب التأكيد بشكل صارم على أن أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه سيؤدي إلى تهديد خطير للعلاقات المصرية الإسرائيلية».
وتبادل المسؤولون والمعلقون المصريون والإسرائيليون الاتهامات هذا الشهر حول الجهة المسؤولة عن تهريب الأسلحة إلى حماس في غزة، مما يكشف عن تزايد الصدوع في العلاقة التي كانت بمثابة حجر الأساس للاستقرار في منطقة مضطربة.
وقال عضو سابق في البرلمان المصري محمد أنور السادات، ابن شقيق أنور السادات، الرئيس المصري الذي وقع على معاهدة 1979 واغتيل فيما بعد: «بصراحة، نعتقد أننا عدنا إلى المربع الأول عندما يتعلق الأمر بعلاقتنا مع إسرائيل – إلى السبعينيات».
تعاون أمني
وتلفت الصحيفة إلى أن مصر دعت لفترة طويلة إلى حق تقرير المصير للفلسطينيين، بينما كانت بمثابة محاور رئيس بين إسرائيل والفلسطينيين. ولم تكن العلاقات بين إسرائيل ومصر دافئة على الإطلاق، لكن البلدين طورا شراكة أمنية وثيقة في السنوات الأخيرة وكانا يسعيان إلى علاقات أعمق في مجالي الاقتصاد والطاقة.
ومنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة بعد انقلاب عسكري عام 2013، دمرت مصر مئات الأنفاق المستخدمة لتهريب الأسلحة والبضائع من وإلى غزة. كما قامت الحكومة بتهجير عشرات الآلاف من سكان شمال سيناء وهدمت المباني القريبة من الحدود لإنشاء منطقة عازلة عسكرية بعمق حوالي ثلاثة أميال.
وفي الوقت نفسه، سمحت إسرائيل لمصر بإرسال قوات عسكرية إلى سيناء لمحاربة التمرد الإسلامي، بما يتجاوز ما سمحت به معاهدة 1979.
وقال سمير فرج، وهو جنرال مصري سابق ومسؤول دفاعي، إن التعاون الأمني «كان ممتازًا – حتى السابع من أكتوبر».
وقد أثارت الإشارة من جانب إسرائيل بأن مصر فشلت في اتخاذ إجراءات صارمة ضد التهريب على نحو كاف، وترًا حساسًا بين المسؤولين المصريين، الذين يعتبرون الأمن أمرًا بالغ الأهمية لهم. ومن وجهة نظر القاهرة، فقد أقدم السيسي بالفعل على مخاطر سياسية كبيرة من خلال تعزيز الحصار الإسرائيلي على غزة، حتى في الوقت الذي يبحث فيه أكثر من مليون فلسطيني نازح عن الأمان في رفح.
وقال أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية، في برنامج حواري حديث: «مصر تسيطر بالكامل على حدودها».
وقدم رشوان، رئيس الإعلام الحكومي، دفاعًا مطولًا عن الجهود التي تبذلها مصر للقضاء على التهريب - مشيرًا، من بين تدابير أخرى، إلى جدار خرساني بعمق 20 قدمًا شيدته مصر على طول الحدود في السنوات الأخيرة.
وقال إن «أي ادعاء بأن عمليات التهريب تجري عبر شاحنات تحمل مساعدات وبضائع إلى غزة من الجانب المصري لمعبر رفح هو كلام فارغ وسخيف».
ضغوط متزايدة
وتضيف الصحيفة أن التوترات بين البلدين كانت مرتفعة بالفعل بعد دعوات المشرعين الإسرائيليين اليمينيين إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء، وهو سيناريو كابوس لمصر. كما وجهت الحرب في غزة ضربة أخرى للاقتصاد المصري المتعثر: فقد انخفضت عائدات السياحة، وانخفض الدخل من الشحن عبر قناة السويس بعد أن بدأ المسلحون الحوثيون في اليمن بمهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر احتجاجًا على الحرب.
وقالت ميريت مبروك، مديرة برنامج الدراسات المصرية في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن إن «الضغط المفروض على مصر في الوقت الحالي أمر غير عادي. يعادل أمن مصر أمن إسرائيل، لذلك عندما تستمر في محاولة زعزعة استقرار مصر، أو إذا كنت تتقدم بطريقة من المحتمل جدًا أن تزعزع استقرار مصر، فهذا ليس في مصلحتك».
وقال فرج، الجنرال السابق، إن مصر تدرس مجموعة من الخيارات للرد إذا سيطرت القوات الإسرائيلية على المنطقة الحدودية، لكنه امتنع عن الخوض في التفاصيل.
وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي السبت إن العلاقات مع مصر «مستمرة وطبيعية» بعد تقارير أفادت بأن القاهرة تدرس استدعاء سفيرها من تل أبيب.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية هذا الأسبوع أن الجيش الإسرائيلي لن يقوم بعملية برية على طول ممر فيلادلفيا إلا بموافقة المسؤولين المصريين.
وقال ميلشتاين إن الحفاظ على علاقتها مع القاهرة هو «اعتبار مهم للغاية من وجهة النظر الإسرائيلية».
وقال دبلوماسي عربي سابق مطلع على مخاوف القاهرة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن القوات الإسرائيلية على طول الحدود سوف تصبح على الأرجح أهدافًا لحماس أو المسلحين المتحالفين معها، الأمر الذي يجلب العنف إلى عتبة مصر مباشرة ويقف في طريق السلام الدائم.
وأضاف الدبلوماسي أن استيلاء إسرائيل على المعبر الحدودي سيقطع أيضًا الرابط الجغرافي لمصر مع غزة، مما قد يقوض نفوذ مصر مع حماس ويضعف دورها كوسيط بين السلطات الإسرائيلية والفلسطينية. وتواصل مصر، إلى جانب قطر والولايات المتحدة، لعب دور رئيس في المفاوضات بين إسرائيل وحماس بشأن وقف محتمل لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.
وقال خالد الجندي، زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، إن «مجرد وجود» الجيش الإسرائيلي في غزة «من المرجح أن يظل مصدرًا للعنف المستمر. إذا قالت إسرائيل: لن نغادر غزة أبدًا، فيمكننا أن نتوقع تمردًا دائمًا في تلك المنطقة».