شهدت القاهرة خلال الأسبوع الممتد من 18 إلى 25 يوليو 2025 حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا على أكثر من محور، في ظل تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية المرتبطة بالملف الفلسطيني وسد النهضة والتوازنات العسكرية في المنطقة.
في ملف غزة، أصدرت مصر بيانات دبلوماسية تطالب بوقف الحرب، وأكدت رفضها للتهجير ومقترح "المدينة الإنسانية"، كما حاولت نفي اتهامات بالمشاركة في حصار القطاع، وهو ما دفع وزارة الخارجية إلى إصدار بيان "غاضب" ضد ما وصفته بـ"الدعاية المغرضة"، في وقت طالبت فيه جهات مصرية داخلية، مثل مجلس عشائر سيناء ونقابة الصحفيين، بمواقف أكثر فاعلية ووضوحًا تجاه المعابر وسياسة التجويع. تعدد هذه الرسائل، الرسمية والمجتمعية، يكشف ارتباكًا في ضبط الرواية الداخلية وتناقضًا بين الخطاب السياسي وعجز الأدوات على الأرض.
في الإطار نفسه، شكّلت استضافة السيسي لقائد القيادة المركزية الأميركية، ومشاركته في مشاورات مع أحمد أبو الغيط حول الوضع العربي، مؤشرين على استمرار القاهرة في البحث عن مساحة مناورة داخل المعادلة الإقليمية، لكن من دون قدرة واضحة على التأثير في مسار العمليات أو قرارات وقف إطلاق النار. ورغم استمرار التنسيق مع قطر في الوساطة، فإن النتائج الميدانية ما زالت محدودة، بينما تتراكم الانتقادات الحقوقية الموجهة لمصر، سواء من منظمات مثل "الجامعة البهائية العالمية"، أو عبر آليات الاستعراض الدولي.
في الخلفية، أعادت تصريحات دونالد ترامب عن سد النهضة تسليط الضوء على الملف الذي توارى نسبيًا خلال الأشهر الماضية. ترامب، الذي اتهم إثيوبيا ببناء السد بـ"أموال أميركية"، أشار مجددًا إلى خطره على المصريين، في توقيت يثير التساؤلات عن دوافعه، مع صدور تقارير تفيد بأن ثمة ضغوطا تتعرض لها مصر لمقايضة الموافقة على تهجير سكان غزة بحل مشكلة سد النهضة.
في اتجاه آخر، واصلت مصر توسيع دوائر حضورها في غرب أفريقيا عبر جولة وزير الخارجية التي شملت 6 دول. هذا الحراك يحمل بعدًا مزدوجًا، يتمثل في إعادة تثبيت موطئ قدم في محيط استراتيجي يشهد تنافسًا محتدمًا، ومحاولة توجيه رسالة إلى عواصم كبرى – لا سيما باريس وواشنطن – بأن مصر ما زالت قادرة على لعب دور إقليمي خارج حدودها التقليدية. لكن تبقى نتائج هذه الجولة مرتبطة بقدرة القاهرة على ترجمة النوايا إلى أدوات استثمار فعالة في سياقات محلية معقدة، وفي ظل أزمة مصر الاقتصادية المزمنة.
في الداخل، شهد الأسبوع قبول استقالة وزيرة البيئة، في خطوة لم تُفسَّر علنًا، وتكليف وزيرة أخرى بالمنصب بالنيابة. وفي السياق الإعلامي، أعاد لقاء رئيس الوزراء برئيس الهيئة الوطنية للصحافة التذكير بمأزق المؤسسات القومية، التي تعاني من عجز مالي متراكم في ظل ضعف القدرة التنافسية، رغم محاولات الحكومة الدفع باتجاه استغلال الأصول وتحديث الهياكل.
في شأن يجمع بين السياسة والأمن، تلقّى الإعلام الإسرائيلي إعلان القاهرة عن تفكيك خلية "حسم" بوصفه "تحركًا حاسمًا". كما أبدى الإعلام الإسرائيلي قلقا من تنامي العلاقات العسكرية المصرية–الصينية، خاصة مع اقتراب مصر من إتمام صفقة صواريخ دفاع جوي متطورة من طراز NASAMS بقيمة تقترب من 5 مليارات دولار، في ما قد يُفهم كتوجه نحو تعزيز الاستقلالية النسبية عن الإمدادات الأميركية.
وبالنظر إلى مجمل المشهد، يبدو أن الدولة المصرية تحاول الحفاظ على توازن صعب بين ضغط المطالبات الدولية، وتضاؤل هامش القدرة الفعل في الملفات الكبرى مع تضاؤل قدرات الدولة بشكل عام خلال السنوات الأخيرة وتفاقم التحديات الداخلية. لا تختفي أبدا أخبار المبادرات الدبلوماسية والجولات الخارجية والتحالفات الأمنية، ولكن يبقى الغائب الأكبر هو القدرة على التأثير المباشر في بؤر التوتر، أو تحويل هذه التحركات إلى أوراق تفاوضية صلبة.
على امتداد الأسبوع، برز المشهد الاقتصادي المصري في حال من التداخل المعقّد بين تدفقات استثمارية جديدة في قطاعات التصنيع والطاقة، وعودة جزئية للقدرة الإنتاجية في بعض الصناعات، في مقابل مؤشرات مالية مقلقة مرتبطة بالدين الخارجي والاحتياج المستمر للسيولة.
الحدث الأبرز تمثّل في إعلان صندوق النقد الدولي توقعه تجاوز ديون مصر الخارجية حاجز 200 مليار دولار بحلول عام 2030، مقارنةً بـ162.7 مليار دولار منتصف العام الجاري. وعلى الرغم من أن التوقعات تشير إلى انخفاض نسبة الدين من الناتج المحلي إلى 34%، فإن ذلك يبقى مشروطًا بتحقيق معدلات نمو مرتفعة لم تُثبت بعد الحكومة قدرتها على ضمانها في ظل استمرار الاعتماد على القروض الخارجية.
وفي محاولة للحد من الاعتماد على الاقتراض المباشر، عقد رئيس الوزراء اجتماعًا مع محافظ البنك المركزي ووزير المالية لمتابعة خطط خفض الدين العام، وتوسيع بدائل التمويل، مع تعزيز جذب الاستثمار الأجنبي. إلا أن غياب الحديث عن استحقاقات صندوق النقد، وتباطؤ تنفيذ شروط المراجعة الرابعة، يطرح أسئلة عن قدرة الحكومة على المواءمة بين حاجات الإنفاق وبين التزامات الديون.
من جهة أخرى، شهد الأسبوع إعلان مصر عن إبرام اتفاق مبادلة ديون مع ألمانيا بقيمة 340 مليون يورو، بينها شريحة جديدة بقيمة 100 مليون يورو لدعم قطاع الطاقة ضمن برنامج “نُوفي”. وتأتي هذه الخطوة ضمن مساعي القاهرة لتوسيع نطاق المبادلات لتخفيف عبء خدمة الدين، غير أنها لا تزال محدودة الأثر مقارنة بمتطلبات التمويل الشامل للدولة.
وفي قطاع الطاقة، مثّلت عودة إمدادات الغاز لمصانع الأسمدة إلى طاقتها الكاملة حدثًا مهمًا بعد تقليصها لمدة شهرين. وجاءت هذه العودة مدفوعة بتشغيل محطتين عائمتين جديدتين للغاز المسال في ميناء السخنة، ما وفّر لمصر منفذًا جديدًا لتأمين احتياجاتها من الغاز بعد أن تحوّلت من مصدّر إلى مستورد خلال العام الأخير نتيجة تراجع الإنتاج المحلي.
وفي السياق نفسه، أعلنت وزارة البترول عن ارتفاع معدلات ضخ الغاز في الشبكة القومية بنسبة 19%، إلى 6.8 مليار قدم مكعبة يوميًا، في مؤشر على تحسّن مؤقت في تدفقات الطاقة. كما ناقشت الوزارة مع شركة BP البريطانية تسريع إنتاج الغاز من الاكتشافات الأخيرة في البحر المتوسط، وشهدت توقيع اتفاق مع "شل" لتطوير حقل غاز جديد، في مسعى لتعويض العجز المحلي وتقليل الاستيراد.
قطاع الصناعات الثقيلة شهد بدوره دفعة جديدة بإطلاق مشروع استراتيجي لتحديث شبكة أنابيب البترول بطول 7000 كم، بشراكة مع تحالف دولي يضم سيمنس وDNV . أما في ملف الاستثمار، فقد تتابعت الإعلانات عن مشروعات صناعية جديدة داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، منها توسعة شركة "تيدا مصر" الصينية لتطوير أراضٍ إضافية، وتوقيع عقود مع 6 شركات صينية وتركية لإنشاء مصانع في القنطرة غرب، باستثمارات تتجاوز 120 مليون دولار. كما وافقت الحكومة على إقامة 3 مصانع بنظام المناطق الحرة الخاصة باستثمارات تبلغ 216.5 مليون دولار، توفر أكثر من 15 ألف فرصة عمل.
الاستثمار في ليبيا عاد إلى الواجهة مع إعلان رئيس اتحاد الغرف التجارية عن تنفيذ شركات مصرية مشروعات بقيمة 5 مليارات دولار، وارتفاع الصادرات إلى ليبيا لتتجاوز 2 مليار، مع تحركات لإقامة مركز لوجستي قرب السلوم لتعزيز النفاذ إلى أسواق غرب أفريقيا. وأعلنت "تتراباك مصر" عن مشروع تعبئة وتغليف بقيمة 14 مليون يورو في ليبيا.
في مجال التمويل قصير الأجل، طرح البنك المركزي أذون خزانة بقيمة 65 مليار جنيه، في خطوة تُظهر استمرار الدولة في الاعتماد على أدوات الدين المحلي لتغطية احتياجات الموازنة، رغم تصريحات رسمية تؤكد العمل على تقليل الاعتماد على هذا النوع من الأموال.
البورصة المصرية بدت متقلبة خلال الأسبوع، إذ ربحت نحو 17 مليار جنيه في إحدى الجلسات، ثم خسرت 12.5 مليار في جلسة أخرى، وهو ما يعكس هشاشة ثقة المستثمرين وتذبذب مؤشرات الأداء في ظل غياب عوامل استقرار حقيقية أو سيولة ضخمة تحفّز التداولات.
وفي جانب السياسات العقارية، أعلنت وزارة الإسكان عن تعديل ضوابط تقنين أوضاع الأراضي المحوّلة من نشاط زراعي إلى عمراني، لتكون مقابل تنازل عن حصة عينية من الأرض بدلًا من دفع غرامات مالية، في محاولة لربط التسويات العقارية بخطط الدولة لتوفير الأراضي لمشروعات المرافق.
على الهامش، أعلنت مجموعة "سمو" السعودية نيتها إنشاء صندوق عقاري في مصر ضمن توسّعها الإقليمي، واستهدافها الاستثمار في منطقة وسط البلد، وهي خطوة تعكس اهتمامًا خليجيًا مستمرًا بالسوق العقارية، لكنها لا ترقى بعد إلى مستوى التدفقات التي وعدت بها الاتفاقات السابقة مع دول الخليج.
في المجمل، تعكس تطورات هذا الأسبوع اتساع رقعة التحركات الاقتصادية المصرية، لكنها تظل محكومة بسقف التمويل المحدود والتزامات الدين المتزايدة.
شهد الأسبوع الأمني في مصر تكثيفًا ملحوظًا في التنسيق الدولي وتبادل الزيارات العسكرية، تمثلت أولى المحطات البارزة في استقبال مركز الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب بالقاهرة وفدًا من حلف الناتو، وفي السياق ذاته، شهدت الأيام نفسها محادثات عسكرية بين مصر وكينيا بشأن دعم أمن القرن الأفريقي، ولقاء رفيع بين وزير الداخلية المصري ونظيره من جزر القمر، في سياق محاولات تعزيز التعاون الأمني مع الدول الأفريقية. كما واصل التعاون مع واشنطن مساره المعتاد عبر لقاء قائد القيادة المركزية الأميركية بكل من رئيس الأركان ووزير الدفاع المصري.
داخليًا، أعلنت وزارة الداخلية إحباط مخطط لحركة "حسم"، حيث زعمت أن ة الحركة كانت تستهدف منشآت أمنية واقتصادية. وأسفر الاشتباك مع العنصرين المنفذين عن مقتلهما، بالإضافة لمواطن تصادف وجوده في المكان.
تزامن ذلك مع إعلان النيابة عن محاكمة جديدة لرجل الأعمال صفوان ثابت ونجله إلى جانب وزير سابق ونحو خمسين آخرين، بتهم تمويل جماعة الإخوان والإضرار بالاقتصاد القومي. وفي مشهد متكرر داخل منظومة العدالة، صدر قرار بالعفو الرئاسي عن عدد من السجناء بمناسبة ذكرى 23 يوليو، مع إقرار زيارة استثنائية للنزلاء، دون أن يشمل ذلك الإفراج عن أي من المعتقلين السياسيين ضمن قائم العفو الرئاسي.
من زاوية أخرى، شكّلت حوادث الهجرة غير الشرعية أحد ملامح الأسبوع؛ حيث تم الإعلان عن ترحيل 183 مصريًا من ليبيا، وإنقاذ عشرة آخرين بعد غرق مركب قبالة السواحل الليبية، ما يعكس استمرار الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع أعدادًا متزايدة من المصريين نحو الهجرة غير النظامية رغم المخاطر الفادحة.
وعلى صعيد القضايا الجنائية ذات الطابع المجتمعي العام، برزت محاكمات جديدة لمسؤولين بتهم اختلاس مالي، منها قضية "بلوم مصر" التي تشمل تلاعبًا بنحو 37 مليون جنيه، ومحاكمة موظفة بارزة بمجلس الوزراء بتهم الاستيلاء على 6.5 ملايين جنيه، بالإضافة إلى تأييد أحكام مشددة بالسجن في قضية انفجار خط غاز أكتوبر. كما صدر حكم بالسجن عشر سنوات على وافد مصري في الكويت بعد إدانته بالاختلاس وتزوير رواتب وهمية.
ختام أحداث الأسبوع الأمني كان بلقاء جمع وزير الدفاع بقادة وضباط المنطقة المركزية، وشمل عرضًا حول المتغيرات الدولية وتحديات الأمن القومي، ما يعكس استمرار العلاقات البنيوية بين المؤسسة العسكرية المصرية ونظيرتها الأمريكية دون انقطاع بسبب أية تطورات عارضة في المنطقة لم تؤثر على جوهر الشراكة الأمنية الاستراتيجية.
عكست التطورات المجتمعية في مصر خلال الأسبوع الممتد من 18 إلى 25 يوليو 2025 مزيجًا من الإرباك الخدمي، والتوتر التعليمي، والتدهور في البنية التحتية، إلى جانب قضايا سلامة عامة أثارت قلقًا متزايدًا بين المواطنين، خاصة في قطاعات التعليم والصحة والنقل.
حيث لا تزال أزمة سنترال رمسيس بظلالها على خدمات الإنترنت، إذ ألزم جهاز تنظيم الاتصالات شركات الإنترنت بتعويض المستخدمين المتضررين. في المقابل، تعرّضت شبكة فودافون لعطل مفاجئ شلّ خدمات الاتصال والإنترنت، تلاه قرار رسمي بتعويض المستخدمين بوحدات وبيانات إضافية، في مؤشر على هشاشة البنية التحتية لشبكات الاتصال.
وفي قطاع النقل، أظهرت واقعتا تجاوز محطة مطاي بالقطار ثم الرجوع للخلف، وتأخر قطار تلا بسبب غياب المشرف صورة فاضحة للاختلال الإداري في مرفق السكك الحديدية، دفعت الهيئة إلى إنهاء خدمة مسؤولين ومحاسبة مستويات إشرافية. كما أُطلقت خدمة قطار مخصوص لإعادة السودانيين إلى بلادهم عبر أسوان، في استمرار لتعامل الدولة مع ملف اللاجئين السودانيين ضمن منطق تشجيع العودة الطوعية ورفض الإدماج.
من جانب آخر، فجّرت نتائج الثانوية العامة جدلًا واسعًا بعد إعلان رسوب أكثر من 210 آلاف طالب، ما أعاد إلى الواجهة النقاش حول طبيعة النظام التعليمي وجدوى المناهج، بالتزامن مع أزمة أخرى داخل جامعة المنوفية بسبب نتائج كلية الزراعة، حيث أثارت قوائم رسوب جماعي شكوكًا بشأن آليات التصحيح. وجاءت تصريحات نقيب أطباء أسنان الإسكندرية التي حذر فيها طلاب الثانوية من دراسة تخصص طب الأسنان لتضيف إلى حالة الإحباط العام، ما دفع المجلس الأعلى للجامعات لفتح تحقيق في الواقعة.
وفي سياق آخر، أطلقت وزارة العمل حملة لحماية "عمال الدليفري" ودمجهم في منظومة التأمينات، وهي خطوة تعكس استجابة جزئية لضغوط الواقع الاقتصادي الجديد، وإن كانت متأخرة.