جاء شهر يوليو 2025 حافلا بالأحداث السياسية في مصر، حيث تشابكت الملفات الداخلية مع التحركات الإقليمية والدولية، في مشهد عكس حجم الضغوط المتزايدة التي تواجهها الدولة على أكثر من جبهة.
ففي الداخل، واصل البرلمان نشاطه التشريعي بوتيرة مرتفعة، فأقر قانون التصرف في أملاك الدولة الخاصة الذي يتيح تقنين أوضاع الأراضي وفق التصوير الجوي حتى أكتوبر 2023، كما أقر تعديلات شملت المهن الطبية لإدماج خريجي كليات تكنولوجيا العلوم الصحية ضمن الكادر الطبي، وأقر من حيث المبدأ تعديل قانون الإيجار القديم الذي يلزم الحكومة بتوفير بيانات دقيقة عن الوحدات المؤجرة والمشروعات البديلة، في خطوة أثارت انتقادات متباينة حيث لا يفور حلولا عادلة لأحد أعقد الملفات الاجتماعية في مصر.
كذلك امتد النشاط التشريعي إلى تعديل قانون التعليم باستحداث نظام البكالوريا كمسار مواز للثانوية العامة، وتعديل قانون الرياضة لمنح الوزارة سلطات أوسع على الأندية وإعادة هيكلة المتعثرة منها. ورغم هذا الزخم، أثار تأخر تصديق الرئيس على بعض القوانين حالة من الجدل والارتباك داخل مجلس النواب والأوساط القانونية، ما أعطى انطباعا بوجود مراجعات دقيقة وربما خلافات حول بعض التفاصيل التشريعية.
وفي الوقت ذاته، طغت أجواء انتخابات مجلس الشيوخ المقبلة على المشهد الداخلي، حيث كشفت التحضيرات عن سيطرة كاملة للقائمة الوطنية "من أجل مصر" على مقاعد القوائم المغلقة، وغياب شبه تام للمنافسة الحزبية أو المستقلة، وهو ما اعتبره معارضون دليلا على غلبة التعيينات على التنافس الحقيقي، خاصة أن ثلث أعضاء المجلس يعينهم الرئيس، بينما تضمن الأحزاب الداعمة للسلطة أغلبية المقاعد المتبقية، ما يكرس برلماناً محدود التعددية في دورته الجديدة.
في موازاة ذلك، كشف حريق سنترال رمسيس أزمة هشاشة البنية التحتية للاتصالات رغم مليارات الجنيهات التي رُصدت للتحول الرقمي، وأدى لانقطاع واسع للخدمات البنكية والاتصالات لساعات طويلة. الهجوم النيابي على الحكومة كان غير مسبوق، حيث وُجهت اتهامات بالفشل والتضليل، ما دفع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي للاعتذار علناً وتحذير من محاولات خارجية لإضعاف الدولة من الداخل عبر بث اليأس في نفوس المواطنين. الرئيس عبد الفتاح السيسي بدوره وجه بتشكيل لجنة للتحقيق في أسباب الحريق، في خطوة مماثلة لتشكيل لجنة أخرى قبل أيام للتحقيق في حوادث الطرق المتكررة على الدائري الإقليمي، وأمر بإغلاق أجزاء منه لأعمال الصيانة مع فرض بدائل آمنة وتشديد العقوبات على المخالفات المرورية وتكثيف حملات التوعية.
خارجيًا؛ تصدّر ملف سد النهضة واجهة التحركات المصرية، بعد إعلان اكتمال بنائه وانتظار افتتاحه في سبتمبر المقبل. رفضت القاهرة دعوة أديس أبابا لحضور الافتتاح ووصفتها بالعبث، مؤكدة أن القضية وجودية لا تقبل التهاون أو المساومة. وشدد وزير الخارجية بدر عبد العاطي على أن مصر لن ترهن مصالح أكثر من 110 ملايين مواطن لتصريحات غير ملزمة، بينما أكد رئيس الوزراء أن إثيوبيا تعهدت خلال قمة بريكس بعدم المساس بحصة مصر المائية، وهو تعهد لا يخفي شكوك القاهرة في صدقيته. لكن تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي حذرت من مخاطر السد وانتقدت تمويله بأموال أمريكية منحت الموقف المصري زخماً إضافياً، بالتوازي مع لقاءات مكثفة أجراها وزير الخارجية في واشنطن مع مسؤولين أمريكيين وأعضاء بالكونغرس لإعادة التأكيد على رفض مصر الإجراءات الأحادية الإثيوبية ولطلب دعم أمريكي واضح في هذا الملف.
وفي سياق موازٍ؛ لعبت القاهرة دور الوسيط الرئيسي في الجهود الرامية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، قُدم مقترح محدث لتهدئة مدتها ستين يوماً يشمل ترتيبات لتبادل الأسرى وجثامين المحتجزين وزيادة المساعدات الإنسانية. رغم ذلك، اصطدمت الوساطة المصرية بخطط إسرائيلية لإعادة انتشار قواتها في رفح وإقامة ما سمي بمدينة خيام قرب الحدود المصرية، وهو ما وصفته القاهرة بالقنبلة الموقوتة التي تهدد أمنها القومي واتفاقية السلام مع إسرائيل.
وُجهت انتقادات واسعة لما اعتُبر موقفا متخاذلا من جانب الحكومة المصرية في مسألة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، حاولت الحكومة دبلوماسيا وإعلاميا نفى هذه التهم التي تسببت في احتجاجات أمام عشرات السفارات المصرية في الخارج. وفي هذا السياق، عبرت عشائر سيناء عن استعدادها لتأمين قوافل المساعدات وكسر الحصار، فيما أكدت الهيئة العليا للعشائر في غزة أن مصر ستظل السند الأساسي للقضية الفلسطينية.
امتد الحراك الدبلوماسي المصري ليشمل ملفات إقليمية وعربية أخرى. فقد شاركت مصر في مؤتمر أممي رفيع المستوى بنيويورك لدعم حل الدولتين، وأجرى وزير الخارجية لقاءات جانبية مكثفة مع نظرائه من دول عديدة ومع الأمين العام للأمم المتحدة لتأكيد أهمية خلق أفق سياسي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، واستثمار الزخم الدولي المتزايد نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد إعلان بريطانيا وكندا ومالطا توجهها لاتخاذ هذه الخطوة.
كما انخرطت القاهرة في بيانات عربية مشتركة لإدانة قرار الكنيست الإسرائيلي بفرض السيادة على الضفة الغربية، ورفضت الجامعة العربية سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل في غزة ووصفتها بسلاح حرب.
أما في الملف السوري، فقد دعمت مصر الموقف العربي التركي المشترك الرافض للتدخلات الخارجية والمطالب بوقف الاعتداءات الإسرائيلية، فيما جددت دعمها للحوار الليبي – الليبي ورفضها لتشكيل حكومات موازية في السودان، محذرة من خطط تقسيم الدولة هناك.
على مستوى العلاقات الدولية، شهدت القاهرة زيارات واتصالات مكثفة أبرزها استقبال السيسي لقائد القيادة المركزية الأمريكية، مايكل كوريلا، لبحث التعاون العسكري، ما أكد استمرار متانة العلاقات الأمنية مع واشنطن رغم التباينات. في المقابل، أثار تزايد التعاون العسكري المصري مع الصين قلقا إسرائيليا عبرت عنه وسائل إعلامها.
وفي خطوة مهمة، أعلنت واشنطن موافقتها على صفقة صواريخ ناسامز المتقدمة بقيمة 4.67 مليار دولار لتعزيز قدرات الدفاع الجوي المصري، في رسالة دعم واضحة لقدرات القاهرة الدفاعية وطمأنة لها قد تستثمر لاحقا في الضغط علي القاهرة لإبداء مرونة في ملفات إقليمية. كما بحث السيسي مع ماكرون جهود التهدئة في غزة ودعم المبادرة الفرنسية السعودية لعقد مؤتمر دولي للسلام، فيما رحب بتوجه بريطانيا نحو الاعتراف بفلسطين خلال اتصاله برئيس وزرائها كير ستارمر.
وفي سياق داخلي؛ تابع السيسي مستجدات إعداد رؤية استراتيجية لتجديد الخطاب الديني بهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة ومواجهة مظاهر التطرف. كما عززت الدولة جهودها في مجال الأمن الغذائي، حيث أكد الرئيس توافر احتياطي استراتيجي مطمئن من السلع الأساسية.
هكذا رسم يوليو 2025 لوحة سياسية مصرية معقدة تتشابك فيها الملفات الداخلية المتوترة مع بيئة إقليمية مضطربة. في الداخل، تتصارع الحكومة مع الأزمات الاقتصادية والبنية التحتية وانتقادات المعارضة، وفي الخارج تسعى القاهرة لإدارة ملفات سد النهضة وغزة ضمن أوراق ضغط ضعيفة وخيارات محدودة.
في إطار محاولات إدارة الدين، اتخذت مصر خطوات استباقية من خلال برامج مبادلة ديون مع ألمانيا وإيطاليا بقيمة تتجاوز 900 مليون دولار، وتوقيع أول اتفاق مماثل مع الصين، فيما وُقعت اتفاقيات إضافية مع برلين بقيمة 340 مليون يورو لدعم مشروعات الطاقة والتنمية. كما قررت الحكومة توجيه 3 مليارات دولار من حصيلة الاستثمار الأجنبي المباشر لخفض الدين العام، في وقت توقع فيه صندوق النقد أن يتجاوز الدين الخارجي المصري 200 مليار دولار بحلول 2030 رغم انخفاض نسبته للناتج المحلي.
في الوقت نفسه، أبدى صندوق النقد الدولي ملاحظات على بطء تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، ما أدى إلى دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج التسهيل الممدد في مراجعة واحدة مؤجلة للخريف، بعد فشل مصر في تحقيق مستهدفات التخارج من بعض الأصول الحكومية بقيمة 3.6 مليار دولار. جاء هذا النقد متزامنا مع تقرير آخر من الصندوق انتقد استمرار سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد، مشيرا إلى امتلاكها 97 شركة صناعية، ومعتبرا أن ذلك يعيق نمو القطاع الخاص وخلق فرص العمل.
تزامن ذلك مع قرارات نقدية أبرزها تثبيت أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة ورفع حدود السحب اليومية، بينما شهدت البورصة المصرية تقلبات حادة بين جلسات رابحة وأخرى خاسرة بفعل التوترات الاقتصادية والسياسية.
وخلال يوليو 2025؛ شهد القطاع الصناعي نموا بقيادة قادتها الشركات التركية والصينية، حيث دشنت شركة KCG التركية مشروعًا بقيمة 24 مليون دولار بالعاشر من رمضان، تبعها إعلان إنشاء ثلاثة مصانع تركية كبرى بإجمالي استثمارات 140 مليون دولار، إضافة إلى مشروع لصناعة أقمشة الجينز في القنطرة غرب باستثمار 20 مليون دولار، ومجمع صناعي تركي جديد في السخنة بـ44 مليون دولار. كما وُضع حجر الأساس لمدينة صناعية متكاملة لشركة بولاريس التركية في السادات على مساحة 1.1 مليون متر مربع.
من جانب آخر، عززت الصين وجودها من خلال سلسلة مشروعات نسيجية واستثمارات في القنطرة غرب والسخنة بلغت عشرات الملايين من الدولارات، إلى جانب توسيع نشاط شركة تيدا لتطوير مساحة إضافية 2.86 كم² داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
في قطاع الطاقة، برزت تطورات استراتيجية بدءًا من توقيع اتفاق تكميلي مع روسيا لإنشاء وتشغيل محطة الضبعة النووية، والانتهاء من تركيب المستوى الثالث لوعاء الاحتواء الداخلي بالمفاعل الثاني، إلى جانب منح مصر ترخيصًا لبناء مستودع للوقود النووي المستهلك. كما شهد قطاع النفط والغاز نشاطًا مكثفًا، حيث بدأت مصر الإنتاج من بئر غاز جديدة في غرب الدلتا بمعدل 40 مليون قدم مكعبة يوميًا، ونجحت شركة عجيبة للبترول في تطوير بئر نفطية بمعدل إنتاج 4100 برميل يوميًا.
في البنية التحتية واللوجستيات، شهدت قناة السويس استمرار آثار الأزمة في البحر الأحمر، حيث أعلن الفريق أسامة ربيع أن حركة الملاحة انخفضت بنسبة 50% بسبب هجمات الحوثيين، ما دفع الهيئة لتعزيز جهود تطوير المجرى الملاحي. في المقابل، تم إطلاق أول ممر تجاري متعدد الوسائط يربط مصر بالعراق عبر السعودية، بما يقلص زمن الشحن للنصف، كما شهدت ميناء السخنة وصول 15 ونشًا ذكيًا لدعم التشغيل الآلي بالميناء، في إطار خطة تطوير الموانئ المصرية وربطها بالمحاور اللوجستية الجديدة التي وجه السيسي بتسريع تنفيذها.
أما على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية، فقد تعززت الشراكة المصرية الصينية عبر اتفاقيات متعددة شملت مبادلة الديون، التنمية الخضراء، التجارة الإلكترونية، وإنشاء مختبرات متخصصة، إضافة إلى توقيع مذكرة تعاون مع شركة لونجي الصينية لإنشاء مشروع للطاقة الشمسية بقدرة 20 ميجاوات. كما أطلقت مصر شراكات صناعية مع اليابان في مجالات الزجاج والسيارات والنقل الذكي، وعززت التعاون مع صربيا بتوقيع اتفاق تجارة حرة. على الصعيد الإقليمي، بحثت مصر مع سيراليون التعاون في مجالات النقل والبنية التحتية، ومع قبرص تطورات مشروع حقل كرونوس لربط إنتاجه بالبنية التحتية المصرية بحلول 2027.
داخليًا، برزت حملة أمنية واسعة اتسمت بتكثيف الملاحقات والقبض على ناشطين وصحفيين على خلفية دعمهم لفلسطين أو انتقادهم للسلطات. فقد جددت نيابة أمن الدولة العليا حبس عدد من المتهمين بدعم المسيرة العالمية لغزة، وواصلت احتجاز الصحفي مجدي غنيم، بينما أحيل ناشطون في قضايا مختلفة إلى المحاكمة، مثل أحمد عبد المنعم أبو الفتوح في قضية جديدة تتعلق بتمويل جماعة الإخوان. ورافق هذه الإجراءات تزايد الشكاوى الحقوقية حول أوضاع الاحتجاز، خاصة في سجن بدر 3، مع تسجيل محاولات انتحار ووفاة سجناء، إضافة إلى تقارير عن ظروف غير إنسانية في جلسات التجديد، وتزايدت الانتقادات الحقوقية خلال الشهر، خاصة مع وفاة معتقل سياسي داخل سيارة الترحيلات وتزايد حالات الإخفاء القسري.
في الجانب الأمني الميداني، شهدت العريش لأول مرة منذ سنوات اشتباكًا مسلحًا داخل المدينة بين مجموعتين مجهولتين، ما أثار المخاوف بشأن استقرار شمال سيناء. كما واجهت قوات الأمن احتجاجات في الدقهلية عقب وفاة محتجز شاب وسط اتهامات بالتعذيب. بالتوازي، تصاعدت حملات إزالة المنازل في منطقة ميناء العريش سيناء، وهو ما واجه مقاومة من الأهالي، وسط وعود حكومية بتعويض المتضررين. وعلى الحدود الجنوبية، عُيّنت قيادات عسكرية جديدة لتعزيز السيطرة على المناطق الجنوبية المتاخمة للسودان في ظل تصاعد التوتر في السودان.
في السياق القضائي، صدرت أحكام بالإعدام في قضايا بارزة، مثل إعدام المتهم باغتيال اللواء نبيل فراج. كما صدرت أحكام مشددة بحق متهمي "خلية الجوكر"، وأفراد "خلية زايد والتجمع"، فيما أحيل صفوان ثابت ونجله ووزير سابق إلى المحاكمة بتهمة تمويل الإخوان. وتواصلت المحاكمات في قضايا فساد واختلاس، شملت موظفة بمجلس الوزراء بتهمة الاستيلاء على 6.5 مليون جنيه، وقضية شركة "بلوم مصر" بتلاعب مالي، ورئيس حزب "أبناء مصر" الذي حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الاستيلاء على أراضي الدولة.
على الصعيد الإقليمي والدولي، واصلت القاهرة جهودها لتعزيز التعاون العسكري. فقد شهد شهر يوليو سلسلة لقاءات لوزير الدفاع عبد المجيد صقر مع نظرائه في إندونيسيا، باكستان، وإيطاليا، إلى جانب مباحثات مع قائد القيادة المركزية الأميركية. كما استقبلت مصر سفنًا حربية تركية ووفودًا بحرية تركية، في دلالة على تنامي التعاون العسكري بين القاهرة وأنقرة. كذلك زار وفد من الناتو مركز الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب في القاهرة.
في ملف الهجرة غير الشرعية، واصلت مصر تنسيقها مع ليبيا، حيث أعيد مئات المهاجرين المصريين بعد ضبطهم، فيما شهدت السواحل الليبية حوادث غرق متكررة لمهاجرين مصريين. وأطلقت مصر بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مشروعًا جديدًا لمكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، يعكس الضغوط الأوروبية المتزايدة على القاهرة في هذا الملف.
في قضايا أخرى، تصاعد الجدل حول حفل فرقة "سكوربيونز" الألمانية الداعمة لإسرائيل، بعد رفع دعاوى قضائية للمطالبة بإلغائه. كما أثيرت ضجة على وسائل التواصل بعد ضبط "بلوجر" ادعت أنها ابنة الرئيس الأسبق حسني مبارك وشهّرت بفنانة مصرية بادعاءات كاذبة.
في يوليو 2025 استمرت حالة الغليان الاجتماعي المتصاعدة في مصر، تجلت في سلسلة من الاحتجاجات العمالية والحقوقية، وموجة من الأزمات الإنسانية التي طالت فئات متعددة. ففي بداية الشهر، اعتصم نحو خمسين صحفيًا مؤقتًا على سلالم نقابتهم، رافعين لافتات تندد بالتهميش الإداري الذي حرمهم التعيين داخل مؤسساتهم الصحفية رغم وعود الهيئة الوطنية للصحافة منذ أغسطس 2024. أكد المحتجون أن استمرار أوضاعهم المؤقتة يعرضهم للفصل دون تعويض، ويحرمهم من مزايا التأمينات الاجتماعية، وسط تجاهل إداري لمطالبهم.
في السياق ذاته، فجرت لجنة الحريات النقابية أزمة أخرى بعد كشفها تعاقد شركة غزل المحلة مع شركة توظيف خاصة لتشغيل العمال بعقود مؤقتة وبرواتب تقل عن الحد الأدنى، ما وصفته اللجنة بأنه تحايل على قانون العمل وتفريغ لحقوق العمال، إذ لم يحصلوا على نسخ عقودهم أو ضمانات مستقبلية.
قررت هيئة التأمين الصحي بالفيوم وقف الخدمات الطبية لنحو ألفي عامل بشركة سيراميكا إينوفا بسبب تراكم مديونية 80 مليون جنيه على الشركة، وهو ما ترك مرضى الأورام والأمراض المزمنة بلا علاج شهري.
وفي الإسكندرية، نظم عمال شركة المياه والصرف الصحي وقفات متزامنة في محطات التنقية للمطالبة بضم علاوات متأخرة منذ 2016، رافعين شعارات تنتقد تدني رواتبهم التي لا تتجاوز 4500 جنيه. أنهوا احتجاجهم مؤقتًا بعد تدخل الأمن الوطني الذي وعد بحل الأزمة خلال عشرة أيام. كما تُوفي عامل وأصيب ثلاثة آخرين في حادث اختناق بمصنع "غزل 1" بالمحلة، وسط تعتيم إداري ومنع الإعلام من الوصول للمصابين.
في شمال سيناء، تفجرت مجددًا أزمة أهالي ميناء العريش بعد عودة السلطات لتنفيذ إزالات لمنازل ضمن توسعة الميناء، رغم اتفاق سابق بتجميد القرارات إلى حين توفير بدائل سكنية مناسبة. اعتبر الأهالي الخطوة تهديدًا بتهجير قسري جديد.
حقوقيًا، أطلقت أسر السجناء السياسيين إضرابًا رمزيًا عن الطعام كل جمعة تضامنًا مع ذويهم المضربين في سجن بدر 3 احتجاجًا على التعذيب والحرمان من الزيارة.
في موازاة ذلك، ناشدت أسر المهاجرين المصريين المفقودين في حادث غرق مركب طبرق وزارة الخارجية للتحرك دبلوماسيًا للكشف عن مصير أبنائهم وإعادة الجثامين، بينما أعلنت منظمة العابرين الليبية العثور على 15 جثة لمصريين على شواطئ طبرق. كما طالبت لجنة اللاجئين الإريتريين المفوضية السامية بتسوية أوضاعهم بعد سنوات من الإقامة المؤقتة، مشيرة إلى أن معظمهم يعيشون بلا وثائق رسمية منذ ثلاث سنوات.
المشهد التعليمي لم يكن أفضل حالًا، إذ فجرت نتائج غير معتمدة بكلية الزراعة بجامعة المنوفية جدلًا واسعًا بعد رسوب أكثر من 290 طالبًا من أصل 368، فيما أعلنت الجامعة فتح تحقيق عاجل. كما أثارت نتيجة الثانوية العامة صدمة بعد رسوب 210 آلاف طالب من أصل 785 ألفًا متقدمًا. وفي الإسكندرية، خضع نقيب أطباء الأسنان للتحقيق بعد تحذيره طلاب الثانوية من دراسة التخصص بسبب أزمة البطالة في المهنة، فيما حذرت نقابة المهندسين طلاب الدبلومات من الالتحاق بمعاهد غير معتمدة لن يتم قيد خريجيها. كما أثار تصدر الطلاب الوافدين قائمة أوائل خريجي كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر جدلا واسعا، إذ حصل تسعة طلاب غير مصريين على المراكز الأولى مقابل طالب مصري واحد.
الحوادث الأمنية والخدمية تكررت بشكل لافت. في الجيزة، شكا السكان من انقطاع الكهرباء والمياه لأكثر من 12 ساعة بسبب عطل في محطة محولات لم يُصلح في الموعد المعلن. وفي القاهرة، أدى حريق في سنترال رمسيس إلى انقطاع الاتصالات والإنترنت، لتقرر هيئة الاتصالات تعويض المتضررين بحزم بيانات مجانية. ومع نهاية الشهر، ضرب عطل مفاجئ شبكة فودافون مصر وأدى لانقطاع الخدمة لساعات، ففرض جهاز الاتصالات تعويضًا إجباريًا للمستخدمين.
مع نهاية الشهر، ارتفعت حدة الغضب الشعبي بعد أن ناشدت عشرات الأسر المصرية السيسي الإفراج عن أبنائها المحتجزين منذ أكتوبر 2023 لدعمهم القضية الفلسطينية، فيما استمرت الاستقالات بين القضاة لتصل إلى نحو 500 حالة بسبب تدني الرواتب، وسط توجه المستقيلين للعمل في مؤسسات قانونية خليجية. هذه التطورات مجتمعة تعكس تصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي تواجهها مصر في مرحلة حساسة داخليًا وخارجيًا.