جولة أردوغان الخليجية.. مصالح استراتيجية على وقع عالمي يعج بالتناقضات
التقارب الاقتصادي التركي الخليجي وإن كان يخدم مصلحة الطرفين إلا أنه من المنتظر ووفق خبراء أن يكون دافعا لإيجاد مجال مشترك وطرح مبادرات لحل الصراعات في المنطقة بما يحفظ المصالح الاستراتيجية لكل من تركيا ودول الخليج.
شكل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى كل من السعودية وقطر والإمارات هذا الأسبوع محطة أخرى في مسار التحول الذي تشهده السياسة الخارجية لتركيا تجاه قوى إقليمية كانت على خصومة معها استمرت لسنوات.
وتعد هذه الجولة الخليجية الأولى من نوعها للرئيس أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحديثه عن ضرورة تعزيز علاقات بلاده مع دول الخليج باعتبارها دولا شقيقه على حد وصف أردوغان.
أدركت أنقرة أنه لا بد من إقامة علاقات جيدة مع دول المنطقة لا سيما الدول الخليجية على أساس نهج يحقق الفائدة للجميع وتطبيق فعلي للشعار الذي ترفعه تركيا "زيادة عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم".
هل نحن أمام سياسة خارجية جديدة لتركيا؟
سعت تركيا لتعزيز حضورها الإقليمي بالمنطقة خلال العشر سنوات الأخيرة اعتماداً على العامل العسكري في سوريا وليبيا والعراق وهو ما تسبب في توتر علاقاتها مع دول رئيسية بالمنطقة وخصوصا السعودية والإمارات ومصر.
ويقول الدكتور سمير صالحة أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول خلال حديثه لبي بي سي إنه وفي ظل "وضعية الانسداد" في التعامل مع هذه الملفات الإقليمية أدركت أنقرة أنه لا بد من إعادة مراجعة لعلاقاتها مع العديد من العواصم الإقليمية.
تحسن ملحوظ في العلاقات التركية السعودية
أعلن وزير التجارة التركي عمر بولاط، أن حجم التبادل التجاري مع السعودية بلغ 3.4 مليارات دولار في النصف الأول من العام الحالي.
وأضاف بولاط أمام منتدى الأعمال التركي السعودي، الذي عقد بمقر مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي "DEIK" بإسطنبول، وقبل أيام قليلة من زيارة الرئيس أردوغان للسعودية، أن حجم التبادل التجاري الذي بلغ 6.5 مليارات دولار في 2022، يستمر بزخم متزايد في 2023.
المنتدى شهد توقيع 16 اتفاقية تعاون بين البلدين في مجالات مختلفة في ترجمة برجماتية لما أعلنه بولاط من أن هدف تركيا يتمثل في رفع التجارة المتبادلة إلى مستوى 10 مليارات دولار على المدى القصير، و30 مليار دولار على المدى الطويل.
ويقول الدكتور خالد محمد باطرفي الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي في جامعة الفيصل خلال حديثه لبي بي سي إنه من الصعب تحديد من هو المستفيد الأكبر في ظل تطور العلاقات بين الرياض وأنقرة ومشددا على أن الاستفادة المتبادلة هائلة لدى الطرفين.
وتأتي زيارة الرئيس أردوغان للسعودية هذه المرة بعد مرور خمسة عشر شهرا على زيارة سابقة قام بها للمملكة وما تلاها من زيارة لولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية محمد بن سلمان لتركيا في يوينو/حزيران من عام 2022.
وتحققت الزيارتان بعد أن طوت كل من أنقرة والرياض خلافا عميقا على خلفية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من أكتوبر /تشرين الأول عام 2018.
وقد اتهم أردوغان ذات مرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشكل غير مباشر بأنه أمر عملاء سعوديين بقتل خاشقجي. ونفى الأمير أي دور له في اغتيال الصحفي السعودي الذي كان ينتقد حكمه.
وألقى الادعاء السعودي باللوم على عملاء "مارقين" وقال إن الأمير لم يكن على علم بالعملية.
وبعد عام من القتل، أدانت محكمة سعودية خمسة أشخاص لم يعلن عن هوياتهم بالمشاركة المباشرة في القتل وأصدرت عليهم أحكاما بالإعدام خُففت لاحقا إلى أحكام بالسجن لمدة 20 عاما، بينما حكم على ثلاثة آخرين، بالسجن لمدة تتراوح بين سبع وعشر سنوات بتهمة التستر على جريمة القتل.
سعي تركيا إلى تعزيز علاقاتها مع دول الخليج إلى جانب مصر إنما هو مؤشر واضح على أن أردوغان يدرك أن الأولوية أضحت للمصالح الاقتصادية وليس للأيدولوجيا.
ويقول الدكتور سمير صالحة من جديد إن الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية لها أهمية تاريخية من حيث مسار الاستثمارات والعلاقات التجارية.
تركيا وقطر شريكان إستراتيجيان
هكذا وصف جودت يلماز، نائب الرئيس التركي المستوى الذي وصلت إليه علاقات بلاده مع دولة قطر وذلك خلال حديث لوكالة الأنباء القطرية على هامش زيارة قام بها للدوحة واستقبله خلالها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد أل ثاني.
عنوان الزيارة التي سبقت أيضا الزيارة المرتقبة للرئيس أردوغان لقطر تمحور حول تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي خلال الفترة المقبلة وظهر ذلك في اصطحاب يلماز وفدا على رأسه وزير المالية محمد شيمشك.
العلاقة القطرية التركية اكتسبت هذا الزخم على مدار عقدين بفضل إرادة سياسية لكل من الرئيس أردوغان والأمير تميم، ظهر ذلك بشكل واضح من خلال دعم متبادل لجهود كلا الدولتين وذلك في موضوعات مختلفة منها ما هو عربي مثل الأزمة السورية وكيفية التعامل مع ملف النازحين السوريين ومنها ما هو إقليمي مثل القضية الأفغانية.
وقد اكتسبت علاقات البلدين المزيد من الرسوخ خاصة بعد موقف قطر الداعم لتركيا والرئيس أردوغان ورفض محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، وما قابله من موقف داعم لقطر في مواجهة أزمة الحصار عام 2017 التي تم تجاوزها.
ويقول الدكتور علي الهيل أستاذ العلوم السياسية والكاتب القطري خلال حديثه لبي بي سي إن ملفات عديدة، منها ما هو سياسي واقتصادي وأمني، ساهمت في الوصول إلى هذا المستوى من العلاقات المتميزة.
آفاق واعدة للشراكة الإماراتية التركية
اكتسبت العلاقات التركية الإماراتية المزيد من الزخم من خلال الزيارات المتبادلة بين الرئيس أردوغان والشيخ محمد بن زايد في العامين الماضيين والاتفاقيات الموقعة بين الجانبين.
وفي ظل إتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين تركيا والإمارات التي وقعت في أبوظبي في 3 مارس/ آذار 2023، وقد وصفها رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد بانها نقلة نوعية في مسيرة علاقات البلدين، يشهد التعاون الاقتصادي طفرة متنامية.
فوفق تصريح للسفير التركي في أبو ظبي خلال يونيو/حزيران الماضي فقد بلغ حجم التجارة غير النفطية بين تركيا والإمارات حوالي 19 مليار دولار في 2022، في ظل مساعي البلدين لزيادة المبلغ إلى 40 مليار دولار في غضون 5 سنوات.
ويقول الدكتور عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية من الإمارات في حديث لبي بي سي إن انتقال الشراكة من المجال الاقتصادي إلى مجالات استراتيجة أرحب كان وراءه حدث تفاهم شخصي بين رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
التقارب الاقتصادي التركي الخليجي وإن كان يخدم مصلحة الطرفين إلا أنه من المنتظر ووفق خبراء أن يكون دافعا لإيجاد مجال مشترك وطرح مبادرات لحل الصراعات في المنطقة بما يحفظ المصالح الاستراتيجية لكل من تركيا ودول الخليج.