تعديلات قانون الإجراءات الجنائية: تسوية شكلية تعكس توازنات داخل النظام
وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد، بعد موافقة مجلس النواب على تعديل المواد محل اعتراض الرئاسة. وقال بيان رئاسي إن التعديلات الأخيرة تلافت أسباب الاعتراض وزادت من الضمانات المقررة لحماية الحقوق والحريات العامة. ويتضمن القانون، المقرر تطبيقه في أكتوبر 2026، جملة من الأحكام أبرزها:...
الخبر
وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد، بعد موافقة مجلس النواب على تعديل المواد محل اعتراض الرئاسة. وقال بيان رئاسي إن التعديلات الأخيرة تلافت أسباب الاعتراض وزادت من الضمانات المقررة لحماية الحقوق والحريات العامة. ويتضمن القانون، المقرر تطبيقه في أكتوبر 2026، جملة من الأحكام أبرزها: تنظيم دخول المساكن على سبيل الاستثناء وفق ضوابط محددة (كالاستغاثة أو الخطر الناجم عن الحريق أو الغرق أو ما شابه ذلك)، وتوسيع بدائل الحبس الاحتياطي من ثلاثة إلى سبعة لتقليص اللجوء إليه (مثل إلزام المتهم بعدم مغادرة نطاق جغرافي محدد إلا بإذن من النيابة، أو الامتناع عن مقابلة أشخاص معينين، أو استخدام الوسائل التقنية في تتبع المتهم حال توافر ظروف العمل بها)، وتشديد الرقابة القضائية على أوامر الإيداع مع منح المتهم حق الطعن عليها، وإلزام النيابة العامة بمراجعة أوضاع المحبوسين احتياطيًا كل ثلاثة أشهر، وتأكيد استمرار العمل بالإعلانات الورقية إلى جانب الإلكترونية لضمان سير الإجراءات، مع توسيع ضمانات حضور المتهم أو محاميه في جلسات الاستئناف.
الإشارة
- رغم أن التعديلات أدخلت تحسينات يمكن للحكومة أن تستند إليها في الدفاع عن القانون، فإن مجلس النواب أعاد تمريره دون معالجة جوهر الاعتراضات القانونية والحقوقية الواسعة، بما في ذلك اعتراضات نقابتي المحامين والصحفيين، التي رأت أن بعض مواده تخالف الدستور ذاته، وتتجاهل جذور أزمة الحبس الاحتياطي وتدوير المتهمين، فضلاً عن إهدار بعض ضمانات الدفاع أثناء التحقيق، وهو ما تم تجاوزه بفضل الأغلبية البرلمانية الموالية للحكومة. وحتى هذه التحسينات تظل محاطة بثغرات تتيح مجالاً واسعًا للمراوغة في التطبيق العملي، في ظل غياب رقابة برلمانية فعالة واستمرار هيمنة الأجهزة الأمنية على مسار التحقيق والتقاضي.
- مع ذلك، فإن رفض الرئاسة للنسخة السابقة من القانون وطلبها إدخال تعديلات إضافية يشير إلى مؤشرين مهمين:
- الأول: وجود تباينات داخل الأجهزة الأمنية والسيادية بشأن جدوى المعالجات الأمنية المتشددة، وما إذا كان الوقت قد حان لإدخال بعض التحسينات الشكلية بما يتماشى مع الصورة التي تسعى الدولة لتسويقها عن "الإصلاح الحقوقي" محليًا وخارجيًا.
- الثاني: أن نتيجة هذا التدافع أظهرت أن التيار المتمسك بالنهج الأمني المتشدد – وعلى رأسه جهاز الأمن الوطني ووزارة الداخلية – لا يزال يمتلك التأثير الأكبر على متخذ القرار النهائي، خاصة في ظل ميل الرئيس نفسه إلى هذا النهج.
- وعلى الرغم من صدور القانون بصيغته النهائية، فإن تأجيل تطبيقه حتى أكتوبر 2026 يعني أن الجدل السياسي والحقوقي سيبقى مفتوحًا، إذ تظل إمكانية إدخال تعديلات إضافية قائمة من الناحية النظرية خلال هذه المهلة. وقد تستخدم الحكومة أو الأجهزة الأمنية هذا التأجيل كورقة مساومة في علاقاتها مع المعارضة الداخلية أو مع الشركاء الأوروبيين، غير أن من غير المرجح أن تتخلى السلطات عن الجوهر الأمني الصارم الذي يعكسه منطق القانون، والمتسق مع النهج الذي ظهر جليًا في إدارة الانتخابات البرلمانية الجارية.