المونيتور: ما وراء التحول في سياسية أردوغان الخارجية في الخليج؟
يرحب الدبلوماسيون المخضرمون ومحللو السياسة الخارجية بالتحول الأخير في تعاملات أنقرة الدولية، بينما يظلون متشككين بشأن استدامتها، وذلك حسبما يخلص تقرير نشره موقع المونيتور الأمريكي.
اهتم موقع المونيتور الأمريكي في تقرير أعدَّه سميح إديز بالتحول الأخير في السياسة الخارجية التركية تجاه دول الخليج وما وراء هذا التحول الكبير في سياسة الرئيس التركي رجيب طيب أردوغان.
ويستهل الكاتب تقريره بالإشارة إلى أن تواصل الرئيس التركي مع القادة العرب الذين كان على خلاف معهم، ومحاولات إصلاح العلاقات مع العواصم الغربية التي انتقدها بشدة في الماضي، يمثل تحولًا كبيرًا في السياسة الخارجية التركية بعد الانتخابات العامة في مايو.
ترحيب حذر
وعلى الرغم من عدم ارتياح جميع أنصار الرئيس أو شركاءه الإسلاميين لهذا التحول، إلا أن مراقبين خارجيين عدة يرحبون بالسياسة الجديدة، بينما يظلون متشككين بشأن استدامتها، بحسب التقرير.
كان الدبلوماسيون المخضرمون ومحللو السياسة الخارجية ينصحون أنقرة بـ «تطبيع» علاقاتها الدولية منذ فترة؛ ذلك أن محاولة «أسلمة» السياسة الخارجية لتركيا جاءت بتكلفة باهظة، على حد قولهم.
توجه مستدام أم تخفيف للضغوط
ويلفت الموقع إلى أن قرار أردوغان غير المتوقع بدعم عضوية السويد في الناتو أخيرًا وجولته في دول الخليج هذا الأسبوع هي نتاج ملموس للتغيير الذي طرحه.
لكن، وحسب ما يتساءل الكاتب، هل هناك منطق سليم وراء هذه التحركات يقوم على رؤية متماسكة للسياسة الخارجية لتركيا ؟ أم أن أردوغان يلعب بالوقت لأنه يتعرض لضغوط شديدة في الداخل ؟
حصل أردوغان على تفويض قوي لإدارة البلاد على مدى السنوات الخمس المقبلة في الانتخابات الرئاسية في 28 مايو. ومع ذلك، فإنه يواجه مشاكل مستعصية على ما يبدو في الداخل، خاصة على الجبهة الاقتصادية. زادت الزلازل المدمرة في فبراير الأمور سوءًا. ويتساءل الكثيرون كيف يأمل في التغلب على هذه المشاكل دون تغييرات كبيرة في السياسة.
إنقاذ الاقتصاد
ويوضح الكاتب أن أردوغان يحاول الآن إنقاذ الاقتصاد - الذي دخل في حالة سقوط حر إلى حد كبير بسبب سياساته - بأموال من الخارج. وهذا هو المنطق وراء زياراته للسعودية وقطر والإمارات هذا الأسبوع، وفقًا للبروفيسور إيلتر توران من جامعة اسطنبول بيلجي
وقال توران لـ «المونيتور»: «يأمل أردوغان أن يؤدي تحسن العلاقات مع هذه الدول إلى استئناف تدفقات رأس المال والمساعدة في تخفيف حاجة تركيا إلى العملة الصعبة».
لكنه حذر من أن «الاستثمار الخليجي» يعني عادة شراء الشركات القائمة التي توفر عوائد عالية بدلًا من بناء مصانع جديدة. وقال «المدخلات التي لا تزيد عن التحويلات النقدية مقابل شراء الشركات الحالية قد لا تؤدي إلى اقتصاد أكثر إنتاجية».
ومع ذلك، يبدو أن جهود أردوغان في إصلاح العلاقات مع السعودية والإمارات تؤتي ثمارها.
عقد من العداء
ونزَّه الكاتب إلى أنه وخلال وبعد الربيع العربي لعام 2011، كان حلم أردوغان هو جعل تركيا الدولة الإقليمية الرائدة مستفيدًا من سيطرة أحزاب الإسلام السياسي على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لكن الأنظمة العربية القائمة حافظت على النظام الإقليمي، مما أدى إلى عقد من العلاقات الفاترة. وخلال هذه الفترة، أصبح عبد الفتاح السيسي والسوري بشار الأسد الأعداء الرئيسين لأردوغان.
في غضون ذلك، اتهمت الأوساط الحكومية التركية الإمارات بتمويل محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان في عام 2016. كذلك توترت العلاقات بين أنقرة والرياض بعد مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال أحمد خاشقجي في تركيا.
أموال الخليج
وفقًا لتوران، فقد أصبح هذا كله من الماضي الآن. وقال «انتهى دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين وتركيا بحاجة إلى أموال تأمل في تأمينها من الخليج».
استقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أردوغان بحرارة في الرياض هذا الأسبوع. ووافقت السعودية، من بين أمور أخرى، على شراء طائرات مسيرة تركية فيما يوصف بأنه «أكبر عقد دفاعي في تاريخ تركيا».
وفي أبو ظبي، المحطة الأخيرة من جولة أردوغان الخليجية، وقع الجانبان المتنافران سابقًا صفقات بقيمة 50 مليار دولار، تتراوح من صناعة الدفاع إلى مشاريع إعادة الإعمار في المناطق التي دمرتها الزلازل في فبراير.
ونقل الموقع عن السفير المتقاعد ميثات ريندي قوله إن هذه الدول سعيدة أيضًا بعلاقتها بتركيا ذات الأغلبية السنية والقوية عسكريًا، بإمكاناتها التجارية الهائلة وأصولها المربحة. وقال ريندي إن «دول الخليج تعيد تنظيم نفسها أيضًا بعد أن أجبرتها الكارثة في اليمن على التحول من القوة الصارمة إلى الدبلوماسية الاقتصادية».
العلاقات مع القاهرة ودمشق والغرب
وأضاف الكاتب أن أنقرة في طريقها لتحسين العلاقات مع القاهرة، بعد تطبيع العلاقات الدبلوماسية بالكامل مؤخرًا، ويقال إن العمل جار لزيارة دولة يقوم بها السيسي إلى تركيا.
قد يجتمع أردوغان والأسد قريبًا، على الرغم من أن هذا سيستغرق ذلك وقتًا بسبب الخلافات حول إعادة اللاجئين ووجود الجيش التركي في شمال سوريا.
من ناحية أخرى، تبدو الجهود التركية لتطبيع العلاقات بشكل كامل مع الولايات المتحدة وأوروبا أكثر صعوبة. على الجانب الإيجابي، يبدو أن احتمالات حصول أنقرة على الطائرات المقاتلة من طراز أف 16 التي تشتد الحاجة إليها من الولايات المتحدة قد تحسنت بعد قرار السماح بعضوية السويد في الناتو. كما حصلت تركيا على بعض الوعود من الناتو والسويد فيما يتعلق بالتعاون ضد الإرهاب.
لكن كل هذا لم يحدث بعد.
يجب أن يؤيد البرلمان التركي عضوية السويد في الناتو قبل أن تصبح رسمية، والنواب الأتراك غير متأكدين مما إذا كان الكونجرس الأمريكي سيصادق على بيع طائرات أف 16 لتركيا.
إشكالية الانضمام للاتحاد الأوروبي
وأشار الكاتب أن أردوغان دعا قبل قمة الناتو أوروبا بشكل غير متوقع إلى فتح مسار تركيا في الاتحاد الأوروبي. ولم يستخدم أردوغان عضوية السويد في الناتو كورقة مساومة للانضمام للاتحاد الأوروبي، ولكن مع ذلك، نجح أردوغان في إحياء الجدل المحتضر بشأن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
من الواضح أن أردوغان بحاجة إلى علاقات أفضل مع الغرب من أجل جذب رأس المال الذي تشتد الحاجة إليه. وتظل أوروبا أكبر شريك تجاري لتركيا. وفي ضوء سجله الحافل السابق، يشكك الكثيرون في صدق تواصله مع الاتحاد الأوروبي.
لا يتوقع السفير المتقاعد سليم كونيرالب أن يدخل أردوغان الإصلاحات اللازمة لتطبيع العلاقات بالكامل مع الاتحاد الأوروبي. وقال كونيرالب: «يعلم أردوغان أن رفع المعايير المتعلقة بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان وما إلى ذلك إلى مستويات الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يقوض حكمه السياسي».
يجادل المحللون الاقتصاديون أيضًا بأن الوضع الحالي لسيادة القانون في تركيا سيستمر في تثبيط المستثمرين الغربيين. لكن الغرب بحاجة إلى تعاون تركيا بشأن قضايا مثل أوكرانيا والهجرة، وبالتالي من المتوقع أن تظل علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا متعلقة بالمعاملات بين الطرفين.