غزة تحت العاصفة… تصعيد إسرائيلي وخطاب عربي يطبّع مع العدوان
ملخص الحلقة:
استهلّ معتز مطر الحلقة بتسليط الضوء على المأساة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، حيث يعيش السكان أوضاعًا بالغة القسوة في ظل البرد الشديد والأمطار والدمار الواسع وانهيار البنية التحتية، مع استمرار الحصار وإغلاق معبر رفح. وأكد أن الحرب لم تتوقف فعليًا، مع تواصل سقوط الشهداء وانتشال الجثامين من تحت الأنقاض، مستشهدًا بوفاة رضيع بسبب البرد بوصفها صورة مكثفة لحجم الكارثة، مقابل صمت إقليمي ودولي وصفه بالإجرامي. وفي المقابل، أشار إلى تصاعد الأزمات داخل الكيان الإسرائيلي، من أزمات نتنياهو السياسية إلى احتجاجات المستوطنين في الشمال، ما يعكس حالة تآكل داخلي متزايدة.
وفي سياق متصل، تناول مطر التصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان والأراضي السورية، منتقدًا بشدة طريقة تعاطي الإعلام المصري الرسمي مع هذه التطورات، التي اتسمت – بحسبه – بلغة الشماتة والتطبيع مع العدوان. ورأى أن الخطاب السائد يروّج لشعارات القوة بينما يغيب أي فعل حقيقي في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، ويعيد إنتاج منطق الخذلان العربي القديم القائم على البيانات والقمم المؤجلة. واختتم بالتأكيد أن ما يجري اليوم ليس سوى حلقة جديدة في دائرة عجز متكررة، تواصل فيها إسرائيل فرض وقائعها دون رادع.
مضامين الفقرة الأولى: غزة أولًا… مأساة إنسانية مستمرة وانكشاف أزمات الكيان
استهلّ معتز مطر الحلقة بالحديث عمّا يجري في غزة، حيث لا يزال أهل الرباط يواجهون معاناة إنسانية قاسية في ظل أمطار غزيرة ورياح شديدة، ودمار واسع طال المنازل، وانعدام شبه كامل لشبكات الصرف الصحي والمياه. الغالبية العظمى من السكان تعيش في خيام لا تقي بردًا ولا تحفظ كرامة، ورغم المناشدات المتكررة من غزة ومن الشرفاء والوسطاء للسماح بإدخال كرفانات تحفظ الحد الأدنى من الآدمية، لم يستجب أحد حتى لحظة البث. وأكد مطر أن الوضع في غزة أصعب بكثير مما يمكن وصفه، فالحرب لم تنتهِ فعليًا، إذ تشير بيانات وزارة الصحة إلى أن عدد الشهداء تجاوز سبعة آلاف منذ السابع من أكتوبر 2023، مع استمرار سقوط شهداء حتى خلال الهدنة، وانتشال جثامين من تحت الأنقاض، وعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إلى كثير من الضحايا. كما توقّف عند وفاة الطفل الرضيع محمد خليل أبو الخير، الذي لم يتجاوز عمره أسبوعين، نتيجة انخفاض حاد في درجة حرارة جسده بسبب البرد الشديد، في مشهد يلخص حجم الكارثة. وفي ظل استمرار إغلاق معبر رفح، والحصار الشامل، وعدم التزام الاحتلال ببنود الاتفاق، تسود حالة صمت إقليمي ودولي وصفها مطر بالإجرامية.
وفي المقابل، أشار إلى تصاعد أزمات الكيان الداخلية، ومحاولات بنيامين نتنياهو المستمرة للهروب من المحاكمة، وصولًا إلى تصرفات أثارت سخرية الإعلام العبري نفسه. كما انتقل إلى مشهد آخر يكشف عمق الأزمة، وهو ما تشهده مستوطنة كريات شمونه في الشمال، حيث خرج المستوطنون للاحتجاج وقطع الطرق بعد فشل عودة الحياة إلى طبيعتها، إذ لم يعد سوى نصف السكان، وتوقفت أغلب الخدمات، وأغلقت نسبة كبيرة من المتاجر، في اعتراف واضح بأن مستوطنات الشمال تعيش انهيارًا حقيقيًا، وأن هذه البلاد، كما وصفها مطر، "لن تعود أبدًا كما كانت".
واكمل مطر حديثه قائلاُ ان التصعيدات الاسرائيلية التي لم تقتصر على جنوب لبنان فقط، بل امتدّ إلى الأراضي السورية، حيث توغلت قوة إسرائيلية في قرية بريقة بريف القنيطرة جنوب غربي سوريا، بالتزامن مع قصف استهدف محيط قرية جملة غرب درعا. هذه التطورات، التي وقعت جميعها في يوم واحد، تعكس نمطًا متكررًا من الخروقات الإسرائيلية، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن أمر بالغ الخطورة، يتمثل في طريقة تعاطي الإعلام المصري الرسمي ولجانه مع هذه الأخبار.
مضامين الفقرة الثانية: خطاب الشماتة والتطبيع مع العدوان… قراءة في طرح معتز مطر
لفت معتز مطر إلى أن الخطاب الإعلامي السائد في مصر تجاه ما يجري في سوريا ولبنان اتسم بلغة الشماتة والتشفّي والغلّ، واصفًا إياها بالمنحطة أخلاقيًا، لما تحمله من إساءة للشعب السوري واستفزاز لكل صاحب ضمير حي في الأمة. وأشار إلى أن توغّل القوات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية بات يُقدَّم كخبر “اعتيادي” يُمرَّر بلا اكتراث، في تعبير خطير عن تطبيع نفسي مع العدوان، حيث لم تعد انتهاكات السيادة العربية تُقابل بالصدمة أو الغضب، بل بالتجاهل أو السخرية، وكأن الحرب تحوّلت إلى حدث يومي بلا وزن.
وانتقد مطر ازدواجية الخطاب الرسمي والإعلامي المصري، الذي يروّج لصورة "الدولة القوية" و"الجيش العظيم"، في مقابل غياب إرادة حقيقية لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، سواء داخل سيناء أو خارجها. وأكد أن تحرّك الطائرات الإسرائيلية، بما فيها المسيّرات، بات مشهدًا مألوفًا دون ردّ يُذكر، رغم كثافة الشعارات. ورأى أن هذا الخطاب لا يكتفي بتجاهل العدوان، بل يتهكم على الضحية ويزايد عليها بالمطالبة بالرد، بينما يعلم مسبقًا أن النظام المصري لن يقدّم لها دعمًا فعليًا إذا اندلعت الحرب، متسائلًا: إذا أعلنت سوريا الحرب اليوم، هل ستقف مصر معها؟ ليخلص إلى أن تجربة غزة ولبنان تؤكد استبعاد ذلك، خاصة مع تكرار مطلب “تسليم السلاح” بوصفه المدخل المصري الدائم لما يُسمّى الاستقرار.
واستحضر مطر نموذج الخذلان العربي المتكرر، مستشهدًا بتسريب المكالمة بين خالد مشعل والرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح خلال حرب غزة، حيث انكشف التناقض بين الخطاب العلني والموقف الفعلي المنحاز لرواية الاحتلال، والمحمِّل للمقاومة مسؤولية العدوان. واعتبر أن هذا النهج يتكرر منذ عقود، مستذكرًا تصريحات حسني مبارك عام 2006 التي سخرت من دعوات المواجهة، وكرّست منطق الانتظار لقِمم عربية "مرتقبة" لا تُفضي إلى شيء.
واختتم بتشبيه حال الأمة بأسطورة سيزيف: تغيّر في الوجوه وثبات في المسار، دائرة لا تنتهي من البيانات والعجز، بينما يواصل الاحتلال فرض وقائعه دون رادع.