حلب بين الحرب والسياسة.. نزوح مئات المدنيين وتصعيد عسكري قبيل لقاء نتنياهو وترامب والضغط على الاتفاقيات السورية
ملخص الحلقة:
شهدت مدينة حلب تصعيداً عسكرياً واسعاً بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجيش السوري، ما أدى إلى مقتل مدنيين وإصابة آخرين، إضافة إلى نزوح مئات العائلات من الأحياء المستهدفة، خاصة الشيخ مقصود والأشرفية والجميلية. ما اعتبره خبراء هجوماً غير محسوب النتائج، يهدد الاستقرار ويزيد احتمال انجرار سوريا إلى صراع داخلي موسع. فيما دعت وزارة الداخلية السكان للتعاون مع الأجهزة الأمنية لتفويت الفرصة على أي مخططات لزعزعة الأمن.
وأكد خبراء سياسيون أن التصعيد لا يمكن فصله عن ملفات إقليمية ودولية، حيث يسبق زيارة نتنياهو لترامب لمناقشة "المرحلة الثانية من الهدنة"، ويأتي في سياق فشل اتفاق 10 مارس الخاص باندماج قسد ضمن مؤسسات الدولة. مع احتمالات تدخل تركي وشيك لمنع موجة نزوح جديدة من حلب، بينما تظل الإدارة الأمريكية في موقف مرتبك أمام التعقيدات السياسية الإسرائيلية.
مضامين الفقرة الأولى: اشتباكات عنيفة في حلب بين قسد والجيش السوري وسط نزوح المدنيين
استهلت الإعلامية آية لطفي الحلقة بمتابعة التطورات في سوريا، مشيرة إلى مقتل مدني وإصابة آخرين جراء قصف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على حي سكني قرب جسر الرازي في حلب، بينما أعلنت وكالة "سانا" أن القصف طال عدة أحياء بشكل عشوائي باستخدام قذائف الهاون وراجمات الصواريخ. وأكدت قوات قسد إصابة خمسة مدنيين بينهم طفل في حيي الشيخ مقصود والأشرفية. ومن دمشق، قال خليل هملو، مراسل "القاهرة الإخبارية"، إن الاتهامات المتبادلة بين الجيش السوري وقوات قسد مستمرة، إلا أن شهادات مدنيين أفادت بأن الاشتباكات بدأت من قبل قوات قسد المتمركزة في حيي الشيخ مقصود والأشرفية. وأضاف أن عناصر قسد انسحبوا من الحواجز المشتركة، التي تم الاتفاق عليها في العاشر من أكتوبر الماضي وتضم قوات من الأمن العام ووزارة الدفاع وقسد، والممتدة من دوار شيحان حتى دوار الليرمون مرورًا بمنطقة العوارض، قبل أن يفتحوا النار على عناصر الأمن العام ووزارة الدفاع، ويستهدفوا سيارة تابعة للدفاع المدني.
وتوسعت الاشتباكات حيث أطلقت قوات قسد الرشاشات المتوسطة باتجاه أحياء الهلك والسريان وبستان الباشا، ما أسفر عن تضرر عدد كبير من المنازل المدنية، قبل أن يتصاعد القصف باستخدام القذائف الصاروخية والهاون وصولًا إلى المدفعية الثقيلة، وسقط أكثر من 20 قذيفة صاروخية على أحياء السريان، بستان الباشا، الهلك، والعزيزية، إضافة إلى قذائف طالت حي الشيخ طه ومحيط دوار المحكمة العسكرية، مع استهداف مستشفى الرازي بشكل مباشر، وهو ما وصفه هملو بأنه قصف غير عشوائي، خاصة مع وجود مئات المدنيين داخل المستشفى ومحيطه. ووفق مصادر طبية، أسفر القصف عن مقتل شخصين، سيدة ورجل، وإصابة 8 مدنيين بينهم حالتان حرجة، إضافة إلى إصابة عنصرين من الأمن العام وعنصرين من الدفاع المدني، فيما لم تصدر أرقام رسمية بعد حول خسائر الاشتباكات الجارية. كما تسبب الوضع في نزوح مئات وربما آلاف العائلات من الأحياء الأكثر استهدافًا، وسط سماع أصوات اشتباكات عنيفة وتحليق طائرات مسيرة، فيما وصلت تعزيزات عسكرية من الجيش السوري شملت مدرعات ودبابات ومدفعية، في مؤشر على احتمال بدء عملية عسكرية خلال الساعات المقبلة. وأشار هملو إلى أن الأحياء التي تسيطر عليها قوات قسد منذ عام 2012 تتمتع بموقع جغرافي مرتفع ومحصن، يطل على مساحات واسعة من مدينة حلب، ما قد يجعل أي عملية عسكرية مكلفة، إلا أن الحشود العسكرية الحالية تعكس نفاد صبر الجيش السوري، في ظل مؤشرات على تصعيد إقليمي، خاصة بعد تصريحات تركية أكدت جاهزية الجيش التركي في انتظار أوامر القيادة.
مضامين الفقرة الثانية: فشل مبادرات الاندماج يدفع "قسد" للتصعيد الميداني في حلب وسط تحذيرات من تدخل تركي وشيك
استهلّ حسام طالب الكتب، المراسل السياسي، تحليله للتطورات في حلب، مؤكدًا أن الاشتباكات بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) ليست الأولى، لكنها الأوسع منذ اتفاق نقاط الحواجز المشتركة قبل نحو شهرين في حيي الأشرفية والشيخ مقصود. وأوضح أن المؤشرات الميدانية توحي ببدء عملية عسكرية وشيكة للجيش السوري، وما يعزز فرضية ذلك هو النداء الرسمي الصادر عن محافظ حلب الذي طالب الأهالي بالبقاء في منازلهم، وهو إجراء بروتوكولي يذكر بسيناريوهات العمليات الكبرى، مما يضع حيي الأشرفية والشيخ مقصود أمام ساعات حاسمة لكونهما يمثلان جيباً معزولاً وضعيفاً عسكرياً مقارنة بمناطق شرق الفرات.
وعلى الصعيد السياسي، أشار المراسل إلى أن التصعيد جاء تزامناً مع انتهاء مهلة تنفيذ اتفاق العاشر من آذار الخاص باندماج قسد في مؤسسات الدولة، وفشل المباحثات الأخيرة التي جرت في دمشق بحضور وفد تركي رفيع المستوى. وأوضح أن الحكومة السورية قدمت مبادرة حل وسط تضمنت دمج ثلاث فرق من قسد ككتل عسكرية داخل الجيش مع الحفاظ على قادتها، إلا أن قسد رفضت دخول أي قوات نظامية إلى مناطق نفوذها، واتجهت للتصعيد الخطابي، خاصة بعد تصريحات قائدها مظلوم عبدي حول وحدة الأقاليم الكردية بحلول عام 2026.
وأضاف المراسل أن القصف طال حي السريان المسيحي خلال أعياد الميلاد، ما يعكس محاولة قسد تصعيد الوضع داخليًا وإقليميًا، في ظل رفضها دمج فرقها ضمن الجيش وفق شروط دمشق، وهو ما رفع احتمالات تدخل تركي محتمل، مع تعزيز تركيا لنقاطها العسكرية على الحدود وتجهيزها بالطائرات المسيرة والقوات المسلحة. وختم بالتأكيد على أن استمرار التفاوض السياسي مع تقديم تنازلات متبادلة يبقى الحل الأفضل لتجنب معارك جديدة ونزوح إضافي للسكان، مؤكدًا أن ما قامت به قسد اليوم يعد تصعيدًا غير مفيد يعرقل تنفيذ الاتفاق ويهدد الاستقرار في شمال شرق سوريا.
مضامين الفقرة الثالثة: تصعيد عسكري في حلب قبل لقاء نتنياهو.. خبراء يحذرون من فتنة داخلية وتداعيات إقليمية
خلال الحلقة قال اللواء أسامة كبير، خبير عسكري واستراتيجي ومستشار كلية القادة والأركان المصرية، في مداخلة عبر الإنترنت، إن الهجوم الموسع الذي نفذته قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في حلب يعد "عملاً عسكرياً أرعناً وغير محسوب النتائج والعواقب". وأوضح أن الهجوم لم يقتصر على مقار الأمن التابعة لوزارة الدفاع السورية، بل شمل السكان المحليين والمباني في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية والجميلية، ما أسفر عن نزوح مئات العائلات. وأضاف أن توقيت الهجوم يثير التساؤلات، لكونه جاء قرب انتهاء فترة الاتفاقية بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، ومرتبط بملفات إقليمية ودولية حساسة، قبيل زيارة نتنياهو المرتقبة إلى دونالد ترامب لمناقشة "المرحلة الثانية من الهدنة". وأشار إلى أن إسرائيل تسعى لعرقلة الدور التركي، في حين تسعى أنقرة لتجنب التصعيد العسكري، غير أن تصريحاتها الأخيرة تؤكد نفاد صبرها.
وتناول اللواء البعد الاستراتيجي لتصعيد قسد، مشيرًا إلى تصريحات قائدها مظلوم عبدي حول وحدة الأكراد في العراق وسوريا وجنوب تركيا بحلول عام 2026، واعتبر أن التصعيد مرتبط بمصالح خارجية، خصوصاً إسرائيل، التي تهدف إلى تقويض الاتفاقيات وتقسيم الجغرافيا السورية، رغم سيطرة قسد على نحو 40% من مساحة البلاد. وحذر من أن التصعيد قد يؤدي إلى انجرار سوريا إلى حرب داخلية جديدة، وربما يدفع تركيا للتدخل ويزيد ارتباك ترامب في ظل حكومة يمين إسرائيلية. وأوضح أن التدخل الدولي لن يحدث قبل تركيا، وأن التعقيدات السياسية في إسرائيل تحول دون تطبيق أي خطة بسهولة، مشيرًا إلى أن الملفات الإقليمية مرتبطة ببعضها بشكل كبير، بما في ذلك الوضع في لبنان وغزة، حيث تواجه الحكومة اللبنانية ضغوطاً متزايدة بشأن نزع سلاح حزب الله جنوب نهر الليطاني، مع تمسك إسرائيل بنقاطها ومناطق العزلة جنوب الخط الأزرق. وختم اللواء بالتأكيد على أهمية "الصبر الاستراتيجي" وإدارة الموقف بحنكة لتفويت الفرصة على المخططات الرامية لزعزعة استقرار البلاد، محذراً من أن أي تصعيد إضافي سيؤدي إلى نتائج غير محسوبة.
وأوضح الباحث السياسي السوري، أستاذ عبد الرحمن ربوع، أن موقف الحكومة السورية يبدو ملتزماً بضبط النفس رغم التصعيد العسكري، مشيرًا إلى وجود أصوات متباينة داخل الحكومة وقسد بين من يدعم تنفيذ اتفاق 10 مارس ومن يسعى لتعطيله، مستفيدًا من حالة الفوضى لإطالة أمد الصراع وتحقيق مصالح أمراء الحرب. وأضاف أن أي رد عسكري كبير من الحكومة السورية قد يؤدي إلى تصعيد واسع، بينما الرد المحدود قد يمنح فرصة للوساطة الأمريكية أو التدخل الإقليمي التركي والكردي لاحتواء الوضع. وأشار إلى أن الهجمات الأخيرة في حلب قد تكون مرتبطة مباشرة باللقاءات السياسية بين الرئيس الشرع ووزير الخارجية السوري والوفد التركي، حيث استشعر مقاتلو أحياء الشيخ مقصود والأشرفية مؤشرات عمليات قادمة، ما دفعهم للتحرك وإظهار قوتهم، مع الإشارة إلى أن حجم الخسائر المحتملة قد يشمل أجزاء واسعة من المدينة المكتظة بالسكان والتي تضم ملايين المدنيين الذين عاد جزء منهم مؤخرًا.