دويتشه فيله: بعد 10 سنوات: لماذا لم يُحاكم بعد المسؤولون عن مذبحة رابعة؟

خلاصة

إنها واحدة من أسوأ المذابح بحق المتظاهرين في التاريخ الحديث، وهي أيضًا واحدة من أكثر المذابح توثيقًا. فلماذا إذن لا يستخدم أحد الأدلة الوفيرة المتاحة لتقديم قوات الأمن المصرية إلى العدالة؟، حسب ما يتساءل تقرير لـ دويتشه فيله.

نشر موقع دويتشه فيله الألماني تقريرًا أعدَّته كاثرين شاير تتساءل فيه عن أسباب عدم محاسبة المسؤولين عن مذبحة رابعة ومحاكمتهم رغم أنها الأسوأ في التاريخ الحديق والأكثر توثيقًا. 

تشير الكاتبة في مستهل تقريرها إلى أن هناك الكثير من الأدلة على ما حدث في ذلك اليوم في رابعة بالقاهرة: روايات شهود عيان وصور ومقاطع فيديو وحتى فيلم وثائقي بعنوان «ذكريات مذبحة» صدر هذا الشهر.

لكن على الرغم من كل الأدلة، يقول أولئك الذين حضروا المذبحة إنه لم تكن هناك عدالة حقيقية للتكفير عن المذبحة التي وقعت في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة قبل عقد من الزمن.

في 14 أغسطس 2013، اتخذت أجهزة الأمن المصرية مواقعها حول الميدان حيث كان ما يقدر بنحو 85000 شخص يحتجون على الوضع السياسي في البلاد.

كان المتظاهرون هناك لأنه في وقت سابق من يوليو، أطاح الجيش المصري بالرئيس المنتخب، محمد مرسي، وهو أيضًا عضو بارز في الحركة الإسلامية السياسية، الإخوان المسلمون. وردًا على الإطاحة بمرسي، بدأ أنصاره في التجمع في أجزاء مختلفة من البلاد.

وبحسب تقارير من منظمات حقوقية، بدأت قوات الأمن في إطلاق النار على المحتجين فور مطالبة الحشد في رابعة بالتفرق. وعلى الرغم من اختلاف التقديرات، يُعتقد أن ما بين 600 وأكثر من 1000 شخص قتلوا في ذلك اليوم.

جريمة ضد الإنسانية  

وتلفت الكاتبة إلى أن منظمة هيومن رايتس ووتش، وبعد مقابلة أكثر من 200 شاهد وتجميع تقرير من 188 صفحة، قالت إن الإجراء يرقى على الأرجح إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية. ووصفتها منظمات حقوقية أخرى بأنها واحدة من أسوأ عمليات القتل الجماعي للمتظاهرين في التاريخ الحديث. ويقولون إنها أيضًا واحدة من أكثر الفظائع الموثقة بصريًا في التاريخ الحديث.

لذلك، وحسب ما تتساءل الكاتبة، لماذا لم يُحاسب أحد؟

وتُنوّه الكاتبة إلى أنه سبق أن وصفت الحكومة المصرية تقارير منظمات حقوق الإنسان عن المذبحة بأنها «متحيزة». ولم ترد على أسئلة دويتشه فيله حول ما إذا كانت هناك حاجة لمزيد من التحقيق.

نظمت مصر تحقيقاتها الخاصة في المذبحة. وكان أحدهما من جانب لجنة تقصي الحقائق التي شكلت في أواخر عام 2013، والآخر من المجلس الوطني لحقوق الإنسان في البلاد. والقى كلا التحقيقين باللوم على المتظاهرين مستشهدين بأن الكثيرين كانوا مسلحين، وهو أمر لا يزال شهود عيان يشككون فيه. واعترف كلاهما بأن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة لكنهما لم يوصيا بمحاسبة أحد.

في عام 2018، أقرَّ البرلمان المصري مشروع قانون يمنح الحصانة القضائية لكبار القادة العسكريين عن الأفعال التي ربما ارتكبوها أثناء أداء واجبهم، منذ تعليق الدستور المصري في يوليو 2013 إلى وقت استئناف البرلمان في عام 2016.

ثم، في عام 2021، وافقت مصر على تعديلات على القوانين التي تحكم المحكمة الدستورية العليا. و تعني هذه التعديلات أنه إذا وجدت أي محكمة دولية ذات يوم أن مصر مذنبة، على سبيل المثال، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأمرت بتعويضات، فسيجري إحالة القرار إلى المحكمة الدستورية. وستقرر هذه المحكمة المحلية بعد ذلك ما إذا كان الحكم صحيحًا أم لا.

وكتبت المحامية مي السعدني في منشور عام 2021 لمؤسسة كارنيجي إندومنت: «التعديلات ترسل رسالة واضحة لمن هم داخل البلاد، إذ أنها تشير إلى أن مرتكبي الانتهاكات قد يواصلون القيام بذلك بينما يتمتعون بالحماية المحلية. وفيما يخص المجتمع الدولي، تتحدى السلطات المصرية النظام الدولي».

السعي لتحقيق العدالة خارج مصر

ونتيجة لذلك، وحسب ما تتابع الكاتبة، انتقل البحث عن العدالة إلى الساحة الدولية على مدى العقد الماضي. ولكن حتى ذلك الحين، لم تُكلل تلك الجهود بالنجاح.

ودعت منظمات حقوق الإنسان لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إلى التحقيق في المذبحة لكنها اختارت حتى الآن عدم القيام بذلك. ولم تنضم مصر بشكل كامل إلى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وهي ذراع قضائي للاتحاد الأفريقي. كما أنها ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية.

في عام 2014، طلب محامون مصريون وحزب الحرية والعدالة، الذي ينتمي إليه الرئيس مرسي، من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في الجرائم المزعومة ضد الإنسانية في رابعة. لكن المحكمة الجنائية الدولية رفضت قائلة إن طالبي التحقيق ليسوا ممثلين شرعيين للحكومة المصرية.

عندما زار قائد عسكري مصري كبير، محمود حجازي، معرضًا لتجارة الأسلحة في المملكة المتحدة في عام 2015، طلب محامون يمثلون حزب الحرية والعدالة من الشرطة البريطانية اعتقاله بسبب مزاعم التعذيب ولأنه «جزء لا يتجزأ من خطط فض الاعتصام في رابعة». لكن الشرطة رفضت الطلب لأن حجازي يتمتع بحصانة دبلوماسية خاصة.

«لذا فإن الخيارات الحقيقية الوحيدة المتبقية هي من قبيل التحقيقات التي تجريها مختلف هيئات الأمم المتحدة، أو الولاية القضائية العالمية»، قال روبرت سكيلبيك، مدير منظمة «ريدرس»، وهي منظمة حقوق قانونية مقرها لندن تدعم ضحايا التعذيب الذين يحاولون الحصول على العدالة.

هل يمكن أن تساعد «الولاية القضائية العالمية»؟

توضح الكاتبة أن المبدأ القانوني للولاية القضائية العالمية، في أنقى صوره، يسمح للسلطات في أي بلد بمقاضاة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم حرب في أي بلد آخر، بغض النظر عما إذا كانت لهم صلة بالدولة التي تقوم بالمحاكمة أم لا.

ومع ذلك، غالبًا ما يجري تخفيف وطأة هذا المبدأ القانوني من الناحية العملية لاعتبارات مختلفة. وتشمل هذه الاعتبارات ما إذا كان هناك شهود في بلد الادعاء، وما إذا كانت هناك أي فرصة للقبض على المجرمين المزعومين، وربما الأهم من ذلك، ما إذا كان المدعون المحليون يريدون تولي القضية. وغالبًا ما تكون هناك جوانب سياسية مرتبطة بذلك.

وقال سكيلبيك لدويتشه فيله: «الحقيقة هي أن الولاية القضائية العالمية في هذه القضية ستكون صعبة للغاية لأنه لا توجد إمكانية حقيقية لتسليم كبار الشخصيات من مصر». وأضاف أن «الكثير من الدول ليست مستعدة لإجراء محاكمات غيابية»، في إشارة إلى محاكمات أجريت بدون حضور المتهم في المحكمة.

حتى في ألمانيا، التي وصفت مؤخرًا بأنها رائدة عالميًا في استخدامها للولاية القضائية العالمية، من غير المرجح رفع قضية ضد المسؤولين المصريين.

وأوضح أندرياس شولر، مدير برنامج الجرائم الدولية والمساءلة في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ومقره برلين، أنه أولًا وقبل كل شيء، سيتعين إثبات ارتكاب جريمة ضد الإنسانية، وفقًا للتعريفات القانونية. وكانت المركز الأوروبي محركًا رئيسًا وراء محاكمة ألمانيا مؤخرًا لمجرمي الحرب السوريين باستخدام الولاية القضائية العالمية.

وقال شولر لدويتشه فيله: «على حد علمي، لا توجد محاكم أو مؤسسات أخرى توصلت إلى هذا الاستنتاج (ثبوت ارتكاب جريمة ضد الإنسانية). لذلك ستحتاج وضع هذا الأساس في البداية، الأمر الذي يتطلب جهدًا كبيرًا».

وقد مضت القضية ضد مجرمي الحرب في سوريا قُدما بسبب التقاء مجموعة من العوامل، بما في ذلك الشهود والأدلة والجناة في ألمانيا، وكذلك الإرادة السياسية.

قال شولر: «لكن الحالة المصرية ليست مثل نظيرتها السورية». واضاف: «لم تكن هناك علاقات دبلوماسية مع الحكومة السورية. ومصر لديها الكثير من الدعم السياسي على الصعيد الدولي. كما أنها ليست من الدول الموقعة على معاهدات الأمم المتحدة ذات الصلة أو نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. لذلك لا أحد على استعداد حقًا لتولي هذه القضايا، الأمر الذي يتطلب أيضًا تحقيقًا مستهدفًا للغاية ومجموعة معينة من العوامل لمقاضاتها».

وأضاف سكيلبيك من منظمة ريدريس: «نرى هذا طوال الوقت في العمل في مجال حقوق الإنسان، حيث لن تتخذ بعض الدول الغربية موقفًا حازمًا ضد الدول الأخرى بسبب الوضع السياسي».

ويعتقد شولر أيضًا أن الاهتمام الدولي قد تحول إلى دول مثل أوكرانيا أو السودان أو إيران.

وتشير الكاتبة إلى أن عمرو مجدي، باحث أول في هيومن رايتس ووتش، لديه آراء مماثلة. وقال لدويتشه فيله» لقد ساهم المناخ السياسي في المنطقة في غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر. في ذلك الوقت، كانت المنطقة بأكملها تعج بالمشاكل، بما في ذلك الحرب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا».

وقال مجدي إن الحكومة المصرية تمكنت من اللعب على وتر القضايا التي تهم بقية العالم، «بحيث يجري التغاضي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان مقابل رعاية مصر للمصالح الأوروبية، مثل مكافحة الهجرة غير النظامية والتعاون الأمني و العلاقات الاقتصادية».

تغييرات في المواقف تجاه مصر

ومع ذلك، قد يكون هناك بعض الأمل الضئيل في إمكانية تحقيق العدالة يومًا ما في قضية رابعة، وفقًا للكاتبة.

اتخذت الكثير من القرارات القانونية بشأن القضية في أعقاب الانقلاب العسكري عام 2013 مباشرة. وفي ذلك الوقت، بدا المجتمع الدولي غير متأكد من كيفية تطور سلوك الحكومة المصرية - كان للانقلاب العسكري أيضًا مؤيدين عدة وواجهت حكومة مرسي احتجاجات شعبية ضدها.

لكن على مدى العقد الماضي، تغير ذلك، وغالبًا ما تتعرض الحكومة الحالية، بقيادة عبد الفتاح السيسي، لانتقادات بسبب سلطويتها وسجلها السيئ على نحو متزايد في مجال حقوق الإنسان.

وقال سكيلبيك: «هذه النقطة جيدة»، موضحًا أن «لقد حدث التقاضي بسرعة كبيرة بعد الاحداث مباشرة. وعندما تكون الأحداث ساخنة، لا يرغب الناس في التصرف على الفور. وعلى أية حال، غالبًا ما يستغرق جمع الأدلة وقتًا طويلًا».

وأشار إلى أمثلة تاريخية طويلة الأمد، مثل المحاكم الدولية التي تنظر في الجرائم في رواندا وكمبوديا ويوغوسلافيا السابقة، وكذلك الحرب العالمية الثانية، مشيرًا إلى أن «العدالة الدولية عادة ما تستغرق وقتًا طويلًا للغاية».

وقال «حتى المحاكمة العادية بتهمة القتل ستستغرق على الأرجح عامين حتى تكتمل. لذلك ليس من المستغرب أن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا. لكن النهج طويل الأمد هو بالتأكيد الطريقة الوحيدة للقيام بذلك».

الموضوع التالي ميدل إيست أي: الولايات المتحدة 'أخفقت في ردع الانتهاكات الحقوقية في مصر' بعد 10 سنوات منذ مذبحة رابعة
الموضوع السابقمتحور كورونا والمصريين بالخارج وتجربة مواجهة فيروس سي، ورفض تدخل إيكواس ضد انقلاب النيجر وتركيز دوري على حقوق الإنسان وقمة العلمين الثلاثية.