إف دي أي انتليجانس: سد النهضة الإثيوبي الكبير يثير الجدل
في ضوء قدرته الهائلة على توليد الكهرباء، قد يكون سد النهضة حاسمًا في توفير الطاقة لإثيوبيا وعبر إفريقيا. ومع ذلك، فإن اعتمادها على مورد تشاركه دول أخرى يجعل التعاون أمرًا حيويًا لضمان ألا يؤدي توفير الكهرباء في إثيوبيا إلى ندرة المياه في أماكن أخرى، حسب ما يخلص تقرير نشره موقع...
في ضوء قدرته الهائلة على توليد الكهرباء، قد يكون سد النهضة حاسمًا في توفير الطاقة لإثيوبيا وعبر إفريقيا. ومع ذلك، فإن اعتمادها على مورد تشاركه دول أخرى يجعل التعاون أمرًا حيويًا لضمان ألا يؤدي توفير الكهرباء في إثيوبيا إلى ندرة المياه في أماكن أخرى، حسب ما يخلص تقرير نشره موقع أف دي أي انتليجانس.
- من المقرر أن يصبح سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق أكبر محطة طاقة في إفريقيا وواحدًا من أكبر 20 سدًا في العالم.
- من المتوقع أن يعزز السد أمن الطاقة في إثيوبيا وكذلك في المنطقة.
- لكن السد يقلق دولتي المصب - السودان ومصر - حيث يسمح سد النهضة لإثيوبيا بالسيطرة على جزء كبير من المياه العذبة للنيل الأزرق المتدفقة إلى البلدين.
نشر موقع أف دي أي انتليجانس (قسم متخصص تصدره فاينانشيال تايمز يقدم رؤى وتحليلات رائدة) تقريرًا يسلط الضوء على الجدل الذي أثاره بناء إثيوبيا لسد النهضة والمخاوف المصرية والسودانية بشأن أمنهما المائي جراء بناء هذا السد.
يلفت التقرير إلى أن أقل من نصف (45٪) سكان إثيوبيا البالغ عددهم 120 مليون نسمة يحصلون على الكهرباء، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية. وفي الأشهر الأخيرة، يواجه حتى أولئك الذين لديهم إمكانية الوصول للكهرباء نقصًا حادًا في الطاقة.
ولمعالجة هذا الانعدام المتفشي للأمن في مجال الطاقة، بدأت الحكومة الإثيوبية في بناء سد النهضة على طول نهر النيل الأزرق في عام 2011. بقدرة مركبة تبلغ 5.15 جيجاوات، سيكون سد النهضة أكبر محطة طاقة في إفريقيا وواحد من أكبر 20 سدًا في العالم.
يقع السد في في منطقة بني شنقول-جوموز في إثيوبيا، على بعد 40 كيلومترًا فقط من الحدود السودانية، وقد اكتمل الآن السد بنسبة 90٪ ويعملحاليًا؛ إذ أنتج الكهرباء لأول مرة في أوائل عام 2022. ويقدر إجمالي تكلفة المشروع عند الانتهاء بحوالي 5 مليارات دولار، أو 3.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي لإثيوبيا في عام 2022.
ومن المتوقع أن يعزز السد أمن الطاقة في البلاد وكذلك في المنطقة. ووقعت مؤسسة الطاقة الكهربائية الإثيوبية مذكرة تفاهم لبيع الكهرباء من سد النهضة بسعر مدعوم لجنوب السودان المجاور. وتقوم الشركة بتقييم اتفاقيات مماثلة مع دول أفريقية أخرى مثل كينيا وتنزانيا.
مخاوف دولتي المصب
يشير التقرير إلى أن هذا المسعى الضخم يأتي مع تحذير كبير بالقدر نفسه؛ ذلك أن خزان السد الذي يحتجز نحو 74 مليار متر مكعب أثار فزع دولتي المصب: السودان ومصر.
يسمح سد النهضة لإثيوبيا من الناحية النظرية بالسيطرة على الكثير من المياه العذبة للنيل الأزرق المتدفقة إلى مصر والسودان. وقدرت مبادرة حوض النيل، وهي شراكة حكومية دولية تضم 10 دول في حوض النيل، أن المتوسط التاريخي للمياه العذبة للنيل الأزرق يبلغ 50 مليار متر مكعب سنويًا. وبعبارة أخرى، يمكن أن يحتوي السد على 1.5 ضعف كل المياه التي تتدفق على طول النهر في عام.
«منذ المراحل الأولى من جهود بناء السد في إثيوبيا، أعربت مصر والسودان عن معارضتهما للمشروع، خاصة إذا استمر دون تنسيق معهما. وكلا البلدين ينظران إلى قرار إثيوبيا الأحادي الجانب ببناء السد على أنه استفزازي»، كما يقول علي متولي، الخبير الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومحلل المخاطر في شركة استشارات المخاطر أنفوسبكتروم.
التداعيات على دولتي المصب
وينقل التقرير عن عصام حجي، عالم المياه المصري في وكالة ناسا، الذي يبحث حاليًا في التأثير البيئي للسد على النيل الأزرق، قوله: «عندما يتعلق الأمر بالسد، عادة ما تكون هناك فائدة لدولة المنبع وتأثيرات على دولة المصب».
عند المنبع، تتسبب السدود في فيضان النهر، مما يخلق خزانًا يمكن استخدامه لتوليد الطاقة الكهرومائية. ومع ذلك، فإن هذا يغير التدفق الطبيعي للنهر في اتجاه مجرى النهر لأنه يمكن أن يعيق الرواسب ويعطل تدفق المياه.
يلتقي النيل الأزرق بالنيل الأبيض في الخرطوم عاصمة السودان ليُشكّل النيل حتى المصب. وتقدر مدرسة ييل للبيئة أن النيل الأزرق يشكل 59٪ من المياه التي ينتهي بها الأمر بالتدفق عبر مصر. وفي السودان، يساهم سدان للنيل الأزرق - سد روزيرس وسد سنار - في 40٪ على الأقل من الطاقة الكهرومائية في البلاد.
وينوّه التقرير إلى أن أي شيء يهدد بتقليل تدفقات نهر النيل ورافديه الرئيسين يصبح حتمًا مسألة مثيرة للجدل.
ويقول بن هانتر، المحلل الأفريقي في شركة استخبارات المخاطر فيرسيك مابليكروفت: «من المتوقع أن تصل إمدادات المياه في مصر إلى مستوى الندرة المطلقة بحلول عام 2025، كما أن سد النهضة عامل مساهم. وبالنظر إلى أن تغير المناخ يتسبب في موجات الحر والجفاف المتكرر، فإن أي انخفاض في إمدادات المياه في مصر سيكون محسوسًا على نحو أكثر حدة من أي وقت مضى».
التعقيدات القانونية
ويوضح التقرير أنه وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية غير الصالحة للملاحة، لا يجوز للدول استخدام الموارد المائية بطريقة تسبب «ضررًا ملحوظًا» للبلدان الأخرى. ولسوء الحظ، لم يوقع أي من مصر والسودان وإثيوبيا على الاتفاقية، كما يشير صموئيل بيتشفورد، المحامي والصحفي الذي يركز على النزاعات المائية.
وبدلًا من ذلك، يحكم النيل اتفاقيتان استعماريتان واتفاقان ما بعد الاستعمار. الأولى هي المعاهدة البريطانية الإثيوبية لعام 1902، والتي جرى توقيعها بينما كانت مصر محمية بريطانية. وتنص المادة الثالثة من هذه المعاهدة على أن «إثيوبيا لن تبني أو تسمح ببناء أي عمل عبر النيل الأزرق، والذي من شأنه أن يوقف تدفق المياه إلى النيل إلا بالاتفاق مع المملكة المتحدة وحكومة السودان».
ومع ذلك، لم تعد إثيوبيا تلتزم بهذه المعاهدة، على أساس أن الدولة الموقعة الأخرى - المملكة المتحدة - قد غادرت القارة. ومصر، التي كانت تحت الحماية البريطانية في وقت التوقيع، ليس لها سلطة في تطبيق هذه الاتفاقية. ومع ذلك، جادل السودان، وهو من الناحية الفنية خليفة للدولة البريطانية، بأن المعاهدة لا تزال ملزمة لإثيوبيا.
وُقعت معاهدتان أخريان بين مصر والسودان في عامي 1929 و 1959 على التوالي، مما أدى إلى تقسيم مياه النيل بين البلدين مع 66٪ من المياه المخصصة لمصر و 22٪ للسودان. ويقول هانتر: «لقد أعاقت القاهرة والخرطوم محاولات تحديث تلك المعاهدات بمشاركة من جميع دول حوض النيل لسنوات».
ويضيف بيتشفورد: «لقد رفضت إثيوبيا بطبيعة الحال كلتا المعاهدتين باعتبارها غير ملزمة لها، لكونها لم تكن طرفًا في أي من المعاهدتين».
في الآونة الأخيرة، في عام 1993، وقعت إثيوبيا ومصر على الاتفاقية المصرية الإثيوبية، التي تُوفر إطارًا للتعاون بين الدولتين، ينص على أن كليهما «يمتنعان عن الانخراط في أي نشاط يتعلق بمياه النيل قد يتسبب في ضرر ملموس مصالح الطرف الآخر».
البحث والتعاون
بعد سنوات من التوتر، وقعت الدول الثلاث على إعلان المبادئ في مارس 2015، مما يحدد المبادئ الأساسية التي يجب أن تحكم بناء سد النهضة. ومع ذلك، فقد تعرضت هذه الاتفاقية غير الملزمة لانتقادات لأنها فشلت في تضمين الاعتبارات الرئيسة، مثل سعة تخزين سد النهضة، والتي زادتها إثيوبيا في عام ، بحسب التقرير.
ويشير بيتشفورد إلى أن هذه الإجراءات قد واجهت عائقًا لأن «مصر تريد من إثيوبيا الالتزام بتفريغ حد أدنى من المياه أثناء فترات الجفاف. ولن توافق إثيوبيا على ذلك لأنه سيحد من سيادتها. وقد ترغب في الاحتفاظ بالمياه لنفسها إذا كان هناك جفاف».
ومع ذلك، في قمة السودان في يوليو، تصافح الرئيسان المصري والإثيوبي، واتفقا على استئناف المفاوضات وإيجاد حل دبلوماسي لقضية سد النهضة، والتي ستكون مفيدة لجميع دول حوض النيل الأزرق.
يجادل الدكتور عصام حجي بأنه في حين أن التعاون مهم، فإن الحل الحقيقي يكمن في قبول العلم والبحث في تأثير بناء السدود. ويقول: «هناك حاجة لمزيد من البحث حول كيفية تأثير سد النهضة على دول المصب. وإذا عرفنا ما هو التأثير، فيمكن اتخاذ تدابير وقائية».
تعمل مصر على تكثيف الإجراءات لاستخدام مياهها استخدامًا أكثر فاعلية تحسبا لندرة المياه. «نفذت مصر خطة وطنية للموارد المائية، مع إطلاق المرحلة الثانية في عام 2017. وتهدف الخطة إلى زيادة كفاءة استخدام المياه من خلال تدابير مختلفة، بما في ذلك الحد من هدر مياه الري»، كما يقول متولي. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل الدولة على بناء المزيد من محطات تحلية المياه بوتيرة سريعة لزيادة أمنها من المياه العذبة.
وفي ضوء قدرته الهائلة على توليد الكهرباء، قد يكون سد النهضة حاسمًا في توفير الطاقة لإثيوبيا وعبر إفريقيا. ومع ذلك، فإن اعتمادها على مورد تشاركه دول أخرى يجعل التعاون والتفاهم أمرًا حيويًا لضمان ألا يؤدي توفير الكهرباء في إثيوبيا إلى ندرة المياه في أماكن أخرى، وفق ما يختم التقرير.