مودرن دبلوماسي: هل تنقشع سحابة الشتاء العربي ؟

خلاصة

تُبدد الاحتجاجات في سوريا والبحرين وليبيا وإيران وإسرائيل الآمال الاستبدادية والسلطوية في شتاء عربي طويل الأمد، وكذلك تثير الأوضاع السياسية والاجتماعية في دول أخرى مثل مصر المخاوف من اندلاع الاحتجاجات مرة أخرى، وفق ما يخلص مقال نشرته مجلة مودرن دبلوماسي.

نشرت مجلة مودرن دبلوماسي مقالًا للكاتب جيمس دورسي يتناول دلالات الاحتجاجات الأخيرة التي خرجت في عدد من دول الشرق الأوسط احتجاجًا على الاستبداد والسلطوية في تلك الدول، وكذلك المخاوف من تجدد الاحتجاجات في دول أخرى مثل مصر. 

يلفت الكاتب في مستهل مقاله إلى أن الاحتجاجات التي شهدتها سوريا والبحرين وليبيا وإيران وإسرائيل تُبدد آمال الحكام المستبدين والسلطويين في إطالة الشتاء العربي.

وردًا على تلك الاحتجاجات، يتدافع المستبدون العرب لسحق ما يخشون أن يتطور إلى موجة ثالثة من الاحتجاجات في أكثر من عقد بقليل. واستخدم المستبدون أدوات تتراوح من كبح الاحتجاجات في الشوارع إلى القمع المتزايد، والانخراط في حوار روتيني، وتقديم تنازلات، وتقديم مساعدات اقتصادية لنزع فتيل الانفجارات المستقبلية المحتملة.

بوادر زوال الشتاء الشرق أوسطي

وأشار الكاتب إلى أنه وفي أوائل العقد الماضي، اعتمدت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر على عنف قوات الأمن والتدخلات العسكرية ودعم التيارات المحافظة والميليشيات المتمردة للتراجع عن إنجازات الثورات الشعبية عام 2011 التي أطاحت بالقادة المستبدين في تونس ومصر وليبيا واليمن.

وأدى مزيج من المناورات السياسية الاستبدادية وجائحة كوفيد 19 إلى تشويه الانتفاضات في عامي 2019 و 2020 في الجزائر والعراق ولبنان والسودان، وغالبًا ما كان لها عواقب وخيمة.

جادل المحللون والصحفيون والأكاديميون بأن إجراءات الثورة المضادة قد استبدلت الشتاء العربي طويل الأمد بالربيع العربي عام 2011. وتشير الاحتجاجات الأخيرة إلى أن ثلوج الشتاء ربما تكون على وشك الذوبان.

هذا الشهر، تستعد إيران للذكرى السنوية الأولى لوفاة مهسا أميني في 16 سبتمبر. وتوفيت أميني في ظروف مريبة في حجز الشرطة الدينية الإيرانية، التي احتجزتها بزعم عدم التزامها بمعايير الحجاب.  

أثارت وفاة أميني شهورًا من الاحتجاجات في الشوارع قتلت خلالها قوات الأمن 530 شخصًا واعتقلت أكثر من 22000. ومنذ ذلك الحين، حوَّل التحدي الشعبي الشركات والأحداث الثقافية والمحاكم والاحتفالات الدينية إلى أماكن احتجاج وعصيان مدني.

دائرة الاحتجاجات تتسع

وأضاف الكاتب أن ما يقرب من أسبوعين من الاحتجاجات الحاشدة المناهضة للحكومة السورية تتواصل في محافظة السويداء التي يسكنها الدروز، والتي لطالما كانت معقلًا مواليًا للحكومة، وتطالب بسقوط الرئيس بشار الأسد. ويتردد صدى تلك الاحتجاجات في منطقة درعا السنية المجاورة، ومعقل الأسد العلوي في اللاذقية.

وفي البحرين، فشلت السلطات حتى الآن في إنهاء الإضراب عن الطعام المستمر منذ أكثر من ثلاثة أسابيع والذي شارك فيه 800 سجين، أو ما لا يقل عن 20 في المائة من نزلاء السجون في الدولة الخليجية، من خلال الاستجابة لبعض المطالب لتحسين ظروف السجن. 

وكذلك انتشرت قوات الأمن الليبية هذا الأسبوع في شوارع العاصمة طرابلس لمنع تجدد الاحتجاجات ضد اجتماع منذ إقالة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين.

وزادت الاحتجاجات الضغط على حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة المعترف بها دوليا في ليبيا للتنحي وإفساح المجال أمام إدارة جديدة.

ومثل إيران، هزت إسرائيل تسعة أشهر من الاحتجاجات حتى لو ركزت المظاهرات الإسرائيلية المؤيدة للديمقراطية على معارضة الإصلاحات القضائية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دون أي إشارة إلى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

واشتبك متظاهرون عرب وتركمان يعارضون الوجود السياسي الكردي في مدينة كركوك المتعددة الأعراق والمتنازع عليها مع الأكراد في نهاية هذا الأسبوع، مما يشير إلى أن العراق قد ينضم مرة أخرى إلى قائمة دول الشرق الأوسط التي تشهد اضطرابات اجتماعية. وفرضت السلطات في البداية حظر التجول في كركوك بعد مقتل أربعة أشخاص في الاحتجاجات.

مخاوف من موجة احتجاجات متجددة في مصر

ويضيف الكاتب أن أنصار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بما في ذلك دولة الإمارات، يشعر بالقلق من أن مصر قد تشهد بعد ذلك موجة متجددة من الاحتجاجات.

وقال الصحفي المصري الكندي كريم زيدان بعد أيام من وصوله إلى القاهرة في زيارة الشهر الماضي: «هناك شعور بأن الناس غير مرتاحين لأي شيء الآن. هناك أزمة ديون وارتفاع في الأسعار والتضخم. وباتت حياة الناس وأحوالهم تنتقل تنتقل من سيء إلى أسوأ. لقد اختفى استعدادهم للبقاء هادئين. ومن المرجح أن تسمع السخط علنا في الشوارع».

في مقال بعنوان «السيسي يحكم شعبه بالخوف – ومسكون به»، لفت الخبير في الشأن المصري ستيفن أ. كوك إلى أن «هناك تباين كبير ومتزايد وملحوظ بين ما تعد به الحكومة المصريين وما يعانيه الناس في حياتهم اليومية».

كان الخوف من تجدد الاحتجاجات في مصر، التي يُتوقع أن تصبح أكبر مستورد للقمح في العالم للسنة المالية 2023-2024، أحد الأسباب على الأرجح التي جعلت مكتب تصدير أبو ظبي  وشركة الظاهرة الإماراتية توافق الشهر الماضي على تزويد مصر للسنوات الخمس المقبلة بما قيمته 100 مليون دولار أمريكي سنويًا من القمح المستورد «بأسعار تنافسية».

وقد يفسر الخوف من الاحتجاجات، حتى في دول مثل المملكة العربية السعودية ذات المخاطر المنخفضة من السخط المتسرب إلى الشوارع، الإجراءات القمعية غير المتناسبة مثل الحكم الأخير الصادر في المملكة بإعدام محمد الغامدي، وهو مدرس يبلغ من العمر 54 عامًا وشقيق عالم إسلامي معارض، لنشاطه على منصة أكس (X)، تويتر سابقًا.

في كتاب نُشر للتو، أشار المؤلف روبرت دي كابلان إلى أن فلاديمير لينين، مؤسس الاتحاد السوفيتي، فهم «أنه من الضروري قتل الأبرياء وسجنهم. وإلا كيف يمكن للديكتاتور أن يغرس الخوف التام في نفوس شعبه؟ إن معاقبة المذنبين فقط ستوفر راحة البال للأبرياء، الذين يشكلون معظم السكان. وهذا، بالطبع، من شأنه أن يقوض نوع السيطرة التي يعتقد لينين أنها ضرورية».

ويبرز تحليل كابلان في رد إيران على الاحتجاجات والسياسات الإسرائيلية المتعلقة بالضفة الغربية وغزة. وعلاوة على ذلك، لا يبشر بالخير للمتظاهرين السوريين. ومع ذلك، يقدم التحليل تفسيرًا لقمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان القاسي دون داع لأي علامة على المعارضة.

ومع ذلك، فإن ما توحي به الاحتجاجات في دول مثل إيران وسوريا والقنابل الموقوته مثل مصر، كما فعلت المظاهرات المناهضة للحكومة عام 1989 التي أشعلت شرارة زوال الإمبراطورية اللينينية، هو أن القمع في أحسن الأحوال يكسب به المستبدون والسلطويون الوقت فقط.

في النهاية، لا يزيل القمع خطر تصاعد الاستياء من السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تمتد إلى الشوارع.

الموضوع التالي بلومبرج: الرئيس المصري يُحذر من الزيادة السكانية في مصر ويقول إنها تهدد بـ «كارثة»
الموضوع السابقافتتاح مؤتمر السكان ورئيس الوزراء يبحث تمويل المناخ، ومخاوف تحيط بقناة السويس وصادرات الغاز، وتطور العلاقات السعودية الإيرانية.