الشرق الليبي في مواجهة إعصار دانيال
إن العاصفة، التي ضربت اليونان أولا، تحركت من هناك عابرة البحر الأبيض المتوسط لتصل إلى ليبيا، وقد ضربت مدن الساحل الشرقي الليبي بسرعة رياح بلغت 70 كيلومترا في الساعة. ومن أبرز تلك المدن: درنة والبيضاء وتكانس والمرج وأجزاء من بنغازي، وما يحيط بهذه المدن من قرى ومناطق. وما عمق من...
إن العاصفة، التي ضربت اليونان أولا، تحركت من هناك عابرة البحر الأبيض المتوسط لتصل إلى ليبيا، وقد ضربت مدن الساحل الشرقي الليبي بسرعة رياح بلغت 70 كيلومترا في الساعة. ومن أبرز تلك المدن: درنة والبيضاء وتكانس والمرج وأجزاء من بنغازي، وما يحيط بهذه المدن من قرى ومناطق. وما عمق من حجم الكارثة في ليبيا هو انهيار سدي “البلاد” و”سيدي بومنصور” في وادي درنة الكبير، جراء الأمطار الغزيرة، مما ضاعف من حجم الخسائر البشرية والمادية. ووادي درنة يشكل منذ القدم مصدر خطر دائما على سكان المدينة. فالسدان المنهاران كانا الضامن الوحيد لحبس مياه السيول المنحدرة من أعالي جبال درنة. وقد نجت درنة من كوارث مشابهة في أعوام 1941، 1956، 1959 “الأعنف”، 1986 و2011.
أولاً: عدد الضحايا والخسائر
امتدت الخسائر لتشمل البنية التحتية والطرق والتي ستحتاج لإعادة إعمار، ولتشمل أيضا البشر، ما بين قتيل ومصاب ومشرد ومفقود، والذين سيحتاجوا ما بين دفن للضحايا وعلاج للمصابين وإيجاد مأوى للمشردين والبحث عن المفقودين. ويمكن تناول الخسائر الناجمة عن كارثة الإعصار كالتالي:
- رئيس مصلحة الطرق والجسور بحكومة الوحدة الوطنية ” الحسين سويدان”، صرح بأن شبكة الطرق والجسور في مدينة درنة شرقي البلاد انهارت بشكل كامل جراء الإعصار، موضحا أن تكلفة إعادة إعمارها تبلغ حوالي 300 مليون دينار ليبي، أي نحو 67 مليون دولار.
- كل الطرق البرية، التي تربط مدينة درنة بمحيطها والمدن الليبية الأخرى، تضررت من الفيضانات ولم يتبق منفذ لإيصال المساعدات سوى المنفذ البحري والمجال الجوي.
- الدمار الأكبر كان في درنة التي أعلنتها السلطات منطقة منكوبة، حيث مسحت أحياء كاملة ودمرت الطرق وتناثرت جثث القتلى في الشوارع. وزير الطيران المدني بالحكومة الليبية “هشام بالشكيوات” قال ” لا أبالغ عندما أقول إن 25% من المدينة قد اختفى”.
- قال المسؤول في منظمة الصليب الأحمر ” طارق رمضان”، أن حصيلة القتلى ضخمة وقد تصل إلى الآلاف وأن عدد المفقودين وصل إلى 10 آلاف شخص حتى الآن.
- أعلنت وكالة الأنباء الليبية عن ارتفاع عدد ضحايا السيول إلى 5300 قتيل وما زال الآلاف في عداد المفقودين. فيما صرح “إسلام عزوز” عضو الهيئة الليبية للإغاثة بأن عدد الجرحى تجاوز 7000 حتى الآن وحجم الكارثة كبير.
- أعلنت ليبيا العثور على 145 جثة لوافدين مصريين، لقوا حتفهم جراء كارثة العاصفة دانيال التي شهدتها البلاد. وأعلنت إدارة أمن سواحل طبرق، وصول 145 جثمانًا مصريًّا إلى مشرحة طبرق لتغسيلهم وتكفينهم لإرسالهم إلى مصر.
- قالت الوزارة الفلسطينية في بيان، إن عدد الضحايا الفلسطينين الذي لقوا مصرعهم في ليبيا حراء العاصفة، ارتفع إلى 9 أشخاص، وفقد 3 آخرين.
ثانياً: تعامل السلطات مع الكارثة
وتشمل السلطات حكومتي الشرق والغرب، ويمكن تناول تعاملهما مع الكارثة كالتالي:
- حكومة حماد
- أصدر رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان في الشرق ” أسامة حماد”، القرار رقم 74 للعام 2023، والذي يعتبر مدينة درنة مدينة منكوبة، بعد تعرضها لسيول وأمطار جارفة أضرت بالمدينة وسكانها. ” حماد” طالب في قراره كافة الجهات المعنية اتخاذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية اللازمة للتعامل مع الوضع في مدينة درنة وحماية السكان ومساعدتهم على تجاوز هذه الأزمة.
- أعلن أسامة حماد تخصيص مبلغ 200 مليون دينار للبلديات والمدن والمناطق المتضررة من السيول والفيضانات التي خلفتها العاصفة المتوسطية.
- حكومة الدبيبة
- نفذت هيئة السلامة الوطنية في العاصمة طرابلس تعليمات صادرة عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة “، تضمنت إرسال أكثر من 250 عنصر إنقاذ بري وبحري وفرق إسعاف وفني اتصالات وصيانة إلى المنطقة الشرقية ومنطقة الجبل الأخضر. كما أكد رئيس شركة الخدمات العامة بطرابلس “محمد إسماعيل” إرسال 53 شاحنة و10 آلات ثقيلة لدعم أعمال الإنقاذ في مدينة درنة تحديداً.
” محمد إسماعيل” قال إنه من ضمن القافلة بعثت الشركة بشاحنات مزودة بكواشف للإنارة الليلية لمواكبة مستجدات حادثة السيول.
- أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الدبيبة استجابتها للفيضانات والسيول الضاربة للمنطقة الشرقية، حيث أكدت تسييرها قافلة معونات ومعدات وفرق إنقاذ.
- أعلن الدبيبة، توجه طائرة طوارئ محملة بمساعدات وطواقم طبية إلى مدينة بنغازي شرقي البلاد، لدعم المناطق المنكوبة جراء الإعصار. وقال الدبيبة: ” طائرة إمدادات طبية خاصة بالطوارئ تحمل 14 طنا من المستلزمات الطبية وأكياس حفظ الجثامين، وعلى متنها 87 عنصرا طبيا وطبيبا مساعدا، اتجهت إلى بنغازي لدعم الخدمات الطبية بالمناطق المنكوبة “. كما أعلن ” الدبيبة” خلال جلسة طارئة عقدها مجلس الوزراء، الحداد 3 أيام، موجها كل ” المسؤولين والوزراء دون استثناء للوقوف على الأوضاع التي تعيشها المنطقة الشرقية “.
- أعلن الدبيبة، صرف 60 مليون دينار (13.4 مليون دولار) لوزارة الحكم المحلي بشكل مستعجل، وتحويلها للبلديات المتضررة من الإعصار شرق البلاد. من جهته، قال وزير الحكم المحلي بحكومة الوحدة ” بدر الدين التومي”، إن الفريق الحكومي للطوارئ والاستجابة السريعة، عقد اجتماعا مع عدد من عمداء البلديات المتضررة، عبر اتصال هاتفي، لتقييم الموقف وتحديد الأولويات. وأضاف ” التومي” في مؤتمر صحفي عقد بطرابلس، ” أن الفريق الحكومي المكلف يعمل على عدة مراحل، من بينها عمليات الإيواء وتقديم الخدمات وتقييم الأضرار وجبر الضرر”. وزاد: “وزارة التعليم قامت بتمديد عطلة الدراسة في المناطق المتضررة إلى غاية يوم الأحد القادم 17 سبتمبر؛ لأن هناك العديد من المدارس تم استغلالها كمراكز إيواء مؤقتة للأسر المتضررة”.
- أعلن الدبيبة بدء إعادة تشغيل شبكة الاتصالات والإنترنت في درنة، بعد انقطاعها جراء فيضانات اجتاحت المدينة تسبب بها إعصار “دانيال” المدمر، وذلك بعد ساعات من دعوته الشركة القابضة للاتصالات بفتح الاتصالات مجاناً للمواطنين بالمناطق المتضررة من الفيضانات لتسهيل التواصل.
- وزير المواصلات بحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا: توجيه جهاز المشروعات لفتح الطرق ورفع الركام بالمنطقة الشرقية.
- أعلن “الدبيبة”، تخصيص مبلغ مليارَي دينار (446.4 مليون دولار)، لصالح صندوق إعمار مدينتي بنغازي ودرنة، لإعادة إعمار البلديات المنكوبة في المنطقة الشرقية.
ثالثاً، المساعدات الإقليمية والدولية
قدمت العديد من الدول مساعدات إنسانية لليبيا، والتي اقتصرت على الفواعل والقوى الإقليمية، في حين اقتصر الدعم الدولي على تقديم التضامن والوعود:
- أرسلت تركيا حتى الآن 3 طائرات مساعدات إنسانية، على متنها فرق بحث وإنقاذ ومستلزمات أساسية، إلى ليبيا المتضررة من الإعصار. وأوضحت وزارة الدفاع التركية أن تركيا هي الدولة الأولى التي استجابت لنداء الإغاثة الذي أطلقته ليبيا.
- وجّه أمير دولة قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” بإرسال مساعدات عاجلة إلى المناطق المتأثرة بالفيضانات والسيول.
- أرسلت مصر فد عسكرى برئاسة الفريق ” أسامة عسكر” رئيس أركان حرب القوات المسلحة؛ لتنسيق سبل تقديم كافة أوجه الدعم اللوجيستى والإغاثة الإنسانية العاجلة، بالتعاون مع الأجهزة والمؤسسات الليبية المختصة، وفقاً لإحتياجاتها لمواجهة التداعيات المترتبة على الإعصار، مع فتح جسر جوى لنقل الدعم اللوجستى، بدأ بإيفاد 3 طائرات عسكرية تحمل على متنها مواد طبية وغذائية و25 طاقم إنقاذ مزود بكافة المعدات الفنية اللازمة، إضافة إلى طائرة أخرى لتنفيذ أعمال الإخلاء الطبى للشهداء والمصابين.
- أعلنت الإمارات عن إرسال مساعدات إغاثية عاجلة وفرق بحث وإنقاذ إلى ليبيا، للمساعدة في مواجهة آثار الفيضانات.
- قررت الجزائر إرسال مساعدات إنسانية هامة وعاجلة إلى ليبيا، وكشفت الرئاسة الجزائرية، عن أن هذه المساعدات تتمثل في مواد غذائية وطبية وألبسة وخيم، يتم شحنها عن طريق جسر جوي مكون من 8 طائرات تابعة للقوات الجوية للجيش الجزائري.
وهكذا تعيش ليبيا الآن واحدة من أخطر الكوارث الطبيعية التي مرت عليها في تاريخها، فهل تكون دافعاً للفرقاء السياسيين في الشرق والغرب لتجاوز خلافاتهم، وتفضيل مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية، ليس فقط لإعادة إعمار ما تهدم خلال هذه الكارثة، بل أيضا لبناء دولة ببنية تحتية قوية تستطيع مجابهة مثل هكذا كوارث، إذا ما تكررت، بخسائر أقل على مستوى الأبنية والبشر.