جيوبوليتيكال مونيتور: لماذا تعطي الصين الأقمار الصناعية لمصر ؟
تتوافق تزويد الصين الأقمار الصناعية لمصر مع طموح الصين الأوسع لتوسيع وجودها ونفوذها في مجال الفضاء والخدمات القائمة على الأقمار الصناعية، مع دعم مبادرة الحزام والطريق وتعزيز مصالحها الاستراتيجية في أفريقيا وبالتالي إعداد بكين لتشكيل المشهد العالمي للاتصالات والاتصال عبر الأقمار الصناعية. ويعكس حضورها المتزايد في صناعة الأقمار الصناعية أيضًا...
نشر مركز جيوبوليتيكال مونيتور، الموقع الصيني المتخصص في التحليلات الجيوسياسية، تقريرًا أعدَّه أروشي سينغ يستعرض ما وراء تقديم الصين الأقمار الصناعية لمصر.
يشير الكاتب في مستهل تقريره إلى أن مصر أصبحت أول دولة أفريقية لديها القدرة على تجميع ودمج واختبار الأقمار الصناعية، بعد تسليم قمرين نموذجيين ممولين من الصين لمشروع القمر الصناعي المصري مصر سات 2. وصرح المسؤول التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية، شريف صدقي، أن الاختبارات التي أجريت على نماذج الأقمار الصناعية افتتحت أكبر مركز تجميع وتكامل واختبار للأقمار الصناعية في إفريقيا وغرب آسيا، وصُمم من خلال منحة من بكين.
ولا يعمل هذا المركز على توطين صناعة الأقمار الصناعية في مصر فحسب، بل يضع البلاد أيضًا باعتبارها مركزًا رائدًا في نقل التكنولوجيا إلى إفريقيا. ومن المقرر تسليم نموذج مصر سات 2 في تاريخ لاحق.
وعلاوة على ذلك، أكدت وزيرة التعاون الدولي المصرية، رانيا المشاط، على أهمية التكنولوجيا المتقدمة في تعزيز قدرات مصر في مجال البحوث الفضائية مثل تطبيقات الاستشعار عن بعد. وفي الوقت نفسه، سلط السفير الصيني لدى مصر، لياو ليكيانغ، الضوء على الإنجاز الهام في التعاون الفضائي بين البلدين، مما زاد من تعزيز تطوير تكنولوجيا الفضاء في أفريقيا.
السياق التاريخي
وأشار الكاتب إلى أن بكين والقاهرة وقعتا في يناير منحة بقيمة 72 مليون دولار أمريكي لبرنامج الفضاء المصري، وهي ثالث منحة من الصين لمشروع قمر صناعي. وفي السنوات اللاحقة، سيتعاون المهندسون المصريون والصينيون في تشغيل القمر المصري بما في ذلك محطة التحكم الأرضية ونظام التطبيق.
أعلنت مصر أنه من المقرر إطلاق القمر الصناعي مصر سات 2 من الصين في أكتوبر المقبل. ومن المتوقع أن يغادر القمر الصناعي القاهرة في 28 يونيو ويخضع لاختبارات نهائية في الصين قبل إطلاقه. وهو مصمم ليكون عمره خمس سنوات من تاريخ إطلاقه.
ولفت الكاتب إلى أن لبقمر الصناعي المصري مصر سات 2 سوف يلعب دورًا مهمًا في دعم رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة. وذكر المسؤولون المصريون أن القمر سيستخدم الموارد الوطنية على نحو فعال من خلال التعرف بدقة على أنواع المحاصيل وتوزيعها بناءً على ظروف الغلاف الجوي والتربة، واستكشاف الموارد المعدنية، وتيسير التخطيط الحضري، ورصد التحولات الساحلية.
ويمثل نقل الأقمار هذا إنجازًا كبيرًا للصين لأن هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها اختبارًا شاملًا على قمر كامل في الخارج على نطاق واسع وتنفذ بنجاح مشروع تعاون فضائي في بلد أجنبي لأول مرة.
تستثمر الصين في بناء مواقع إطلاق جديدة وشهدت دخول كل من الشركات المملوكة للدولة والقطاع الخاص إلى صناعة الأقمار الصناعية. وتمتلك بكين حاليًا أكثر من 700 قمر صناعي يعمل في المدار، ويستخدم الجيش نصفها تقريبًا لمراقبة القوات الأمريكية على مستوى العالم.
تحتل مصر المرتبة الثالثة بين أكبر متلقي للمساعدات العسكرية الأمريكية على مستوى العالم، متخلفة عن أوكرانيا وإسرائيل فقط. وفي الوقت نفسه، برزت مصر بوصفها متعاونًا شرق أوسطي مهمًا في مبادرة الحزام والطريق الصينية وجذبت استثمارات صينية كبيرة في السنوات الأخيرة.
هناك أكثر من 1500 مؤسسة صينية تعمل في مصر، وتركز على قطاعات مختلفة مثل تكنولوجيا المعلومات وتوفير الكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل. وأقامت الصين ومصر شراكة شاملة، يبلغ إجمالي حافظة التعاون فيها حوالي 1.7 مليار دولار.
التشابكات الجيوسياسية
وأضاف الكاتب أن دولًا مثل باكستان ومصر تميلان إلى زيادة الاعتماد على الصين في بنيتها التحتية الرقمية، وقد تكون مهيأة لدمج الإنترنت عبر الأقمار الصناعية الصينية في شبكاتها. وهذا يجعل دمج النطاق العريض للمدار الأرضي المنخفض الصيني في أنظمة شبكاتهم الحالية نتيجة محتملة. وذلك لأن بنيتهم التحتية الرقمية تعتمد بالفعل بشكل كبير على الأصول الصينية، بما في ذلك الكابلات البحرية وخطوط الألياف الضوئية وشبكات الجيل الخامس والمحطات الأرضية عبر الأقمار الصناعية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن النفوذ الاقتصادي القوي للصين في مختلف الاقتصادات يمنح بكين القدرة على مواجهة تبني الخدمات الأمريكية.
وافادت تقارير أن الصين تخطط لتطوير شبكة أقمار صناعية واسعة في مدار قريب من الأرض، بهدف توفير خدمات الإنترنت العالمية ومنافسة المستثمرين الأمريكيين في هذا الشأن مثل مشروع ستارلينك الذي أطلقه إلون ماسك.
ووفقًا للكاتب، يذكر الخبراء أن «استراتيجية الصين هي التركيز على الدول الناشئة، التي تواجه قيودًا في التمويل»، و «تستهدف البلدان التي ليس لديها أي أقمار صناعية في المدار». وتعتبر الأقمار الصناعية الصينية جذابة للبلدان النامية نظرًا لقدرتها على تحمل التكاليف بينما تقدم الصين مساعدة مالية لصفقات الأقمار الصناعية، إلى جانب فوائد إضافية مثل نقل التكنولوجيا والتدريب.
وتركز بكين أيضًا على ممر معلومات الحزام والطريق الفضائي، والذي يمكّن البلدان المشاركة من الوصول إلى قدرات الإطلاق عبر الأقمار الصناعية والفضاء، وتعزيز إدارة مواردها، والتنبؤ بالطقس، والاستجابة للكوارث، والاتصال بالإنترنت، وتقليل الاعتماد على الأقمار الصناعية الأمريكية. وبالتالي، تزويد الصين بالعلاقات الجيدة والنفوذ والوصول إلى مرافق وقدرات الشركاء.
حاليًا، تهتم بكين ببناء شبكات أقمار صناعية للاستشعار عن بعد في القارة الأفريقية تسمح للصين بدعم التكامل اللوجستي للدول الشريكة في الحزام والطريق.
ولعبت الصين دورًا حاسمًا في إطلاق أول قمرين صناعيين للاتصالات في نيجيريا في عامي 2007 و 2011، على التوالي. بالإضافة إلى ذلك، كانت بكين مسؤولة عن نشر قمر الاتصالات الجزائري الأول في عام 2017. وفي عام 2018، أصبحت تونس أول موقع خارج الصين يستضيف محطة استقبال أرضية لنظام بيدو للملاحة عبر الأقمار الصناعية، وفقًا لمحللين. علاوة على ذلك، ساعدت الصين إثيوبيا والسودان في إطلاق أول أقمارهما الصناعية على الإطلاق في عام 2019.
ومن خلال التعاون والشراكات المستمرة، تواصل الصين بسط نفوذها في مجال استكشاف الفضاء وتكنولوجيا الأقمار الصناعية في جميع أنحاء العالم. وتتوافق تزويد الصين الأقمار الصناعية لمصر مع طموح الصين الأوسع لتوسيع وجودها ونفوذها في مجال الفضاء والخدمات القائمة على الأقمار الصناعية، مع دعم مبادرة الحزام والطريق وتعزيز مصالحها الاستراتيجية في أفريقيا وبالتالي إعداد بكين لتشكيل المشهد العالمي للاتصالات والاتصال عبر الأقمار الصناعية. ويعكس حضورها المتزايد في صناعة الأقمار الصناعية أيضًا تركيز الصين الاستراتيجي على البلدان الناشئة التي تتمتع بنفوذ محدود للتفاوض أو التحكم في اتجاه المشاريع.